بقلم الكاتبة والاعلامية اللبنانية كارين اليان ضاهر
اختيار عادل محمد
1 ابريل 2020
كانت خطوة إقفال المدارس في كافة الأراضي اللبنانية أولى الخطوات الاحترازية التي اتخذت للحد من انتشار فيروس كورونا في البلاد. منذ حوالى شهر خلت المدارس من طلابها، فأصبحوا في منازلهم ينتظرون تقرير مصير العام الدراسي الذي تخلله الكثير من التوتر وعدم الانتظام. كذلك بالنسبة إلى الأساتذة، الذين يعيشون التوتر نفسه بانتظار ما سيحصل والقرارات التي يمكن أن تتخذ في القطاع التربوي. في ظل هذه الظروف، إضافة إلى موضوع مصير العام الدراسي، ثمة تساؤلات أساسية حول الاستحقاقات المادية، سواء من جهة الأهل بشأن الأقساط المدرسية أو من جهة المعلمين بشأن أجورهم.
بعض المدارس الخاصة بدأت بتبليغ معلّميها منذ منتصف شهر مارس (آذار) أنها لن تتمكن من تسديد أجورهم، نظراً لعدم إمكانية جمع مبالغ كافية من الأقساط. ذهبت عندها آمال الأساتذة بتقاضي أجورهم في مهب الرياح، خصوصاً أنهم مستمرون بالعمل في منازلهم في تأمين دروس الطلاب والحصص أونلاين. لطالما عمدت إدارات المدارس إلى وضع الأهل في مواجهة المعلّمين في مختلف المحن والاضطرابات التي مر بها القطاع التربوي، فيما لا يخفى على أحد أن قضية أجور المعلمين في يد إدارات المدراس وحدها ولا علاقة للأهل بها. فهل يبرّر عدم تسديد الأهالي كامل الأقساط عدم تقاضي المعلمين أجورهم؟ وهل وجدت المدارس فعلاً نفسها عاجزة عن تسديد الأجور بسبب عدم تقاضيها الأقساط في الأشهر الأخيرة؟
ثمة اضطراب عام يسود بين مختلف الأطراف وغموض يخيم فوق القطاع التربوي. وعلى الرغم من أن مدارس عدة اتخذت قراراً بعدم دفع أجور المعلمين وأبلغتهم بذلك مسبقاً فاستبعدت الاعتبارات الأخلاقية والإنسانية.
في المقابل، هناك مدارس استندت إلى المبادئ الأخلاقية في تعاطيها مع الأهل والمعلّمين. وتشير مي قاسم، وهي مديرة مدرسة، إلى أنه من الناحية المادية تعتبر المدرسة الخاسر الأكبر في هذه المرحلة. لكن يبقى حق الأساتذة والطلاب مقدساً أياً كانت الظروف، مع الإشارة إلى أنهم الخاسرون الأساسيون من الناحية المعنوية، خصوصاً مع التوتر والترقب الذي يعيشونه في هذه المرحلة.
تقول قاسم "حق الأستاذ مقدس ولم نتأخر يوماً عن تسديد الأجور ونلتزم اليوم بذلك أيضاً. لكن قد تفرض علينا أوضاع المصارف حالياً أن ندفع قسماً من الأجر، على أن يسدد الباقي لاحقاً. ثمة واجب إنساني ولا بد لكل فرد من التعاطف مع الآخرين. أركز أولاً على من ليس لهم دخل ثانٍ ومن تتطلب أوضاعهم المادية صرف أجورهم بأسرع وقت. المدارس عامة قادرة على تحمل هذا العبء ولا مبرر لعدم الدفع وإن انخفضت الأرباح، خصوصاً إذا كانت الأقساط مرتفعة. فمن أكثر من المدرسة يقدر على تحمل الخسارة؟".
وتشدد قاسم على أهمية التعليم عن بعد لتنشيط ذاكرة الطلاب. كما لا يستهان بجهود الأساتذة هنا. لكن التعليم أونلاين لا يحل مكان التعليم في المدرسة والتواصل المباشر، بحسب قولها، فيما تؤكد أن الطالب لن يخسر شيئاً من العام الدراسي بل إن المدرسة حريصة على تعويض هذه الأيام في فترة لاحقة، بحسب ما تقتضيه الظروف. وسيصار ربما إلى التركيز على المواد الأساسية وتكثيف حصصها. ولأن المدرسة ملزمة بمتابعة المنهج بأي شكل، مطلوب من الأهل، في المقابل، الالتزام بتسديد ما توجب من الأقساط.
وتضيف "كإدارة مدرسة نأخذ في الاعتبار الوضع الحالي ونتفهم جيداً أوضاع الناس، لكننا بذلك نستثني الأشخاص الذين يأخذون الوضع كحجة للامتناع عن الدفع ونحن ندرك من هم. أما أولئك الذين لطالما التزموا معنا في الدفع وقد تبدلت ظروفهم بسبب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الحالية، فلا يمكن إلا أن نتعاطف معهم ونتفهم ظروفهم وندعمهم".
نصف الأجور للأساتذة
وفيما كان الأساتذة يترقبون ما سيتخذ من قرار بشأن أجورهم في هذه المرحلة، صدر أخيراً قرار يقضي بدفع نسبة 50 في المئة من أجور الأساتذة والموظفين في المدارس الكاثوليكية عن شهر مارس. أما بشأن الأقساط المدرسية، فلم يصدر حتى اللحظة أي قرار يخفف من حدة الاضطراب الحاصل. فالأوضاع الاقتصادية متردية أصلاً في لبنان وقد زادها انتشار فيروس كورونا سوءاً.
إلا أن بعض إدارات المدارس لا ترحم، ومنها من بدأ يرسل إلى الأهل تعاميم كتبت بطريقة منمقة، تقدم فيها خصومات على الأقساط في حال دفع القسط كاملاً نقداً وسريعاً، على الرغم من الأوضاع الحالية. ما يحصل اليوم أشبه بـ "بازار تربوي"، كما تقول لمى الزين، رئيسة اتحاد لجان الأهل في المدارس الخاصة، لـ "اندبندنت عربية"، مشيرةً إلى أن بعض المدارس لم يخجل من المطالبة بالقسط الثالث، وهذا معيب في الوضع الحالي.
وتضيف "قانوناً لا يحق للمدارس المطالبة به، لأنه في القانون ثمة خدمة مقابل خدمة، وهذا ما لا يتوافر حالياً. كما تتغاضى إدارات المدارس عن أن موازناتها لا تتوافق مع الأوضاع الحالية ولا بد من تعديلها بغياب النفقات المتوجبة عن وجود الطلاب في المدارس. ما يستدعي حكماً خفض الأقساط ووضع موازنات استثنائية".
وتشدد الزين على أن هذا يستدعي خفض الأقساط بمعدلات كبيرة، خصوصاً في المدارس التي ترتفع فيها الأقساط بشكل مبالغ فيه وغير مبرر وتعتبر موازناتها مضخمة أصلاً، وهي لا تعتمد على الشفافية. أما المدارس التي تعتبر أقساطها معتدلة ففيها المزيد من الشفافية والنزاهة.
وتشير الزين إلى أن التعليم عن بعد يجب ألا يتحوّل إلى مبرر هنا، وعلى الرغم من أهميته لا يُعتمد لتقويم الطالب في مثل هذه الظروف. أما الإصرار عليه، فله خلفيات باتت معروفة. "جرت العادة على تحويل الأهل إلى مكسر عصا وإدخالهم في مواجهة مع الأساتذة، فيما ترفض إدارات المدارس أن تخسر من أرباحها الهائلة. وعلى الرغم من الأزمة تصر على متابعة العام الدراسي وكأن شيئاً لم يكن، ويحملون الأهل مسؤولية أجور الأساتذة وهذا ليس من شأنهم. منذ بداية هذا العام، نتحدث عن موازنات تقشفية للمدارس تحفظ حقوق المعلمين، لكن الإدارات ترفضها لأنها تخفض بذلك من أرباحها".
الإلتزام القانوني
وتؤكد ذلك المحامية ملاك حمية، التي تشير إلى النكبات التي مر بها العام الدراسي، فتوضح أنه ليس في القانون أي رابط تعاقدي بين الأهالي وأفراد الهيئة التعليمية ولا التزام قانوني بينهما. ثمة عقد أول بين المدرسة والأساتذة يلتزمون فيه بالتدريس والنظارة والإدارة الفعلية (المادة 4 معطوفة على المادة 15 من قانون 15/6/1956 والمادة 2 من قانون العمل) مقابل التزام المدارس بدفع الرواتب والأجور (المادة 20 وما يليها من قانون 1956 والمادة 1 من قانون العمل). أما العقد الثاني فبين المدرسة والأهل، الذين يلتزمون بدفع القسط المدرسي مقابل ما تقدمه المدرسة من تعليم ونشاطات تربوية إلزامية وتأمينات ورقابة طبية للطالب (الفقرة أ من المادة 1 من القانون 515/96). وكون إقفال المدارس ناتج من قرار من الحكومة بسبب وباء عالمي، استحال تنفيذ الالتزامات الملقاة على عاتق أطراف العقدين بسبب القوة القاهرة. هذا وقد نصّت المادة 343 موجبات وعقود على أن "ذمّة المديون من أجل القوة القاهرة تبرأ بقدر استحالة التنفيذ ويسقط بالتالي الموجب جزئياً". وبالنسبة إلى قيمة القسط المدرسي، فتحدد انطلاقاً من مجموع النفقات التقديرية التي تضعها المدرسة في موازنتها السنوية مقسومة على عدد التلاميذ. وقد حددت النفقات قانوناً بالرواتب والأجور وبدلات الساعات الإضافية والمكافآت والمساعدات، إضافة إلى مساهمة المدرسة في صندوق التعويضات واشتراكات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتعويض النقل والنفقات التشغيلية للمدرسة من مصاريف إدارية كالماء والكهرباء والهاتف والإيجارات وغيرها.
وتشير حمية إلى أنه نظراً للإقفال المستمر للمدارس والمدة القصيرة التي فتحت فيها أبوابها وكون مصير العام الدراسي غير معروف، فإن النفقات الواردة في الموازنات المقدرة لسير العام الدراسي بشكل اعتيادي غير مطابقة للواقع الفعلي نتيجة القوة القاهرة. بالتالي، فإن ذمة الأهالي بدفع القسط تبرأ جزئياً بقدر استحالة تنفيذ الموجب المقابل، بغض النظر عن التعليم عن بعد. فما حصل يؤدي حكماً إلى انخفاض حاد للقسط المدرسي، وتعتبر الدفعة الأولى التي سددها الأهالي، وتشكل نسبة 30 في المئة من مجمل القسط، كافية وعادلة.
وتضيف "قانوناً لا يحق للمدارس مطالبة الأهالي في الوقت الراهن بدفع كامل الأقساط، لأن الأعمال معطلة وتوقفت مواردهم. كما أن المدارس راكمت أرباحاً طائلة خلال سنوات يمكن أن تسدد من خلالها التزاماتها. ويمكن إيجاد حلول منصفة لجميع الأطراف، تتضمن تنازلات تضمن استمرار عمل المدارس".
أما عن أجور أفراد الهيئة التعليمية، فاستناداً إلى المادة 343 موجبات وعقود تعفى المدارس من دفعها جزئياً عن الفترة التي تعطلت فيها العملية التعليمية، إلا في حال قيام المعلمين بالتعليم عن بعد.
المصادر: المواقع العربية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق