كتب شاكر فريد حسن ـ
لا جدال في أن الوضع الفلسطيني الداخلي يسير من سيء إلى أسوأ، ويمر بأزمة شاملة وعميقة جدًا، وسط أجواء مشحونة من الغضب الشعبي تجاه النظام السياسي ممثلًا بالسلطة، وذلك على خلفية جريمة اغتيال المناضل والمعارض السياسي نزار بنات، وقمع المظاهرات التي انطلقت احتجاجًا على هذه الجريمة النكراء، فضلًا عن تراجع الثقة بالسلطة، واخفاقها في التعامل مع القضايا والمشكلات الراهنة وإيجاد الحلول الناجعة لها.
كل ذلك يجري في ظل الانقسام السياسي الجاثم عنوة وبقوة على صدر الوطن المحاصر والمحتل، وفي خضم هجمة استيطانية غير مسبوقة على القدس والأراضي الفلسطينية من قبل الحكومة البديلة لنتنياهو، وما تحقق من انجاز وحدوي بين جميع قطاعات وأبناء شعبنا في جميع أماكن تواجده إبان العدوان العسكري الأخير على قطاع غزة، الذي خلف الدمار الهائل في البنى التحتية والعمارات والمباني السكنية، وأدى إلى استشهاد أكثر من 250 شخصًا أغلبيتهم من الأطفال، وهذا التلاحم الوحدوي أصبح في مهب الريح وخبر كان.
لا يمكن للحالة الفلسطينية أن تظل على هذه الدرجة من الضعف، بحيث يعجز النظام السياسي الفلسطيني استيعاب معارض لممارساته ونهجه وخطابه، لا يملك سوى قناعاته ورأيه وفكره المختلف ولسانه للتعبير عن ذلك، أو تفهم المحتجين في شوارع رام اللـه وغيرها، الذين هتفوا ضد السلطة وطالبوا برحيل رئيسها محمود عباس، دون حاجة لسحلهم وضربهم بطريقة وحشية أقل ما يقال عنها أنها ممارسات قمعية تتفوق على ممارسات سلطات الاحتلال، الذي طالما عانينا منها على امتداد سنواته الطويلة.
إن الاعتقالات السياسية مهما كان أسبابها ودوافعها مرفوضة بالأساس، وقد راح نتيجة الصمت الجماهيري، الكثير من الضحايا أخرها نزار بنات، ويجب تحريم هذه الاعتقالات والملاحقات القمعية وإعطاء مساحات لحرية الرأي والرأي الآخر.
السلطة الفلسطينية في بداياتها كانت فعالة ومسؤولة ولكن بعد غياب الرمز القائد أبو عمار انتشر الفساد في مؤسساتها واروقتها، وغدت هذه السلطة عاجزة عن ممارسة دورها، ولهذا العجز أسباب ومؤثرات ذاتية وموضوعية. ولا ريب أن استمرار الحالة الفلسطينية على ما هي عليها الآن تعني بقاء الفلسطينيين داخل حلقة مفرغة يصعب الخروج منها على المدى القريب وربما البعيد.
هنالك فوضى عارمة في الشارع الفلسطيني، وغياب الموقف الصحيح والسليم والرشيد، وغياب للإدارة وصوت الرئيس، كذلك غياب لدور القوى السياسية الديمقراطية التي كان من الممكن أن تلعب دورًا في درء مخاطر الانقسام وتدهور الأوضاع أكثر.
ما جرى حتى الآن من أمور فظيعة ومؤسفة جدًا، وعنف داخلي بهذه الطريقة والشكل، ليس من شيم وتقاليد شعبنا الفلسطيني الطامح لبناء دولته الوطنية الديمقراطية، وليست هذه هي السلطة التي أرادها شعبنا أن تدير شؤونه في مرحلة التحرر الوطني، فسلطة قوات أمنها تمارس القمع والسحل والاعتداء على المتظاهرين ليست شرعية.
إن الخروج من هذا المآزق وتفادي الوضع الفلسطيني الداخلي المشحون والمأزوم من التدهور أكثر، يستدعي ويتطلب وبسرعة إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية على درب تحقيق الاستقرار والوحدة الوطنية والنهوض نحو مجتمع مدني سياسي قادر على الإنجاز والعطاء وممارسة الديمقراطية الحقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق