ناجي س. البستاني - خاص النشرة
إذا كان من الطبيعي أن لا يُؤيّد "تيار المردة" مواقف حزبي "القوّات اللبنانيّة" و"الكتائب اللبنانيّة" لأنّهم على طرفي نقيض على مُستوى التموضع السياسي منذ العام 1978 حتّى اليوم، فقد كان لافتاً أن يتميّز موقف "تيّار المردة" مرّة جديدة عن موقف "التيّار الوطني الحُرّ" بالنسبة إلى الجلسة التشريعيّة المُرتقبة يومي الخميس والجمعة المُقبلين. ففي الوقت الذي يعقد كلّ من "التيّار" و"القوّات" إجتماعات مفتوحة لتنسيق الموقف من الجلسة، حُضوراً أو مُقاطعة، سارع "تيّار المردة" ومن دون تردّد إلى إعلان مُشاركته في الجلسة، تماماً كما "حزب الكتائب" الذي أعلن سريعاً مُقاطعته لها. وبذلك سجّل النائب سليمان فرنجيّة خُروجاً عن الإجماع الحزبي المسيحي، وسجّل تمايزاً عن حليفه المُفترض ضمن "تكتّل التغيير والإصلاح"، أي "التيّار العوني"، بعد أن كان أيضاً رفض في السابق مُجاراة العماد ميشال عون في موقفه الرافض للتمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي وقبل ذلك من التمديد لمجلس النوّاب وغيرها من المواضيع. فما هي الأسباب والخلفيّات؟
أوّلاً: إنّ النائب فرنجيّة ومنذ إنشاء "تكتّل التغيير والإصلاح" رفض أن يكون عُضواً إضافياً يُنفّذ سياسة "الجنرال"، وأعلن صراحة أكثر من مرّة أنّه يُريد المُشاركة في إتخاذ القرارات، الأمر الذي أسفر عن تشنّج مُزمن مع العماد عون، ولو أنّ التحالف بقي قائماً بينهما بفعل التموضع السياسي الإستراتيجي العام للطرفين.
ثانياً: يرفض "تيّار المردّة" إعتبار أيّ جلسة يُقاطعها عدد من الجهات الحزبيّة المسيحيّة غير ميثاقيّة، لأنّه يعتبر أنّ "المردة" كان ولا يزال من أبرز المُدافعين عن حُقوق المسيحيّين، وحُضوره إلى جانب مجموعة واسعة من النوّاب المسيحيّين المُستقلّين يُؤمّن التوازن.
ثالثاً: يَعتبر "تيّار المردة" أنّ الإصرار على إدراج بند الإنتخابات النيابيّة، من دون إتفاق المسيحيّين مُسبقاً على قانون واحد، غير مُبرّر وعديم الفائدة، ويستغرب أن تنطلق الأحزاب المسيحيّة من هذه الحجّة لمقاطعة الجلسة، لأنّ برأيه إنّ الإتفاق في هذه المرحلة على إنتخاب رئيس للجمهورية هو أسهل من الإتفاق على قانون إنتخابي جديد. حتى أنّ نظرة "تيار المردة" غير مُتحمّسة إزاء بند إستعادة الجنسيّة لمُستحقّيها، بحجّة أنّه غير واثق أنّ هذا المشروع-القانون سيصبّ في النهاية في صالح المسيحيّين، باعتبار أنّه يُمكن أن تستفيد منه جهات أخرى تتطلّع لنيل الجنسيّة اللبنانيّة أيضاً.
رابعاً: إنّ "تيّار المردة" هو حليف قوي لقوى "8 آذار" التي ستُشارك بأغلبيّتها في الجلسة التشريعيّة، وهو لا يخرج عادة عن أيّ رأي يتبنّاه "حزب الله". وعلاقة النائب فرنجيّة مع رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي هي علاقة تحالف متين مُزمن، وهو ليس كالعماد عون "حليف الحليف"، وبالتالي لا يتردّد النائب فرنجيّة في دعم أيّ قرار لقوى "8 آذار" و"حزب الله" بطبيعة الحال، ولبرّي بشكل خاص.
خامساً: إنّ النائب فرنجيّة براغماتيّ وهو طوال فترة الوصاية السياسيّة السوريّة على لبنان بين العامين 1990 و2005، والتي تسلّم فيها مناصب وزاريّة عدّة، أبرزها وزارتا الداخلية والصحّة، شارك بالتركيبة اللبنانيّة الحاكمة والتي تقاسمت المناصب والمغانم، من دون التسبّب بمشاكل كبيرة إلا عند إبعاده عن إحدى الوزارات الخدماتيّة من دون منحه وزارة خدماتية مُوازية. وهو بالتالي لا يزال مُستمرّاً حتى اليوم بهذه السياسة البراغماتية حيث أنّه على إستعداد لتقاسم السلطة من دون رفع سقف المطالب كثيراً كما يفعل العماد ميشال عون مثلاً.
سادساً: إنّ النائب فرنجيّة، الذي كان أعلن في أكثر من مُقابلة صحافية في عهد الإحتلال السوري أنّه سيكون رئيساً للبنان بعد إنتهاء ولاية الرئيس الأسبق العماد إميل لحّود، قبل أن تُطيح التطوّرات الداخليّة إعتباراً من العام 2005 بهذا "الوعد"، لا يزال يعيش حلم الرئاسة، وهو يُواصل بناء علاقات جيّدة مع مُختلف القوى السياسيّة اللبنانية التي يُمكن أن تقوده إلى موقع الرئاسة عندما تُصبح الفرصة سانحة، ولذلك لا يتبنّى أيّ سياسة مُقاطعة أو تحدٍّ يُمكن أن تُعرّض علاقاته مع هذه القوى للإهتزاز أو للتشنّج.
في الختام، لا بُدّ من التذكير أنّ الرئيس الراحل سليمان فرنجية الجدّ كان رفض في مؤتمري جنيف ولوزان في العام 1984(1)، أيّ تنازل عن سُلطات رئيس الجمهورية الماروني، على الرغم من أنّه كان في المقلب الآخر للقوى السياسية ضمن ما كان يُعرف آنذاك بإسم "المنطقة الشرقيّة"، بينما يبدو أنّ حفيده الذي يحمل إسمه، يتجه إلى الخروج عن الإجماع الحزبي المسيحي، إن بالنسبة إلى رفض التشريع في ظلّ غياب رئيس، أو بالنسبة إلى رفض المُشاركة في جلسة "تشريع الضرورة" من دون إقرار بندين أساسيّن من وجهة نظر أكبر جهتين حزبيّتين مسيحيّتين. وقد يكون السبب أنّ النائب فرنجيّة مُقتنع أنّ شعار "وحياة يلّي راحوا ما بترجعوا" الذي رفعه "تيّار المُستقبل" في العام 2005 قد سقط نهائياً، وأنّ عودته القويّة إلى الحياة السياسيّة ستُثمر قريباً تبوُّءاً لأعلى منصب في البلاد، وما عليه سوى تعبيد الطريق أمام ذلك مع القوى السياسيّة النافذة داخلياً وإقليمياً.
(1) تمّ خلال الحرب اللبنانيّة عقد مؤتمر في جنيف بين 13 تشرين الأوّل و4 تشرين الثاني 1983، ثم مؤتمر ثان في لوزان بين 12 و20 آذار 1984، أجبرت خلالهما القوى في "المنطقة الشرقيّة" على تقديم سلسلة من التنازلات، لكن مُحاولة سحب بعض السُلطات من يد الرئيس المسيحي فشلت بمساعدة من الرئيس الراحل سليمان فرنجيّة على الرغم من أنّه كان في التموضع السياسي المُقابل، وقد دفع بعد ذلك "تيّار المردة" ضريبة ذلك عبر خسارة الكثير من مناطق نُفوذه في الشمال خلال هجمات عسكريّة شنّها "الحزب القومي السوري" على مراكز "المردة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق