العريضة التي قدَّمناها الى معالي وزير الخارجية والمغتربين، جبران باسيل، لاقت استحسانا كبيراً لدى شريحة واسعة من اللبنانيين وخاصة العاملين بالشأن العام. معظم وسائل الاعلام العربية في سدني، المسموعة والمرئية والمقروءة، تعاملت معها بايجابية ونوقشت على نطاق واسع وكان لها وقع جيّد على المغترب العادي الذي لم يسأله أحد عن رأيه. لم تكن اعتراضاً أو انتقاداً بمقدار ما حاولت أن تكون تكملة لمحاور المؤتمر، ومحاولة لتثبيت الاستمرارية، والخروج بمقررات عملية يُعمل على تحقيقها بين مؤتمرَين. على أن يتولى المؤتمر التالي عرضها في جلسة افتتاحية ومناقشة ما تحقق منها وما لم يتحقق والصعوبات المعترضة وكيف نحصِّن ما تحقق.
كان المؤتمر احتفالاً حضارياً بكل معنى الكلمة. ومظاهرة لبنانية راقية في قلب سدني. الافتتاحية كانت رائعة من حيث تناغم الثقافتين اللبنانية والابوريجينية في عناق حميم بين الناي و"الدِيدْجِيري دو". سلَّطَ المؤتمر الضوء على انجازات لبنانية كثيرة في مواقع مختلفة ثم انتقل الى ورش العمل. فناقش محاور كثيرة مثل العلاقات التجارية ومجالات الاستثمار والتربية والتعليم والتبادل الثقافي والصحة والاعلام. ثم خرج بمقررات لا ندري من صاغَها لأن مجال النقاش كان ضيقاً جداً ولم يُفتح المجال للحاضرين للمشاركة الفعلية. حتى النقاش بين المتكلمين كان معدوما واقتصر على أسئلة محددة من مدير الجلسة وأسئلة مقتضبة موجهة الى كل متكلم وأجوبة أكثر اختصاراً بسبب حشر مواضيع كثيرة هامة ومفصلية في وقت قصير جداً.
غطّى المؤتمر محاور كثيرة بشكل سريع. لم يسبقه أي نقاش أو ورشات عمل تحضيرية على صعيد الجالية. فأتت التوصيات فوقيّة إذا جاز التعبير. طبعاً الكثير منها كان في محلّه لأن الكثيرين من المشاركين في صياغتها لهم الخبرة والمكانة في مجالهم. وهناك محاور أخرى غابت عن المؤتمر أهمها:
المحور السياسي: طالبنا في عريضتنا مناقشة هذا المحور في المؤتمر. من انتخاب المغترب وتمثيله وزيادة عدد المقاعد المخصصة وضرورة أن تكون خارج القيد الطائفي الى ضرورة ان يرفع المغترب صوته عالياً مطالباً بمحاربة جديّة للفساد المستشري والرشوة والمحسوبيّة الى ضرورة استلهام النظام السياسي الاسترالي المتطوِّر والاستناد الى خبرات المغتربين في هذا المجال وخاصة في مجال البلديات لتطوير الخدمات البلدية في لبنان لصالح المقيمين. هذا المحور هام جداً وبناء على مدى التطور فيه ينعكس ايجاباً على الاستثمار والسياحة وجميع العلاقات الاخرى.
في محور التعليم والثقافة: صحيح أن المؤتمر عالج هذا المحور ولكنه لم يمس العصب الحسّاس فيه وهو تعليم اللغة العربية للطلاب اللبنانيين في استراليا وفي مدارسها. ونطالب المؤتمر القادم بتخصيص ورشة عمل كاملة لمناقشة هذه المسألة مع ضرورة التحضير لها محلياً قبل المؤتمر بأشهر. أما في المجال الثقافي فكنا نتمنى على المؤتمر أن يناقش امكانية انشاء مركز ثقافي لبناني أو بيت لبنان في سدني مثلاً يكون محور كل النشاطات ومنها استضافة المؤتمرات.
محور الضمانات الاجتماعية: لم يتطرق المؤتمر الى هذه الناحية. فالحركة بين لبنان واستراليا نشطة جداً وهناك ضرورة لعقد معاهدات رسمية بين الدولتين تغطّي هؤلاء المتنقلين من ضمنها اتفاقية حول معاش التقاعد تتيح للبناني أن يتقاعد في لبنان إذا أحب أو أن يعيش بين البلدين دون أن يُقطع عنه معاش التقاعد. والعكس صحيح.
المتابعة: انها السنة الرابعة على التوالي ينعقد فيها مؤتمرات اغترابية في بلدان الانتشار وفي لبنان دون أن يكون هناك لجان متابعة محليّة تعمل بين مؤتمرَين ولجنة مركزيّة للتنسيق بين اللجان. كنا نأمل من مؤتمر سدني أن ينبثق عنه لجنة محليّة، أو لجان واحدة لكل ولاية، تعمل هذه اللجان على تسويق توصيات المؤتمر وتحضِّر لما بعده. وربما من هذه اللجان المحلية، في جميع بلدان الانتشار، يتكوَّن المؤتمر المركزي لصياغة المقررات العامة.
وقبل أن نختم، نود أن نسجل ملاحظتين من باب النقد البناء: لا غضاضة أن يدخل الوزير الى المؤتمر محاطاً برؤساء المذاهب، فذلك من تجليات النظام الطائفي المزمن في لبنان وامتداداته في الأغتراب. لكن المستهجن في هذا المشهد غياب رموز القوى والفعاليات التي تؤمن بأن المدخل الأفضل للعمل السياسي والتعاطي مع الشأن العام هو المواطنة وحقوق المواطن المتساوية بغض النظر عن الطائفة أو أي إعتبار تقليدي آخر. وهنا ننتقل إلى الملاحظة الثانية والأهم: غياب أو تغييب هذه القوى عن ورشة العمل التي أخذت اسم "اللبنانية" أو ال LEBANITY والتي ضمَّت بعض الدبلوماسيين اضافة الى ممثلين ظاهرين ومستترين عن السني والشيعي والدرزي والماروني والارثوذوكسي.
إن المذهبية لا تتوافق أبداً مع اللبنانية. فإما لبنانية عابرة للطوائف والمذاهب باتجاه وطن موحد وهذا ما نفضِّل، أو مزارع مذهبية كما هو الحال في لبنان وهي من أسباب "تهجيرنا" الى استراليا ولا نحب أبداً أن تلحق بنا الى بلاد المواطنة والديمقراطية وحقوق الانسان. وهنا لا يسعنا إلا أن نؤكد ومن وحي النظام السياسي في أستراليا على أهمية الحفاظ على التنوع الديني في لبنان ولكن على قاعدة فصل هذا التنوع عن تدخله في تحديد حقوق المواطنين كما كانت في الماضي ولا تزال حتى الآن.
أخيرأً نثمِّن عالياً انعقاد هكذا مؤتمرات، ونثمّن عالياً النتائج الايجابية التي تحققت حتى الان، ولكننا نطمح، على المدى المنظور، أن تتمكن هذه المؤتمرات، من خلال إشراك أكبر عدد ممكن من المنتشرين في النقاشات، ومن خلال المتابعة الى الوصول الى سياسة اغترابية واضحة تحدد للمغترب ما له وما عليه. وتضع الدولة اللبنانية أمام مسؤولياتها تجاه مواطنيها مقيمين ومغتربين.
صادر عن:
بول طبر – طنوس فرنسيس – جورج يمّين – عبّاس مراد – جورج الهاشم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق