دفع الجيش اللبناني، مرّة جديدة أمس، ضريبة المواجهة المستمرّة مع الإرهاب، ستّة جنود انضمّوا إلى قافلة شهداء المؤسّسة العسكرية، في كمين غادر استهدف دورية «مراقبة» للجيش في جرود رأس بعلبك، سرعان ما استقدم تعزيزات إضافية وخاض معارك ضارية مع المسلحين، وأحكم الطوق عليهم بالنار لمنعهم من الهرب من المنطقة. فيما أطلقت «جبهة النصرة» تهديدات للحكومة اللبنانية، متوعّدة بـ«عدم الاكتفاء بقتل كل العسكريين (المحتجزين) انتقاماً».
وأعلنت قيادة الجيش أنّ اشتباكاً حصل بعد الكمين «بين عناصر الدورية والمجموعة الإرهابية، نتج عنه استشهاد ستّة عسكريين وإصابة عسكري بجروح غير خطرة. وعلى أثر ذلك استقدم الجيش تعزيزات إضافية إلى المنطقة واتخذت الوحدات العسكرية الاجراءات الأمنية المناسبة».
كمين الغدر أمس جاء بعد 24 ساعة فقط من إعلان تقديم بريطانيا «أبراج مراقبة» لضبط المعابر عند الحدود اللبنانية مع سوريا، وأنّ ذلك منع زحف تنظيم «داعش» إلى بقاع لبنان. وكانت صحيفة «تلغراف» قد نقلت عن السفير البريطاني في بيروت طوم فلتشر أنّ هذه الأبراج «منعت حدوث مجزرة في رأس بعلبك كان من شأنها في حال وقوعها أن تؤدّي إلى زعزعة كارثية لاستقرار البلد». ونقل عن تنظيم «داعش» ليلاً أنّه كان «يستهدف المركز البريطاني للمراقبة على الحدود واضطرّ لقتال الجيش اللبناني الذي منع وصوله».
واستمرت المعارك طيلة ليل أمس، حيث استخدم الجيش سلاح الطيران والقنابل المضيئة لرصد المسلحين وقصف مواقعهم ومنعهم من الفرار.
وربطت مصادر متابعة ما حصل أمس بالعملية النوعية التي نفّذتها مديرية المخابرات في الجيش اللبناني قبل أيام باعتقال زوجة زعيم تنظيم «داعش» أبو بكر البغدادي سجى الدليمي التي كانت خرجت من أحد السجون السورية في اطار صفقة إطلاق راهبات معلولا. واقتيدت الدليمي، وهي سورية، ومعها ابنها عمر (10 سنوات) إلى مقرّ وزارة الدفاع في اليرزة حيث تتواصل التحقيقات معها.
كما أُفيد أمس أنّ مخابرات الجيش أوقفت في زغرتا زوجة المسؤول في «جبهة النصرة» أنس شركس المعروف بـ»أبو علي الشيشاني»، مع شقيقها راكان، كما تردّد أنّ لأنس علاقة بملف العسكريين المخطوفين.
قصة الدليمي
وروت مصادر أمنية رفيعة لـ»المستقبل» أنّ الدليمي كانت أُطلقت من أحد السجون السورية في ربع الساعة الأخير من صفقة الإفراج عن راهبات معلولا، عندما ورد اتصال للمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم لدى انتقاله إلى الحدود السورية لتسلّم الراهبات، من الموفد القطري أحمد الخطيب (الذي يتولى حالياً التفاوض بشأن الأسرى العسكريين)، يطلب فيه الإفراج عن أربعة سجناء جدد من سجون النظام بينهم سجينة «لا تنجز الصفقة من دون الإفراج عنها هي سجى الدليمي».
واضطرّ اللواء ابراهيم إلى استئناف التفاوض مع ممثّلي النظام السوري لإتمام الصفقة التي تأخّر إنجازها لمدة ساعتين، من دون أن يعرف مَن تكون الدليمي المطلوبة. ولمّا وافق الجانب السوري وحضرت الدليمي وولداها مع الراهبات، سألها ابراهيم حسب المصادر عمّا إذا كانت تعرف بلدة عرسال التي ستُنقل إليها، فأجابت «لا»، ولدى سؤالها عمَن تعرف هناك قالت «شقيقي»، لكن ابراهيم وخوفاً من تعرّض سجى وهي امرأة في مقتبل العمر لأي مكروه، أرسل ولديها مع الموفد القطري إلى الجرود حيث يقطن شقيقها للتأكد من صحّة قرابته لها، فأبلغه الموفد أنّ الولدين نادياه بصفة «الخال»، عندها وافق ابراهيم على تسليمها، قبل أن يعلم في وقت لاحق أنّها زوجة البغدادي. مع العلم أنّ مصادر أخرى تشير إلى أنّ الدليمي هي طليقة أبو بكر وأنّ زوجها الجديد هو «أبو عزام الكويتي».
نعي القيادة
وليلاً، نعت قيادة الجيش العسكريين الشهداء، وأوردت النبذة التالية عن حياة كل منهم: «الرقيب الشهيد علي سعدو يزبك من مواليد 15/4/1981 شمسطار - قضاء بعلبك، تطوع في الجيش بتاريخ 19/4/2001، حائز عدة أوسمة، وتنويه العماد قائد الجيش وتهنئته، الوضع العائلي: متأهل وله ولد، يرقى إلى الرتبة الأعلى بعد الاستشهاد.
الجندي الشهيد مشهد عباس شرف الدين: من مواليد 12/4/1988 المعلقة - قضاء زحلة، تطوع في الجيش بتاريخ 27/2/2012، حائز عدة أوسمة، وتنويه العماد قائد الجيش وتهنئته، الوضع العائلي: متأهل وله ولد، يرقى إلى الرتبة الأعلى بعد الاستشهاد.
الجندي الشهيد محمد علي سليمان: من مواليد 1/10/1989 حنيدر - قضاء عكار، تطوع في الجيش بتاريخ 13/9/2014، حائز عدة أوسمة، وتنويه العماد قائد الجيش، الوضع العائلي: عازب، يرقى إلى الرتبة الأعلى بعد الاستشهاد.
المجند الشهيد محمد حسين سليم: من مواليد 26/9/1992 بوداي - قضاء بعلبك، مددت خدماته في الجيش اعتبارا من 19/11/2012، حائز عدة أوسمة، وتنويه العماد قائد الجيش، الوضع العائلي: عازب، يرقى إلى الرتبة الأعلى بعد الاستشهاد.
المجند الشهيد ربيع حسين هدى: من مواليد 28/9/1994 عيات - قضاء عكار، مددت خدماته في الجيش اعتبارا من 15/7/2014، حائز عدة أوسمة، وتنويه العماد قائد الجيش، الوضع العائلي: عازب، يرقى إلى الرتبة الأعلى بعد الاستشهاد.
المجند الشهيد علي أحمد محمد: من مواليد 7/12/1994 حبشيت - قضاء عكار، مددت خدماته في الجيش اعتباراً من 1/7/2014، حائز عدة أوسمة، وتنويه العماد قائد الجيش، الوضع العائلي: عازب، يرقى إلى الرتبة الأعلى بعد الاستشهاد.
ملف المخطوفين
في الغضون، ووسط مخاوف محلية من انعكاس حادثة رأس بعلبك أمس على وتيرة المفاوضات المتعلقة بالعسكريين المخطوفين، وخصوصاً مع إعلان «جبهة النصرة» ليلاً أنّها «لن تكتفي بإعدام الجندي محمد حمية أو قتل كل العسكريين انتقاماً لكل عرض انتهك أو طفل ذُبح أو شُرِّد»، معتبرة في بيان نقلته وكالة الأناضول أنّ الحكومة اللبنانية «أظهرت اليوم (أمس) ضعفها باعتقال النساء والأطفال وأنّها حليفة لحزب الله عندما اعتقلت نساء أهل السنّة». وأضافت ان «العسكريين اللبنانيين لدينا أسرى حرب». أكدت مصادر أمنية مطلعة لـ»المستقبل» أنّ اللواء ابراهيم سيتوجّه إلى دمشق اليوم أو غداً لمتابعة هذا الملف بعد زيارة «ناجحة» قام بها منذ أسبوعين. أضافت انّ ابراهيم يواصل اتصالاته مع الموفد القطري الذي يُفترَض وصوله إلى بيروت اليوم أو غداً، فيما قام الجانب اللبناني باختبار خلال المفاوضات مع المسلحين في اليومين الماضيين يقضي بتسليم 4 أو 5 سجناء من «روميه» مقابل عسكري لبناني.
ومن بلجيكا أكد رئيس مجلس الوزراء تمام سلام أنّ لبنان «لن يخضع للابتزاز في قضية العسكريين، وأنّ الحكومة تنطلق في المفاوضات من قواعد وأصول ولن نتخلّى عن قواعدنا لنصبح رهينة للآخرين». وقال إنّ «أرواح أبطالنا أمانة ولكن لن نخضع للابتزاز.. نحن حريصون على حياة 26 مخطوفاً ولكننا حريصون في الوقت نفسه على حياة 4 ملايين لبناني وأرواحهم».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق