ربما يكون أسوأ سيناريو يمكنك أن تواجهه هو أن تعلق في المرحاض بسبب عدم وجود مناديل ورقية.
لقد بدأ هذا الكابوس المحتمل في تهديد كثيرين في أستراليا، لينضموا إلى قائمة الخائفين من فيروس كورونا، مما يدفعهم إلى التكالب على شراء مناديل المرحاض بكميات كبيرة.
ويأتي هذا الاتجاه إلى الشراء المكثف لهذه السلعة رغم تأكيد السلطات الأسترالية على أن البلاد لا تعاني من عجز في هذه المنتجات، في ضوء أنها تُصنع محليا.
ومع ذلك، أُفرغت الأرفف التي كانت تحمل المناديل الورقية في دقائق معدودة في سيدني، أكبر مدن أستراليا، مما دفع إحدى سلاسل المتاجر الكبرى إلى وضع حد أقصى لشراء المناديل الورقية، لا يتجاوز أربع عبوات منها.
وتصدرت وسوم تتناول ظاهرة الشراء المكثف للمناديل الورقية في أستراليا قائمة الوسوم الأكثر انتشارا على مواقع التواصل الاجتماعي، الأربعاء.
وبدأت مواقع البيع عبر الإنترنت في عرض عبوات مناديل المرحاض للبيع مقابل مئات الدولارات، كما بدأ مستمعو الإذاعات في الاتصال بالمحطات للمشاركة في مسابقات من أجل الفوز بعبوات من المناديل الورقية ذات الثلاث طبقات.
وبلغ الموقف خلال اليومين الماضيين حدا غير مسبوق في أستراليا، إذ تلقت السلطات بلاغات عن سرقة المناديل الورقية من المراحيض العامة.
فما الذي يحدث في أستراليا، ولماذا يفعل الناس ذلك؟
تصاعد الفزع
مشكلة مناديل المرحاض لا تقتصر على أستراليا فقط، فهناك مواقف مشابهة في دول أخرى أكثر تأثرا بانتشار فيروس كورونا، مثل سنغافورة، واليابان، وهونغ كونغ.
وشهد الشهر الماضي عمليات سرقة بالإكراه من قبل لصوص مسلحين استولوا على كميات كبيرة من مناديل المرحاض في هونغ كونغ، بعد سيطرة حالة من الذعر على بعض المواطنين. وتشير تقارير إلى أن الولايات المتحدة أيضا تشهد ارتفاعا في مبيعات مناديل المرحاض.
وبدأ جنون المناديل الورقية يصيب الأستراليين نهاية الأسبوع الماضي عقب ظهور حالات إصابة جديدة وإعلان السلطات عن أول حالة وفاة بسبب فيروس كورونا في أستراليا.
وبدأت أعداد المصابين بالفيروس في أستراليا تتراجع منذ الأسابيع الأولى لانتشاره في الصين بعد فرض حظر مشدد على سفر القادمين من الصين إلى أستراليا.
لكن تقارير ظهرت نهاية الأسبوع الماضي أشارت إلى ارتفاع عدد حالات الإصابة، مما أدى إلى زيادة المخاوف. وبلغت أعداد المصابين في أستراليا حتى اليوم الأربعاء، 41 حالة، مع إعلان السلطات الأسترالية عن أول وفاة بسبب الفيروس. رغم ذلك، تعتبر هذه الأرقام قليلة مقارنة بدول أخرى انتشر فيها كورونا الجديد.
وظهرت توصيات رسمية للأستراليين بالالتزام بالنظافة الشخصية وغسل الأيدي. كما نصحت تلك التوصيات بتخزين كميات من الطعام، ومياه شرب تكفي لأسبوعين، علاوة على تخزين إمدادات أخرى قد تحتاجها الأسر داخل المنزل، وذلك إذا شعروا أن هناك حاجة إلى ذلك.
وارتفع الطلب على مناديل المرحاض قبل أن يرتفع على أنواع الطعام والمنتجات التي تستخدم على المدى الطويل وغير القابلة للتلف بسرعة. وأظهرت صور على وسائل التواصل الاجتماعي لفائف مناديل المرحاض الورقية مكدسة مع غيرها من عبوات المنتجات الورقية الصحية على عربات المتاجر.
وسط هذه التقارير، حثت السلطات المواطنين على التوقف عن شراء المناديل بكميات كبيرة بهدف التخزين.
وقال كبير مسؤولي الصحة في أستراليا، بريندان ميرفي، للبرلمان هذا الأسبوع: "نود التأكيد للناس أن إفراغ أرفف السوبر ماركت من كل مناديل المرحاض ربما لا يكون سلوكا لائقا أو منطقيا في مثل هذا الوقت".
وأكدت متاجر "كلوز" و"وولويرث" أن لديهما مخزونا كبيرا من هذه المنتجات، في حين أكدت شركة "كلينيكس" مصنعة المناديل الورقية على أن لديها الآن خطوط إنتاج تعمل 24 ساعة يوميا لتلبية الطلب المتزايد.
وقالت حكومة أستراليا إن الدولة مستعدة تماما وتتخذ كل الإجراءات اللازمة لاحتواء الفيروس. كما تم عزل جميع الحالات التي انتقلت إليها العدوى داخل أستراليا حتى الآن.
رغم كل هذه التأكيدات، لا يزال جنون شراء مناديل المرحاض مستمرا في أستراليا.
بدافع الخوف
أثار الإقبال الكبير على شراء هذا النوع من المنتجات خوفا بالغا في بعض المناطق.
وعلى الإنترنت، أبدى المعلقون على هذا الأمر على مواقع التواصل الاجتماعي دهشتهم من الحاجة الماسة التي ظهرت لهذه المنتجات، والتي حال نفادها سوف يجد الناس بدائل كثيرة لها.
ووصف البعض ما يحدث بأنه "أغبى" أزمة يتعرض لها الأستراليون حتى الآن. ورأى البعض أن مناديل المرحاض تتراجع أهميتها في الحد من انتشار الفيروس مقارنة ببعض العقاقير وأقنعة التنفس ومعقمات الأيدي.
وقالت ديبرا غريس، الأستاذة بجامعة غريفيث، وخبيرة في علم نفس المستهلك، إن هذا السلوك "غير منطقي تماما" ويُعد مثالا واضحا على ما يعرف بـ "عقلية القطيع"، الناتجة عن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي والتغطية الإخبارية.
ومن المرجح أن صورة الممرات الفارغة من البضائع في المتاجر لم تجد نفعا.
وأضافت غريس: "الذي يجب علينا أن نتذكره أنه عندما تختفي 50 عبوة من لفائف مناديل المرحاض من على الأرفف، لا بد أن يكون غيابها ملحوظا لأنها تشغل حيزا كبيرا".
وتابعت: "وسيكون اختفاؤها ملحوظا أكثر من اختفاء 50 علبة من الفاصوليا المطهوة، أو معقمات الأيدي".
وقالت نيتيكا غراغ، الأستاذة في جامعة نيو ساوث ويلز، إن متلازمة الخوف من الفقد تتجلى هنا في أوضح صورها.
وأضافت: "إنهم يظنون أنه إذا اشتراها أحد، أو إذا اشتراها جار لي على سبيل المثال، فلابد أن هناك سببا لذلك، ولا بد لي أن أحصل أنا أيضا عليها".
وقارنت نيتيكا بين التكالب على شراء المناديل الورقية في أستراليا وبين ما يحدث في بعض الدول الآسيوية من الإقبال الشديد على هذه المنتجات.
وأشارت إلى أنه في الصين، على سبيل المثال، هناك دافع أكبر لتخزين المناديل الورقية البيضاء لأنهم "يرون أنه يمكن استخدام مناديل المرحاض بدلا من المناديل والمحارم الورقية الأخرى، ويمكن كذلك استخدامها كبديل مؤقت لأقنعة الوجه".
ورجحت نيتيكا أن هذا الموقف غير مسبوق، وأوضحت أن الأستراليين لجأوا إلى تخزين السلع اليومية من قبل، لكن ذلك كان بسبب مواجهة بعض الكوارث الطبيعية، مثل حرائق الغابات والأعاصير، وهو ما حدث في مجتمعات بعينها تعرضت لخطر تلك الظواهر.
وقالت نيتيكا: "لكن عندما يتعلق الأمر بفيروس كورونا، لا يعرف الناس متى سيتوقف، ولا إلى أي مدى قد يتفاقم انتشاره".
وأضافت: "إنهم يريدون أن يكونوا مستعدين لأنه الشيء الوحيد الذي يمكنهم أن يفعلوه حتى يشعروا بأن الأمور لم تخرج عن السيطرة".
تكررت ظاهرة الأرفف الخالية من مناديل المرحاض في السوبر ماركت في أستراليا في اليومين الماضيين
أما روهان ميللر، خبير في علم نفس المستهلك في جامعة سيدني، فيرى أن هذا السلوك انعكاس للمجتمع المتحضر ونمط الحياة الذي تسوده وسائل الراحة الحديثة.
وأضاف: "لم نعتد على مواجهة عجز في السلع أو ندرتها، لكننا معتادون على أخذ واختيار ما نريد عندما نريده. لذلك، يُعد الاندفاع إلى شراء كميات كبيرة من مناديل المرحاض تجسيدا لعقلية قطيع الأغنام للحفاظ على الأوضاع كما هي عليه".
كما أن العبوات البيضاء من لفائف مناديل المرحاض - التي يسوق لها مع صور الجراء الصغيرة والثلج الصافي - تعتبر من ممارسات "الرفاهية" اليومية التي لا يتصور الأستراليون وغيرهم الانفصال عنها، وفقا لميلر.
وتابع: "أعتقد أن الناس يريدون ضمان الحصول على الراحة في حياتهم إذا قُدر لهم البقاء في مكان واحد مع أسرهم لفترة طويلة".
وأشار إلى أن مناديل المرحاض "ليست مهمة في حد ذاتها، إنها تقع في ذيل قائمة الأشياء اللازمة للبقاء على قيد الحياة مقارنة بأشياء أخرى مثل الطعام ومياه الشرب، لكنها شيء يتعلق به الناس كحد أدنى من معايير الراحة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق