تتأهب بلدة صدد المسيحية في ريف محافظة حمص الشرقي، وسط سوريا، للدفاع عن أرضها مع زحف تنظيم "الدولة الإسلامية" نحوها. وسيطر التنظيم على بلدة مهين المجاورة مطلع نوفمبر/تشرين الثاني. وغابت الأفراح المصاحبة لاستعدادات عيد الميلاد في البلدة بسبب تهديد الجهاديين.
أعد يوسف حقائبه استعدادا للفرار خشية من هجوم قد يشنه تنظيم "الدولة الإسلامية" على بلدته صدد ذات الغالبية المسيحية في وسط سوريا والتي تغيب عنها أجواء الاحتفالات بالأعياد هذا العام.
ويقول يوسف (65 عاما)، وهو موظف متقاعد يقيم وحيدا في منزله بعدما أرسل عائلته إلى قرية مجاورة أكثر أمانا لوكالة الأنباء الفرنسية، "لم أضع شجرة الميلاد في منزلي منذ أربعة أعوام لأن الوضع لا يسمح ولا أجد للفرح مكانا في بيتي".
ويضيف بحزن، وهو يرتدي معطفا طويلا بني اللون طويلا، "ارتقى العشرات من الشهداء في هذه البلدة، كيف لي أن أضع الزينة أو أوزّع حلويات العيد؟".
وشكلت صدد في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2013 مسرحا لمعارك بين قوات النظام والفصائل المقاتلة التي تبادلت السيطرة عليها، وقتل المئات من سكانها جراء المواجهات قبل أن تتمكن قوات النظام من استعادتها. ولا تزال آثار تلك المعارك واضحة في الشوارع وجدران المنازل.
ويقول رئيس بلدية صدد سليمان خليل "ما يميز عيد الميلاد هذه السنة هو التهديد المحدق بصدد، والذكريات المريرة التي عادت إلينا حين اجتاحت جبهة النصرة البلدة أواخر العام 2013، ونخشى اليوم تكرار الحادثة مع مقاتلي داعش".
وتمكن تنظيم الدولة الإسلامية في 10 كانون الأول/ديسمبر من استعادة السيطرة على بلد مهين التي تبعد نحو 18 كيلومترا عن صدد، بعد تقدم قوات النظام إليها في 23 تشرين الثاني/نوفمبر بدعم من الطائرات الروسية التي تنفذ ضربات جوية في سوريا منذ 30 أيلول/سبتمبر.
غياب الزينة
وقبل أيام من عيد الميلاد، تبدو مظاهر الاحتفالات خجولة في البلدة التي تكتظ شوارعها بآليات عسكرية وبمقاتلين يتجاوز عددهم عدد المدنيين، يجوبون البلدة ذهابا وإيابا بين الجبهات.
وكان نحو 12 ألف شخص ينتمون إلى طائفتي السريان الأرثوذكس والسريان الكاثوليك يقطنون في هذه البلدة التي يعتز سكانها بأن اسمها ورد في كتاب العهد القديم، قبل أن ينزح عدد كبير منهم إلى مناطق أكثر أمانا.
وتضم البلدة تسع كنائس بالإضافة إلى عدد من الأديرة، وبعضها أثري. لكن ثلاث كنائس فقط تفتح أبوابها بانتظام وهي كنيسة تيواداروس وكنيسة مار سركيس للسريان الأرثوذكس ومار مطانيوس للسريان الكاثوليك.
وفي كنيسة تيواداروس التي تبعد نحو 15 كلم عن أقرب نقطة لتنظيم "الدولة الإسلامية"، يجتمع عدد من أهالي البلدة للمشاركة في قداس الأحد، ويملأون ثلثي المقاعد الخشبية فيها. لكن غالبيتهم الساحقة من النساء والمتقدمين في العمر، وبينهم قلة من الشبان والمقاتلين الذين أخذوا استراحة قصيرة من الجبهات ولا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة.
وتقول شمس عبود (62 سنة) وهي ربّة منزل وأم لمقاتل "سأتحدّى داعش حتى آخر لحظة، كيف لي أن أترك البلدة وابني يدافع عني وعنها على الجبهة؟".
وعلى أحد جدران الكنيسة، رفعت لوحة عملاقة تضم نحو ستين صورة لـ"شهداء بلدة صدد"، معظمهم بلباس مدني وبينهم رجال وشبان وسيدات متقدمات في العمر، ويظهر العلم السوري في خلفية الصور. كما رفعت ست صور أخرى منفردة لشبان بزي عسكري.
ويوضح كاهن الكنيسة مطانيوس ملحم سطوف بعد إنهائه صلاة الأحد باللغة السريانية "غابت الزينة هذه السنة عن البلدة على عكس السنوات السابقة، ومظاهر الفرح شبه غائبة أيضا بعدما نزح حوالى نصف السكان إلى القرى المجاورة بسبب الخوف والقلق بعد اقتراب داعش من صدد".
ويقول الكاهن الذي أمل خلال عظة الأحد بعودة العيد وبهجته إلى المنازل كافة "شبابنا الذين كانوا ينشغلون في مثل هذا الوقت من السنة بتزيين شجرة كبيرة وسط البلدة مشغولون الآن بحماية الجبهات".
في الطرف الآخر من البلدة، ينهمك نحو عشرة شبان في إكمال زينة مجسم شجرة حديدية ضخمة وضعت في حديقة مار ميخائيل، ويستعدون لتنظيم احتفال صغير مخصص للأطفال في ليلة الميلاد.
ويوضح عمار الحي (31 عاما) مسؤول عن كشافة الكنيسة، وهو داخل مغارة لم يكتمل تزيينها بعد، أن "كثيرين من الأهالي لم يزينوا منازلهم بسبب الأحداث، لذلك أحببنا زرع بسمة صغيرة على وجوه الأطفال كي ننسيهم أصوات الرصاص والمدفعية".
هدايا العيد
وأقفلت المدارس أبوابها بعدما تحولت ملجأ لمقاتلين وصلوا إلى البلدة حديثا، قدموا من منطقة حقل الشاعر للغاز والذي تسيطر عليه قوات النظام في ريف حمص الشرقي.
ويقول مطانيوس مواس، وهو رجل سبعيني، باللهجة المحكية "انشالله يجي العيد ويلاقينا"، مضيفا "كل ما أتمناه أن يمرّ هذا العيد على خير". ويوضح أنه بقي في البلدة بعد سماعه أنباء عن وصول تعزيزات عسكرية.
ومن بين المقاتلين الوافدين إلى صدد وعلى دفعات أكثر من 700 عنصر من حزب الله اللبناني، يتحاشون وسائل الإعلام لكنهم يقطنون داخل البلدة.
ويقول رئيس بلدية صدد "فتحنا لهم أكثر من أربعين منزل لإيوائهم"، مضيفا "رغم اختلافنا العقائدي مع حزب الله لكننا نشترك معه بمواجهة عدو واحد هو داعش".
ويتابع بحماس أن وجود مقاتلي "حزب الله على الأرض أضفى الأمان والراحة للسكان والمقاتلين على حد سواء".
ولم يضع مدرس اللغة الفرنسية كفاح عبود (48 سنة) شجرة في منزله منذ أربعة أعوام، لكنه يقول بنبرة واثقة "حين اقترب داعش ابتعد العيد، وحين جاء حزب الله عادت الحياة مجددا". ثم يضيف مبتسما "مقاتلو حزب الله هم هدايا بابا نويل لبلدة صدد".
فرانس24/ أ ف ب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق