كتب عباس علي مراد ـ
في أوقات الأزمات لا توجد قيود أيديولوجية""
نصيحة رئيس الوزراء الأسبق جان هاورد لوزير الخزينة جوش فريدنبرغ
المعروف ان المال هو عصب الحياة، ولتجنب فوضى الحصول عليه وترشيد إنفاقه توضع خطط من أجل إنفاق عادل وتأمين الحد الأدنى من الحياة الكريمة للمواطن، لذلك تلجأ الحكومات لوضع قوانين وآليات لضبط مالية الدولة.
تعتبر الموازنة السنوية من أهم تلك الآليات لتحديد كيفية تأمين المال من خلال جمع الضرائب المباشرة او غير المباشرة، ووضع اليات وخطط لإنفاق المال على مشاريع مستقبلية كالتنمية البشرية (تعليم، صحة، اسكان)، اقتصادية (زراعة، صناعة، خدمات)، بنى تحتية لتسهيل(طرق، سكك حديد، مستشفيات، مدارس واتصالات وغيرها)لتسهيل حياة الناس وزيادة الإنتاجية وتأمين الإستقرار المالي والنقدي وهي خطة مالية بإستراتيجية قريبة ومتوسطة المدى (سنة الى أربع سنوات) وقد تزيد عن هذا المدى لتصل أحياناً الى 10 سنوات وهذا ما حصل في موزانة الحكومة الحالية.
الاسبوع الماضي وضعت الحكومة الفيدرالية الأسترالية موازنتها للعام المالي 2021- 2022 ورصدت لها مبلغ يفوق 500 مليار دولار، وتم توزيعها بنسب متفاوتة على كافة القطاعات وقد سمى وزير الخزينة جوش فرايدنبرغ موازنته الثالثة "موازنة التعافي" بعد ركود الكورونا، وتوقع ان يصل العجز بالميزانية الى 106.6 مليار دولار، ما قيمته 5% من الدخل القومي ويعتبر هذا العجز الأسوأ منذ نصف قرن.
ومع عدم وجود بوادر لسد العجز بالموازنة قبل 10 سنوات كما توقع رئيس الوزراء سكوت مورريسن فمن المتوقع ان يصل الدين العام الى 51% من الدخل القومي اوائل العقد القادم او ما يقارب 1.6 ترليون دولار.
من جهته إعتبر فرايدنبرغ أن أفضل طريقة لإصلاح الميزانية هي إصلاح الإقتصاد والمزيد من الوظائف فعندما يحدث ذلك ، ترتفع عائدات الضرائب وتنخفض مدفوعات الرعاية الإجتماعية.
عمد وزير الخزينة ولأسباب سياسية الى تسريب بعض بنود موازنته قبل الإعلان الرسمي خصوصاً تلك التي نالت حصة الأسد من المال لكي ترسخ في ذهن المواطن.
أهم القطاعات التي نالت الحصة الأكبر او ما يعرف بالرابحون كانت القطاعات التالية:
- رعاية المسنين: خصصت الحكومة 17.7 مليار دولار إضافية لرعاية المسنين على مدى خمس سنوات ، أو ما يقرب من 3.5 مليار دولار في السنة.
على الرغم من أهمية المبلغ ، إلا أنه من الجدير بالذكر أن اللجنة الملكية التي حققت بمشاكل قطاع رعاية المسنين أعلنت أن القطاع يعاني من نقص في التمويل بنحو 10 مليارات دولار سنويًا.
- رعاية الأطفال: رصدت الحكومة مبلغ 1.7 مليار دولار إضافية على مدى السنوات الثلاث المقبلة.
- النساء: حصلت على مبلغ 3.4 مليار دولار
- الصحة النفسية: 2.3 مليار دولار لمدة أربع سنوات للوقاية من الانتحار ومعالجة مشاكل الصحة العقلية والنفسية.
- البنى التحتية: 15.2 مليار دولار على مدى 10 سنوات لمشاريع البنية التحتية على الصعيد الوطني.
- دافعو الضرائب: مبلغ 7.8 مليار دولار للتعويض الضريبي لذوي الدخل المنخفض والمتوسط ويقدر عددهم 10.2 مليون شخص.
الخاسرون
- أجيال المستقبل الذين سوف يتحملون عبء سداد الدين العام المتضخم.
- السياحة سبب إستمرار إغلاق الحدود الدولية بسبب وباء كورونا وخوف الحكومة من ردة فعل الناخبين السلبية انتخابياً إذا ما فتحت الحدود في حال إنتشار الوباء مجدداً خصوصاً ان 73% من الأستراليين يؤيدون إبقاء الحدود مغلقة مقابل 21% يؤيدون فتحها و6% امتنعنوا عن الإجابة حسب أحد إستطلاعات الرأي الأخيرة. وكان رئيس الوزراء قد وصف فتح الحدود بأنه غير منطقي، رغم ضغط نواب من حزب ألأحرار لفتح الحدود.
- البيئة والتغير المناخي: 1.2 مليار دولار على مدى 10 سنوات لتشجيع الاستثمار في الهيدروجين وفي تكنولوجيا التقاط الكربون وتخزينه، بالإضافة لمبلغ 100مليون دولار مخصصة لحماية الحياة في المحيطات، و209.7 مليون دولار لخدمة المناخ الأسترالية لمواجهة ظواهر الطقس المتطرفة.
المعارضة الفيدرالية فوجئت بنسبة الانفاق والدين بموزانة الحكومة والتي سماها معظم المراقبين السياسيين موازنة حزب العمال التي قدمتها حكومة الأحرار.
جاء رد المعارضة على الموازنة حذراً ولم تقدم بديل يعول عليه، ووعد زعيم المعارضة أنطوني ألبانيزي بإنشاء صندوق قيمته 10 مليارات دولار لخفض تكاليف السكن للعمال، كما تعهد ألبانيزي بمزيد من الحوافز لأصحاب العمل لتوظيف 10000 متدرب في مجالات مثل الطاقة المتجددة، وقال إن حكومة حزب العمال ستعالج الإنخفاض في الأجور الذي لم تلحظه الحكومة في موازنتها.
انتقد ألبانيزي الموازنة ووصفها بإنها لسيت موازنة بل خطاب إنتخابي وقال: "تقدم هذه الموازنة نمواً منخفضاً وإنتاجية منخفضة وأجور منخفضة وتريليون دولار من الديون وتساءل هل هذا حقًا أفضل ما يمكن أن نطمح إليه؟" لكن ألبانيزي لم يقترح أي حل لضعف الأداء الاقتصادي الذي تتوقعه الموزانة ، ولم يقدم أية إجابة لكيفية خفض الدين العام والذي يقارب تريليون دولار.
إذن، قدم وزير الخزينة موازنته والتي أيدها 44% من المواطنين لكن هناك أسئلة ملحة قد تكون توارت خلف بريق الارقام الضخمة رغم ان الشيطان يكمن في التفاصيل كما يقال وهذا ما يثلج صدر الحكومة التي ستواجه الناخبين في أي وقت خلال سنة من الآن.
ومن هذه الاسئلة
- ما هي خطط الحكومة لزيادة الوظائف التي وعد بها وزير الخزينة من خلال إقتطاع الضرائب؟ مع انه لم يستطع الإجابة على سؤال ديفيد سبيرز مقدم برنامج (إنسايدرز) على قناة أي بي سي حول الموضوع الاحد 16/5/2012.
- ماهي خطط الحكومة لتنويع مصادر الاقتصاد خصوصا اعادة الاعتبار للقطاع الصناعي بعد فضيحة الكورونا مع محارم الحمام والكمامات على سبيل المثال؟
- ما هي خطط الحكومة لاعادة الفائض بالميزانية وسداد الدين القومي الذي قارب عتبة الترليون دولار لأول مرة او ما نسبته قرابة 44% من الدخل القومي؟
- ما هي خطط الحكومة لتجنب تداعيات انهيار العلاقات الاسترالية الصينية وتأمين الأسواق البديلة بعد مقاطعة الصين المنتجات الأسترالية والتي كلفت أستراليا قرابة 20 مليار دولار، خصوصا في ظل قرع بعض الوزراء والبيروقراطيين طبول الحرب؟
- ما هي الخط الحكومة للوقاية من موجة اخرى من وباء كورونا في ظل نقص واضح في مراكز الحجر خارج الفنادق، والتي تطالب بعض حكومات الولايات بوقفها، وما هي الإمكانيات المالية لمواجه هكذا موجة هل سيكون بمزيد من الإستدانة؟!
- لماذا لم تلحظ الموازنة زيادة المعاشات المتجمدة منذ 8 سنوات والتي يتوقع ان تستمر لسنوات قادمة؟
- ما هي خطط الحكومة لاعادة فتح الحدود الدولية في ظل فشل حملة التلقيح ضد الكورونا؟
- ماذا لو ارتفع سعر الفائدة واصبحت خدمة الدين اعلى خصوصا اذا خسرت استراليا تصنيف )AAA(
الواضح أن الجانب السياسي في الموازنة يطغى على ما عداه رغم ضخامة الانفاق، خصوصا ان البلاد مقدمة على انتخابات فيدرالية في مهلة تبدأ الاول من أب القادم حتى أيار من العام القادم.
من حق رئيس الوزراء سكوت موريسن ووزير الخزينة جوش فرايدنبرغ العمل على البقاء في الحكم، لكن ليس على حساب الأجيال القادمة التي ستتحمل عبء الديون أومعاناة الموظفين.
المعروف أن حزب الأحرار في عقيدته محافظ في سياسات الإنفاق وضد العجز في الموازنة، لكن حكومة سكوت موريسن وفرايدنبرغ غيبت البعد العقائدي والإيديولوجي من موزانتها والذي جاء بعد توصية جان هاورد رئيس الوزراء الأسبق الاب الروحي السياسي لموريسن وفرايدنبرغ ( في أوقات ألأزمات لا توجد قيود إيديولوجية) رغم ان حزب الأحرار ما زال حتى الأمس القريب يعيب على كيفن راد تصرفاته وإنفاقه لمبالغ كبيرة أثناء الأزمة ألمالية العالمية عام و2008- 2009 والتي انقذت ألإقتصاد الأسترالي من تداعيات الازمة علماً أن نسبة الدين بلغت 4.2 % من الدخل القومي بينما نسبة ديون الحكومة الحالية بلغت 5%.
وإجابة على سؤال هل من إستراتيجية لدى الحكومة للتعامل مع الديون يقول كين هنري سكرتير وزارة الخزانة السابق وعضو مجلس إدارة بنك الاحتياطي السابق إلى أنه "لا توجد استراتيجية فعلية" ويضيف ان هناك استراتيجة واحدة فقط للتعامل مع حزب العمال.
ويوافق على رأي هنري النائب بارنبي جويس من الحزب الوطني حليف الأحرارالحكومي ورئيس الحزب الوطني سابقاً ونائب رئيس الوزارء السابق ويقول ان الحكومة لا تدير السياسة المالية بشكل جيد.
ويقول هنري عن الموازنة إنها:" تتعارض مع ميثاق النزاهة في الموزانة"
ويصف الخبير الاقتصادي ستيفن أنتوني، الذي كان يعمل سابقًا في وزارة الخزينة الفيدرالية ، الموازنة الفيدرالية لحكومة موريسون بأنها "قداس" ويتساءل ولكن لمن هذه الجنازة؟
أخيراً، وبناء على ما تقدم واراء بعض الإقتصاديين أصبح واضحاً ان عين موريسن على الإنتخابات، ولتذهب العقيدة والإيديولوجيا الى الجحيم، المعروف عن موريسن انه سياسي براغماتي بامتياز.
من هنا حتى يعرف من هو صاحب الجنازة يكون سكوت موريسن يتمتع بمعاش تقاعدي وافر وأجيال المستقبل تدفع فاتورة أخطأه.
لذلك نرى ان الحل ليس بالمال فقط إذا لم يرافق السياسية الشفافية بعيداً عن الأهداف الإنتخابية.
عباس علي مراد
Email:abbasmorad@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق