السبت، 20 سبتمبر 2014

الكشف عن خارطة «مغاور» الخاطفين في الرهوة وميرا

بينما الفتنة تسنّ رأس حربتها المذهبية والطائفية وتتحيّن الفرص لتوجيه طعناتها السامة في جسد الوطن، تتكاتف الجهود رسمياً وحزبياً وأهلياً لتجنيب الساحة الداخلية الانزلاق مجدداً في أتون مستعر بنيران الاقتتال المذهبي والخطف على الهوية يجهد خاطفو العسكريين لجرّ اللبنانيين إليه، في وقت بدا «حزب الله» أمس كمن يسعى لصبّ الزيت على هذه النيران من خلال تحريضه علناً أهالي العسكريين على «الثأر» وفق ما جاء على لسان رئيس الهيئة الشرعية للحزب الشيخ محمد يزبك من منزل عائلة الشهيد محمد حمية في طاريا. أما على المستوى المسؤول رسمياً ووطنياً، وفي حين أكد رئيس الحكومة تمام سلام التعبئة العسكرية والأمنية في مواجهة الإرهاب رداً على استمرار مسلسل تصفية الأسرى، فقد استحصلت «المستقبل» على معلومات أمنية دقيقة تكشف عن خارطة تموضع خاطفي العسكريين في جرود عرسال والقلمون حيث يأسر مسلحو «داعش» و«النصرة» العسكريين في مغاور ضخمة في كل من «وادي الرهوة» و«وادي ميرا».

خطف مناطقي

إذاً، ما هي إلا ساعات على ضخ «حزب الله» أجواء مشحونة تحضّ على «الثأر لشهدائنا» كما قال يزبك، حتى انطلقت مساءً موجة من الخطف العشائري العشوائي في البقاع الشمالي طالت عدداً من أبناء عرسال وامتدت إلى بيروت حيث اختُطف المواطن عبدالله محمد البريدي من منطقة الأوزاعي. إلا أنّه، وبينما أعلنت وسائل إعلامية تبني بعض أهالي العسكريين عمليات الخطف لمبادلتهم بأبنائهم، تسارعت الاتصالات لوأد الفتنة على أكثر من خط أمني وحزبي لا سيما مع «حركة أمل» التي أكدت لمراجعيها أنها ضد أعمال الخطف وترفع الغطاء عن مرتكبيها، وسرعان ما نجحت هذه الاتصالات في تأمين إطلاق شخصين من آل فليطي كانا خطفا على طريق البقاع في حين لا تزال المساعي جارية للإفراج عن مخطوفين آخرين من آل الحجيري. وذلك بالتزامن مع إعلان قيادة الجيش تسلّم مديرية المخابرات المواطن البريدي الذي خُطف في الأوزاعي.

مغاور الخاطفين

بالعودة إلى جغرافية تموضع المجموعات الإرهابية في المنطقة الجردية المتداخلة مع الأراضي السورية، وفي حين تمثل جرود عرسال الشاسعة نسبة 5% من مساحة لبنان وسط طبيعة تتميز بجبالها وأوديتها الوعرة، فإنّ المسح الأمني للمنطقة يبيّن أنّها مليئة بالمغاور الطبيعية التي يصل عمق بعضها إلى نحو 70 متراً بارتفاع 7 أمتار.

وتفيد المعطيات الأمنية التي استحصلت عليها «المستقبل» بأنّ المجموعات الإرهابية تتحصّن في هذه المغاور حيث عمد المسلحون إلى تقسيمها لعنابر مستخدمين في ذلك حجارة الخفّان، كما تكشف معلومات مستقاة من شهادات عدد من العسكريين المحرّرين أنّ هذه العنابر مزوّدة بأجهزة تدفئة وإنارة. 

وإذ لا يُستبعد أن يكون المسلحون قد جهّزوا بعض هذه المغاور الجردية بصحون لاقطة لبثّ الأقمار الاصطناعية، تتكشف بحسب المعطيات الأمنية معلومات تشير إلى أنّ العسكريين المخطوفين لدى تنظيم «داعش» موجودون في إحدى مغاور «وادي الرهوة» في جرود عرسال، بينما المخطوفون لدى «جبهة النصرة» من المرجح أنهم باتوا في «وادي ميرا» في جرود القلمون السورية المتصلة جغرافياً بجرود عرسال، لا سيما وأنّ هذه المنطقة الجردية تتداخل لبنانياً وسورياً في ظل عدم ترسيم الحدود في تلك المنطقة بين البلدين.

المعطيات الأمنية تشير كذلك إلى أنّ المجموعات الإرهابية استولت على عدد كبير من البيوت الزراعية الممتدة على مساحة واسعة من المنطقة الجردية، وتتخذ منها مقار لتمركز مسلحيها مع استفادتهم من الزراعة البعلية في الجرود حيث يعمدون إلى قطع أشجار الكرز المنتشرة بكثافة هناك بغرض استخدام خشبها وقوداً للتدفئة لا سيما مع اقتراب فصل الشتاء.

تفجير انتحاري

وليلاً، دوّى انفجار في المنطقة الحدودية بين بلدتي الخريبة وحام تبيّن أنه ناجم عن هجوم انتحاري بسيارة مفخخة من نوع «رانج روفر» استهدف حاجزاً لـ«حزب الله» في المنطقة. وفي ظل تكتم ميداني وتضارب إعلامي حول حصيلة الشهداء، لا سيما وأنّ الحزب سارع إلى تعميم عدم وقوع ضحايا له بالانفجار عبر قناة «المنار»، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مصدر أمني لبناني تأكيده وقوع عدد من الشهداء والجرحى جراء الهجوم، بينما أوضحت الوكالة الوطنية للإعلام أنّه أسفر عن سقوط ثلاثة شهداء كحصيلة أولية.

اجتماع أمني

وكان رئيس الحكومة قد ترأس اجتماعاً أمنياً بعد ظهر أمس حضره وزيرا الدفاع والداخلية والقيادات العسكرية والأمنية، واستعرض الأوضاع في عرسال والعمليات العسكرية في جرودها بالإضافة إلى المستجدات الأليمة في ضوء استشهاد العسكريين علي الخراط ومحمد ضاهر ومحمد حمية على يد القوى الإرهابية التكفيرية، وسط تأكيد سلام أنّ «الحكومة تقف صفاً واحداً وراء قواها العسكرية والأمنية في معركة مفتوحة على كل الخيارات ومنع أي التباس حول هذه المواجهة العسكرية تحت وطأة التهديدات وتنفيذها التي عرقلت جهود التفاوض». وكان تشديد خلال الاجتماع على «ضرورة متابعة المواجهة ورفض الابتزاز والمساومة على بطولات الجيش وكرامة الوطن».

مصادر المجتمعين أكدت لـ«المستقبل» أنّ «المواجهة مع القوى الإرهابية ستكون بالتوازي مع استمرار المفاوضات عبر الوسيط القطري مع الجهات الخاطفة»، وأوضحت في الوقت عينه أنّ المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم لم يوضح خلال الاجتماع الأمني أسباب عدم مجيء موفد قطر إلى بيروت كما كان مفترضاً أمس الأول، لافتةً الانتباه في هذا السياق إلى أنّ ابراهيم لا يخوض في أية تفاصيل متصلة بعملية المفاوضات الجارية إلا ضمن إطار الحلقة الرسمية المعنيّة مباشرة بمتابعة هذا الملف والتي تضم الرئيس سلام ووزير الداخلية نهاد المشنوق.

ريفي

من جهته، أكد وزير العدل أشرف ريفي لـ«المستقبل» أنّ الاجتماع الأمني أمس أتى في إطار مواكبة الأحداث الأمنية الجارية واتخاذ إجراءات مناسبة حيالها»، وإذ آثر عدم الإفصاح عن طبيعة هذه الإجراءات، اكتفى ريفي بالإشارة إلى أنها تُعنى «بمواجهة تداعيات ملف العسكريين المخطوفين»، مع تشديده في الوقت ذاته على أنّ «المطلوب من كافة القوى السياسية المساهمة في التخفيف من حدة الاحتقان في البلد، والعمل باتجاه وقف ردات الفعل التي تحصل هنا أو هناك، كل ضمن بيئته السياسية والمناطقية».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق