أيّها اللبنانيون:
في مناسبة الإحتفال بمرور مئة عام على قيام دولة لبنان الكبير، ثمة قوى مختلفة ومتنوعة، تعمل لإنهيار هذه الدولة كمقدمة للسيطرة على ثرواتها ومواردها في البر والبحر. ولا يمكن فهم ضلوع أطراف المنظومة الحاكمة الفاسدة في عملية الإنهيار إلاّ في سياق عملها لتنفيذ أهداف القوى الإقليمية والدولية.
من هنا يتوجه "التجمّع الأكاديمي للأساتذة الجامعيين في لبنان" إلى توضيح بعض الخلفيّات العميقة لما يجري من جرائم متلاحقة بحق الوطن والمواطنين.
أيّها اللبنانيون،
إنّكم واقعون في قبضة حكّام ومسؤولين بل مخلوقات لم ولن نشهد لها مثيلا، لا في التاريخ، ولا في أنحاء الكرة الأرضية، ولا حتّى في هذا الكون الفسيح الحاوي 100 مليار مجرة وكل مجرة مؤلفة من حوالي 100 مليار نجم.
إنّنا جميعاً في مركبٍ وطني خطير جدّاً جدّاً.
لطالما قمنا في "التجمّع الأكاديمي للأساتذة الجامعيين في لبنان"، ونبّهنا إلى المخاطر المحدقة بلبنان منذ عقود، عبر زيارات رسميّة للمسؤولين، كما عبر العديد من الإجتماعات والمحاضرات والمناسبات واللقاءات الإعلاميّة والمذكّرات والدراسات التي أرسلناها وسلّمناها، باليد أحياناً، باسم" التجمّع الأكاديمي" إلى المسؤولين في الدولة اللبنانية، كما إلى ممثلي بعض المنظّمات الدولية، ونشرنا عيّناتٍ منها في مختلف وسائل الإعلام وعلى صفحات وسائل التواصل الإجتماعي، من دون أيّ إهتمامٍ أو تجاوب جدّي من قبل المسؤولين.
كنّا وما زلنا على يقين واضح، أنّ مستقبلاً قاتماً جدّاً ينتظر اللبنانيين الذين كانوا وما زالوا يكظمون ضيقهم وآلامهم وتراجعهم ولجوئهم أحياناً إلى الإنتحار والتسليم برؤية الكثير من شبابهم وشاباتهم يهاجرون كافرين بوطنهم،على كلّ المستويات السياسية والنقدية والمالية والمصرفية والإقتصادية والتعليمية والجامعية والأمنية والبيئيّة وحتّى الأخلاقية بصفتها المؤشّرات الخطيرة التي جعلتنا نخاطب الشعب اللبناني كلّ الشعب بتنوعه وبصفته المسؤول الأوّل والوحيد والأخير عن مصير وطننا لبنان الذي خذله حكّامه وقلّصوه وكأنّهم لا يعنيهم شعبهم بل لا تعنيهم صورة المستقبل الذي سيرسو عليه مستقبل لبنان واللبنانيين.
يتوجّه "التجمّع الأكاديمي للأساتذة الجامعيين في لبنان" إلى الشعب اللبناني مباشرةً عبر سلسلة من النداءات الوطنيّة ، بعدما تمّ إغراقنا جميعاً من الحكّام والمسؤولين، ومن دون أي وازع ديني أو وطني أو إنساني، في محيطات وأنفاق وضياعٍ لا مثيل لها في الفساد والتخبّط وانعدام المسؤولية والفلتان الشامل الذي لا يمكن تصوّره أو فهمه أو تبريره على الإطلاق.
ويرتكز توجّهنا إلى الشعب اللبناني مباشرةً، لإيماننا الطبيعي والمقدّس بقدرة اللبنانيين الذين وحّدتهم المصائب والكوارث المتلاحقة بهدف تقريرهم مصير وطنهم ومستقبلهم ومستقبل أولادهم وأحفادهم.
ومن أجل زيادة وعي اللبنانيين لخطورة الواقع وكمقدمة لتحمل مسؤولياتهم في تغيير هذا الواقع نعرض الحقائق التالية:
1- بلغ الفقر في لبنان حدوداً لا يمكن أن تطاق لا يقاسي عذاباته سوى الشعب اللبناني اليوم ، والخطير جدّاً في الأمر أنّه الفقر الذي قد نتوقّعه مخيّماً على حياة اللبنانيين حتّى العام 2035، وسيطاول 375000 عائلة، إن لم نتدارك معاً الأمور الشديدة التعقيد.
ألم تصبح كلمة الفقر عنواناً لحاضرنا ومستقبلنا جميعاً يتداولون بها يوميّاً في الإجتماعات الرسميّة ووسائل الإعلام بالثياب المزركشة والياقات المنشّاة من دون اجتراح حلول أو سماع رأي جديد؟
هناك فرق بين الفقير العادي والفقير المدقع ، إذ لا يتجاوز مدخول الفقير 4 دولارا يوميّاً مقابل دولارين للفقير المدقع تبعا لتقديرات البنك الدولي. أين نحن من هذا وقد وصل معدل الفقر المدقع إلى حدود ال 90% من المقيمين في لبنان؟
لو سحبنا هذه التقديرات على اللبنانيين، لوجدنا أنّ الدولة غائبة كليّاً. وأكّدت أبحاثنا في "التجمع الأكاديمي" إلى أنّ حوالي 6 ملايين نسمة من المقيمين في لبنان يعيشون دون خط الفقر بمفهومه الدولي، إذ لا يحصّل الفرد الواحد منهم 30000 ليرة لبنانية يوميّاً، أي دون معدّل الفقر المدقع أي 16000 ليرة لبنانية يوميا للفرد الواحد إذا احتسبنا الدولار ب8 آلاف ليرة لبنانية.
إنّ ما يفاقم الأوضاع تحليق معدلات البطالة نسباً غير مسبوقة وصلت مؤخّراً إلى ما يتجاوز ال 65 بالمئة، الأمر الذي يضاعف يوميّاً من عمليات السرقات والخطف والإبتزاز والتشليح والسطو اليومي وتكاثر العصابات وإلهاء السلطات القضائية التي لم تتحرّر بعد من أعباء السلطات السياسيّة وتدخلاتها، مع أنّ اللبنانيين جميعاً يعتبرون القضاء خشبة الخلاص الأقرب والأرقى التي تستطيع المحاسبة وإطلاق الأحكام على غياب أركان الدولة وعجزهم الكامل.
2- بالمقابل، لم يشبع أهل السلطة المتخمة بعد، ولن يشبعوا من تقاسم الغنائم ونهب مقدرات الشعب والوطن. وليكن معلوماً، لكلّ اللبنانيين، أنّ العديد من السياسيين وأصحاب النفوذ والأعمال وأولادهم قاموا في مرحلة أولى، بتحويل ما يزيد على 40 مليار دولار من ثرواتهم بالليرة اللبنانية إلى العملات الأجنبية ومن ثم تحويلها إلى الخارج خلال 4 أعوام بين 2016 - 2019. تم ذلك بتوصيات غريبة للدوائر المشبوهة العالمية بتخفيض التصنيف للدولة اللبنانية المنحدر بغية هدم الإقتصاد اللبناني.
المدهش أنّهم ما زالوا يقومون، حتّى الآن، بتحويل الأموال من لبنان إلى الخارج، في الوقت الذي تقوم فيه المصارف بزيادة رساميلها بنسبة ال20 بالمئة عبر التحايل على ودائع اللبنانيين المحجوزة لديها خلافاً للقوانين.
لقد نهبوا أموال المودعين والمقدّرة في دراسات "التجمّع الأكاديمي" ب 90 مليار دولاراً أميركيّاً. ولم يكتفِ الناهبون الرسميّون ب 14 مليار دولار سنويا من نهب موارد الدولة غير المحصّنة، إذ استعطنا احتسابها حتى الآن ب 435 مليار دولار أودعت خارج لبنان، مع أنّ جريدة "الواشنطن بوست" خاطبت اللبنانيين على صفحاتها علناً وتناقلتها وسائل الإعلام، بأنّ "أموالكم المهربة المودعة في الخارج تزيد على 800 مليار دولار" محفوظة في "جنّات" الجزر الضريبية العالمية التي تديرها القوى الدولية الخبيثة، ومعظمكم يئن من جوع"... وحتّى الذين استهلكوا حياتهم في خدمة دولتهم سقطوا أسرى نهب أموال الضمان الإجتماعي المقدرة ب 8 مليار دولار ولا من يسأل أو يبحث عن ضمانة أو يقدّم وعداً باستعادتها.
3- بديلاّ من تطبيق الغرامات على التعديات الموصوفة على الأملاك العامّة البحرية والنهرية والتي توفر للخزينة العامة مئات ملايين الدولارات، يسعى بعض المسؤولين بالتواطوء مع كبار المتموّلين والمصرفيين إلى بيع أملاك الدولة اللبنانيّة والأصول، وهذا هو الوجه الأشرس الرامي إلى تصفية لبنان نهائيّاً وبيع أملاك الدولة إلى القطاع الخاص وبأبخس الأثمان أي ب 40 مليار دولار، كما يرد في تقارير رسمية وغير رسمية ، وهو ما يمثل أقل من 5% من القيمة الفعلية لهذه الأملاك والأصول التي تتجاوز، وفقاً لدراساتنا في "التجمّع الأكاديمي"، ال 800 مليار دولار.
4- لقد ازدادت سلة الإستهلاك الأساسية بمعدل 400 % خلال العام المنصرم 2020 ، وهو ثاني أعلى معدل استهلاكي مرتفع بعد الذي سُجّل خلال العام 1987، وذاق اللبنانيون كوارثه، وكان أركان الدولة وما زالو، مشغولين بتقاسم الحصص المالية والسياسية ومراكمة السرقات التي بلغت روائحها وفضائحها جهات الأرض وحكوماتها ومسؤوليها.
5- إنّ أخطر ما يجب على الشعب اللبناني معرفته، هو سعي المسؤولين إلى المضي في هدم بنيان الدولة المتبقي، إذ تتم السيطرة على موارد الثروة النفطية والمقدرة بما يزيد على مئات مليارات الدولارات. ولهذه الغاية المرعبة، هناك توافق سرّي منسوج في ما بين معظم المسؤولين في لبنان، كان من فضائحه تأسيس ما يزيد على 53 شركة في لبنان والخارج جاهزة لتتقاسم مستقبلاً موارد لبنان النفطية ب 95% من قيمة المبيع بحيث لا يتبقى للدولة اللبنانية سوى أقل من 5% من هذه الموارد إن لم تستثنى من نهبهم المنظّم.
6- يعلن "التجمّع الأكاديمي" في النقطة السادسة من هذا النداء، لجميع اللبنانيين أنّ جميع المسؤولين يتظاهرون بالإختلاف في ما بينهم لكنّهم متّفقون ضمناً على نهب الدولة والشعب والودائع المصرفية وموارد الدولة السنوية الطبيعية والموارد المتوقعة للدولة على المدى القصير والمتوسط، مدعومين ب"جيوش" طيّعة ومنتقاة من الخبراء والإعلاميين المحظيين والمحميين من الخارج بما يصبّ في مصالح الخارج لا في مصالح 15 مليون لبناني مقيمين ومغتربين.
وفي هذا السياق أصدروا المرسوم رقم 43 الذي يناقض القانون 232 الجيّد المتعلّق بالثروة الغازية والنفطية والذي ينصّ على وجوب استحداث مؤسسة رسمية للنفط ترتبط بها مداخيل النفط والغاز، وبهذا فهم يناقضون كذلك المادة 89 من الدستور، فكيف وبأيّ حقوق يمكن تجاوز منطوق الدستور بمراسيم؟
أيها اللبنانيون.
يمعن المسؤولون اللامسؤولون قطعاً في التهرب من تأليف حكومة تحصل على ثقة الشعب اللبناني في الداخل وكذلك القوى الساعية لمساعدة لبنان في الخارج، فهل يمكن فهم هذا التهرب إلا بكونه مدخلاً لتبرير الانهيار الكبير؟
بيروت في 8/1/2021
عن التجمع الأكاديمي
الدكتور بشارة حنا الدكتور عصام خليفة الدكتور نسيم الخوري( نسر حرمون)
Bechara Hanna, +961 3 224366 , becharah@gmail.com
Issam Khalifé, +961 3 755302,mca@mcaleb.org
Nassim elKhoury, +961 3 266994, nassim.khoury@gmail.com, drnassim@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق