حسب رؤيتي فإن إسرائيل تعيش حالة من الإرباك الإستراتيجي،ولعل تبكير الإنتخابات الإسرائيلية واحدة من ثمار هذا الإرباك،ولا أرى انه سينجح في حل عقدة إسرائيل،وان أتفق مع ما يقوله المحلل العسكري في صحيفة يديعوت احرونوت الإسرائيلية اليكس فيشمان بأن "القدرة الإسرائيلية على مهاجمة أهداف في دولة ذات سيادة، من دون الانجرار إلى حرب أو التعرض لعقوبات، انتهى"، وأن ما تصفها إسرائيل بـ"الحرب بين الحروب" قد استنفذت نفسها، لافتا إلى أنه "بإمكان شن الحرب بين الحروب طالما كانت هناك فوضى في سورية".،واذا ما نظرنا الى العملية الإسرائيلية الأخيرة التي شنت فيها طائرات إسرائيلية متطورة من طرازي "اف 16" و"اف 35" الشبح عدوان على سوريا،مستخدمة فيه أحدث القنابل،عبر الأجواء اللبنانية والتستر خلف طائرات مدنية،كادت ان تعرض حياة ركاب طائرتين مدنيتين للخطر في مطاري بيروت ودمشق،وبياني وزارتي الخارجية والدفاع الروسيتين،اكدتا على ان الدفاعات الجوية السورية من نوع "بانتسير يو تو" نجحت في إسقاط 14 صاروخاً من أصل 16 صاروخاً أطلقتها الطائرات الإسرائيلية المغيرة دون ان تستخدم صواريخ (اس300).
نتنياهو رجل " الببروغندا" والعلاقات العامة،حاول أن يوهم الرأي العام الإسرائيلي ويخدعه ويضلله،بان المستهدف في هذه الغارة،هو رجل ايران الأول في المنطقة،قائد لواء فيلق القدس قاسمي سليماني،أو مجموعة من قيادات حزب الله اللبناني التي نجحت في الإقلاع الى طهران بطائرة إيرانية،قبل فترة قصيرة من القصف الإسرائيلي،هذه الرواية التي سربتها إسرائيل الى صحف ومجلات أمريكية واسرائيلية مثل " الواشنطن بوست" ومجلة " النيوزويك" الأمريكيتين، وصحيفة " الجيروسلم بوست الإسرائيلية"،ورددت تلك الروايات وسائل إعلامية عربية متشفية بسوريا ومحور المقاومة،وليكذب ذلك موقع "ديبكا" القريب من المخابرات الإسرائيلية قائلاً،بأن الرواية الإسرائيلية ضعيفة جداً.
إسرائيل لم تتعلم الدرس جيداً عندما قامت بإسقاط الطائرة الروسية "ايل 20" في أيلول /2018،عندما استظلت بها،لكي تنفذ غاراتها على مواقع سورية في الساحل السوري،تجنباً لوسائل الدفاع الجوي السوري،حيث سقطت "ايل 20" الروسية بصاروخ "اس 200" سوري وقتل جميع طاقمها من العسكريين الروس الخمسة عشر.
منذ ذلك التاريخ حدثت انعطافة سلبية في العلاقات الروسية- الإسرائيلية،ولم ينجح نتنياهو رغم كل الوساطات في ترميم تلك العلاقة،بل من بعدها حظر على الطيران الإسرائيلي الدخول الى المجال الجوي السوري،بعدما سلمت روسيا الى سوريا صواريخ "اس 300".
ولذلك هذه العملية الإسرائيلية ،إذا جاز لنا وصفها فهي أم الفشل،كما هي حملة او عملية ما يسمى بدرع الشمال،والتي صورها نتنياهو على أنها ام الإنجازات،وهي ستكشف عن أسرار خطيرة،وبأن الأوضاع ذاهبة نحو الإنفجار والحرب مع حزب الله اللبناني،حيث استبق تلك العملية بلقاء على هامش اجتماعات حلف " الناتو" في بروكسل،مع وزير الخارجية الأمريكي بومبيو ،ورافقه في اللقاء سكرتيره العسكري ورئيسي جهاز الموساد والشاباك،وعندما أقرت تلك العملية رافقها دعاية كبيرة،وتضليل وخداع كبيرين،وحشدت لها الجيوش،وأغلقت مدن وقرى في الشمال المتاخم للحدود اللبنانية،وكذلك أعلنت العديد من المناطق الحدودية،مناطق عسكرية مغلقة،واستدعي الإحتياط بشكل جزئي،وجرت عمليات تجريف واسعة من اجل إقامة عوائق من الصخور والحجارة الضخمة،وليتمخض الجبل بعد ذلك عن فأر صغير،حيث لم تنجح تلك الحملة سوى في تدمير خمسة أنفاق،قيل أن حزب الله حفرها،وهي مكتشفة ومعروفة منذ 2014 ،والنتيجة بأن تلك الحملة التي أريد منها ترميم قوة الردع الإسرائيلية،وشيطنة حزب الله ودفع أمريكا والمجتمع الدولي لفرض عقوبات قاسية عليه،فشلت حتى في الحصول على بيان من مجلس الأمن يدين حزب الله.
العملية العسكرية التي نفذتها إسرائيل من الأراضي اللبنانية،استدعت صدور بيان روسي قوي،يقول بأن إسرائيل خرقت سيادة لبنان وعرضت الطيران المدني للخطر وأيضاً خرقت القرار 1701،وفي ذلك رسالة قوية الى إسرائيل،بأن روسيا تقف الى جانب حليفها الأسد،ولذلك ترى إسرائيل،انه بهذا القرار الروسي والإنسحاب الأمريكي من شرق الفرات،وتفكيك قاعدة التنف الأمريكية،إسرائيل ستكون أمام حقائق جديدة،بأن الوقت الذي تشن فيه غارات على سوريا من لبنان أو من خلال الجولان المحتل او عبر الأراضي الأردنية،لن تمر دون رد وعقاب أو تدحرج الأمور نحو حرب.
نتنياهو الذي يواجه أزمات داخلية وخارجية،رغم أن استطلاعات الرأي تشير الى أن حزبه سيتصدر الإنتخابات،ولكن هو أراد من هذه العملية،ان يراكم رصيداً يمكنه من تحقيق اغلبية مريحة في الانتخابات التبكيرية، تحرره من ابتزاز الأحزاب الشريكة في الإئتلاف اليميني.
إن من يعانون من عقدة " الإرتعاش" السياسي المستديمة في التعامل مع أمريكا وإسرائيل،هذه النفوس المريضة التي تعاني من الرعب والخوف والذعر في كل ما يتصل بإسرائيل،والحاقدة على كل من يقاومها،ورغم ان الدوائر العسكرية والإستخبارية الإسرائيلية،تقول بأن هذه العملية فاشلة،كما هي العمليات السابقة،وكذلك عملية ما يسمى بدرع الشمال،إلا انهم يواصلون الحديث عن "إسرائيل" كبعبع ، وإسرائيل في غارتها الجوية هذه ،وما سبقها من غارات أو هجمات كانت تحاول استكشاف إمكانية الاختراق لمنظومة الدفاع الجوية السورية من زوايا مختلفة عدة،ولكنها منيت بالفشل الذريع، ومن دون النجاح في استكشاف مقدرات الـ«أس 300 ومواقع تربيضها.
ونختم بما قاله المحلل السياسي ناصر قنديل "حالة الفراغ الاستراتيجي لدى أميركا و«إسرائيل ، صارت الاستراتيجية مجرد تصنيع مناسبات للحرب النفسية، وصارت الحرب والجيوش وأدواتهما مجرد آلة لصنع الخبر، وليس لتغيير وقائع الميدان. فالحرب النفسية والإعلامية صارت الميدان الوحيد المتاح لمحاولة تغيير قواعد المواجهة بالرهان على تغيير تموضع الناس على جبهات النزال. وهذا هو الحال الأميركي الإسرائيلي، كما وصفناه في قراءة مغزى الإدارة الإعلامية لمعركة الأنفاق التي خاضها نتنياهو بعيداً عن كل شروط الحرب، بمفهومها العسكري، والنتائج الميدانية للغارات واضحة بكونها فشلاً كاملاً، إلا بمقدار توفير منصة للمروّجين لأكذوبة الحرب المقبلة ليطلقوا أكاذيبهم".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق