لم تحجب عطلة نهاية الاسبوع التي بدأت منذ يوم الجمعة بمناسبة عيد التحرير انطلاق الاتصالات والمشاورات قبيل الموعد الرسمي الذي أعلنه الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري غدا الاثنين من المجلس النيابي.
ورغم الأجواء الإيجابية التي أشاعتها الكتل النيابية خلال تسمية رئيس الحكومة، معطوفة على توافق ضمني بين القوى السياسية الاساسية في البلاد على تسهيل عملية التأليف وتسريعها تمهيدا لقيام حكومة جامعة قادرة على مواكبة التحديات الداخلية والخارجية المقبلة على البلاد، فإن هذه الأجواء ما لبثت ان تراجعت امام المواقف التصعيدية التي عبرت عنها بعض القوى، التي رفعت سقف مطالبها من اجل تحسين موقعها داخل الحكومة على قاعدة ان التمثيل الحكومي يجب ان يأتي ترجمة للتمثيل النيابي.
وعليه، برزت امس عقدتان من شأنهما ان تشكلا حجرة عثرة في طريق التأليف، وتؤديا الى تأخيره، على المقلبين المسيحي- المسيحي والدرزي- الدرزي.
فعلى المقلب المسيحي، برزت امس مواجهة ساخنة بين " القوات اللبنانية" و" التيار الوطني الحر" شكلت مواقع التواصل مسرحا لها. وقد تجلت بعد تغريدة لوزير الاعلام ملحم رياشي على حسابه عبر موقع "تويتر" من وحي الصوم الرمضاني، قال فيها: "وظنّ نمرود انه يستطيع ان يفعل ما يشاء، ويحصل على ما يشاء، ويحتكر كل شَيْءٍ لنفسه ولا يقاسم الخبز حتى مع أخوته، وبدأ يفسد في الارض وظنّ انه سوف يصيب الله في سهمه، فتركه العليّ ليبلغ اعلى برج بابل وأسقطه من اعلى الى أسفل، فمات مسحوقاً! ". التغريدة استدعت تغريدة لرئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل قال فيها "العزل صار خبرية بيلجأوا لها للاستعطاف وللاستحصال على زوائد سياسية... ولا في "عزل" ولا في شي، في انّو كل واحد لازم يكتفي بحجم تمثيلو مش اكتر ولح يتمثّل؛ وما رح ينفعهم لا اتصالات واجتماعات ولا شكوى ونقّ بالداخل واكيد ما لح يفيدهم الاستقواء بالخارج".
ودخل وزير العدل سليم جريصاتي على الخط ليعلّق على تغريدة رياشي بالقول "إلى وزير الإعلام بكلّ صدق: فتش عن نمرود تجده تحت سقف بيتك (من وحي التاريخ القديم والواقع الأحدث)".
ورد رياشي بتغريدة لاحقة ملمحاً أن كلامه لم يكن يحمل معان محليّة حيث قال عبر تويتر "غريب ان تُحمَّل تغريدة غير محلية معانٍ محلية، وكثيرة!! اوووف عن جد غريب".
و غرّد أمين سر تكتل "الجمهورية القوية" فادي كرم رداً على وزير الخارجية قائلا: "وزير باسيل ما تكون مفكّر حالك مالك الجمهورية، تلفيقاتك ما بقا تنفعك وأكبر دليل نتائج الانتخابات الأخيرة يلي اضطريت تستعين فيا بمجموعة كبيرة من المستقلين تا تغطي ضعفك. حاولت تعزلنا ولما ما قدرت تراجعت وانت مهزوم وكأن شيئا لم يكن". ولم تتوقف التغريدات بين الجانبين عاكسة مناخ التشنج بينهما، والذي يأتي على خلفية مطالب الطرفين لحصص وازنة في الحكومة، في ظل مطلب التيار بنيابة رئاسة الحكومة ووزارتين سيادتين اضافة الى حصة منفصلة عن حصة رئيس الجمهورية. وقد اثارت هذه المطالب القوات التي رفضت الفصل بين التيار ورئيس الجمهورية. وتنطلق " القوات" في تصعيدها من شعور بمحاولة لعزلها وإحراجها تمهيدا لإخراجها من الحكومة على ما يكشف قريبون من رئيسها سمير جعجع.
العقدة الدرزية برزت من خلال مطالبة النائب طلال ارسلان بحقيبة بكتلته النيابية المستجدة، الامر الذي اثار من جهته كتلة اللقاء الديموقراطي التي تتمسك بمطالبها بان يكون التمثيل الدرزي كاملا لها.
وفي حين لم يبدأ بعد الحريري مشاوراته، الا ان المواقف التي استبقت الاستشارات، عكست سقوفا عالية من المطالب، لا بد ان تؤثر على مسار التأليف، لكن الحريري حدد لاءين لن يتراجع عنهما: لا لعزل اي فريق عن حكومة وحدة وطنية، ولا حقائب او اسماء تشكل استفزازا للخارج في ظل الضغط الدولي الذي يتعرض له لبنان ان من باب العقوبات الاميركية او من باب المراقبة الدولية في إطار تنفيذ مقررات المؤتمرات الدولية.
ووسط المشهد المتأرجح مسيحيا ودرزيا، عكس الثنائي الشيعي حسما في خياراته وذلك في اللقاء الذي انعقد مساء يوم الجمعة بين رئيس المجلس نبيه بري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عقب انتخاب بري رئيسا للمجلس. وفي حين غابت العقد عن مطالب الثنائي باستثناء التيك بحقيبة سيادية هي وزارة المال من حصة بري، وحقيبة خدماتية أساسية للحزب، الا ان ما لفت هو قرار نصر الله الدخول بقوة الى الملف الاقتصادي تماماً كما كان وعد قبل الانتخابات، وذلك من باب مكافحة الفساد عبد تعيين النائب حسن فضل الله مسؤولا عن هذا الملف ويكون عمله تحت إشراف الأمين العام للحزب.
ولا تقلل مصادر سياسية مراقبة من اهمية هذه الخطوة التي تعكس عزما لدى الحزب على خوض غمار الملف الاقتصادي الذي كان في مراحل سابقة في يد رئيس الحكومة، فيما قرأت المصادر في هذا الانخراط رغبة من الحزب في الدخول الى ملفات اقتصادية ذات مردود مجزي يمكن ان تشكل بديلا لمصادر التمويل التي بدأت تخضع للعقوبات الاميركية. ولم تخف في هذا الإطار تخوفها من تلقف الخارج لهذا الامر، سيما وان الخطوة التي تبدو في الظاهر إيجابية، تخفي في طياتها نيات لدى الحزب لم تتضح بعد، ولن تتبلور الا عند معرفة الملف الاول الذي سيتناوله فضل الله، المعروف بمتابعته الحثيثة لملف الاتصالات من موقعه السابق على رأس لجنة الاتصالات النيابية.
سياسيا ايضا، سجل تحرك لبنان الرسمي ضد القانون رقم ١٠ الصادر عن الرئيس السوري والذي يدعو السوريين الى إبراز مستندات تملكهم تحت ضغط وضع اليد على الممتلكات غير الموثقة. ووجه وزير الخارجية في هذا السياق كتابا الى نظيره السوري وليد المعلم أعرب فيه عن قلق لبنان من التداعيات السلبية المحتملة عليه للقانون حيث يخشى لبنان "من أن تعيق شروط تطبيق هذا القانون عودة عدد غير قليل من النازحين الى مناطقهم". ووجّه باسيل رسالة مماثلة الى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ضمّنها الهواجس اللبنانية من القانون رقم 10، مؤكدا في الرسالتين ان لبنان يعتزم العمل بشكل فوري وحازم لإعتماد سياسة لبنانية مترافقة مع إجراءات عملية تؤدي الى تأمين العودة المرغوبة للنازحين وتشجيعها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق