المصدر: خاص- "النهار"
موناليزا فريحة
غرّد الروسي فاليولين روشان الثلثاء على "تويتر" قائلا: "وجدت عملا ب750 دولارا قبل ثلاثة أشهر، وأنا الان أجني 350 دولارا... #الازمة أزمتنا".
طوال أشهر كان " # القرم لنا" الهاشتاغ الاكثر شعبية بين الروس. فالمغامرة الخارجية التي أطلقها الرئيس القوي الروسي فلاديمير بوتين في آذار الماضي ساهمت في رفع التأييد الداخلي له الى نسبة قياسية تجاوزت 80 في المئة، ودفعت الروس الى رصّ الصفوف وراءه بمواجهة التهديدات الخارجية. وللسنة الخامسة عشرة على التوالي، سمي بوتين "رجل العام" في استطلاع لـ"مؤسسة الرأي العام" أجري في السابع من كانون الاول على عينة من 1500 شخص يتحدرون من 43 مننطقة في روسيا.
هذا كان قبل "الثلثاء الاسود".فمنذ يومين ،صار لـ"#القرم لنا "منافس جدي، ودخل هاشتاغ "# الازمة أزمتنا " بقوة وسائل التواصل الاجتماعي، وفقاً لـ"توبسي"، وهي أداة تحليل وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك على خلفية التراجع القوي لقيمة الروبل والهبوط الحاد الذي سجله الثلثاء.فكيف سيتعامل القيصر مع الازمة؟ وهل تهز الازمة سلطته؟
التذمر الذي يعبر عنه روس في تغريداتهم يعكس استياء عميقا من التدهور السريع والقياسي للوضع الاقتصادي في البلاد. أسعار المواد الغذائية زادت بين 20 و25 في المئة منذ مطلع هذه السنة، وترجع التوقعات الاقتصادية أن ترتفع 15 في المئة اضافية في الربع الاول من 2015. فعلى رغم الحظر الذي فرضته موسكو منذ آب على بعض السلع المستوردة ردا على عقوبات غربية، لا تزال حصة المواد المستوردة كبيرة في السوق الروسية.
وفي مشاهد أعادت الى الاذهان ما حصل ابان أزمة 1998، تحدثت وكالات الانباء العالمية أمس عن تدفق المستهلكين الروس الى المتاجر لشراء السلع الباهظة خصوصاً، الالكترونيات والسيارات والاجهزة المنزلية، خوفاً من ارتفاع اضافي لأسعار هذه بضائع المستوردة، نتيجة التراجع المستمر لقيمة الروبل.كذلك، سحب كثيرون ما يدخرون من الروبل من أجهزة الصراف الآلي وأبدلوها بالدولار أو الاورو.
ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مديرة فرع موسكو لمصرف "سيبربنك" الروسي كاميلا اسمالوفا إن الطلب على الاورو والدولار صار ضخما وغير متخيل، فهناك أكوام ضخمة من النقد..هذا جنون".
مطلع تشرين الاول ، بدا بوتين واثقاً من قوة الاقتصاد الروسي، وقلل في كلمة القاها في موسكو من شأن العقوبات الغربية التي فرضت على بلاده بسبب غزوها القرم واتهامها بالتدخل في شرق أوكرانيا. في حينه وصف الاجراءات الاميركية والاوروبية ضد موسكو بأنها "محض سخافة" وقال إنها ستلحق ضررا بالشركات الغربية.
لم يمر شهران على هذا الكلام حتى سجلت العملة الروسية تراجعاً قياسياً، وسارع المصرف المركزي الى اتخاذ اجراءات طارئة لدرء انهيار اقتصادي ، فيما يبدو الركود شبه محسوم. ولن يكون بوتين الذي يطل اليوم في مؤتمره الصحافي السنوي قادراً على الاستمرار في المكابرة، وتكثر التكهنات بأن أحداً ما سيدفع ثمن الازمة الاقتصادية المتفاقمة. وأظهر استطلاع أجرته صحيفة "موسكو تايمس" أن رد الفعل سيقتصر على "كبش محرقة"، بدل اعتماد تغيير استراتيجي ضروري لانقاذ الاقتصاد. وإذ توقع خبراء أن يوجه بوتين اتهامات الى أميركا والمعارضة الروسية بالمسؤولية عن الازمة، لم يستبعد آخرون في أن يضحي برئيس الوزراء دميتري ميدفيديف أو حاكمة المصرف المركزي الفيرا نابيولينا.
تزيد الازمة المالية بالنسبة الى بوتين أخطار خسارته ركنين أساسيين تستند اليهما شعبيته، وهما الازدهار والاستقرار المالي، في وقت يواجه أزمة قوية في علاقاته مع الغرب على خلفية الحرب في أوكرانيا.فقد اكتسب الرئيس الروسي شعبيته على ارتفاع أسعار النفط في السنوات التي تلت وصوله الى السلطة، ويمثل الاضطراب المالي والاقتصادي الراهن اختباراً حقيقياً لسلطته.
وتنقل صحيفة "بوليتيكو" عن المسؤول الكبير في المصرف الروسي المركزي سيرغي شفيتسوف:" لم يكن ممكناً أن نتصور ما يحصل في أسوأ كوابيسنا حتى قبل سنة".
أسباب الازمة
تختلف التقديرات لأسباب المأزق المالي الذي وصلت اليه روسيا. العقوبات الغربية وتراجع أٍسعار النفط يبدوان العاملين الاساسيين في الازمة .غير أن الفساد المستشري داخل السلطة وسوء الادارة الاقتصادية في البلاد زادا هشاشة اقتصاد يراكم منذ فترة عناصر الضعف.
يقول السفير الاميركي السابق مايكل ماكفول :"من الصعب فصل تأثير العقوبات عن القصة الكبيرة.من الواضح أن تراجع أسعار النفط هي الدافع الرئيسي للأزمة...ومع ذلك، لا شك في أن العقوبات زادت الشكوك في الاقتصاد الروسي. حتى وزير التنمية الاقتصادية الروسي أقر بأن الروبل يتراجع أسرع من تقديرات المؤشرات الماكرواقتصادية".
ويعتمد الاقتصاد الروسي خصوصاً على عائدات النفط، ولطالما وجهت الانتقادات الى حكومات بوتين بالاخفاق في تنويع اقتصاد البلاد.ومع تراجع أسعار النفط بمعدل الثلث منذ مطلع السنة، بدا الاقتصاد الروسي ضحية سهلة.
لا شك في أن الاميركيين راضون عن المحنة التي يعانيها بوتين، ويتحيّنون الفرصة لاعلان تسجيلهم نقاطاً في ملعبه، الا أن المسؤولين الاميركيين يبدون في العلن حذرا حيال دور العقوبات الغربية في الازمة المالية الاخيرة.
وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الاميركية جنيفر بساكي الثلثاء أن "الامر أكثر تعقيدا ويشمل أسعار النفط وسوء الادارة الاقتصادية في البلاد".
أيا كان سببها، النفط أم عقوبات أوباما أو غيرهما، الاكيد أن روسيا ومعها بوتين في أزمة.الا أن أكثر المحليين لشؤون روسيا يشككون في أن تغيّر أية محنة اقتصادية سلوك الرئيس الروسي في المستقبل القريب.وهناك من يقول إن بوتين مع اقتصاد روسي ضعيف يصير أكثر خطراً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق