الأحد، 2 يونيو 2019

الانتخابات الفيدرالية الأخيرة والجالية اللبنانية: ماذا بعد؟

 منتدى الحوار ـ سيدني ـ
تطرح الانتخابات الفدرالية الأخيرة عدة تساؤلات حول الأسباب التي أدت الى انتصار التحالف وخسارة حزب العمال، ومن ضمن هذه التساؤلات لا ينبغي إغفال الخيارات السياسية التي اتخذها المهاجرون لا سيما الذين ينتمون منهم  الى الجيل الاول والثاني. ما يهمنا في هذا المقال هو التركيز على الجالية اللبنانية وقراءة المشهد السياسي الذي رسمته لنفسها مع اقتراب موعد الانتخابات الفدرالية في شهر أيار الماضي.                                                               
بالإجمال يتسم المشهد السياسي للجالية في استراليا بانه محكوم بجملة عوامل منها يعود الى الموروث الثقافي السياسي الذي استقدمته من بلدها الام لبنان ولا يزال يتجدد مع استمرار العلاقة مع لبنان رغم التواتر الذي يشوبها، ومنها ما هو وليد الظروف الجديدة التي يعيشها ابناء الجالية في المجتمع الأسترالي. ويغذي الإعلام المحلي بنسختيه العربية والأسترالية هذين العاملين. وعلى الرغم من الدور المهم للإعلام الأسترالي في رسم الخيارات السياسية لا سيما في أوساط الجيل الثاني من ابناء الجالية اللبنانية، فإن الحديث هنا سوف يسلط الضؤ بعض الشئ على الإعلام العربي المسموع والمقروء.                                                                             .
ولكن في البداية، دعونا نلقي الضؤ على توزع الخيارات السياسية في أوساط الجالية وتبيان خلفيات تلك الخيارات وحدودها. ان العديد من ابناء الجالية يحددون مواقفهم السياسية من الحزبين الرئيسين في استراليا، أي حزب العمال والتحالف بين حزبي الأحرار والوطنيين، متأثرين بالثقافة السياسية التي ورثوها من لبنان والتي تقوم على ثنائية مركبة بين اليمين المسيحي واليسار المسلم وسحب تلك الثنائية على المشهد السياسي الأسترالي وعليه اعتبار حزب العمال امتدادا لليسار المسلم والتحالف امتدادا لليمين المسيحي. نعتقد ان هذا الاعتقاد لا يزال يتحكم بعقول العديد من ابناء الجالية (في أوساط الجيل الاول اساسا والجيل الثاني الى درجة أقل) ونجد على هذا الأساس ان أغلبية ابناء الطوائف المسيحية، والغالبية من الطائفة المارونية، يصوتون لصالح التحالف، وبالمقابل يدلي أغلبية المسلمين اللبنانين، ومعظمهم من الطائفة السنية، بأصواتهم لصالح حزب العمال. ويلعب على هذا الصعيد الإعلام المقروء والمسموع ( تو أم إي وصوت الغد) دورا أساسياً في تغذية هذه الثقافة على الرغم من  تعارضها مع مصالح العديد من ابناء الجالية الذين يخضعون  لاحكام هذا الاعتقاد الموروث. ونجد ان صعود الموجة العنصرية ضد الإسلام والمسلمين (وهذا الامر يختلف جذريا عن ضرورة محاربة الإرهاب والإرهابيين المتذرعين بالدين والسعي الجدي لمعالجة الأسباب الفعلية والمعقدة للإرهاب) في العقود الأخيرة قد ساعد على تجديد هذا الاعتقاد بالثنائية المشار اليها أعلاه مع تغليب التناقض مع الإسلام والمسلمين بسبب ضمور الرؤية اليسارية عالميا وانكفاء قواها السياسية عن المسرح السياسي العالمي                                            . 
أما فيما يخص انخراط الجالية في المجتمع الاسترالي وتأثير ذلك على خيارات ابنائها السياسية، فهنا تضيق دائرة الكلام لتطال تحديدا الفئات المنخرطة في الحياة السياسية الأسترالية بما يتعدى التصويت ويطال الأنماط المتنوعة للعمل السياسي الحزبي لبعض أفراد الجالية داخل حزبي العمال والأحرار. وتتجلى هذه الأنماط في العمل السياسي السائد بالأمور التالية                                     :
1.   تحكم المصالح الشخصية الضيقة (وهي مصالح مالية ووجاهية اساسا) عندالأغلبية الساحقة للأفراد المنخرطين أكان في حزب العمال أو حزب الأحرار أو بصفتهم مستقلين في دائرة النشاط السياسي البلدي. 

2.   غياب العمل المشترك بين المنخرطين في صفوف حزب العمال وحزب الأحرار، حتى في إطار العمل المفترض ان يكون محكوما بمصالحهم الموحدة كفئات اجتماعية محددة (اصحاب مصالح اقتصادية متشابهة)

3.   هذه الصفات للعمل السياسي لبعض ابناء الجالية والسائدة في صفوف حزبي العمال والأحرار ليس بمقدورها الارتقاء الى مستوى التعبير السياسي عن مصلحة أغلبية ابناء الجالية (أي المصلحة العامة للأستراليين اللبنانيين) في مجالات عدة منها ما يخص الجالية (والجاليات الاخرى في معظم الأحيان) ومنها ما يتقاطع والمصلحة العامة للشعب الاسترالي. فمثلا لا نجد احدا على المستوى الفدرالي يتبنى أو يدعو حزبه ان يتبنى سياسة هجرة اكثر إنسانية دون التفريط بالمصالح العامة للشعب الاسترالي أو ان يعمل على تكريس مبدأ التعددية الثقافية في التوجهات السياسية العامة للحزب المعني.  وماذا عن السياسة الخارجية والعلاقات التجارية بين لبنان وأستراليا الخ (هنا لا بد من التنويه بالدور الشجاع والاستثنائي الذي يلعبه شوكت مسلماني، عضو المجلس التشريعي في ولاية نيو ساوث ويلز). ان سقف المواقف العائدة الى أغلبية المنخرطين في الأحزاب الأسترالية لا يزال متدنيا جدا عن المستوى الجماعي المطلوب وهو دائما محكوم بالمصالح الفردية لجهة المصلحة المادية الفردية والوجاهة الشخصية لا غير                            . 

4. دورالإعلام المملوك من الأستراليين اللبنانيين الذي يتبنى بالصوت والكلمة الثنائية السياسية المشار اليها أعلاه ومستلزماتها. هذا الاعلام لا تخطر على باله، لا من بعيد ولا من قريب، المساهمة في بلورة (لا بل أقله فتح النقاش حول بلورة) المواقف السياسية العامة والتي ينبغي ان تجسد تطلعات ومصالح أغلبية اللبنانيين الأستراليين في استراليا                                                                               . 
5. بعض السياسيين المنخرطين إما في حزب العمال أو حزب الأحرار مندمجون بالكامل في خط وتوجهات الحزب الذي ينتمون إليه وبالتالي فهم لا يمتون بأي صلة لما يسمى بالمصالح المميزة للجالية اللبنانية الا بشكلها الفولكلوري. بكلمة وجيزة إنهم متماهون بسياسة الحزب الذي يعملون في صفوفه ولا يلتفتون الى المسائل التي تخص أبناء جاليتهم   

6. أضف الى ذلك العوامل السياسية الاخرى التي أبعدت حزب العمال عن بعض قواعده الأساسية وبالتالي عن الجاليات ومنها الجالية اللبنانية. وهنا يجب على حزب العمال ان يعيد الاعتبار للسياسات التي تدافع عن العدالة الاجتماعية وان يتبنى اكثر فأكثر المواقف التي تخدم مصالح الفئات المتدنية من الطبقة الوسطى وطبقة العمال والمأجورين وذلك بدلا من التركيز على التعاطي مع الجالية من باب فئة الوجهاء أو من خلال المؤسسات الدينية.
                                                                      . 
وإذا كانت هذه هي الخطوط العريضة للمشهد السياسي في أوساط الجالية اللبنانية والمتحدرين من أصول لبنانية يصبح السؤال المركزي هو التالي: ما العمل؟ ببساطة لا تتعارض مع العمق في التحليل، نسارع الى القول ان المطلوب هو التدخل في هذا المشهد والعمل على إعادة ترسيم حدوده بما يفسح بالمجال أمام الجالية لإمكانية صوغ موقف سياسي يهدف إلى التعبير عن مصالحها العامة بما يتلاءم مع تقديم الحلول والخيارات السياسية الكفيلة بخدمة تلك المصالح وبالتناغم مع المصالح العامة لأغلبية الشعب الاسترالي. والفئة التي تملك إمكانية صوغ هذه المواقف ويمكن لها ان تنحاز لخدمة المصالح العامة لابناء الجالية هي فئة المثقفين المتنورين أو العضويين بالمعني الغرامشي للكلمة (وفق غرامشي، المثقف العضوي هو الإنسان الذي يستخدم ثقافته للدفاع عن المظلومين واالمستغلين -بفتح الغين- ودفاعه هذا يدفع بعجلة التطور الاجتماعي إلى الأمام بحيث يصبح المجتمع أقل ظلما وأكثر عدلا). في المقابل، ان المثقفين الذين يتحركون علنا على الساحة السياسية ويسيطرون عليها هم في أغلبيتهم الساحقة منتجين لثنائية اليسار المسلم مقابل اليمين المسيحي وبالتالي فهم من العوامل المعيقة لتشكل وصوغ المواقف المشار اليها أعلاه 

هناك تعليق واحد: