اختيار عادل محمد
31 يناير 2020
حجم الودائع ضخم... ونوايا سياسية بتعطيل استردادها
اعتصام أمام السفارة السويسرية في بيروت للمطالبة بالكشف عن حسابات المسؤولين اللبنانيين
6.5 مليار دولار، حجم التحويلات المالية التي قيل إنها نقلت إلى مصارف سويسرية وهي تابعة لست شخصيات سياسية لبنانية، والخبر مرّ عليه شهر، لكنه وقع كالصاعقة على اللبنانيين الذين كانوا يقفون، وما زالوا، لساعات داخل المصارف اللبنانية للحصول على مبالغ محدودة من أموالهم الخاصة.
حتى الآن، لم تتضح حقيقة هذه التحويلات، ولم يكشف عن المسار القضائي الذي سلكه الملف، ولم يقف مسؤول في السلطة اللبنانية يشرح ما انتهت إليه التحقيقات أو المراسلات مع السلطات السويسرية، هذا إن حصلت، فسفيرة سويسرا كشفت في تصريحها من السراي الحكومي بعد لقاء مع رئيس الحكومة حسان دياب، عن استعداد بلادها للمساعدة في تسليط الضوء على الأموال المهربة إلى سويسرا، ما يعني أن السلطات اللبنانية لم تطلب بعد المساعدة في هذا الملف... فلماذا التستر والإخفاء؟
نوايا سياسية بتعطيل استردادها
ووجود نية سياسية بتعطيل استرداد الأموال المنهوبة، تتوضح أكثر فأكثر، بعد شكوك برزت لدى عضو كتلة حزب "القوات اللبنانية" النائب جورج عقيص، لدى بحثه عن سبل المساعدة استناداً إلى القوانين اللبنانية لتأمين إيرادات للدولة اللبنانية عبر إخضاع اللبنانيين الذين لديهم أموال في مصارف خارج لبنان، إلى دفع الضرائب المتوجبة عليهم عملاً بالنظام الضريبي.
ومن المعلوم أن حجم الودائع اللبنانية في الخارج كبير جداً، وهو ﻻ يقتصر على سويسرا بل أيضاً للبنانيين أموال في إنجلترا ولوكسمبورغ وبعض الولايات والجزر الأميركية.
اتفاقية دولية
وانضم لبنان إلى اتفاقية دولية تعرف بـ MCAA ووقّع عليها، وهي تسمح بتبادل دولي للمعلومات الضريبية إلكترونياً، وكان المجلس النيابي السابق قد أصدر قانوناً يحدد كيفية تنفيذ هذه الاتفاقية وأحكامها بموجب القانون اللبناني، فبات مضمون الاتفاقية الدولية ضمن القانون اللبناني، وصار للبنان قانون خاص لتبادل المعلومات الضريبية إلكترونياً، بينه وبين كل الدول الموقعة على اتفاقية MCAA.
وأهمية القانون الجديد أنه يمكّن لبنان من معرفة كل المعلومات عن الأرصدة المفتوحة من قبل اللبنانيين في الخارج، بالتالي إخضاعها عملاً بالقانون الجديد للضريبة.
نائب "قواتي" يلاحق الموضوع
وكان هدف النائب "القواتي" ملاحقة تطبيق هذا القانون لتأمين الأموال الإضافية لخزينة الدولة، فتقدم في يونيو (حزيران) الماضي، أي قبل اندلاع انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) بأربعة أشهر، تقدم بسؤال رسمي إلى الحكومة اللبنانية عن مدى استفادة لبنان من تطبيق الاتفاقية الدولية والقانون المستحدث على إثرها، فجاء جواب الحكومة الرسمي والموقّع من رئيسها سعد الحريري يقول فيه إن لبنان في صدد الاستفادة من هذا القانون، لكنه يحتاج إلى نظام معلوماتي إلكتروني هو في صدد إنشائه، وذلك وفق المعايير الدولية، ليتمكن من الحصول على المعلومات الخاصة بالودائع اللبنانية في الخارج.
والنظام المعلوماتي، ضروري لأن الدول الأجنبية ﻻ يمكن أن تسلم أي معلومة لأي دولة أخرى، إلا إذا كانت هذه الدولة تحافظ على أمن وسرية هذه المعلومات، ولا تهدد أصحابها أو المعنيين بها للخطر.
واكتفى عقيص حينها برد الرئيس الحريري وانتظر إنشاء النظام المعلوماتي لمتابعة القضية.
اندلاع الانتفاضة
في هذه الأثناء، اندلعت الانتفاضة الشعبية، وكانت أبرز مطالبها، استعادة الأموال المنهوبة، كل ذلك ترافق مع كلام، عن تهريب بعض السياسيين مبالغ طائلة إلى سويسرا طلباً للأمان في ظل أزمة المصارف المتفاقمة. فعاد نائب "القوات اللبنانية" لمتابعة القضية لارتباط الواقع المالي ومطالب الثوار بإمكانية الاستفادة الحتمية من القانون أعلاه، فتبين أن البرلمان السويسري أصدر قانوناً يضع لبنان على لائحة الدول التي يمكنها أن تطلع على حسابات مواطنيها المفتوحة في المصارف السويسرية.
وعلم أن هذه المعلومات ستخزن بدءاً من مطلع العام 2020 بحيث ستتمكن الدولة اللبنانية من الحصول على كامل التفاصيل والمعلومات المتعلقة بعام 2020 في مطلع العام 2021.
النظام المعلوماتي؟
وطلب النائب عقيص من وزارة المال، واستناداً إلى كتاب الرئيس الحريري الذي كان أكد له أن النظام المعلوماتي لم يتم إنشاؤه، طلب الإسراع في إنشاء النظام المعلوماتي حتى يتمكن لبنان من الاطلاع على المعلومات المتعلقة بالأموال المودعة في المصارف السويسرية وحجمها لإخضاعها إلى ضريبة الأرباح والفوائد على رؤوس الأموال، وإلا على الأقل للتمكن من معرفة هوية هؤلاء الأشخاص، ومشاركة هيئة التحقيق الخاصة بقانون تبييض الأموال، هذه البيانات.
لكن المفاجأة التي تلقاها عقيص كانت من خلال اتصال هاتفي من قبل أحد الأشخاص الذي رفض الكشف عن هويته، أكد له أن النظام المعلوماتي موجود منذ زمن في وزارة المال ومعمول به، خلافاً لما تدعيه الحكومة السابقة، وقد تم الكشف عليه من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، ووضعت تقريرها الذي يؤكد صلاحية النظام للعمل.
صفر معلومات
والمفارقة أن الدولة اللبنانية وفق ما تظهره الوثائق، قد ساهمت بمنح 63 تقريراً عن معلومات طلبت منها، مقابل صفر معلومات طلبتها هي، لغاية بنفس يعقوب، وبحجة أن النظام القائم غير منجز وهو يسمح فقط بإرسال المعلومات ولا يمكنه تلقيها، ما دفع الدول المعنية على وضع لبنان ضمن لائحة الدول التي لم تنجز نظامها المعلوماتي الإلكتروني بعد لتبادل المعلومات، في المقابل، يكشف مهندسون شاركوا في إنشاء النظام ووضعه قيد التنفيذ أنه يعمل بشكل كامل ولا يمكن أن يعمل في اتجاه واحد.
ولكن إذا تبين بالفعل أنه غير منجز، فلماذا لم تبذل الحكومة اللبنانية جهداً إضافياً لوضعه في الخدمة بالاتجاهين؟ ﻻ سيما أن الموضوع ملح وضروري. فهل تقصدت الدولة عدم طلب معلومات لعلمها المسبق بتورط مسؤولين في تهريب الأموال والتهرب من الضريبة؟ ومن هم هؤلاء الذين تتجنب السلطة اللبنانية عدم فضحهم؟
الملف سيتابعه النائب "القواتي" في البرلمان اللبناني حتى النهاية، مهما كلفه الأمر كما يقول، وهو ينتظر أن تحصل الحكومة على الثقة ليتمكن من تحويل سؤاله إلى استجواب.
مناشدة سويسرا
في هذا الوقت، اعتصم عدد من الثوار، مساء الأربعاء 29 يناير (كانون الثاني) أمام السفارة السويسرية للمطالبة بالكشف عن حسابات المسؤولين اللبنانيين وبتجميد أموالهم، وحمل الثوار الأعلام اللبنانية واللافتات الاحتجاجية، آملين أن يصل صوتهم وأن تلبي سويسرا مطالبهم.
المصادر: المواقع العربية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق