الأربعاء، 27 أبريل 2022

تقسيم زماني لساحة باب العامود.. وتقسيم زماني للأقصى


كتب راسم عبيدات ـ

المخطط الذي كشف عنه وتشارك فيه جهات امنية وعسكرية وسياسية اسرائيلية بالإضافة الى بلدية الإحتلال وما يعرف بلجنة القدس في ديون رئاسة وزراء الإحتلال وما يعرف بوزارة شؤون القدس وسلطة الأثار وخبراء من الجامعتين"العبرية" في القدس وتل ابيب ..بالإضافة الى جمعية "العاد" الإستيطانية ...يستهدف بالأساس تهويد ساحة باب العامود وتغيير معالم المدينة العربية الإسلامية بشكل كامل، وساحة باب العامود المستهدفة الآن بمخطط تهويدي شامل،سيجري تقديمه للمصادقة عليه بعد عيد الفصح اليهودي وما يعرف بيوم استقلال دولة الإحتلال،يوم نكبة شعبنا الى لجنة التخطيط والبناء في بلدية الإحتلال ، يأتي هذا المشروع من أجل زيادة السيطرة والتحكم والمراقبة للداخلين والخارجين الى البلدة القديمة وعرقلة الإنسياب التاريخي الطبيعي ما بين البلدة القديمة والمصلين القادمين للصلاة في المسجد الأقصى في شهر رمضان وفي الأيام العادية،وما بين شارع نابلس ...وهذا يتطلب تطوير الأبراج الأمنية الثلاثة الموجود على جسر بوابة باب العامود وعلى جانبي الدرج ....ولتحقيق هذا الغرض عملت بلدية الإحتلال على القيام بحفريات في المنطقة الجنوبية للبوابة دخول الدخول الان الى ساحة المدرجات،فقد عملت على إزالة المقاعد والمدرجات الحجرية وحديقة الورود في فترة سابقة ..بإتجاه ما يعرف بمغارة الكتان او مغارة سليمان الى منتصف شارع السلطان سليمان،حيث يلتقي هذا المشروع التهويدي مع مشروع تهويدي آخر،فقد جرى ازالة درج المقبرة اليوسيفية والإستيلاء على قطعة الأرض التي فيها قبور ال ش ه د ا ء الفلسطينيين والأردنيين وصرح ا ل ش ه ي د في تلك المقبرة وجرى صب طبقة من الباطون فوق تلك القطعة والقبور، تحت ذريعة تحويل المنطقة لحديقة وطنية عامة والهدف جعلها جزء من مسارات توراتية وتلمودية ومشروع تهويدي آخر على شكل هرم براشوتي يبدأ من المتحف الإسلامي بإتجاه أراضي الحسبة في واد الجوز التي سيجري الإستيلاء عليها وكذلك مصادرة أراضي وقفية اسلامية ومسيحية ومن ثم الوصول الى مقبرة باب الرحمة التي جرى الإستيلاء على جزء منها ...وفي اسفلها ،عند برج اللقلق يجري القيام بحفريات لباب بعمق 6 أمتار لداخل البلدة القديمة .


وبالعودة الى تهويد ساحة باب العامود والتي جرت عملية جس نبض لتهويدها في العام الماضي وكانت سبباً مع الأقصى وحي الشيخ جراح في هبات القدس الثلاثة في نيسان وقيام معركة "سيف القدس" في آيار من نفس العام ...الان هذا المخطط التهويدي لساحة باب العامود والذي له حساسية كبيرة،وتشارك فيه كل دوائر وأجهزة ومستويات دولة الإحتلال ومؤسسات وجمعيات استيطانية،يهدف بالأساس الى شل الحركة التجارية والإقتصادية في البلدة القديمة والتي تئن تحت وطأة ضرائب إحتلالية باهظة،وكذلك التحكم في تدفق المصلين من البوابة الى ساحة الأقصى،وأيضا التحكم في الداخلين والخارجين من البلدة القديمة،وايجاد مسارات تهويدية بديلة ،تمكن من تقسيم الساحة زمانياً،تلك الساحة التي تشكل المتنفس الوحيد لسكان المدينة للجلوس فيها والقيام بأنشطة ترفيهية وثقافية وتراثية وفنية،وكذلك بيع المشروبات الخفيفة والساخنة ..والتقسيم الزماني لتلك الساحة،يمكن دولة وبلدية الإحتلال من اغلاقها بشكل كامل في فترة الأعياد اليهودية،وخاصة ما يعرف بعيد الأنوار ويمنع دخول العرب اليها بشكل كلي،لكي يمارسوا فيها طقوسهم التلمودية والتوراتية،ويعلنوا سيطرتهم وسيادتهم المزعومة على المكان كما هو الحال في السيطرة على الأحياء الإسلامية والمسيحية.

هذا المشروع تزامن مع مشروع لفرض التقسيم الزماني والمكاني على المسجد الأقصى،بدء العمل به من خلال ما عرف بغزوة الأقصى في 17/4/2022،حيث جرى تجاوز لكل الخطوط الحمراء واقتحام المسجد القبلي والإعتداء على المعتكفين فيه بوحشية قبل اعتقالهم،وكذلك تدنيس سجاد المسجد بأحذية وبساطير جنود وشرطة الإحتلال،وتحطيم وتكسير الأبواب والشبابيك والثريات الأثرية، في عملية جس نبص لمعرفة رد فعل المتواجدين في الأقصى من معتكفين ومرابطين /ات ومصلين من ابناء القدس وما يتصل بهم من حضور بشري ميداني من الداخل الفلسطيني- 48 - ،وكذلك ردة فعل دائرة الأوقاف الإسلامية وفعاليات وقوى المدينة وطنية وسياسية ودينية ،والجهات الرسمية أردنية وفلسطينية، وقوى وفصائل ا ل م ق ا و م ة في قطاع غزة .

صحيح ا ل م ق ا و م ة الشرسة والصمود الأسطوري لمن كانوا في الأقصى والتهديدات التي اطلقتها قوى ا ل م ق ا و م ة واجنحتها العسكرية من قطاع غزة،جعلت "الكابينت" الإسرائيلي يلتئم بحضور رئيس الشاباك ووزير الأمن الداخلي وقائد الشرطة العام،ويتخذوا قراراً بمنع الجماعات التلمودية والتوراتية بعدم اقتحام المسجد الأقصى في العشر الأواخر من شهر رمضان،خوفاً من تصاعد الأمور الى انتفاضة شعبية تطال كامل مساحة فلسطين التاريخية،وتضع المنطقة امام معركة سيف القدس 2" على نحو أوسع وأشمل،وربما تتجاوز مساحة فلسطين التاريخية الى ما هو أكبر من معركة وأقل من حرب شاملة بمشاركة إقليمية.

ولكن ما هو أصح بأن مخطط التقسيم الزماني للأقصى،كانت "بروفته" في يوم غزوة الأقصى واقتحام المسجد القبلي في 17/4/2022 ،حيث جرى اخراج كل من تواجد في الأقصى من مصلين ومعتكفين ومرابطين\ات،من أجل تأمين اقتحام الجماعات المتطرفة للأقصى وقيامها باداء طقوسها التلمودية والتوراتية في ساحاته في مشاركة للمسلمين الصلاة في الأقصى،الحيز المكاني،تحت ذريعة حرية العبادة للجميع،هذا الشعار الخادع والمضلل،والذي ليس فقط تروج له دولة الإحتلال وأمريكا ودول اوروبا الغربية،ولكن للأسف نادي التطبيع العربي،حلف "ابراهام" التطبيعي .

هذه المشاريع التهويدية والتقسيمات الزمانية والمكانية للأقصى،والزمانية لساحة باب العامود،والتي تستهدف تغيير معالم المدينة بشكل كلي وشامل ،بحيث يبدو مشهدها الكلي بدلاً من المشهد العربي الإسلامي المسيحي،مشهد يهودي تلمودي توراتي،وإحكام السيطرة والسيادة عليها،بما يغير روايتها ويزور تاريخها وهويتها،يأتي في ظل سيطرة الجماعات المتطرفة من "الداعشية" اليهودية على الدولة وتحكمها في القرار السياسي للحكومة،وحتى التقرير في بقاء الحكومة او سقوطها،ولذلك فمن الواضح بان ما ينتظر القدس هجمة شرسة من اجل فرض مشاريع تهويدية كثيرة ومتعددة يقع الأقصى وبوابة باب العامود في صلبها.

ولذلك من يعيشون في غيبوبتهم السياسية واوهامهم وانفصالهم عن الواقع بأن مسار المفاوضات وما يعرف بالشرعية الدولية ستوصل شعبنا الى حقوقه،عليهم ان يصحو من تلك الغيبوبة،فتلك الطريق لم تجر سوى الى ضياع الحقوق والأرض وتقسيم الأرض والشعب،وما يعرف بالشرعية الدولية انكشف بشكل سافر على حقيقته في اوكرانيا،حيث ظهر زيف وخداع قوى الإستعمار الغربي وامريكا وشعاراتهم عن السيادة وتقرير المصير والديمقراطية والحرية والعدل والإنسانية،فكلها سقطت،ولنجد سفور ووقاحة الغرب الإستعماري وأمريكا في تبني معايير مزدوجة وانتقائية من حقوق وسيادة وحق تقرير المصير للشعوب والعنصرية في التعاطي مع اللاجئين،و 74 عاماً من الإحتلال وما مورس ويمارس بحق شعبنا من قتل وجرائم وقمع وتنكيل،لم تكن كافية لهذا المجتمع الدولي الظالم أن ينتصر لشعبنا،وتلك الشرعية الدولية المثلومة،لم تنجح في إزالة طوبة واحدة في مستوطنة أو توقف هدم بيت فلسطيني واحد.

هل يملك شهباز شريف حلا لإنقاذ باكستان؟

 


 

بقلم: د. عبدالله المدني*

كان صعود عمران نيازي خان إلى السلطة في باكستان بُعيد انتخابات 2018 حدثا مفاجئا، كونه من هواة السياسة وليس من رموزها الجادين المعروفين. غير أن شخصيته الكاريزمية كبطل للعبة الكريكيت الأكثر شعبية في البلاد، وقيادته باكستان لفوزها الوحيد بكأس العالم للكركيت عام 1992، واستياء الشعب من الساسة التقليديين الفاسدين، علاوة على وعوده الانتخابية بتحويل باكستان من دولة بها "مجموعة صغيرة من الأثرياء وبحر من الفقراء" إلى "نموذج لدولة الرفاهية الإسلامية ذات النظام الانساني العادل"، معطوفا على تأييد مؤسسة الجيش له مثلت جميعها عوامل ساهمت في فوزه.

أما ما لم يكن مفاجئا فهو سقوطه بعد ثلاث سنوات ونصف السنة في الحكم، ليس فقط لأن تواضع خبرته السياسية والإدارية لم تسعفه في تحقيق وعوده للجماهير، وليس فقط لأنه ورث اقتصادا سيئا فلم يحسن اصلاحه وتركه يزداد سوءا وتراجعا وسط تضخم قياسي في أسعار المواد الغذائية ، وارتفاع الديون ، والبطالة ، وتزايد الواردات ، وعجز تجاري بأكثر من 35 مليار دولار، وإنما أيضا لأنه فقد دعم وثقة الجيش الذي لا يريد أن يتحمل أمام الجماهير مسؤولية اخفاقات رئيس الحكومة.

وهكذا، وكما هو معروف، سقط الرجل الذي علقت عليه ملايين الباكستانيين آمالاً عريضة، في جلسة برلمانية لسحب الثقة، أي بطريقة غير مسبوقة في الحياة السياسية الباكستانية رغم أنها استخدمت من قبل دون نجاح للإطاحة بشوكت عزيز في عام 2006 وبي نظير بوتو في عام 1989. 

وبإنضمام خان إلى قائمة رؤساء الحكومات المنتخبين الذي أطيح بهم قبل استكمال فترتهم القانونية، واختيار البرلمان لزعيم المعارضة ورئيس حزب "الرابطة الإسلامية ــ جناح نواز" منذ عام 2017 ليكون رئيس الوزراء الثالث والعشرين لباكستان منذ تأسيسها انتهت حقبة وبدأت حقبة جديدة في تاريخ هذه البلاد، لكنها لن تكون قطعا حقبة سهلة مفروشة بالورود، بل مليئة بالتحديات والملفات الداخلية والخارجية المعقدة.

يعتقد بعض المراقبين أن رحلة شهباز شريف في السلطة ستكون أسهل من رحلة سلفه، أولا بسبب كفاءته الإدارية التي تجلت في قيادته الطويلة الناجحة لحكومة ولاية البنجاب، أكثر الولايات الباكستانية اكتظاظا بالسكان، وتمكنه أثناءها من انجاز عددا من مشاريع البنية التحتية الضخمة التي مولتها الصين (كان من بينها أول نظام حديث للنقل الجماعي في لاهور مثلا)، وثانيا بسبب علاقته الجيدة مع مؤسسة الجيش القوية بدليل عدم اعتراضها على صعوده إلى السلطة، وثالثا بسبب روابطه الوثيقة مع الولايات المتحدة (المورد الأول لسلاح الجيش الباكستاني) التي وصفها بالشريك الضروري لباكستان في السراء والضراء وذلك في تناقض جلي لمواقف سلفه من واشنطن، ورابعا بسبب وثوق الحليف الصيني به وبكفاءته الإدارية في تنفيذ المشاريع ذات الصلة بمبادرة الممر الاقتصادي الصيني ــ الباكستاني البالغ قيمتها 60 مليار دولار ضمن مشاريع "الحزام والطريق" الصينية الضخمة بدليل إشادة القنصل الصيني العام في لاهور به بقوله إن "شريف وحزبه سيضلان من أصدقاء الصين، سواء كانا في الحكومة أو المعارضة". وخامسا لأنه يتمتع بعلاقات ودية مع قادة الدول العربية ذات الروابط التاريخية مع باكستان ولاسيما في الخليج العربي، أي بعكس سلفه الذي بدرت منه مواقف سياسية غير ودية.


على أن فريقا آخر من المراقبين يرى أن المحك في نجاح شريف أو اخفاقه في قيادة باكستان يعتمد اولا وأخيرا على طريقة معالجة الفوضى الاقتصادية التى ورثها من سلفه، قائلا أنها فوضى غير مسبوقة يجد المتابع تجلياتها في ارتفاع معدلات التضخم، وفقدان العملة المحلية لنحو 50% من قيمتها، وتراجع احتياطات النقد الأجنبي إلى مستويات خطيرة، وتراكم الديون والمستحقات الخارجية، وبروز أزمة ميزان المدفوعات المتمثلة في عدم قدرة البلاد على سداد قيمة الواردات الأساسية أو خدمة مدفوعات ديونها الخارجية المقدرة بـ 14 مليار دولار في الأشهر التسعة المقبلة.

وفي رأينا أن الزعيم الباكستاني الجديد قادر على حل جزء كبير من معضلات بلاده الاقتصادية لو تحرك بجدية وبروح جديدة نحو تسوية القضايا التاريخية المزمنة مع جارته الهندية. ذلك أن إقامة سلام وتعاون دائم وثابت مع القطب الهندي يعني توجيه قدر كبير من موارد الدولة الباكستانية والمساعدات التي تتلقاها من الخارج نحو البناء والتنمية وتحسين الخدمات ومستويات معيشة السكان البالغ تعدادهم 220 مليون نسمة، بدلا من توجيهها نحو التسلح والمجهود الحربي والدعاية المضادة.

والحقيقة أن ما قد يساعد على ذلك هو أن عائلة شهباز شريف التي ينحدر أسلافها من الجزء الواقع تحت السيادة الهندية من ولاية البنجاب المقسمة منذ عام 1947 عرف عنها تبنيها مواقف أكثر سلمية وتصالحية وأقل عدائية تجاه الهند، مقارنة بأسلافه ومنهم الزعيم المعزول عمران خان الذي شهد عهده تراجع وتجمد العلاقات والاتصالات بين الجارتين اللدودتين على كافة الأصعدة بسبب تصريحات خان المنددة بالهندوس وبسياسات نظيره الهندي ناريندرا مودي. ومما يجدر بنا ذكره في هذا المقام أن شهباز شريف كان قد زار البنجاب الهندية في عام 2003 حينما كان رئيسا لولاية البنجاب الباكستانية، كما وأن شقيقه الأكبر، رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف استقبل في باكستان سنة 2015 نظيره الهندي مودي الذي سافر إلى لاهور في زيارة خاطفة وغير مقررة لمشاركة نواز شريف أفراحه بعيد ميلاده وزواج حفيدته. ولعل هذا كله هو ما دفع الباحث في مركز إسلام آباد للدراسات والبحوث الأمنية "امتياز غول" للقول بأن الشقيقين شريف أقاما بشكل عام علاقات ودية مع القادة الهنود، وأن هذه نقطة جيدة لإطلاق حوار سلام وتعاون  بين باكستان والهند تصب نتائجه لصالح البلدين والشعبين معا.

لكن يبقى سؤال "هل سيسمح جنرالات الجيش القابضين على زمام الأمور من خلف الكواليس لشهباز شريف أن يأخذ باكستان إلى التقارب والتصالح مع الهند؟ أم أنهم سيتحركون لإجهاض أي عملية من هذا النوع كعادتهم انطلاقا من نزعة الثأر المسيطرة عليهم لهزائمهم المريرة الثلاث على أيدي الجيش الهندي؟



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: أبريل 2022م



الثلاثاء، 19 أبريل 2022

كيف ولماذا سقط عمران خان؟

 

بقلم: د. عبدالله المدني*

ما حدث مؤخرا في باكستان من تطورات سياسية انتهت بعزل رئيس وزرائها عمران خان قبل إكمال ولايته القانونية، لم يكن شيئا غير مألوف في هذه البلاد التي شهدت منذ تأسيسها عام 1947 أربعة انقلابات عسكرية، وعاشت أكثر من 30 سنة في ظل حكم العسكر. ففي التاريخ السياسي للدولة الباكستانية حوادث ووقائع مشابهة ومتكررة وإنْ اختلفت طرق العزل ما بين انقلاب عسكري أو انتفاضة شعبية أو حكم قضائي او تآمر حزبي. لكن الثابت في مختلف الأحوال هو أن أي زعيم باكستاني لن يطول به المقام في كرسي الحكم إلا إذا كانت مؤسسة الجيش راضية عنه، فهي التي تدير شؤون البلاد من خلف الكواليس سواء أكان رئيس الحكومة مدنيا أو عسكريا.

في حالة عمران خان، لا يحتاج المرء إلى كبير عناء لإثبات أن مؤسسة الجيش متهمة بالتدخل لتفويزه في انتخابات عام 2018 منعا لعودة رئيس الوزراء السابق نواز شريف إلى السلطة، وهي التي عجلت في نهايته بالتصريح الذي أطلقه قائدها الجنرال قمر جاويد باجوا بقوله أن "العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة لا تزال على رأس اهتمامات باكستان"، وذلك ردا على انتقادات عمران خان اللاذعة لواشنطن واتهامها بالتآمر لإسقاطه.

منذ لحظة إطلاق الجنرال باجوا لذلك التصريح بدا واضحا ان علاقة رئيس الوزراء بمؤسسة الجيش سائرة نحو المزيد من التدهور الذي بدأت مؤشراته في أكتوبر 2021 حينما رفض الأول توقيع قرار تعيين الجنرال نديم أنجوم رئيسا لجهاز الاستخبارات بحجة أن الجنرال باجوا لم يستشره، قبل أن يقوم الرجلان بتسوية خلافاتهما ظاهريا.

لم يكن عمران خان بحاجة لإثارة جنرالات الجيش وهو العارف بمدى قوتهم وتأثيرهم في الحياة السياسية لبلاده، غير أن قلة خبرته السياسية وضعف تجربته الإدارية وطموحاته السلطوية اللامحدودة هيأت له ان بامكانه التحليق بعيدا دون محاذير، فمضى يدمر علاقات باكستان الإقليمية بالتخطيط مع ماليزيا وإيران وقطر وتركيا لعقد "مؤتمر الضرار" سنة 2019 لإبعاد المملكة العربية السعودية عن قيادة العالم الإسلامي، وراح يكثر من توجيه النقد لواشنطن والاعتراض على سياساتها حيال العديد من القضايا ضاربا بعرض الحائط حقيقة أن واشنطن تمثل مورداً رئيسياً لأسلحة جيشه، ناهيك عن أنها منحت اسلام آباد وضع "حليف استراتيجي من خارج الناتو"، فحصلت بموجب هذا الوضع الخاص على مجموعة متنوعة من المزايا العسكرية والمالية التي لا يمكن أن تحصل عليها الدول الأخرى غير الأعضاء في الحلف.

وفي المقابل لم يكن الجيش بحاجة إلى انقلاب عسكري للإطاحة به لأن شعبيته التي ظل يتفاخر بها طويلا كانت قد وصلت إلى الحضيض بسبب سوء إدارته لإوضاع البلاد الاقتصادية، ما تسبب في تراكم الديون وتسارع التضخم وتدهور قيمة العملة المحلية (الروبية) وركود النمو على مدى السنوات الثلاث الماضية ووصول البلاد إلى حافة الانهيار والافلاس. هذا ناهيك عن فشله في الوفاء بوعوده للجماهير حول القضاء على الفساد المتجذر والمحسوبية وتوفير الأمن والإستقرار وايجاد حلول واقعية للعنف المستشري في بعض مناطق البلاد والتي تغذيها المطالب الانفصالية (كما في بلوشستان) أو النزعات الطائفية والقبلية (كما في إقليم خيبر بختونخوا).

ولعل ما زاد الطين بلة هو إقدامه على خطوة شعبوية تمثلت في تراجعه عن خطة الإصلاح الاقتصادي التي وقعها عام 2019 مع صندوق النقد الدولي بقيمة ستة مليارات دولار والتي اشتملت على تعهدات بخفض دعم أسعار سلع معينة وتحسين الإيرادات والعمل بصورة منهجية لتحصيل الضرائب والقضاء على ظاهرة التهرب الضريبي المتفشية، مفضلا بذلك مستقبله السياسي على مستقبل البلاد والأمة.

جملة القول أن عمران خان المبتديء في السياسة لم يحسب خطواته جيدا وهو يقتحم عالم السياسة الباكستانية الوعر والمليء بالأشواك والألغام، بل لم يستفد من دروس ما حل بأسلافه فكابر كثيرا، إلى درجة أن الكثيرين من المحسوبين عليه من أعضاء حزبه تمردوا عليه في أول فرصة (انشق عشرة من نوابه عليه وانضم سبعة نواب من حلفائه إلى صفوف المعارضة). ومن هنا فإن الجيش تجنب هذه المرة الانقلاب على زعيم منتخب، وترك أمر عزله للبرلمان الذي حجب الثقة عنه في جلسة عاصفة دامت 14 ساعة تخللتها تبادل الاتهامات والاستقالات، فصار عمران خان بذلك أول زعيم باكستاني يعزل من منصبه عبر حجب الثقة عنه بطلب من أحزاب المعارضة ودعم مطلق من المحكمة العليا.

أما إدعاءات خان بأن واشنطن والغرب تآمروا عليه بقوله: "لأنني عارضت الحرب على أفغانستان وعلى العراق ورفضت تسليم القدس للصهاينة وتعاونت مع الصين" فلم تكن سوى محاولة يائسة منه لتسول الشعبية والتأييد عبر دغدغة مشاعر شعبه المسلم المعروف بسهولة انقياده نحو الشعارات المضادة للغرب عموما.

وبخروجه من السلطة واختيار البرلمان الباكستاني محمد شهباز شريف(زعيم حزب الرابطة الإسلامية ورئيس وزراء ولاية البنجاب السابق، أهم الولايات الباكستانية، والشقيق الأصغر لرئيس الحكومة السابق نواز شريف الذي سقطت حكومته الثالثة بسبب مزاعم الفساد) بديلا عنه في الحادي عشر من ابريل الجاري تبدأ باكستان حقبة سياسية جديدة لكنها صعبة وحافلة بالمفاجآت والصراعات. وليس من المستبعد أن يبدأ شريف عهده بالانتقام من سلفه عبر فتح ملفات الأخير والتحقيق معه في مزاعمه حول التآمر الخارجي ضده، بل واتهامه بتخريب التقاليد البرلمانية والمتطلبات الدستورية على نحو ما جرت العادة في باكستان بين الخلف والسلف منذ عهد ذوالفقار علي بوتو.



د. عبدالمدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: أبريل 2022م


الثلاثاء، 12 أبريل 2022

استراليا: التعددية الثقافية بين الواقع والفلكلور

 


تقرير عباس علي مراد ـ

طغت الأسبوع الماضي على الساحة الأسترالية قضية تصريحات لرئيس الوزراء سكوت موريسن يعود تاريخها الى العام 2007 على غيرها من المواضيع، وذلك اثناء محاولته كسب تأييد حزب الاحرار في الانتخابات الحزبية ليمثله عن مقعد كوك الفيدرالي في جنوب سدني، وكان هناك عدة متنافسون على المقعد منهم مايكل طوق الاسترالي من خلفية لبنانية والذي نال 84 صوتاً وجاء اولاً، وسكوت موريسن الذي نال8 أصوات وحل في المرتبة الأخيرة، ولكن وحسب ما قال طوق لبرنامج (ذي بورجكت على القناة العاشرة التلفزيونية) انه ونتيجة لضغوط حزبية وتهديد بتشويه سمعته اضطر للأنسحاب من السباق وفُرض عليه تجيير اصواته لموريسن بعد انسحاب المرشحين الاخرين من السباق كلياً.

من اهم ما قاله موريسن، ان المنطقة قد لا تقبل وليس لائقًا لتمثيل ناخبي كوك ان يمثلها شخص من خلفية لبنانية قد يعتقدون انه مسلم، تصريحات موريسن أكدتها السينتورة كونشيتا فيرافينتي والس من حزب الاحرار حزب رئيس الوزراء. 


ووصفت فيرافينتي والس موريسن بأنه بدون بوصلة أخلاقية، متعجرف، متنمر، متسلط، له تاريخ طويل بالطعن بالظهر،عنصري، يدعي الايمان ويستغل ذلك لميزات تسويقية ولا ينبغي أن يكون رئيسًا للوزراء.

وأيدت زعيمة "أمة واحدة" بولين هانسون السينتورة فيرافينتي وتحدثت عن تجربة مرة مع موريسن.وكذلك قالت السينتورة المستقلة جاكي لامبي.

 وكان تصريح مشابه للنائبة في برلمان نيو سوث ويلز كاثرين كوساك اتهمت موريسن بالتنمر وتدمير حزب الأحرار، وقالت انها لن تصوت لإعادة انتخاب سكوت موريسن في انتخابات أيار القادم. 

وكانت تصريحات مماثلة تناولت شخصية موريسن صدرت عن شخصيات بارزة من حزب الاحرار مثل كلاديس برجكليان رئيسة ولاية نيو سوث ويلز السابقة وبارنبي جويس زعيم الحزب الوطني ونائب موريسن.

مايكل طوق الذي التزم الصمت طوال هذه المدة أكد التصريحات،  وكما تقدم روى قصته وقال انه وقع وثيقة قانونية مع احد الحزبيين السابقين تؤكد ذلك وتحد موريسن ان يوقع مثل ذاك الاقرار في نيو سوث ويلز وليس في كامبرا لاسباب قانونية.

موريسن من جهته نفى القصة نفياُ قاطعاً، وتولى بعض السياسيين المقربين منه الدفاع عنه، بالأضافة الى بعض ابناء الجالية اللبنانية خدمة لمصالح شخصية، وكأن موريسن من السذاجة بمكان ان يقول هذا الكلام لهم.  

 


بغض النظر عن من قال، وماذا قال، ومن نفى، ومن دافع، ومن أكد، ومن تزلف فالموضوع على أهميته ارتأيته ان يكون مدخلاً لهذا المقال عن التعددية الثقافية الأسترالية لما له من دلالة وكيف تتصرف الطبقة السياسية والاعلام.

نبدأ بالسؤال هل تعيش استراليا تعددية ثقافية حقيقة او كما يسميها احد الاصدقاء (عددية ثقافية)؟

الفلكلور وحده لا يبني دولة رغم أهميته في تقوية وتعزيز ثقافة الشعوب، واستراليا ما زالت حتى تاريخه لم تعترف بسكانها الأصليين في الدستور، ومنذ سبعينيات القرن الماضي الغت أستراليا سياسية أستراليا البيضاء، وبدأت باستيعاب مهاجرين من مختلف دول العالم  والذين يشكلون الان قرابة 30% من السكان (7.6 مليون) حسب ارقام مكتب الأحصاء الأسترالي لعام 2020 والتي افرج عنها في 20/4/ 2021، وفي العام 2016 كان 21%  من السكان من الجيل الثاني من الأستراليين (ولدوا في أستراليا ، لكن أحد الوالدين أو كلاهما ولدا في الخارج)

إذن، يوجد في أستراليا تنوع سكاني ومن خلفيات عرقية مختلفة، وطبعاً يخضع السكان للقانون الاسترالي بغض النظرعن العرق او اللون او العقيدة واللغة الانكليزية هي اللغة الرسمية، علماً انه وحسب إحصاء عام 2016 فان أكثر من خُمس الأستراليين(21 في المائة) يتكلمون لغة أخرى غير الإنجليزية في المنزل، واللغات الأكثر شيوعًا التي يتم التحدث بها في المنزل هي الماندرين والعربية والكانتونية والفيتنامية.

هل تنعكس هذه الأرقام في التمثيل السياسي؟ بكل بساطة الجواب لا. وكما تندر احدهم مرة على ان  اكبرضاحية يتمثل فيها السكان من خلفية انكلوسكسونية واوروبية هي البرلمان الفيدرالي.

 ولوأخذنا نسبة التمثيل عند التحالف الفيدرالي(احرار- وطني) فهي تشكل أقل من 4 في المائة من النواب من خلفيات غير أوروبية ، مقارنة بـ 21 في المائة من السكان الأستراليين(س م ه 5/4/2022).

وطبعأً النسبة في حزب العمال قد تكون اكثر بقليل لكنها لا تحاكي الواقع الديمغرافي مع العلم ان الحزبين يحرصان على انزال مرشحيهم المفضلين بالمظلات في المقاعد الامنة.


 فعلى سبيل المثال حزب العمال فرض ترشيح السينتورة كريستينا كينلي (تسكن سرق سدني) عن مقعد فوالر في غرب سدني على حساب حزبية أخرى هي تو لي من خلفية فيتنامية من سكان المنطقة المتنوعة ثقافياُ، وكذلك الامر بالنسبة لمقعد باراماتا في غرب سدني فقد انزل فيها اندرو شارلتون  (يسكن شرق سدني) متجاوزين أعضاء الفروع الحزبية في المنطقة.

   ورأينا وسمعنا عن الحرب الأهلية داخل حزب الأحرار حول اختيار المرشحين المقربين من سكوت موريسن، والتي وصلت الى المحكمة العليا الاسترالية، وقد طرد الحزب من صفوفه السيد ماثيو كامونزولي الذي تقدم بالدعوة ضد مقاربة الحزب للترشيحات الحزبية والانزال بالمظلات للمرشحين المفضلين والموالين.

ما أشبه اليوم بالبارحة فقضية طوق تتجد ولا يرف جفن للطبقة السياسية والاعلام الذي يصبح كالنعامة التي تضع رأسها في الرمال.

وبالعودة الى التعددية الثقافية والتي يتغنى بها السياسيين عندما تناسب هواهم وهدفهم السياسي، ويصبون عليها كل انواع الاتهامات اذا أقتضى الامر، وطبعاً لكل مرحلة ضحاياها فبالامس القريب كان مالكوم تيرنبول  ووزيره بيتر داتون يصوبان على ابناء جالية جنوب السودان وكأنها تفرض امر واقع في ضواحي ملبورن، مع أن تيرنبول نفسه كان يفاخر بأن استراليا اهم واكثر دولة تعددية ثقافية وعلى ما اعتقد كان اول رئيس وزراء فيدرالي يقيم حفل افطار في البرلمان.

    في العام 2005  وصف المذيع آلان جونز المسلمين اللبنانيين بأنهم "حشرات" "يغتصبون وينهبون أمة استوعبتهم"

في العام 2016 قال بيتر داتون أن حكومة فريزر ارتكبت خطأ في السماح للاجئين اللبنانيين بالاستقرار في أستراليا.

في العام  2007 جان هاورد رئيس الوزراء الأسبق كان اول رئيس وزراء يلغي تسمية وزراة الهجرة والتعددية الثقافية ويسميها وزارة الهجرة والمواطنة.

هذا عينة عن كيفية مقاربة المسألة، علماً ان أستراليا اليوم تقوم على ركائز ثقافية ثلاث هي السكان الأصلين وثقافتهم، السكان من خلفية أنكليزية وثقافتهم، وباقي اطياف المجتمع من الخلفيات الثقافية الأخرى.

 وهذا التحدي الابرز الذي يواجه البلاد من اجل ان يكون هناك انسجام وتناغم اجتماعي غير خطابي وفلكلوري حتى تستمر أستراليا بالنهوض بركائزها الثلاث لتثبيت أقدامها في عالم متغير، وان لا نكتفي بالفلكلور فقط.

 كان ملفتاً ما قاله النائب عن منطقة بلاكسلند في سدني جايسن كلير في أفطار جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية( 8/4/2022) عندما قال ان ما لفت نظره الاعلانات التي تبارك بقدوم رمضان في المحلات التجارية في منطقته مثل ولورثز والذي لم يكن ممكن تصوره ان يحدث قبل 30 عاما حيث اعتبر ان ولورثز لا يمكن ان يفوت فرصة تجارية كهذه لانهم أذكياء كفاية. 

  اعتقد ان المشوار طويل فهذا سكوت موريسن رئيس حكومة تصريف الاعمال عندما سئل عن التعددية الثقافية ونفية لمقولاته عن العنصرية على تلفزيون أس بي أس اخبار السادسة والنصف 10/4/2022 فأجاب علاقتي مع الجالية اللبنانية جيدة وانا زرت جامع لاكمبا بعد مجزرة كرايس تشرش في نيوزلندا (15/3/2015).

 هل يعلم موريسن ان اللبنانيين ليسوا كلهم مسلمين، وان المسلمين ليسوا كلهم لبنانيين، أم لعب على الكلام، ام أنه مازال يعتقد ان ما قاله عام 2007 عن مايكل طوق يفيده اليوم رغم نفيه انه قال هكذا كلام.

هذا ما يظهر ان ثقافتنا الاجتماعية والسياسية الوطنية ما زالت قاصرة، وتغلب التوجه السياسي الانتخابي ونحن في خضم حملة انتخابية حامية (موعد الانتخابات21/5/2022) وقد تكون قذرة وتخويفية وحتى قد  تتضمن شعارات عنصرية واضحة او مبطنة بهدف الوصول الى السلطة وقد لا يكون هناك من حسيب ولا رقيب، وقد تغيب عنها كلياً قضية التعددية الثقافية. 

فإلى متى سوف تستمر الطبقة السياسية والاعلام بتجاهل الواقع ومتى ستأخذ المبادرة التي اخذتها المؤسسات التجارية وتكون ذكية كفاية وعدم تفويت الفرصة تلوى الأخرى؟ 

أخيراً، علينا مواجهة التحدي بجدية بعيداً عن الفلكلور ولا نلقي باللوم فقط على اقليات متطرفة بغض النظر عن خلفيتها، ونحتمي وراء مقولة انهم لا يمثلون قيم المجتمع الاسترالي الأوسع لان العنصرية مشكلة وطنية.

طبعاً ما تقدم لا يعفي أياً كان من مسؤوليته/ها،  ونتفهم ان يتوزع الاستراليون من خلفية لبنانية وعربية على الاحزاب الاسترالية، لانها جزأ لا يتجزأ من الحياة السياسية، والمشاركة فيها من أجل المساهمة في تطوير البلاد، وتعزيز الحريات والحد من العنصرية والتصدي للتحديات التي تواجه أستراليا، وتواجهنا كجزأ من المجتمع الاوسع وعلى ان يكونوا ممثلي للجالية داخل الاحزاب، وليس ممثلوا الاحزاب لدى الجالية حتى تستقيم الامور ونحصد نتائج أيجابية تعود بالفائدة على الجميع، خصوصا اننا اخترنا هذه البلاد لبناء مستقبل أفضل لنا ولأبنائنا (بنين وبنات) وتطوير استراليا.

هكذا نرى التعددية الثقافية مصلحة وطنية عليا يتساوى فيها الجميع، كما ترى المؤسسات التجارية والمالية مصالحها وتعمل لها، مثلاً فالمصارف لا تفرق بين الموطنين على أساس عرق او أثنية او عقيدة او لون عندما تقرضهم اموالها مقابل فوائد معينة. 

 سدني


الخميس، 7 أبريل 2022

إنسحاب "عيديت سليمان" يمهد لعودة نتنياهو والمأزق السياسي


تقرير راسم عبيدات ـ

   واضح بأن خبر انسحاب " عيديت" من الإئتلاف الحكومي ،جاء كوقع الصاعقة على رأس بينت،الذي توالت على رأسه الضربات، وخاصة ضربة العمليات الثلاث التي حدثت في الداخل الفلسطيني -48 - ،النقب والخضيرة وتل أبيب،حيث اتهمت حكومته بالضعف،وبأنها غير قادرة على توفير الأمن لمواطني دولة الإحتلال...."عيديت" بررت إنسحابها بأنه جاء لأسباب ايدولوجية،بسبب ادخال وزير الصحة "هورفيتش" للخبز المخمر الى المشافي الإسرائيلية في فترة عطلة عيد الفصح،وهو ما يتنافى مع الشرعية الإسرائيلية،ويشكل خطر على يهودية دولة الإحتلال وشعبها ،ولكن عند الغوص في العمق نقول بأن ذلك شكل فقط المحفز لهذه الإنسحاب، الذي سبقها اليه انسحاب عضو الكنيست عميحاي شيكلي،منذ بداية تشكل الحكومة،حيث رفض هذه التشكيلة،وكان يصر على تشكيل حكومة يمين...ونتنياهو والصهيونية الجديدة بقيادة عضو الكنيست " سموتريتش" يمارسون ضغوط مكثفه على اعضاء حزب " يمينا" اللذين خرجوا من رحم الليكود من أجل العودة الى بيت الطاعة،وتشكيل حكومة يمينية صرفة، ولذلك من المتوقع ان تنجح تلك الضغوط في استقطاب عضو أخر من "يمينا" هو "نير اورباخ"،وبالتالي يستطيع المنسحبين الثلاثة تشكيل كتلة مستقلة،ويفقد الإئتلاف الحاكم الأغلبية في الكنيست ...وبذلك تصبح هذه الحكومة مشلولة وعاجزة عن اتخاذ قرارات ذات طابع استراتيجي ولن تستطيع تمرير والمصادقة على الميزانية العامة للدولة.وهنا يصبح المرجح الذهاب الى حل الكنيست واجراء انتخابات جديدة خامسة في غضون ثلاث سنوات والعودة الى المأزق السياسي عام 2019،وهذا الخيار الأكثر ترجيحاً ،فحتى لو جرى التوافق على تشكيل حكومة جديدة بدون انتخابات من قوى اليمين،فهي لن تحصل على 61 صوتاً،فهي تحتاج الى موافقة القائمة العربية المشتركة،وقد اعلن قادة المشتركة انهم لن يدعموا تشكيل مثل هذه الحكومة ..واعادة تشكيل ائتلاف " التغير"،بدعم ومشاركة القائمة العربية الموحدة - منصور- عباس - ،يعني استقالات أخرى من قوى الإئتلاف ورفض لمثل هذه الحكومة ...

   ولنعد الى اسباب انسحاب "عيديت" من الإئتلاف الحاكم واستقالتها من رئاسة هذا الإئتلاف التي كان محفزها الخبز المخمر،في حين اسبابها الجوهرية تتلخص في أنها تعرضت لضغوض هائلة من قبل قوى اليمين وبالذات الليكود،وهي لم تعلن خطوتها هذه والتي لم تكن ارتجالية،بل تمت بعد ان جرى الإتفاق بين زوجها صموئيلي وعضو الكنيست ورئيس كتلة الليكود ياريف ليفين،على انسحابها من الإئتلاف ومنحها مقعد وزير الصحة في الإنتخابات القادمة،وان تكون رقم عشرة على لائحة قائمة الليكود للإنتخابات،وكذلك الضغوطات الكبيرة التي تولدت من بعد العمليات الثلاث في الداخل الفلسطيني- 48 - بئر السبع والخضيرة وتل ابيب ...والتي أظهرت هشاشة منظومة الأمن الإسرائيلي وفقدان مواطني دولة الإحتلال للأمن الشخصي.....ويضاف الى ذلك عوامل وأسباب أخرى لم يجر ذكرها،بأن بينت القادم  من جبهة الإستيطان الديني،حيث كان الرئيس السابق للمجلس الإستيطاني الإقليمي ،لم يعمل كفاية من أجل الإستيطان،وانه عند ذكر اسم المستوطنات في الضفة الغربية امام وزير الخارجية الأمريكي "بلينكن" قال مستوطنات الضفة الغربية ولم يقل مستوطنات "يهودا والسامرة"،وكذلك لم يتحدث عن أراضي الضفة الغربية،بأنها أراضي "يهودا والسامرة" ...


   نعم واضح بأن هذه الحكومة التي تشكلت من مجموعة من المكونات والمركبات السياسية والحزبية المختلفة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً  جمعها هدف واحد،ألا وهو ابعاد نتنياهو عن رئاسة الوزراء،وهي رأت النور بضوء اخضر أمريكي،وأمريكا لا تريد نتنياهو رئيساً للوزراء،بسبب الخلاف معه حول العودة للإتفاق مع ايران حول برنامجها النووي.. وبقيت هذه الحكومة عرجاء تتكىء على دعم القائمة العربية الموحدة من الخارج بفارق صوت واحد،ولذلك هي كانت دائماً غير مستقرة،وعرضة للإنهيار في أي لحظة،ولم تكن قادرة على اتخاذ قرارات استراتيجية في الجوانب السياسية،على سبيل المثال العودة للمفاوضات السياسية مع السلطة الفلسطينية وغيرها من الملفات الأخرى،ولذلك هي ظهرت كانها  حكومة تصريف أعمال،تعمل في القضايا الإقتصادية والأمور المتعلقة بيهودية وديمقراطية الدولة وتجاوز أثار جائحة " كورونا".

   نتنياهو لم يغادر حلبة المسرح السياسي،بل كان يعمل ليل نهار من اجل الإنقضاض على هذه الحكومة،والتي كان دوماً يصفها بأنها "دمية" في يد امريكا وتفرط بامن دولة الإحتلال،حيث الضعف امام ايران،وكذلك الضعف أمام ما يصفه بإرهاب الفصائل الفلسطينية و ح ز ب ا ل ل ه ،ولذلك في المظاهرة الإحتجاجية التي شارك فيها امس الى جانب الألاف من أنصاره من قوى اليمين أمام مقر رئيس دولة الإحتلال في القسم الغربي من مدينة القدس،والتي كانت مخصصة للإحتجاج على ضعف الحكومة وعدم قدرتها على توفير الأمن لمواطني دولة الإحتلال بعد العمليات الثلاثة في الداخل الفلسطيني – 48 -،وجدها فرصة لكي ينقض على حكومة بينت ويصفها بالضعف ،ويدعو فيها اعضاء "يمينا" وغيرهم من اعضاء الأحزاب اليمينية الأخرى للعودة الى بيت الطاعة وتشكيل حكومة يمين،حكومة قوية تقف في وجه التحديات التي تواجه دولة الإحتلال داخلياً وخارجياً.

   حكومة بينت وصلت الى محطتها الأخيرة وفرص عودة " عيديت" عن إنسحابها وإستقالتها تكاد تكون معدومة،فهي خرجت لكي لا تعود ،وكذلك إمكانية انضمام غانتس الى المعارضة وتولي رئاسة الوزراء تبدو صعبة للغاية،فغانتس جرب نتنياهو، الذي لم ينفذ الإتفاق معه وعمد الى تفكيك حزبه "أزرق أبيض"،ولذلك يبقى هذا الخيار صعب ،ولذلك الخيار المرجح هو التصويت على حل الكنيست والذي يحتاج ل 61 صوتاً،واعتقادي الجازم بان القائمة العربية المشتركة ليس لديها تحفظ او مصلحة في بقاء هذه الحكومة،وهي لن تشكل لها حاجز صد أمام قوى اليمين الداعية الى إسقاطها،وبذلك تفتح عملية إنسحاب "عيديت" رئيسة قائمة الإئتلاف الحكومي  وما سيتلوها من إنسحابات أخرى الطريق امام الذهاب الى إنتخابات جديدة ،وبما يمهد لعودة نتنياهو الى الحكم حيث استطلاعات الرأي بعد خطوة إنسحاب " عيديت" تعطي الليكود 35 مقعداً.

الأحد، 3 أبريل 2022

استراليا: ميزانية 2022 اولويات انتخابية


تقرير عباس علي مراد

لا شك ان هم السياسيين الحفاظ على مناصبهم حتى قبل او على حساب المصلحة الوطنية العامة، رئيس الوزراء سكوت كوريسن قد يكون من أكثر السياسيين الذين ينطبق عليهم هذا الوصف والميزانية التي قدمها وزرير جزينته جوش فرايدنبرغ 29/3/2022 قد تكون أكبر وثيقة سياسية انتخابية تقدمها حكومة استرالية، حيث بلغت نسبة التقديمات الحكومية 8،6 مليار دولار سواء من خلال تخفيض الضريبة على ليتر النزين من 44 سنتاً الى 22 سنتاً لمدة 6 أشهراو تقديم مبلغ 420 دولار تخفيضات ضريبية لذوي الدخل المحدود والمتوسط ولمرة واحدة (10 مليون مواطن) ومبلغ 250 دولارللمتقاعدين ومتلقي اعانة البطالة والباحثين عن عمل وكذلك لمرة واحدة (6 مليون مواطن).


حجة الحكومة مساعدة المواطنين للتخفيف من اعباء غلاء المعيشة، التي عزتها الحكومة الى الكوارث الطبيعية( حرائق، جفاف، فياضانات) والكورونا وارتفاع اسعار المحروقات والازمة الاوكرانية مع ان اسعار المحروقات كانت قد قاربت عتبة الدولارين قبل الازمة الاوكرانية.

طبعاً لا يمكن لحكومة ان تقدم اوراق اعتمادها الانتخابية للمواطنين وتعلن على الاقل انها تتحمل جزءاً  من المسؤولية عن سوء إدارة الاقتصاد حيث تركز في حملتها الانتخابية على إدائها الاقتصادي وتحسن الوضع المالي بما يقارب 140 مليار دولار نتيجة ارتفاع اسعار المواد الاولية(فحم، حديد، غاز) او من خلال زيادة الدخل الحكومي من ضريبة الدخل الشخصي وتراجع دفعات الضمان الاجتماعي بسبب تدني نسبة العاطلين من العمل التي وصلت الى 4% فقط.

ان نسبة التضخم في أستراليا حالياً 3.5 % وهذا وحده يعتبر كافياً  لبنك الاحتياط ليتحرك ويرفع سعر الفائدة (0.1% حالياً) علماً ان كل التوقعات تشير الى ان نسبة التضخم سوف تصل الى 4.25 % السنة المالية الحالية خصوصاً مع الكرم الانتخابي الحكومي الذي سيؤدي الى ارتفاع الاسعار، وهذا ما يخشاه بعض الاقتصاديين مما يؤدي الى رفع الفائدة والتي قد تصل الى 3% آب العام  2023 وكانت الفائدة سجلت آخر ارتفاع في تشرين ثان 2010.

المعاشات وحسب الميزانية الحكومية من المتوقع ان ترتفع بنسبة 2.75% اي أقل من نسبة التضخم.

اما الدين العام فمن المتوقع ان  يصل الى 1.2 ترليون دولار عام 2026 ويستمر بالارتفاع بعد ذلك، رغم ذلك تحاول الحكومة الترويج للميزانية على انها ميزانية مسؤولة مالياً  وان الحكومة قد حلت مشكلة غلاء المعيشة لتأكد انها أي الحكومة الاقدر على ادارة الاقتصاد علماً ان كل الدلائل تشير الى العكس.

 نشير هنا الى ان الدين العام كان 13% من الدخل القومي عام 2013 عندما تسلم الاحرار - الوطني الحكم ليبلغ 31% من الدخل القومي اليوم، وهذا ما يشكل عبء ديون كبير لما يكلف من فوائد عالية لخدمة هذا الدين. 

نشير الى ان العجز بالميزانية لهذا العام سيكون 78 مليار دولار.


مارسيل ثيليانت ، كبير الاقتصاديين الأستراليين في كابيتال إيكونوميكس ، قال: "إن الدليل على أن الاقتصاد يتعافى بالفعل واسرع مما كان متوقع ، مجادلاً بأن إجراءات الميزانية لن تؤدي إلا إلى زيادة مخاطر التضخم" وبالمحصلة ارتفاع الفائدة.

زعيم المعارضة الفيدرالية انثوني البانيزي، والذي تبنى كل التخفيضات الضريبية والتقديمات الحكومية، ولأسباب سياسية وانتخابية الا انه ميز موقف المعارضة في مشروع ميزانيتها، حيث وعد بتقديم مبلغ 2.5 مليار دولار لمعالجة مشكلة قطاع رعاية المسنين وزيادة اجور العاملين في القطاع وانصافهم وقال انه يؤمن بأجور أعلى.

كما تعهد البانيزي بتخفيض كلفة رعاية الاطفال للعائلات التي لديها أكثر من طفل دون سن السادسة وقال ان 96% من العائلات ستكون في وضع أفضل في ظل التغييرات التي يقترحها في حال فاز العمال في الانتخابات.

ومن اجل تعزيز الصناعة المحلية والميزانية الدفاعية تعهد البانيزي بزيادة الانفاق حتى تقف أستراليا على قدمها، خصوصاً  بعد حالة عدم الاستقرار التي نتجت عن الغزو الروسي لاوكرانيا كما قال. واضاف هذه الاجندة ليست متطرفة وقال "أنا وفريقي نعد بالتجديد وليس الثورة" ونريد ان نستغل التضحيات التي قدمتموها جميعًا خلال هذه الأوقات الصعبة من أجل تحقيق مستقبل أفضل.

والتزم البانيزي وحزب العمال بتبني بيان أولورو من القلب والسعي لإجراء استفتاء لإدراج صوت السكان الأصليين في البرلمان في الدستور وكان البيان صدر في 26 مايو/أيار 2017 من قبل المندوبين إلى المؤتمر الدستوري الوطني للسكان الأصليين، الذي عقد على مدى أربعة أيام.

وختم البانيزي كلمته متوجهاً  للأستراليين بأنكم تستحقون حكومة تدافع عنكم، وزعيماً يحمل خرطوم ماء غامزاً من قناة رئيس الوزراء الذي كان قد قال أثناء ازمة حرائق الغابات عام2019  انه لا يحمل خرطوم ماء لأطفاء الحرائق وتحدى رئيس الوزراء بأن يحدد موعد الانتخابات في أسرع وقت.

 


وطبعاً، هذا ما لم يحصل لان حزب الاحرار ما زال يخوض صراع داخلي وفي المحاكم حول تسمية مرشحيه للأنتخابات بعد اتهام رئيس الوزراء وفريقه من قبل بعض الحزبيين في نيو سوث ويلز باحتكار التسميات وترشيح الموالين لموريسن.

ومن الناحية المالية الافضل لرئيس الوزراء تأجيل موعد الانتخابات قدر الامكان لان تكلفة الحملة الترويجية للميزانية تتحملها الخزينة وعند تحديد موعد الانتخابات يتحمل الحزب التكلفة.

بالعودة الى الميزانية والتي تضمنت بعض الايجابيات مثل زيادة الانفاق لتدريب الشباب وتحسين المهارات ومساعدة مشتري البيت الأول، الا انها ما زالت تعتبر ميزانية أنتخابية ولم تقدم حلول جذرية لمشاكل مزمنة  كتعديل النظام الضريبي مثلاً.

 وهذا ما أشار اليه محرر الشؤون السياسية في الهيرالد بيتر هارتشر في مقالته السبت 2/3/2022 وعن التقديمات المالية التي قدمتها الحكومة  التي  اعتبرها  رشوة سياسية صارخة لدرجة أنها تمثل إهانة لذكاء الناخب الأسترالي قال:  نحن نسخر من الانتخابات في القرى الإندونيسية حيث يضع النشطاء بعض الأوراق النقدية في أيدي الناس لشراء أصواتهم وهم يقتربون من صندوق الاقتراع. كيف يختلف أي رئيس وزراء أسترالي عن سداد دفعة نقدية لمرة واحدة في الحسابات المصرفية للأفراد في اقترابه من محاولة إعادة انتخابه؟

إذن، الحكومة تريد الأحتفاظ بالسلطة وبأي ثمن ولم تقدم الحلول للمشاكل المزمنة، وحزب العمال يريد الفوز بالانتخابات وبأي ثمن ويجاري الحكومة في تقديماتها ورشوتها لاسباب سياسية وانتخابية حتى لا تتكرر نتيجة انتخابات عام 2019، وهذا ما يجعل الوضع أكثر ضبابية قبل الانتخابات، وعندما تنجلي غبار المعركة الانتخابية وأياً  كان الفائز سنكون امام حقائق مرة لعدم وجود حلول للمشاكل التي ستنفجر بوجه الحكومة والمواطنين.     

أخيراً، ميزانية حكومة موريسن حلول مؤقته لمشاكل مزمنة، ميزاينة انتخابية بكل المقاييس (8.6 مليار دولار) اعتقد ان الناخبين قد يرحبون بالدفعات ولكنهم اكثر وعياً من يخدعهم اسلوب الحكومة

والتاريخ غير البعيد يشهد على ذلك خسارة جان هاورد حتى لمقعده عام 2007 رغم انه قدم اكبر رشوة انتخابية في تاريخ استراليا ولا بد من ان نشيرالى ان حكومة موريسن وضعت جانباً مبلغ يقارب 13 مليار دولار أضافية لاستعمالها في الحملة الانتخابية.

هذا أضافة الى ما يعانيه موريسن على المستوى الشخصي بعد هجوم السينورة كونشيتا فيرافينتي والس (أحرار ) العنيف على رئيس الوزراء الفيدرالي سكوت موريسن (احرار) مفجرة قنابل سياسية على ابواب الانتخابات واطلاق الميزانية التي كان موريسن يعول عليها لاستعادة ثقة الناخبين.

وصفت فيرافينتي والس موريسن بأنه بدون بوصلة أخلاقية، متعجرف، متنمر،عنصري ومتسلط وله تاريخ طويل بالطعن بالظهر ويدعي الايمان ويستغل ذلك لميزات تسويقية ولا ينبغي أن يكون رئيسًا للوزراء.. 

وأيدت زعيمة "أمة واحدة" بولين هانسون السينتورة فيرافينتي وتحدثت عن تجربة مرة مع موريسن وكذلك قالت السينتورة المستقلة جاكي لامبي.

 وكانت كلاديس بيرجكليان رئيسة ولاية نيو سوث ويلز السابقة  وبارنبي جويس نائب موريسن وزعيم الحزب الوطني كانا قد قالا في وقت سابق كلام مشابه عن موريسن.

لكن موريسن رفض ذلك وقال ان ذلك هراء وليس صحيحاً.


سدني