پاتريس لومومبا رئيس وزراء جمهورية الكونغو، 1960
المقال الشيّق للكاتب البحريني عثمان الماجد "200,000" يذكرنا بالماضي الجميل ولاسيما بعد نحو عامين من افتتاح الجامعة الروسية للصداقة بين الشعوب في موسكو، التي سمّيت باسم المناضل الافريقي الكبير "پاتريس لومومبا"، أول رئيس وزراء لجمهورية الكونگو الديمقراطية.
لقد تخرّج كثير من البحرينيين من جامعة موسكو للصداقة بين الشعوب، ونال بعضهم على شهادات عليا. أحد رفاقنا في "جبهة التحرير الوطني" نال شهادة الدكتوراه في القانون، وحصل فيما بعد على وظيفة مرموقة في وزارة العدل البحرينية، وبحريني آخر نال شهادة في تخصص الفيزياء والذرّة.
كما نال صديقي الراحل الذي كان يصغرني سناً شهادة طبيب العائلة من هذه الجامعة، حيث بعد عودته من موسكو واصل دراسته في الأردن وثم في بريطانيا، وأصبح أخصائي ولادة النساء في مستشفى السلمانية في البحرين.
بعد ابتعاث صديقي إلى موسكو بنحو سنة، تقدمت بطلب إلى الجبهة من أجل الدراسة في موسكو، لكن تم رفض طلبي، حيث قال لي الكادر المسؤول بأنك عضو ناشط ويجب أن تبقى في البحرين.
لقد كلفني نشاطي الحزبي الفصل عن شركة نفط البحرين (باپكو) في انتفاضة مارس المجيدة عام 1965، بعد خروجي مع طلبة من مدرسة باپكو، والدخول في دائرة المواصلات التابعة للشركة، ومطالبة العمال بالإضراب والتوقف عن العمل، الأمر الذي أثار غضب مسؤول الدائرة، حيث تطوّرت الأمور وحضر المدير التنفيذي للشركة "السيّد جوزيفسون" الذي خاطبني بلغة التهديدات. بعد التلاسن مع المدير التنفيذي تم إخراجنا من دائرة المواصلات وثم إخراجنا من مدينة عوالي مقر إدارة شركة نفط البحرين.
عادل محمد
14 فبراير 2020
"200,000" – عثمان الماجد
الأرقام الستة التي اخترتها عنوانًا لمقالي هذا قد لا تُثير عجب القارئ الكريم، بقدر ما تطرح تساؤلاً متوقعًا كهذا «ماذا قصدت بجعل هذا الرقم عنوانا للمقال؟». الظن أن ارتسامات علامات التعجب ستأخذ طريقها إلى محيا القارئ الكريم لا محالة إذا ما سمع مني بأني أجد نفسي ماثلاً في هذا الرقم الضخم. نعم، أنا ماثل فيه من قبل أن يبلغ هذا المدى بزمن طويل، أي منذ عام 1980. بل يمكنني القول إني أرى فيه معي عشرات إن لم يكن مئات ممن شاركوني وائتلفت قلوبنا مع بعضنا البعض، ولا ضر إن اختلفت آراؤنا اليوم، وآخرين ممن كانوا سابقين لي وممن كانوا لاحقين عليّ، بالدراسة الجامعية منضوين ضمن هذا الرقم الكبير الذي تتوزع شخوصه على أرجاء مختلفة من المعمورة ينتمون إلى كل لون ومن كل عرق! في الأمثال يقال إنه «إذا عُرِف السبب بطل العجب». لهذا فإني لن أتأخر عن إبطال هذا العجب وحالا.
كل ما في الأمر أن الجامعة الروسية للصداقة بين الشعوب قد احتفلت في الثامن من هذا الشهر بمرور 60 عامًا على تأسيسها. وقد كان اسم هذه الجامعة إبان الحقبة السوفيتية، التي أضحت تاريخًا لها ما لها وعليها ما عليها، جامعة الصداقة بين الشعوب، واقترن اسمها في تلك الحقبة لسبب يعرفه كل من درس في هذه الجامعة باسم المناضل الأفريقي باتريس لومومبا، وقد تغيَّر الوضع اليوم ليختفي اسم لومومبا لأسباب أجهلها. كان الاحتفال كبيرًا ومستحقًا أقيم في الكرملين العتيد، وحشد له الإعلام الروسي ما أخرجه إخراجًا بهيًا يليق بتاريخ هذه الجامعة العريقة وبالصورة الاعتبارية لروسيا القوية التي يريد بوتين تسويقها للعالم. وقد حضر الحفل كثير من خريجي الجامعة على مدى الستين عامًا، وكان من ضمن الحضور بعض من خريجي هذه الجامعة من البحرينيين. وإني لأدين بالشكر والامتنان لصديق عزيز حضر هذه المناسبة وجعلني بواسطة «آيفونه» مواكبًا للاحتفال لحظة بلحظة. ومن ضمن الإحصائيات الكثيرة التي أصدرتها إدارة الجامعة احتفاء بهذه المناسبة أرقام تتعلق ببرامج الجامعة وأنشطتها المختلفة ومن ضمنها عدد خريجي هذه الجامعة على مدى الستين عاما منذ تأسيسها في عام 1960 حتى عام 2020 وقد بلغ 200,000 خريجٍ. هذه كانت قصة عنوان المقال!
في هذه الجامعة العريقة المصنفة ضمن قائمة أفضل خمسمائة جامعة في العالم مميّزات عديدة أكاديميًا واجتماعيًا هي من بين أسباب إشعاعها الدولي، ولعل أبرز ما يميزها اجتماعيًا عن غيرها من الجامعات تعدد القوميات والأعراق، وطرائق اندماج الطلبة مع بعضهم بعضًا ومن ضمنها ما تعتمده إدارات الجامعة المتعاقبة من خطط وسياسات جعلت الاجتماعي خادمًا طيعًا للأكاديمي وسببًا من أسباب تعلق الطلبة على اختلاف أوطانهم بالجامعة ومختلف أجوائها. الدارسون في هذه الجامعة أمضوا ست سنوات كاملة تتقطعها العطل الدراسية وقد تسمح لهم الظروف في غضونها بمقابلة أهلهم وذويهم وقد لا تسمح، فكل شيء مرتبط أساسًا بكلفة العيش وأوضاع موازنات الطالب المالية، ويستمر الطلبة على هذه الوتيرة حتى يحصلوا على درجة الماجستير، ويمكن لمن يسمح له سجله الأكاديمي وأوضاعه الشخصية أن يضيف سنتين أخريين للحصول على درجة الدكتوراه.
صور ومشاهد كثيرة مختزنة في الذاكرة معظمها جميل وقليلها مؤلم، ولا أحسب أن طلبة اليوم هناك، إذا كان هناك طلبة يدرسون، سيواجهون مصاعب كالتي واجهها طلبة الأمس. فبالأمس لم تكن الدراسة في الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الاشتراكي متاحة بسلاسة كما هي اليوم. كانت الدراسة هناك مغامرة بل مجازفة، وأكبر المجازفات أنك تجازف بمستقبلك الوظيفي، إذ قد تنفق سنوات من عمرك من دون أن تضمن ما به تُحسن أوضاعك المهنية والاجتماعية، ولعلك لن تجد لشهادتك الجامعية من يعترف بها ويقدرها حق قدرها. أما اليوم ففي ظل الانفتاح الروسي على العالم، والعلاقات الودية التي أتاحت عقد الاتفاقات التجارية والثقافية مع مملكة البحرين فإن كل الظروف والتسهيلات متاحة لتحصيل علمي ممتاز يؤهل الطالب لتبوأ الوظائف الممتازة أسوة بخريجي الجامعات الأخرى.
مشاهد احتفالية الجامعة التي قضيت فيها بعضًا من أحلى سنوات العمر، ونسجت من خلالها أثمن العلاقات الإنسانية وأرقاها، هيّجت الذكريات حلوها ومرها، وحفزتني إلى مقارنات بين الماضي والحاضر، ونبهتني إلى أننا نعيش فعلاً في عالم سريع التغير تتحول فيه المواقف والأوضاع ولكنه مع ذلك يبقى عالمًا يقدر العلم والعلماء ويحترم المعرفة ومن يسعون إليها، ويختزن في كل ما نمرّ به من أوضاع ما أدركته مملكتنا الحبيبة حين جعلت التعليم عنوانًا لمستقبلها، فبالعلم والتعليم تُحل كل المشاكل وتتغير العقول لتتبنى كل القيم الجميلة التي أجمعت البشرية على الإعلاء من شأنها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق