تحية تليق بمقامك /
شدّما تؤلمني بعض سياساتك والشلل النصفي في تحالفاتك الدولية وتبعيتك شبه العمياء لسياسات وستراتيجيات موسكو في زمن الإتحاد السوفييتي الذي كنتَ أنت من نتاجه ووليد رحمه وأحد أبنائه المخلصين. تذكّرني مواقفك الراهنة حيال الغطرسة الأمريكية المنفلتة واستفزازاتها لروسيا ولكل العالم خارج نطاق حلف الناتو وإسرائيل ... تذكرني بموقف خروتشوف وحكومته وقيادة الحزب الشيوعي في خريف عام 1962 من أزمة الصواريخ السوفييتية الشهيرة التي أُرسلت إلى كوبا والسماح للأسطول الأمريكي الذي حاصر كوبا بالصعود إلى سفنكم الحربية وتفتيشها ثم رضوخ الحكومة في موسكو لشروط واشنطن القاضية بسحب تلكم الصواريخ من الخليج الكاريبي قبّالة كوبا وإعادتها إلى الأراضي السوفييتية. قال خروشوف يومذاك مُبرراً الخضوع لشروط أمريكا ( بقرارنا هذا سلمت كوبا وتمت صيانة السلام في العالم ) ! كان تنازلاً مهيناً آخرَ تلاه نجاح أمريكا وحلفائها في إسقاط الحكومة الوطنية في العراق في الثامن من شباط 1963 .
قال المتنبي:
يرى الجبناءُ أنَّ العجزَ عقلٌ
وتلكَ خديعةُ الطبعِ اللئيمِ
أراك ومنذ زمن تنهج ذات السياسة حذو النعل بالنعل كما قال الأجداد: تقديم التنازلات وتحمّل الضربات بحجة الحفاظ على السلام في العالم. صيانة السلام العالمي رسالة خطيرة وجليلة ... صح .. ولكن، لماذا أنتم وحدكم مَنْ يحرص على ديمومة السلام ؟ ألا يعني هذا السلام غيركم ؟ إستغلت أمريكا تشبثكم بالسلام ففعلت ما فعلت بكم وبحلفائكم في حلف وارشو وبدول العالم الثالث بدءاً بالكونغو واغتيال رئيسها لومومبا ثم الإطاحة بثورة تموز 1958 في العراق تلا ذلك الإطاحة بحكومة سوكارنو في إندونيسيا ثم الإطاحة بحكومة سلفادور اللندي في تشيلي في أيلول 1973 . إلامَ أدّت سياسات الإتحاد السوفييتي هذه ؟ وصلت النار الحامية والقاضية إلى قلب موسكو في الكرملين : تفكك الإتحاد السوفييتي وانهيار المنظومة الإشتراكية وسقوط الشيوعية في عقر دارها : موسكو.
ما أهمية ومغزى وجودكم في سوريا ؟ قاعدتان بحريتان في حميميم وطرطوس وقاعدة جوية أيضاً هناك وقطع بحرية قبّالة السواحل السورية لا تحمي سوريا إلاّ جزئياً ولا تنفذون تهديداتكم ولا تردون على إستفزازات وإهانات أمريكا وحلفائها خاصة فرنسا وبريطانيا فهذه الدول تمرر صواريخها المجنّحة وغير المجنحة فوق رؤوس قواتكم وتكتفون بالتبجح بإسقاط بعض هذه الصواريخ أو النجاح في تحييدها أو حرف مساراتها لكي تضل أهدافها . هذا أمر جيد ولكن ـ عزيزي بوتين ـ ألا تشعرون بشئ يشبه الحَرَج وبشئ يشبه الذل والهوان أنَّ الطغيان العالمي بزعامة أمريكا يقصف ويدمر أهدافاً في بلد هو حليف لكم وحليف ستراتيجي ؟ الكل يتساءل : لماذا أنتم موجودون هناك ؟ ما سيكونُ رد فعل أمريكا لو قصفتم هدفاً عسكريّاً داخل إسرائيل ... هل فكرتم في أمر كهذا ؟
لديَّ قلقٌ وهاجسٌ يؤذيني أنَّ أمريكا تعرف عن طريق جواسيسها فيكم ، نعم فيكم ، في قلب الكرملين، وعن طريق أجهزة التنصت والأقمار الصناعية الدائرة فوق رؤوسكم ليلاً ونهاراً ... تعرف أنْ ليس لديكم أية نيّة للتصدي لأمريكا أو الإشتباك معها بهذا الشكل أو ذاك. أمريكا وأجهزتها داخلة فيكم عميقاً وداخلة حتى في أرحام نسائكم!
قال المتنبي [[ مَنْ يهنْ يسهل الهوانُ عليهِ // ما لجُرحٍ بميّتٍ إيلامُ ]]
أمريكا تعرف حقَّ المعرفة أنّكم منشقون على أنفسكم فريق مساوم متخاذل ( حمائم ... زرازير وطراطير ) وفريق من الصقور. إذا سمحتُ لنفسي أنْ أجتهد فإني أرى وزير خارجيتكم يتزعم الفريق الأول بينما يتزعم وزير دفاعكم الفريق الثاني ولا من فريق وسط إلاّ أنت عزيزي الرئيس بوتين ! وأرى فيك ميلاً قوياً مساوماً إنتهازيّاً يرمي للتوفيق ما بين الفريقين. ولا أجد في هذا الأمر غرابة ما دمتَ أنت وريث الإتحاد السوفييتي السابق أي وريث الإخفاقات والفشل وشاهد تعثر وإنكفاء الأشتراكية دولةً ونظاماً عالمياً جديداً على البشرية وإختفاء حلف وارشو.
لا أجد فيك أي خير ولا أي موقف يرفع الرأس ويردع أمريكا ويرغمها على الكف عن تهورها غير المسبوق واستفزازاتها وتحديها لكم وللكثير من دول وشعوب العالم. ما تفسيركم لإمعانها في فرض الحصار والعقوبات التي لا تنتهي عليكم وعلى حليفتكم إيران وسوريا وكوريا الشمالية وكوبا وعلى حزب الله في لبنان ؟
قد أعرف أنك والسيد وزير خارجيتكم تراهنون سُدىً على جناح ضعيف في الكونكرس والإدارة الأمريكية وجهات هامشية وعناصر لا قيمة لها في رسم وتنفيذ السياسة الأمريكية ولكن، ثق السيد بوتين ، أنكم خاسرون هذا الرهان لأنَّ خيول رهانكم هزيلة ومستضعفة ولا قيمة لها سواء في البيت الأبيض أو في وزارة الحرب، البنتاكون، أو الكونكرس. إذا أصررتم على هذا النهج فمعنى ذلك أنكم أغبياء أو ساسة فاشلون أو متواطئون تخونون الشعب الروسي وتتأمرون عليه علناً وفي وضح النهار وعلى رؤوس الإشهاد.
ما دمتم أصبحتم رأسماليين ومضاربين وأصحاب ملايين ومليارات ومصالح وشركات عابرة للقارات فكل شئ متوقع وركوعكم أمام أمريكا وحلف الناتو أمر لا يخالف طبائع الأمور أبداً والرأسمالية المستحدثة شريك صغير ذليل للرأسمالية القديمة الضاربة الجذور تماماً كذيل في جسد ثور جبّار شبه أسطوري. الرأسمالية المحلية عضيدٌ وامتداد وحليف للرأسمالية العالمية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق