الثلاثاء، 28 يونيو 2022

بيان هام من المجلس العالمي لثورة الأرز حول زيارة اسماعيل هنية للقصر الجمهوري اللبناني

 


ذكرتنا زيارة هنية أمس الأول للقصر الجمهوري في بعبدا بزيارة عرفات وما تلاها من تأكيد ابو أياد يومها على أن طريق القدس تمر بجونية. واليوم يؤكد السيد هنية مجددا بأن لبنان لم يخرج بعد عن مفهوم الساحة لا بل تدل المؤشرات التي يقوده اليها حزب إيران بأنه سيصبح "الساحة" القادمة وربما الوحيدة لمعارك "الأمبراطورية الجديدة" مع دول الشرق الأوسط. وبالرغم من كل المآسي التي يعيشها الشعب اللبناني فإن أوامر الولي الفقيه تتركز الآن، على ما يبدو، على تجهيز هذه "الساحة" بوسائل وعناصر "قادرة" على "رفض" الحلول واستجلاب العنف والشقاء والدمار للشعب اللبناني برمته بعد أن تأمن له الفقر والعوذ وتجرد من كل ما يمكن أن يسهم في قيامه وهو لم يتعلم من كل دروس الماضي. من هنا يهم المجلس العالمي لثورة الأرز التشديد على بعض الأمور الأساسية في هذه الظاهرة:

- إن لبنان وخاصة بعد اتفاق أوسلو وما تبعه من اتفاقات مع الفلسطينيين يعتبر بأن حل الأمور بين اسرائيل والفلسطينيين لم يعد مشكلته وأن التضامن العربي في هذا الموضوع قد تجاوزته الأحداث كيفما غيرت القيادات الفلسطينية سلوكها ورأيها بالحلول.

- إن لبنان بتوقيعه على اتفاق القاهرة المشؤوم، والذي الغي لاحقا في زمن الوصاية السورية، خرق اتفاقية الهدنة الموقعة سنة 1949 وعرّض أمنه وأستقرار مواطنيه للخطر ما يكفي لكي نتعلم الدرس ونبتعد عن المغامرات الفارغة التي لا تقدم ولكنها تؤخر ويعرفها جيدا ابناء الجنوب وخاصة الشيعة منهم.  


- إن القرارات الدولية وعلى راسها 1559 طالبت بتسليم سلاح المخيمات وسلاح الأحزاب كافة بما فيها ما يسمى بحزب الله كشرط اساسي لقيام الدولة وعودة الاستقرار ونحن نكرر بأن السلاح الفلسطيني بيد عرفات أو ابو مازن أو هنية أو غيرهم لا فرق هو نفسه كسلاح الحزب الخميني يستجلب العنف ويمنع قيام الدولة.

- إن محاولة حزب إيران اللعب على عواطف المركب السني بموضوع فلسطين لم تعد تمر على أحد سيما وأن سنة العرب بمجملهم اليوم يقفون صفا واحدا بمواجهة التحدي الأصعب والذي يطال دولهم واستقرارهم وبنيتهم الاجتماعية والاقتصادية إلا وهو الخطر الفارسي المستشري والعائد من العهود الغابرة والذي يحاول استعمال التنوع في لبنان والموضوع الفلسطيني لكي يمرر مخططاته العدوانية والتي يعاني من تأثيرها الشعب اللبناني برمته.

- إن قيام التحالف العربي والتفاهم مع دولة اسرائيل حول مستقبل المنطقة يعطي أملا للفلسطينيين أولا وللبنانيين خاصة بأن المنطقة قد تكون قادمة على نوع جديد من الاستقرار الذي يحميه السلام والانفتاح والتعاون بين دولها كافة وقد رأينا بعض بوادره تظهر في التحركات بين الدول الفاعلة والقوى العالمية المؤثرة.

- إن المجلس العالمي لثورة الأرز إذ يتعجب من الصمت المدقع لكل من يدّعون تمثيل اللبنانيين وعدم إثارتهم أي ضجة حول ما يحاول حزب السلاح أن يجر لبنان له باستدعائه لهنية واقامة المؤتمرات التي تعادي الدول الصديقة وتحشر لبنان في مواقف هو بغنى عنها، يؤكد بأن ما يخطط في غرف عمليات الحرس الثوري لن يقدر أن يجر اللبنانيين إلى المصير القاتم الذي يدفعون صوبه وسوف تنقلب مخططاتهم عليهم ويبقى لبنان. 


الثلاثاء، 21 يونيو 2022

كوريا الجنوبية نحو بناء ترسانة نووية


كتب د. عبدالله المدني ـ 

في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بالحرب الأوكرانية الروسية، التي دخلت شهرها الخامس وسط مخاوف من توسعها وامتدادها إلى دول أخرى مجاورة، يواصل النظام الكوري الشمالي، مدعوما من حليفه الصيني، مشاغبته المعتادة لجاراته في الشرق الأقصى وعلى رأسها كوريا الجنوبية عبر اطلاق الصواريخ الباليستية وإجراء المناورات العسكرية واصدار التهديدات غير المسؤولة.

وكما حدث في أوروبا التي سارعت بعض دولها إلى زيادة ميزانياتها العسكرية أو التلويح بدخول النادي النووي بُعيد الغزو الروسي لأوكرانيا، نجد أن سيئول تحاول حماية نفسها دفاعيا باللجوء إلى خيار امتلاك أسلحة نووية، وهو خيار لطالما استبعدته بسبب الضغوط الأمريكية من جهة وبعض الاعتبارات الحساسة من جهة أخرى على الرغم من امتلاكها للعلوم والخبرات المتقدمة ذات الصلة.

نجد تجليات ذلك في تطور استراتيجي لافت غير مسبوق، وذلك حينما وافقت واشنطن الشهر الماضي على مد حليفتها الكورية الجنوبية بما تحتاجه من أجل صناعة مفاعلات نووية صغيرة، متخلية بذلك عن بنود اتفاقية موقعة بين البلدين في عام 1972 نصت على الاستخدام المسؤول لتكنولوجيا المفاعلات الصغيرة في الغواصات النووية، وحصر الدراسات والأبحاث التكنولوجية في الأغراض المدنية كتوليد الطاقة التي تقل عن 300 ميغاوات.

يعتبر المراقبون أن هذا التطور يفتح المجال أمام سيئول لتحقيق طموحاتها في امتلاك وبناء غواصات نووية بدلا من الغواصات التقليدية بهدف ردع المماحكات البحرية لنظام بيونغيانغ المتهور. ويستند هؤلاء على تقارير اعلامية أفادت بأن اجتماعا فنيا عقد مؤخرا في سيئول شاركت فيه قيادة البحرية الكورية ومسؤولون من شركة دايو العملاقة وخبراء في بناء الغواصات العاملة بالطاقة النووية. أما ما عزز فحوى هذه التقارير فهو بيان أصدرته وزارة الدفاع الكورية الجنوبية مطلع الشهر الجاري وقالت فيه أن الجيش الوطني سوف يتخذ قرارات حاسمة بعد أخذ العديد من العوامل في الاعتبار بما في ذلك البيئة الأمنية وقيود التكنولوجيا والميزانية.


وإذا ما عدنا إلى الوراء قليلا، نجد أن كوريا الجنوبية أطلقت برنامجًا سريًا لتطوير الغواصات النووية في عام 2003، لكن البرنامج تمّ حله في العام التالي وسط جدل حول قيام العلماء المشاركين فيه سرا في عام 2000 بتخصيب اليورانيوم الممكن استخدامه لصنع أسلحة نووية. وعلى الرغم من هذا الجدل والنكسة ، لم تتخل سيئول أبدًا عن جهودها للحصول على غواصات تعمل بالطاقة النووية، بدليل أن زعيم البلاد السابق "مون جاي إن" تعهد خلال حملة ترشحه للرئاسة سنة 2017 بمواصلة العمل للحصول على غواصات تعمل بالطاقة النووية"، بل قام بًعيد تسلمه السلطة رسميا بالاتصال بنظيره الأمريكي لبحث القيود الأمريكية على تكنولوجيات تخصيب اليورانيوم لإنتاج الوقود النووي للغواصات.

ويمكن القول أن طموحات سيئول النووية اكتسبت اليوم زخما جديدا بسبب ثلاثة تطورات: الأول اعلان بيونغيانغ في يناير الماضي على لسان ديكتاتورها "كيم جونغ أون" أنها انتهت من كافة الأبحاث ذات الصلة بتطوير غواصات نووية قادرة على اطلاق الصواريخ الباليستية بعيدة المدى (على الرغم من الشكوك المحيطة بهذه المزاعم، لاسيما في ظل الوضع الاقتصادي المزري الحالي لكوريا الشمالية). والثاني هو انتخاب "يون سوك يول"، المعروف بتشدده ضد بيونغيانغ، رئيسا جديدا لكوريا الجنوبية في مايو المنصرم. أما التطور الثالث فهو تزايد عدم الثقة لدى الكوريين الجنوبيين بالتعهدات الدفاعية والحمائية الأمريكية، خصوصا على ضوء السياسات المترددة لإدارة الرئيس جو بايدن.

وأخيرا فلا بد من الإشارة إلى أن الغواصات العاملة بالطاقة النووية أكثر قدرة من تلك التي تعمل بالطاقة التقليدية، حيث يمكنها دعم أنظمة فرعية أكثر تقدمًا وكثافة للطاقة ولديها نطاق غير محدود، ولا يحد عملها سوى القيود البشرية لأطقمها. كما أن الغواصات النووية ستقلل أيضًا من اعتماد كوريا الجنوبية على الضمانات الأمنية الأمريكية ، حيث قد تكون واشنطن مترددة في اتخاذ موقف حازم وحاسم ضد كوريا الشمالية، صاحبة الترسانة النووية والسلوك المستفز والأعمال العدائية التي لا يمكن التنبؤ بها في كثير من الأحيان. والجدير بالذكر فيما خص الجزئية الأخيرة أن الكوريين الجنوبيين لم ينسوا أبدا الموقف المتخاذل لواشنطن عام 2010 حيال قصف بيونغيانغ لجزيرة "يونبيونغ"، ثم قيامها في مارس من نفس العام باغراق الفرقاطة الكورية الجنوبية "تشيونان" بطوربيد، ما أدى إلى مقتل 46 بحارا كانوا على متنها من أصل 104 بحارا، واصدار مجلس الأمن الدولي بيانا أدان فيه نظام بيونغيانغ بشدة، مع ترحيبه بضبط النفس الذي أبدته سيئول.

ونختتم برأي متداول في الأوساط المهتمة بأوضاع شبه الجزيرة الكورية مفاده أن سيئول ليست بحاجة لإمتلاك الغواصات النووية والانضمام إلى نادي النخبة للدول التي تشغل هذه الأسلحة عالية التقنية، مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين والهند، وذلك بسبب تفوق قدرات غواصاتها التقليدية، خصوصا وأن تشغيل الأولى مكلف، دعك من أن نطاقها غير محدد، وهذا لن يفيدها كثيرا لأن تركيزها ينبغي أن يكون على شبه الجزيرة الكورية والمياه المحيطة بها، إلا إذا كانت النية متجهة نحو الاستعداد لصراع محتمل في بحر الصين الشرقي أو الجنوبي.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: يونيو 2022م



الجمعة، 17 يونيو 2022

ماذا سيعرض بايدن على السعودية وماذا سيطلب منها؟


كتب راسم عبيدات ـ

العلاقات التاريخية التي ربطت السعودية بأمريكا على مدار ثمانين عاماً كانت قائمة على نظرة أمريكية للسعودية على أنها محمية أمريكية، عليها تقديم الأموال لتمويل الحروب الأمريكية،وضخ النفط لمنع حدوث نقص في الأسواق العالمية،كما هو حاصل الأن،بسبب الحرب الروسية مع امريكا ودول اوروبا الغربية على الساحة الأوكرانية،والتي أرادت أمريكا من خلالها محاصرة روسيا "وتقزيمها"،ولعل الرئيس الأمريكي السابق ترامب قد عبر عن تلك السياسة بشكل سافر ووقح،عندما قال لحكام السعودية،انتم دولة غنية وعليكم دفع الأموال لنا،ولا يوجد لديكم شيء آخر غير المال،واذا ما رفعنا عنكم الحماية،فلن تصمدوا امام ايران عدة ساعات،ولذلك اثناء زيارته للسعودية في أيار عام 2017، وقع عقود ضخمة من اجل الإستثمارات السعودية في الإقتصاد والبنى التحتية والشركات الأمريكية،بالإضافة الى صفقات ضخمة من السلاح،وفي تلك الزيارة حاولت السعودية،أن تؤكد زعامتها للعالمين العربي والإسلامي،وعقدت القمم عربية واسلامية بمشاركة ترامب ...والنتيجة تمكن ترامب الرئيس الأمريكي الأسبق من " استحلاب" السعودية مالياً بحوالي نصف تريليون دولار،وبقي هذا النهج هو الثابت لسياسة الرئيس الأمريكي الأسبق " استحلاب" أمريكي مالي للسعودية مقابل ما يسمى بالحماية،وصفقات ضخمة من السلاح الأمريكي للسعودية بمليارات الدولارات.

العلاقات السعودية - الأمريكية تدهورت بعد توقيع الرئيس الأمريكي الأسبق اوباما للإتفاق النووي مع طهران عام 2015،وتوجه امريكا نحو شرق اسيا لمواجهة الصعود الصيني،ولكن مع فوز ترامب الجمهوري بالإنتخابات الأمريكية وتسلمه مهامه في كانون ثاني/2017،عاد الدفء للعلاقات الأمريكية السعودية،وفق معادلة ،السعودية خزان نفط وكيس مال بالنسبة لأمريكا تدفع المال لتمويل حروبها،وتضخ النفط لمنع ارتفاع اسعاره في الأسواق العالمية،ويجري توظيفه بما يضخم أمريكا واقتصادها ومصالحها.

ولكن مع فوز الرئيس الأمريكي الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الأمريكية في أواخر عام 2020،عادت العلاقات السعودية - الأمريكية لكي تنتكس من جديد، وشكلت قضية مقتل الصحفي السعودي الخاشقجي في سفارة بلاده في تركيا،على يد فريق اغتيال سعودي،قالت التحقيقات بانه مرتبط مباشرة بولي العهد السعودي محمد بن سليمان، وقضية الديمقراطية وحقوق الإنسان،والدعم السعودي والإماراتي من قبل وليي العهد السعودي محمد بن سلمان والإماراتي محمد بن زايد ،للرئيس الأسبق ترامب ودعم حملته الانتخابية وتمويلها، كانت قضايا جوهرية في رسم معالم السياسة الخارجية الأمريكية مع السعودية والإمارات،حيث في سابقة غير معهودة في تاريخ العلاقات الخليجية – الأمريكية،تجاهل الرئيس الأمريكي قادة السعودية والإمارات،وبدأ بايدن عهده بوقف الدعم العسكري للتحالف،الذي تقوده السعودية ضد اليمن،ورفع جماعة " انصار الله" عن قائمة الإرهاب الأمريكي،ورفع كذلك السرية عن أجزاء من تقرير للاستخبارات الأميركية يتّهم ضمناً ولي العهد السعودي بالمسؤولية عن قتل الصحافي جمال خاشقجي.


التجاهل الأمريكي لأمراء تلك الدولتين،رغم كل العلاقات التاريخية،التي جمعت هاتين البلدين بامريكا،دفعت بهما للبحث عن بدائل،دون الوصول الى مرحلة المساس بالعلاقات التاريخية مع أمريكا، بحثوا عن بدائل عند الروس والصينيين،والإمارات امتنعت مرتين في مجلس الأمن الدولي عن التصويت على قرار يدين روسيا قدمته أمريكا،على خلفية الحرب الجارية في أوكرانيا،والسعودية رفضت طلبا أمريكياً لزيادة ضخ النفط السعودي بمليون برميل يومياً لتغطية النقص الحاد في أسواق الطاقة العالمية،ومنع ارتفاع أسعاره بشكل كبير جداً.

لم تفلح أمريكا في اقناع السعودية في زيادة انتاجها من النفط،رغم كل الإتصالات واللقاءات التي أجرتها مع قادة السعودية،فهي أرسلت إلى المملكة في منتصف أبريل/نيسان الماضي، مدير الاستخبارات الأميركية وليام بيرنز، الذي اجتمع بولي العهد السعودي في مدينة جدّة، وكذلك أجرى وفد أميركي كبير برئاسة نائبة بايدن زيارة لأبو ظبي للتعزية بوفاة رئيس دولة الإمارات الراحل، الشيخ خليفة بن زايد.

انا ادرك بأن زيارة بايدن للمنطقة التي تقررت في الشهر القادم من 13 – 16 ،محطتها الأساسية ليست دولة الكيان،بل محطتها الرئيسية  السعودية،التي طالما قال بايدن انه سيجعلها دولة منبوذة،وهو لن يلتقي بولي العهد السعودي،بسبب ملف قتل الخاشقجي  وقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان،ولكن  هذه المواقف لم تصمد امام المصالح الأمريكية وحاجتها للنفط هي اولاً قبل اوروبا الغربية،فسعر جالون النفط أصبح 5 دولارات،و"هذا من ناحية الإدارة الأمريكية ضوء احمر وحالة طوارىء".


ولذلك يأمل بايدن أن تقوم السعودية بزيادة انتاج النفط،بما يغطى النقص في الأسواق العالمية،ويخفض من أسعاره،وكذلك يخفض من التضخم المالي في أمريكا،لكي يحسن من فرص الفوز للديمقراطيين في الإنتخابات النصفية في تشرين ثاني القادم.

وفي هذه الزيارة للرئيس الأمريكي للمنطقة ولقاءه بولي العهد السعودي،يهتم العالم بمعرفة ،ماذا سيطلب الرئيس الأمريكي من ولي العهد السعودي وماذا سيعرض عليه،لأن ذلك سيتوقف عليه رسم معادلات اقليمية ودولية..؟؟.

ولنبدأ في العرض،والذي لن يتجاوز نقطة واحدة،هي التغاضي عن ملف مقتل الخاشقجي،من أجل تسهيل تولي ولي العهد السعودي للعرش،وبالمقابل هناك ثلاث طلبات  من ولي العهد السعودي،اشهار علني وعلى رؤوس الأشهاد،للعلاقات التطبيعية السعودية- "الإسرائيلية" في كافة المجالات والميادين أمنية وعسكرية وسياسية واقتصادية،وتصبح السعودية العراب لهذا التطبيع،دون ربط لذلك بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني،او " الصنمية" العربية،ما يعرف بمبادرة السلام العربية،والتي جوهرها سعودي،وجرى إقرارها في قمة بيروت/ 2002،وجوهرها قائم على " الأرض مقابل السلام"،والتي قال عنها رئيس وزراء الإحتلال في حينه شارون،بأنها لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به،وهي كذلك،وبايدن سيدشن هذا التطبيع العلني بالسفر بطائرته الخاصة مباشرة من مطار اللد الى مطار الرياض.

على السعودية ان تبقي علاقاتها ومفاوضاتها مع ايران وسوريا معلقة او في حدودها الدنيا،واعتبار ذلك من شأن أمريكا،فإذا ما جرى التوصل لإتفاق مع طهران حول ملفها النووي، فستكون السعودية جائزة "الترضية" لدولة الكيان،واذا ما فشلت المفاوضات مع طهران،تكون السعودية ساحة المواجهة مع طهران،والمطلب الأمريكي الثالث هو، الطلب من السعودية زيادة ضخ نفطها الى الأسواق العالمية،وبما يخفض سعر برميل النفط الى ما دون المئة دولار،لكي يحد من الأثار الإقتصادية والإجتماعية في اوروبا الغربية،والناتجة عن النقص في الغاز والنفط الروسي،بسبب اشتراط روسيا الدفع بالروبل الروسي،لكل دولة التزمت بالعقوبات الأمريكية عليها. وهذا يعني بأن السعودية ستكون كبش محرقة في الحرب مع روسيا وخزان نفط وكيس اموال في حروب أمريكا. 

السبت، 11 يونيو 2022

إنتخابات المغتربين: ملاحظات وخلاصات


1 : إلغاء مقاعد المغتربين 

سنة 2017 أقر المجلس النيابي قانونا انتخابيا جديدا خصّص فيه 6 مقاعد للمغتربين على أن تُطبق الفقرة الخاصة بتلك المقاعد ابتداء من انتخابات 2022. 

"نام " المغتربون على حرير تلك المقاعد – رغم قلة عددها ورغم توزعها على أساس طائفي لا ينسجم مع البيئات والأنظمة التي تعيش فيها وفي ظلّها أكثرية المغتربين – ليستفيقوا ذات يوم – وفي خضم انشغالهم في تسجيل أنفسهم كناخبين في الإغتراب - على نفس المجلس يسلبهم تلك المقاعد عبر تعديل ذلك القانون في 3.11.2021، وليفرض عليهم من جديد أن ينتخبوا مرشحين/ات في دوائر المقيمين كل في منطقته، كما حصل في انتخابات ال 2018  بدل أن ينتخبوا، كما نص القانون قبل التعديل، مرشحين/ات في دوائر اغترابية مخصصة 100% لهم .

2 : حجج إلغاء مقاعد المغتربين

الحجج التي ساقوها من أجل تعديل القانون وإلغاء مقاعد المغتربين إنقسمت الى فئتين: حجج المنظومة وحجج قوى التغيير.

حجج المنظومة اتسمت بالمواربة والخبث كعادتها في تغليف مصالحها الفئوية بغلاف وطني فادّعت الدفاع عن المساواة بين المغترب والمقيم وبحق المغترب في أن ينتخب في دائرته كالمقيم تماما وادّعت أنّه خلاف ذلك فيه تهديد لعلاقة المغترب بوطنه ...

حجج قوى التغيير في عدم تأييد مقاعد المغتربين كانت واضحة ومباشرة وتتمحور حول الآتي: اننا  نريد للمغتربين أن ينتخبوا في مقاعد المقيمين لأننا نريدهم أن ينتخبوا لوائح قوى التغيير في معركتنا ضد المنظومة ... مع انّ قوى التغيير لم يكن لهم دور في إلغاء تلك المقاعد لأنهم لم يكونوا ممثلين في البرلمان السابق.

3 : نتائج الإنتخابات كشفت هزال حجج المنظومة وقوى التغيير

كشفت نتائج الانتخابات النوايا الحقيقية للمنظومة في إلغاء مقاعد المغتربين إذ كشفت أن الجهة التي كانت رأس حربة المنظومة في إلغاء مقاعد المغتربين هي التي نالت العدد الأكبر من أصوات المقترعين المغتربين وبالتالي بانت المصلحة الفئوية لتلك الجهة وللمنظومة ككل.

أما الكلام على المساواة بين المتغرب والمقيم وبالتالي حق المغترب في أن ينتخب في دائرته كالمقيم تماما... والحفاظ على علاقة المغترب بوطنه ... فلا تعدو كونها ذرّاً للرماد في العيون: فتخصيص مقاعد للمغتربين وانتخاب المغترب في دوائر المغتربين لن يمنعه من الاستمرار في زيارة وطنه هو وعائلته، ولن يمنعه من الاستمرار في مساعدة أهله ومحبيه، ولن يمنعه من الاستمرار في الإستثمار في وطنه، ولن يمنعه من تسويق منتوجات بلده في جميع انحاء العالم...الخ، لا بل من شأن تخصيص مقاعد للمغتربين ان ينعكس إيجابا على كل الأنشطة التي أشرنا إليها أعلاه. 

أما الكلام على المساواة، ولا بد هنا من كشف الخداع، فكلام صحيح وجميل ولكن كيف تتحقق المساواة؟!! تتحقق المساواة على الشكل التالي: كما يحق للبنانيين المقيمين داخل الوطن أن يكون لهم نوابهم في البرلمان كل حسب منطقته الجغرافية في لبنان، كذلك يحق للبنانيين المنتشرين خارج لبنان أن يكون لهم نوابهم، كل حسب منطقة انتشاره الجغرافية خارج لبنان. هذه هي المساواة الحقيقية الفاعلة المنتجة وهذا ما نطالب به.


أما لجهة حجج قوى التغيير فلقد كشفت نتائج الإنتخابات أن أصوات المقترعين المغتربين لم تغيّر شيئا في نتائج الانتخابات. فلقد أجرت " الدولية للمعلومات" دراسة عن تأثير الصوت الإغترابي في دائرة الشمال الثالثة حيث كانت مشاركة الصوت الإغترابي في تلك الدائرة هي الأعلى بين كل الدوائر، وتبيّن لها أن نتائج الانتخابات ما كان لها أن تتغيّر فيما لو ألغِيَ الصوت الإغترابي وبالتالي لم يكن لذلك الصوت أي تأثير. أمّا ما يؤسف له أن سلوك قوى التغيير وتشرزم لولائحها كشف أنّ غالبية تلك القوى لم تكن حريصة – كما ادعّت – على أن تنال أكبر عدد من المقاعد بل أنّ تناتش المقاعد أفقدها الكثير منها. نأمل أن تعيد قوى التغيير النظر في موقفها وسلوكها وندعوها منذ الآن للدفاع عن مقاعد المغتربين كي لا يحصل لها في انتخابات ال 2026  ما حصل لها من إلغاء في انتخابات ال2022.  


4. توزيع الناخبين على مراكز الإقتراع

تسهيلا على الناخبين وتوفيرا لهم في الوقت وفي المسافات من أجل القيام بالواجب الإنتخابي اعتمدت وزارة الخارجية طريقة جديدة لتوزيع الناخبين على أقلام الإقتراع – شابتها بعض الشوائب، صحيح – تعتمد على مكان سكنهم في الخارج لا على المنطقة التي يتحدرون منها في لبنان. فلو أخذنا مثلا قضاء معيّناً. في انتخابات الـ 2018 تم توزيع الناخبين في ذلك القضاء على مركز أو مركزين انتخابيين. كان على جميع الناخبين/ات من ذلك القضاء، بصرف النظر عن المنطقة التي يسكنون فيها في سيدني أن يتوجهوا إلى أحد المركزين ليدلوا بأصواتهم. أما في الـ 2022 فكان يمكن للناخبين/ات من ذلك القضاء أن يقترعوا في مراكز في المنطقة التي يسكنون فيها أو الملاصقة لها. مع ذلك فقد ارتفعت أصوات تحتج على ذلك ودائما دون أن يكون لاحتجاجها أية أسس، من مثل: قسموا أبناء المنطقة الواحدة، دون أن نفهم ما هو المشكل في ذلك. أما الهدف الحقيقي الذي أراد إخفاءه المحتجون هو أن التوزيع حسب السكن في سيدني يضعف تأثير الماكينات الإنتخابية للقوى السياسية  على الناخبين، فمثلا لو خُصّص مركز اقتراع واحد لناخبي قضاء معين، لخصّصت القوى السياسية العاملة في ذلك القضاء القسم الأكبر من ماكيناتهم الإنتخابية للتواجد في ذلك المركز، أما الطريقة التي وُزّع فيها الناخبون في انتخابات الـ 2022 على المراكز الإنتخابية فقد فرضت على تلك القوى توزيع ماكيناتهم الإنتخابية على كل المراكز، لأن الناخبين من كل قضاء قد توزعوا على كل المراكز. مما يعطي للمقترع هامشا أكبر من الحريّة في الاختيار. إذاً حسنا فعلت وزارة الخارجية.

5.  اليوم الإنتخابي الطويل جدا

فتحت صناديق الإقتراع في لبنان يوم الإنتخاب من الساعة السابعة صباحا وحتى التاسعة مساء. في الإنتخابات الأسترالية تفتح صناديق الإقتراع من الساعة الثامنة صباحا حتى السادسة مساء، لذلك لم نفهم الحكمة الكامنة وراء فتح صناديق الإقتراع لانتخابات المغتربين من الساعة السابعة صباحا وحتى العاشرة ليلا.

إن حركة إقبال الناخبين الخجولة جدا جدا بعد غياب الشمس، ما كانت تستدعي على الإطلاق إبقاء الأقلام الإنتخابية مفتوحة بعد الساعة السادسة مساء على الأكثر، ولا تأخير فتح الصناديق إلى العاشرة ليلا.

بالإضافة إلى ذلك فإن اليوم الإنتخابي الطويل جدا قد تسبب بما يلي:

إنهاك رؤساء الأقلام ومساعديهم.

تحميل الدولة اللبنانية أعباء مالية إضافية وهي في وضعها المالي المزري المعروف.

إنهاك المندوبين الذين كان عليهم أن يراقبوا فتح الصناديق وعد المغلفات ومتابعة باقي اللوجستيات، مما لم يكن من الممكن عمله قبل إقفال الأقلام أي قبل العاشرة مساء ولم ينتهوا منه إلاّ عند ساعات الصباح الأولى من اليوم التالي والذي هو يوم عمل عادي.

عجز الماكينات الإنتخابية الصغيرة الحجم عن مواكبة النهار الطويل في جميع الأقلام  مما عرض نزاهة الإنتخابات للتشكيك نتيجة عدم القدرة الكاملة على المراقبة والمتابعة للكثير من الماكينات الانتخابية.

لذلك نقترح ألا يتجاوز النهار الإنتخابي في المرات القادمة الساعات العشر أو الاثنتي عشرة ساعة كحد أقصى.

6. الحملات الإنتخابية، سقف الإنفاق الإنتخابي وحجم الماكينات الإنتخابية

لقد كنت من المتابعين للحملات الإنتخابية للمغتربين في أستراليا، ويوم الإنتخاب كنت مندوبا جوالا، وقد قمت بزيارة أغلب مراكز الإقتراع، ولاحظت بوضوح التفاوت الكبير في حجم الماكينات الإنتخابية وهنا لا بد من سؤال واقتراح.

السؤال: على افتراض أن هناك من يراقب الإنفاق الإنتخابي داخل لبنان، فمن يراقب هذا الإنفاق في المغتربات؟!

الإقتراح: إذا كان هناك - وإن نظريا – سقف للإنفاق الإغترابي ، ومعروف أن الفلسفة الكامنة وراء ذلك السقف هي عدم السماح لطرف سياسي أو أكثر بالهيمنة بالمال على الأطراف الأخرى خلال الحملات الإنتخابية،  فإننا نقترح أن يكون هناك سقف يحدد عدد العناصر البشرية لأية ماكينة انتخابية في مركز انتخابي معين بناء على عدد الناخبين في ذلك المركز، خاصة وأنه من الأسهل بكثير مراقبة أعداد العناصر البشرية من مراقبة الأموال الإنتخابية المصروفة خاصة في المغتربات.


7. الإنتخاب كجسر سياسي لأجيالنا نحو الوطن لم نحسن استعماله

من الأمور، الطريفة في الظاهر والمؤسفة في العمق، التي لاحظتها خلال تجوالي على مراكز الإقتراع الأمر التالي: أهالي يصطحبون أولادهم الراشدين للإنتخاب. تبدأ المعاناة لدى الدخول إلى قلم الإقتراع. على الأولاد أن يدخلوا لوحدهم إلى خلف العازل، من غير أن يُسمح لهم بحمل أي لائحة انتخابية معهم. اللوائح بالعربية وهم لا يقرؤون العربية. لم يحفظوا طبعا إسم اللائحة وإن حفظوه لا يستطيعون قراءته. نسوا لون اللائحة التي أشار عليهم أهلهم بانتخابها. تصل المعاناة إلى ذروتها لدى الإدلاء بالصوت التفضيلي. هم طبعا لا يقرؤون الأسماء كما قلنا ولا هم قادرون على التعرف على الوجوه. كيف يكون لهم ذلك وهي وجوه ما شاهدوها أبدا في حياتهم. أصحاب الوجوه في لبنان وهم هنا. لا أصحاب الوجوه مهتمون بهم ولا هم مهتمون بتلك الوجوه وفي الغالب لا يعرفون عن أصحابها شيئا... من هنا أصل إلى القول أنه لو كان للمغتربين مقاعدهم ومرشحيهم لكان هناك فرصة لأجيالنا للتعرف على أولئك المرشحين ومحاورتهم بلغتهم ولتمكنوا من أن ينقلوا لهم اقتراحاتهم ورؤاهم من أجل بناء لبنان أفضل لهم كمغتربين ولأهلهم المقيمين، ولتمكنوا من نقل مؤهلاتهم وخبراتهم عبر ممثليهم إلى البرلمان اللبناني. 

هذا هو الإختيار الواعي الحر الهادف المفيد والمسؤول، هذا هو الجسر الذي الذي لم نحسن استعماله وجعلنا من عبوره أمرا مستحيلا على أجيالنا وخبرة غير سعيدة كل ذلك لأننا خسرنا مقاعد المغتربين.

8 - أحد واحد للإنتخاب والفرز

في ظل التقدم التكنولوجي الحاصل، وفي ظل وجود كاميرات للمراقبة في كل قلم اقتراع، موصولة بوزارة الخارجية، فإننا نتساءل:

1. ما المانع من أن يحصل الإنتخاب في أحد واحد في الداخل، والخارج الذي يكون فيه يوم الأحد يوم عطلة؟

2. ما المانع من أن يحصل الفرز في المغتربات تماما كما يحصل في لبنان، أي في أقلام الإقتراع، وتحت رقابة وزارة الخارجية، ويمكن توقيت البدء في الفرز في الخارج كي يتطابق مع بدئه في لبنان؟

هذا ما نقترحه للمرّات القادمة.

9. إختيار المراكز الإنتخابية.

من المعروف أنه قد تم توزيع المراكز الإنتخابية في دورتي الـ 2018 والـ 2022 على الأماكن الملحقة بالأماكن الدينية. طبعا ليس لدينا اعتراض على التوزيع المذكور أعلاه، لا بل علينا أن نشكر القيّميمن على تلك الأماكن لاستضافتهم المراكز الإنتخابية فيها خاصة التي منها كانت من دون مقابل في ظل الوضع المالي المزري المعروف للدولة اللبنانية.

ما نود الإشارة إليه هو أننا لا نريد أن يترسّخ في ذهن الناخب اللبناني وكأنه من الضروري ان تكون المراكز الإنتخابية في الأماكن الدينية أو الملحقة بها، خاصة وأن نظامنا الإنتخابي يوزع المقاعد النيابة على أساس ديني وطائفي. كما أنّ رغبتنا في الحفاظ على شفافية الإنتخابات – ولسنا نقول هنا أنها لم تكن شفافة -، ورغبتنا في الحفاظ على حياد المراجع الدينية في الإنتخابات – ولسنا نقول أنها لم تكن محايدة -، تجعلنا نقترح على المراجع الرسمية اللبنانية المعنية أن تحاول التنسيق، في الانتخابات المقبلة، مع  مفوضية الإنتخابات الأسترالية من أجل استخدام المدارس الحكومية مجانا كمراكز إنتخابية، على غرار ما يجري في الانتخابات الاسترالية، وفي معلوماتنا أنّ الأمر ليس بعيدا عن المتناول.(هذا ما حصل في انتخابات المغتربين العراقيين سنة 2018 من ضمن برنامج لتعزيز الديمقراطية في العراق)

10.   100 في لبنان، 200 في المغتربات!! ضرورة إعتماد التصويت الإلكتروني.

نصّت المادة 84 من الفصل السابع من قانون الإنتخاب الساري المفعول على ما يلي: "...يكون لكل قرية يبلغ عدد الناخبين فيها مائة على الأقل وأربعمئة على الأكثر قلم اقتراع واحد..."، فيما نصّت المادة 114 من القانون نفسه،على ما يلي: "... وتنظم (المديرية العامة للأحوال الشخصية) ... قوائم انتخابية مستقلة لكل سفارة أو قنصلية بأسماء الذين ستتوافر فيهم الشروط القانونية على أن لا يقل عدد المسجلين في المركز الإنتخابي الواحد عن 200 ناخبا" ... غريب هذا التناقض وغير مفهوم. ففي لبنان حيث يتركز اللبنانيون  بالطبع يكفي أن يكون في القرية مائة ناخب كي يكون لها قلم اقتراع، وفي المغتربات حيث ينتشر المغتربون اللبنانيون على كامل الكرة الأرضية مما يجعل تركزهم أقل، يلزمهم 200 ناخبا كي يكون لهم مركز اقتراع في منطقة ما، وإلا يلحقون بمركز انتخابي بعيد عن منطقتهم. هذا الإجحاف حرم الكثيرين من المغتربين من ممارسة حقهم الإنتخابي. والحال أنّه إذا كان لا بد من مفاضلة في هذا المجال فيجب أن تكون في الإتجاه المعاكس:أي إذا كان المطلوب توفر 100 ناخب في قرية ما في لبنان – حيث تركُز اللبنانيين عال – كي تحصل على قلم اقتراع فمن المنطقي أن يكون مثلا نصف ذلك العدد مطلوبا في المغتربات – حيث تركُز اللبنانيين أقل ، أي 50 ناخبا، لا ضعف ذلك العدد، أي 200 ناخبا، إلا إذا كانت دولتنا العلية لا تعرف أن تركُز اللبنانيين في لبنان هو أعلى من تركُز اللبنانيين في الخارج. من هنا ضرورة إعتماد التصويت الإلكتروني في الانتخابات القادمة على الأقل للمغتربين إذا لم يكن الأمر ممكنا على صعيد العملية الإنتخابية ككل.

10. العملية الديمقراطية لا تقتصر على الإقتراع يوم الإنتخاب، وكيفما كان.

في كل الديمقراطيات التمثيلية، وليس فقط في لبنان، بالرغم من أن النائب هو نائب عن الأمة ككل، إذ حين يشارك في التشريع، يشرّع للأمة ككل وليس لمنطقة معينة، فهو في الوقت نفسه يمثل سكان منطقة معينة، إذ هم وحدهم - دون سواهم - يشتركون في انتخابه، وبالتالي يكون النائب صوتَهم في البرلمان خاصة في الجانب الإنمائي أي في توزيع موارد الدولة لإنماء المناطق. لذا من واجبات كل نائب أن يحرص على أن تكون حصة منطقته من التنمية عادلة مقارنة مع حصص باقي المناطق.

من هنا تنشأ الحاجة بين سكان كل منطقة إلى حوار إجتماعي/ سياسي/ اقتصادي /ثقافي/ انتخابي ... من أجل تحديد حاجياتها وكيفية معالجتها، فتظهر جراء ذلك البرامج الإنتخابية ويطل المرشحون والمرشحات وتُقام التحالفات وتُركّب اللوائح وتُخاض الحملات وتُرفع الشعارات... وصولا، بعد أشهر، إلى الإقتراع في يوم الإنتخاب. هذا ما حصل في الوطن، لكن لنرى ماذا حصل في المغتربات.

قلنا سابقا أن المغتربين/ات كانوا قد ناموا على "حرير مقاعد المغتربين" مذ أن صدر قانون الإنتخاب في الـ 2017، وعندما فُتح باب التسجيل للإنتخابات في 4.10.21 بدأ المغتربون/ات بتسجيل أنفسهم على أمل أن يتمكنوا من أن ينتخبوا مرشحّيهم في دوائر خاصة بهم، لكن الحملات المُطالبة بإلغاء مقاعد المغتربين من قِبَل بعض "المنصّات" والجهات السياسية كانت قد سبقت فتح باب التسجيل وتكثفت وازدادت حدة بعده، مستخدمة الشعارالسطحي التبسيطي المضلّل "6 أو 128". ومن المؤسف أنه كان لتلك الحملات ما أرادت، إذ اجتمع المجلس النيابي في 3.11.2021  وأجلّ العمل بمقاعد المغتربين للدورة ما بعد القادمة حينذاك، أي دورة الـ2026. وعندما حصل ذلك التأجيل اندفعت الماكينات الإنتخابية بكل قواها من أجل رفع وتيرة التسجيل للإنتخابات، طمعاً في استخدام أصوات المغتربين/ات في معاركهم الإنتخابية في لبنان. ارتفعت نتيجة ذلك نسبةُ الإقبال على التسجيل مما حدا بالبعض إلى الإستنتاج، تعسفا، أن الغالبية العظمى من الذين تسجلوا/ اللواتي تسجلّن " لم تتسجل إلا عندما تيقنت أن صوتَها سيذهب مباشرة إلى المرشحين في لبنان" موحياً أن لا حماس لدى المغتربين لمقاعد المغتربين. على كل حال وبعد كل ما جرى دعونا نرى بالملموس وعبر تجربة الانتخابات الأخيرة ماذا كان حصاد المغتربين على بيدر الإنتخابات؟ وماذا تحقّق للبنان وللمغتربين من الإيجابيات وماذا وقع عليهم من السلبيات من جراء ذلك التأجيل ودفع المغتربين للإقتراع في مقاعد المقيمين؟

11. حصاد المغتربين على بيدر الإنتخابات. 

لنرى الآن إلى أي مدى أتاحت طريقة الإنتخاب – إنتخاب المغتربين في دوائر المقيمين – للمغتربين الإشتراك الكامل والفاعل في العملية الإنتخابية الديمقراطية الموصوفة في الجزء الثالث أعلاه .

(لن ندخل هنا في التمييز بين الإغتراب المستقّر وهو في غالبيته الإغتراب الطويل وأو البعيد، كأستراليا والأميريكيتين مثلا، وبين الإغتراب المؤقت وهو في غالبيته الإغتراب القريب، الخليج مثلا، إذ أننا ندوّن ملاحظاتنا عن انتخابات المغتربين في استراليا).

أشرنا أعلاه الى أنّ العملية الإنتخابية الديمقراطية لا تقتصر على الإقتراع يوم الإنتخاب بل تبدأ بالحوار الإنتخابي بين الناخبين/ات مروراً بالبرامج الإنتخابية فإختيارالمرشّحين/ات فالحوار بين المرشّحين/ات أنفسهم من أجل إقامة التحالفات وتركيب اللوائح وصوغ الشعارات وخوض الحملات الإنتخابية... وصولاً الى يوم الإنتخاب. لنرى الآن ماذا قدّم للمغتربين/ات من كل ذلك أُولئك الذين كانوا وراء إلغاء مقاعد المغتربين.

قد يتذكر الكثيرون منّا الحملات الشعواء التي شُنّت باتجاه المغترين/ات من أجل دفعهم للتسجيل للإنتخابات، وكيف ازادت تلك الحملات حدة بعد إلغاء مقاعد المغتربين حتى بلغت أوجّها عند انتهاء مدة التسجيل في 20.11.2021، ثمّ ساد صمتٌ مطبق شبيه بصمت القبور في أوساط المغتربين منذ ذلك التاريخ وحتى ما قبل يوم الإنتخاب بقليل في وقت كانت تلك الفترة هي الأكثر حيويةً وحماساً بالنسبة للمقيمين، إذ خلالها تسارعت وتكثّفت الحوارات وتبلورت البرامج الإنتخابية وأطّل المرشحون وتشكّلت اللوائح ... الخ فيما لم يكن حصول أي شيء من ذلك متاحاً، موضوعياً، للمغتربين وكل ذلك بسبب إلغاء مقاعد المغتربين وإجبار المغتربين أن يقترعوا في دوائر المقيمين. فلنوضح.

أ‌. في الحوارات : 

صحيح أن طريقة الإنتخاب المشار إليها أعلاه – إنتخاب المغتربين في دوائر المقيمين – أتاحت الفرصة للمغترب كي يتداول مع أهله ومعارفه في الوطن، في بعض الأمور الإنتخابية لا سيما اللائحة المفضّلة أو المرشح المفضّل، لكنّها لم تسمح له بالإشتراك بشكل جديّ وفاعل وعميق في الحوارات الضرورية لكل عملية إنتخابية ديمقراطية، دع جانباً بلورة البرامج الانتخابية والترشح أو إختيار المرشحين أو إقامة التحالفات أو تركيب اللوائح ...الخ، لأسباب متعددة من أجل تبيانها سنقسّم الكلام على الحوارات الى عدة محاور:

 المحور الأول:

1. الحوار بين المغتربين من جهة والمقيمين من جهة أخرى ، متناولا الشأن         المحلي اللبناني للدائرة المعنية،

2. الحوار بين المغتربين أنفسهم، متناولا الشأن المحلي اللبناني للدائرة المعنية،

المحور الثاني:

1. الحوار بين المغتربين من جهة والمقيمين من جهة أخرى، متناولا الشأن الوطني اللبناني العام، 

2. الحوار بين المغتربين أنفسهم، متناولا الشأن الوطني اللبناني العام. 


المحور الأول:

1. الحوار بين المغتربين من جهة والمقيمين من جهة أخرى ، متناولا الشأن المحلي اللبناني للدائرة المعنية:

إنّ بُعد المغترب الإسترالي عن الدائرة الإنتخابية وغيابه الطويل والتغّير السريع للظروف والأحوال العامة وغياب القضايا المحلية في لبنان عن الإعلام المتوفر للمغترب الأسترالي ...الخ، تجعله غير مؤهل للخوض في ذلك الحوار خاصة في الشق المحلّي من البرنامج الإنتخابي الخاص بالتنمية المحليّة لدائرة انتخابية معيّنة، وبالتالي عاجز عن ممارسة هذا الجانب الحواري من العملية الإنتخابية فيقتصر الحوار في الغالب على تلقي نصيحة أو توجيهاً حول تللك اللائحة أو ذلك المرشح أو تلك المرشحة أكثر مما هو كي يبدي رأياً أو يقوم بإختيار حر. هذه اولى خسائر المغترِب نتيجة إعتماد تلك الطريقة في انتخابات المغتربين.

نتيجة استقرار المغترب في بلد آخر – في حالتنا، أستراليا – يصبح اشتراك المغترب في ذلك الحوار اشتراك غير-المعني بقضايا ذلك الحوار، لأن تلك القضايا، كالبطالة والتعليم والنقل والأمن والطبابة والإستفشاء... لا تمسّه مباشرة، وبالتالي حين يصوّت المغترب في تلك الدائرة يكون كمن يصوّت لأمر لا يعرف عنه ولا يتأثر به وهذا ما هو ضد الديمقراطية الخقّة. فإذا كانت الديمقراطية التمثيلية لا تسمح مثلا لسكان دائرة الشمال الأولى أوالثانية  بالإقتراع في دائرة الشمال الثالثة على سبيل المثال، على قاعدة أنّ "أهل مكة أدرى بشعابها" ، فكيف تسمح تلك الديمقراطية لشخص يعيش على بُعد آلاف الكيلوميترات من تلك الدائرة - وقد يكون لم يولد فيها ولم يزرها في حياته -  أن يقترع فيها؟ إن حصول ذلك وخاصة إذا نتج عنه تغيير في نتائج الإنتخابات لا يعدو كونه  استقواءً صريح بأصوات المغتربين – في أمور لا يعرفون عنها الكثير ولا تؤثر على حياتهم – على المقيمين - في أمور تعنيهم في الصميم -، وفي ذلك قمة انتهاك الديمقراطية. هذه ثاني تلك الخسائر. 

2 . الحوار بين المغتربين أنفسهم، متناولا الشأن المحلي اللبناني للدائرة المعنية هو "حوار طرشان" وله مفعول تقسيمي.

قبل الدخول في تناول هذا الجانب من العملية الإنتخابية الديمقراطية، يجدر بنا أن نسأل السؤال التالي: هل الشأن المحلي بالنسبة للمغترب – كمغترب وليس كمواطن في دولة أخرى -  هوالشأن المتصل بالدائرة التي تحدر منها المغترب في لبنان أم هو الشأن المتصل بقضايا ذات جذر لبناني يعيشها المغترب في البلد الذي يعيش فيه؟! 

الطريقة التي فُرض على المغترب أن ينتخب بواسطتها – أن ينتخب المغتربون في دوائر المقيمين – تفترض أن الشأن المحلي بالنسبة للمغترب هو نفسه الشأن المحلي بالنسبة للمقيم، أي قضايا المقيم حيث يقيم. وفي هذه الحال يصبح الحوار بين المغتربين أنفسهم، متناولا الشأن المحلي للمقيمين في دائرتهم في لبنان، كحوار الطرشان، أي حوار بين ناخبين غير مدركين وغير متأثرين بقضايا ذلك الحوار أعني القضايا المحلية اللبنانية كما شرحنا أعلاه. في هذه الحال لا يعدو هذا الحوار كونه لغوا كلاميا لا هدف له ولا تأثير مباشر له على مصالح المتحاورين فيصبح كلزوم ما لا يلزم. هذا ما حصل في انتخابات المغتربين الأخيرة أي تحوّل الحوار في الشؤون المحلية ( المناطقية) اللبنانية بين المغتربين لغواً كلاميا أو أنه لم يحصل أبدا نظراً لإنتفاء ضرورته ولإنتفاء منفعته. بالإضافة الى كل ذلك هو حوار ذو مفعول تقسيمي على المغتربين لأنه يقتصرعلى مغتربي/ات كل دائرة بدائرتها ولا يشمل جميع المغتربين/ات في البلد المعني.

الحوار بين المغتربين أنفسهم، متناولا الشأن المحلي الإغترابي/اللبناني في بلد الإغتراب هو حوار ضروري فاعل منتج وذو مفعول توحيدي.

 لو سُمح للمغترب أن تكون له دائرته أو دوائره الإنتخابية الإغترابية، لاختلف النظر إلى الشأن المحلي ولأصبح هذا الشأن هو الشأن الذي يتناول القضايا الإغترابية ذات الجذر اللبناني والتي يعيشها المغترب في البلد الذي يعيش فيه؟! 

ما نقصده بالقضايا الإغترابية ذات الجذر اللبناني هي القضايا الناشئة عن فعل الإغتراب واستمراره: علاقة المغترب وعلاقة أولاده وعائلته بلبنان، تنمية قدرته على الحفاظ على لغته العربية وتعليمها لأولاده، المحافظة على ما زال صالحا من عاداته وتقاليده وتراثه ونقلها للأجيال المولودة في الإغتراب ، العلاقات بين الدولة التي يقيم فيها المغترب ولبنان، العلاقات بكل أنواعها الإقتصادية والسياسية والتجارية والثقافية والأكاديمية والإجتماعية والضريبية والتقاعدية... قضايا استثمار المغتربين في لبنان ، التعامل الإداري اللبناني مع المغتربين، ... كل هذه القضايا تعني وتمس كل مغترب في كل بلد اغترابي فيكون هذا الحوار شاملا كل المغتربين في البلد المعني وليس فقط من يتحدرون من دائرة انتخابية معينة في لبنان فيكون له دور توحيدي على صعيد المغتربين ككل بعكس الحوار السابق الذي بالإضافة إلى أنه كما قلنا  حوار طرشان هو حوار ذو مفعول تقسيمي على المغتربين إذ يقتصرعلى مغتربي/ات كل دائرة بدائرتها ولا يشمل جميع المغتربين/ات في البلد المعني. 

بالإضافة الى ما ذكرناه أعلاه الحوار بين المغتربين أنفسهم، متناولا الشأن المحلي الإغترابي/اللبناني في بلد الإغتراب هو حوار بين معنيين ومدركين وأصحاب مصلحة فيه إذ أنّ المغتربين هم على معرفة بالقضايا المذكورة أعلاه إذ أنهم يعيشونها وتعنيهم في الصميم ولهم مصلحة مباشرة في معالجتها بخلاف القضايا المحلية (المناطقية) اللبنانية التي ليسوا على معرفة بها ولا تمسهم مباشرة كما تمس المقيمين.  وهذا ما يفضي إلى تشكيل الشق المحلي من البرنامج الإنتخابي الإغترابي لكل دائرة أو مقعد إغترابي وهكذا يكون قد أتيح للمغترب أن يمارس بجدية وفاعلية هذا الجانب من العملية الإنتخابية الديمقراطية وهذا بالضبط ما لم تسمح به التجربة الإنتخابية الأخيرة ولذلك لم نسمع بأي شق محلي إغترابي لأي برنامج انتخابي. 

في الخلاصة تكون هذه الطريقة في إنتخاب المغتربين - أن ينتخب المغتربون في دوائر المقيمين – قد دفعت بإتجاه حوار غير ممكن الحدوث – حوار المغتربين في قضايا المقيمين المحلية (المناطقية) في لبنان - لعدم توفر الإدراك الكافي لها ولإنتفاء المصلحة المباشرة فيها- وفي الوقت نفسه عطّلت حوارا ضروريا ومفيدا – حوار المغتربين حول قضايا المغتربين ذات الجذر اللبناني – لأنّها قسّمت المغتربين حسب دوائرهم في لبنان فمنعت توحدهم حيث يتواجدون فتعطّل حوارهم.


14. حصاد المغتربين على بيدر الإنتخابات. (3) 

1. الحوار بين المغتربين من جهة والمقيمين من جهة أخرى، متناولا الشأن الوطني اللبناني العام. 

بعكس الشأن المحلي (المناطقي) الخاص بدائرة محليّة معينة في لبنان، حيث قلنا أنّ المغترب غير عارف كفاية به وليس له مصلحة مباشرة فيه، فإن المغترب في الشأن الوطني اللبناني العام هو عارف ومعني ومتأثر، به. هو أولاً عارفٌ به نتيجة التقدم الهائل في وسائط التواصل والإتصال، من الشبكات والمواقع الآلكترونية إلى الفضائيات إلى التطبيقات الهاتفية...الخ، حيث الشأن الوطني العام معروض لحظة بلحظة في متناول المغتربين. والمغترب ثانياً معني به لأن الوضع العام في البلد الأم يهم كل مغترب/ة بسبب وجود الأهل والأقرباء والمحبين هناك. والمغترب ثالثاً متأثر به – بالشأن الوطني العام- وله مصلحة فيه، لدى قيامه بأي فعل على علاقة بلبنان كالزيارة والإستثمار والتعلم والتجارة والتقاعد...الخ، ومتأثربه أيضا حيث يقيم خاصة معنويا من جراء تدهور سمعة لبنان عالميا. إذن الحوار بين المقيم والمغترب حول الشأن الوطني اللبناني العام هو حوار حاصل بين طرفين عارفَيْن ومعنيَن أقصد المقيمين والمغتربين – بعكس الحوار حول الشأن المحلي-، لكّن هكذا حوار دونه عقبات تجعل منه حواراً مبتورا قاصرا عن بلوغ هدفه ألا وهو التبلور في برنامج إنتخابي قابل للتطبيق وذلك لأسباب منها:

إنّه حوار ينطلق من خلفيتين مختلفتين جراء تجربتين مختلفتين. الأولى عاشها المقيم في الوطن، والثانية عاشها المغترب في الإغتراب. 

طريقة الإنتخاب التي فُرِضت على المغتربين/ات – أي أن ينتخب المغتربون في دوائر المقيمين، ولنسمها الطريقة الأولى – والتي جزّأت المغتربين/ات الى 15 جزأً وهو عدد الدوائر الإنتخابية في لبنان، منعت تشكل رؤية أو رؤى إغترابية عامة في بلد إغترابي محدد أي رؤى تشمل كافة المغتربين/ات في البلد الإغترابي المعني، وبالتالي منعت تشكيل رؤية أو رؤى إغترابية شاملة الإغتراب في العالم . ولكي نتمكن من معرفة حجم التجزئة لا بل التفتيت الذي جرّته هذه الطريقة في الإنتخاب على المغتربين، يكفي أن نتصور مثلاً عددا من المغتربين يسكنون في نفس الشارع في بلدهم الإغترابي لكن لن يستطيعوا بلورة رؤيا أو رؤىً إغترابية للبنان المستقبل في برنامج إنتخابي إغترابي لا لشيء إلا لأن طريقة الانتخاب التي طُبِّقت في الانتخابات الأخيرة فرضت عليهم أن ينتخبوا في دوائر مختلفة في لبنان رغم أنهم يسكنون كما قلنا في شارع واحد. 

على إفتراض أن بلورة هكذا رؤية أو رؤى كانت ممكنة – وهي كما قلنا غير ممكنة بسبب طريقة الإنتخاب المشار إليها أعلاه- فإنّ ضآلة نسبة عدد المقترعين المغتربين الى عدد المقترعين المقيمين في كل دائرة إنتخابية، لا تسمح بإعطاء الأولوية لتلك الرؤية أو إيلائها ما تستحق من الإهتمام.

هذا إذا تجاوزنا عقبات التواصل واللغة ( مع إختلاف الأجيال) وفارق التوقيت وانعدام التخالط....الخ، وكلها أمور تعيق مسار حوار كهذا.

في المقطع التالي سنرى كيف أنّ الطريقة الأخرى في الإنتخاب - أي أن ينتخب المغتربون في دائرة أو دوائر إغتربية خاصة بهم، ولنسمها الطريقة الثانية - ستسمح بتشكل تلك الرؤية أو الرؤى وتظهيرها في برامج إنتخابية إغترابية متجاوزة كل العقبات المشار إليها أعلاه.

2. الحوار بين المغتربين أنفسهم، متناولا الشأن الوطني اللبناني العام. 

واضح دون عناء أن "الحوار بين المغتربين أنفسهم، متناولا الشأن الوطني اللبناني العام " هو حوار بين مدركين ومعنيين وأصحاب مصلحة، إذ أن جميع المغتربين في مركب واحد فيما خص الشأن الوطني اللبناني العام إن من حيث الإدراك أو المصلحة.

لو أقمنا مقارنة بين مفاعيل الطريقة الأولى والطريقة الثانية للإنتخاب، على المغتربين فيما خص الموضوع المطروح أعلاه لأمكننا ملاحظة ما يلي: 

الحوار ضمن البلد الإغترابي الواحد أو حتى ضمن القارة الواحدة ينطلق من خلفية اغترابية واحدة لا من خلفيتين مختلفتين – واحدة للمقيم وأخرى للمغترب – مما يسهل بلورة رؤى معينة حول أي لبنان يريد المغترب وأي نظام يريد له ويمكن لكل من هذه الرؤى أن تتلاقح مع رؤى أخرى مُنتَجة في بلدان اغترابية أخرى أو قارات أخرى فتنتج عن ذلك التلاقح رؤية أو رؤى إغترابية عامة تشمل جميع المغتربين.

أن تتبلور تلك الرؤى في برامج انتخابية إغترابية هو من باب تحصيل الحاصل ولا علاقة لنسبة عدد المقترعين المغتربين إلى عدد المقترعين المقيمين بذلك – كما هي الحال في الطريقة الأولى – إذ أن المغتربين هم وحدهم – حصرا – من يصوت في دوائر المغتربين. 

الطريقة الثانية - أن ينتخب المغتربون في دائرة أو دوائر إغتربية خاصة بهم-          تعمل على توحيد المغتربين في كل قارة،  فتصب في البرلمان اللبناني برامج إنتخابية  بنكهة إغترابية، بينما الطريقة الأولى - أن ينتخب المغتربون في دوائر المقيمين - تقّسم المغتربين في كل قارة   فتمنع تبلور البرامج الإنتخابية الإغترابية ويبقى المغتربون خارج أبواب البرلمان. (أن يتمكّن أفراد مغتربون،  بالطريقة الأولى، من دخول البرلمان مسألة أخرى سنتطرّق إليها لاحقا)

الحوار في الطريقة الثانية هو حوار جامع لا يستثني أحدا إذ أن كل المغتربين المقيمين في بلد معين أو في قارة معينة هم ناخبون في نفس الدائرة الإغترابية وبالتالي تتطلب اللعبة الإنتخابية من جميع الأفرقاء التواصل مع جميع المغتربين بصرف النظر عن القضاء الذي يتحدرون منه في لبنان. وهذا ما عنينا به بالحوار الجامع بخلاف الحوار التقسيمي المفروض بطريقة الإنتخاب الأولى حيث اللعبة الإنتخابية تفرض تشتيت المغتربين إلى خمسة عشر جزءا كما بينا أعلاه.

كل العقبات الأخرى التي أشرنا إليها أعلاه في الطريقة الأولى للإنتخاب، من عقبات التواصل واختلاف اللغة وفارق التوقيت وانعدام التخالط... ألخ سيكون تأثيرها في الطريقة الثانية للإنتخاب في إعاقة الحوار ضعيف بما لا يقاس بتأثيرها في الطريقة الأولى، لأن كل المغتربين في كل قارة – على الأقل – سيكون لهم نائبهم للبرلمان من نفس القارة. (هذا لا يعني أن نائب لكل قارة هو عدد مقبول عند المغتربين لكن لتحديد عدد نواب الإغتراب بشكل عادل حديث آخر)

تكلمنا في هذه الفقرة، الفقرة أ (عبر ثلاثة أجزاء) على الحوارات كممر إجباري لكل عملية إنتخابية ديمقراطية حقة، في الفقرة التالية وهي الفقرة ب سنتكلم على الأمور الإنتخابية الأخرى كالبرامج الإنتخابية والمرشحين/ات واللوائح ....الخ وهي ما ستكون موضوع الجزء السابع.


15. حصاد المغتربين على بيدر الإنتخابات. (4) 

أشرنا سابقاً (في الجزء الرابع من هذا المقال) الى أنّ العملية الإنتخابية الديمقراطية لا تقتصر على الإقتراع يوم الإنتخاب بل تبدأ بالحوار الإنتخابي بين الناخبين/ات مروراً بالبرامج الإنتخابية فإختيار المرشّحين/ات فالحوار بين المرشّحين/ات أنفسهم من أجل إقامة التحالفات وتركيب اللوائح وصوغ الشعارات وخوض الحملات الإنتخابية... وصولاً الى يوم الإنتخاب. وقد بيّنا في الفقرة "أ" أعلاه والتي امتدت على مساحة 3 أجزاء (الرابع والخامس والسادس) كيف أنّ طريقة الإنتخاب التي فرضت على المغتربين أن ينتخبوا في دوائر المقيمين  قد عطّلت الحوار الإنتخابي بين الناخبين/ات، أو منعت حصوله، أو لم تفسح له مجالاً، فسدّت الطريق على إمكانية تبلور برامج انتخابية إغترابية، فساد صمتٌ مطبق شبيه بصمت القبور في أوساط المغتربين منذ تاريخ نهاية فترة تسجيل المغتربين في العشرين من تشرين الثاني 2021  وحتى ما قبل يوم الإنتخاب بقليل، في وقت كانت تلك الفترة هي الفترة الأكثر حيويةً وحماساً بالنسبة للمقيمين، إذ خلالها تسارعت – لدى المقيمين - وتكثّفت الحوارات وتبلورت البرامج الإنتخابية وأطّل المرشحون وتشكّلت اللوائح ... الخ . 

في الفقرة "ب" أدناه سنبيّن كيف أنّ طريقة الإنتخاب تلك قد منعت، نظرياً أولاً وبالطبع عملياً ثانيا، بروز أي مرشح/نائب إغترابي (حتى لو ترشح بعض المغتربين/ات في مقاعد المقيمين أو حتى لو نجح بعضهم/نّ في دخول البرلمان) وبالتالي منعت أي تحالفات أو لوائح إغترابية.

 ب. في المرشح/النائب الإغترابي، في التحالفات واللوائح الإغترابية 

من خلال قانون الإنتخاب الساري المفعول يتبين أنه لا إمكانية لبروز مرشح/نائب عن دائرة ما إلا إذا كانت التقسيمات الإنتخابية تعترف بوجود تلك الدائرة.

القانون الساري المفعول – لحظة إجراء انتخابات ال/ 2022 – لم يعترف بوجود دائرة للمغتربين، وبالتالي انعدمت، نظريا، إمكانية بروز مرشح/نائب إغترابي أي مرشح/نائب منتخب حصرا من قبل المغتربين كما هي الحال في دوائر المقيمين. 

أما عمليا فقد ترشح بعض المغتربين في دوائر المقيمين وفاز البعض منهم. من تابع حركة ذلك البعض تبيّن له غياب المغتربين وشؤونهم وتطلعاتهم عن برامج وخطط وخطب ذلك البعض. إن ذلك الغياب لم يكن صدفة ولا تقصيرا أو إهمالا من أولئك المرشحين/النواب، بل أن غياب مقاعد المغتربين هو ما أدى إلى غياب المغتربين وشؤونهم وتطلعاتهم عن برامج وخطط وخطب المرشحين/النواب المقيمين عامة وحتى من كان منهم مغتربا. فلا يتوقعن أحد من مرشح/نائب يشكل الناخبون المغتربون أقل من 5% من عدد ناخبيه أن يعيرهم الإهتمام الذي يعيره لـ 95% الآخرين. أضف إلى ذلك أن الـ 5% مشتتين في كل دول العالم وقضاياهم وشؤونهم قد تختلف بين قارة وأخرى فلا إمكانية والحال هذه، لأي مرشح/نائب أن يلّم بتلك القضايا والشؤون فكيف بتضمينها في برنامجه الإنتخابي؟!

ينطبق الأمر كذلك على التحالفات واللوائح فلا يمكن للمغتربين المرشحين في دوائر المقيمين أن يقيموا تحالفات اغترابية ويشكلوا لوائح اغترابية فيما بينهم، فهذا ما لا يسمح به القانون الإنتخابي أولا، ولا يسمح به الواقع ثانيا. الأمر يكون خلاف ذلك فيما لو توافرت مقاعد للمغتربين، ساعتئذ تتوافر إمكانية بروز المرشحين/النواب الإغترابيين والتحالفات واللوائح الإغترابية.

في الخلاصة، في "حصاد المغتربين على بيدر الإنتخابات" تبيّن لنا أن لا حوارات ممكنة ، لا مرشحين/نواب إغترابين، لا برامج، لا تحالفات، لا لوائح انتخابية اغترابية ، فماذا يبقى من جوهر العملية الإنتخابية الديمقراطية بعد تجريد المغتربين من كل ذلك؟! 

كما درجت العادة – ماضيا وحاضرا – على اختزال المغتربين إلى مجرد دولارات يتم استعمالها بمعزل حتى عن إرادتهم، وفي نهاية الأمر سُرقت منهم، جرى في الإنتخابات الأخيرة وفي الإنتخابات التي سبقتها، جرى إختزال المغتربين/ات إلى مجرد أصوات إنتخابية تستعمل في معارك المرشحين في دوائر المقيمين من التقليديين والتغيريين وبين التقليديين أنفسهم والتغييريين أنفسهم مع كل أسف.

كلمة أخيرة في نهاية هذا المقال الطويل، نأمل منذ اليوم، ومن الجميع، تقليديين وتغييريين، مقيمين ومغتربين، في كافة المواقع وعلى كافة المستويات ، إعادة النظر في تقييم الدور الإغترابي فيتم النظر إلى المغتربين ليس فقط كدولارات وأصوات بل كبشر لهم رؤاهم وتطلعاتهم نحو وطنهم الأم، ومن حقهم، كالمقيمين، أن تكون لهم دوائرهم ومقاعدهم ونوابهم مما يفسح لهم المجال لتحقيق تلك الرؤى والتطلعات. حينذاك، وحينذاك فقط، يضم البرلمان تحت قبته نوابا عن المقيمين ونوابا عن المغتربين وبهذا تتكرس مقولة لبنان في جناحيه المقيم والمغترب بدل أن تبقى رمادا يُذّر في عيون المغتربين/ات.

إستطرادا، وخارجاً عن امورنا اللبنانية، ودون أن نصل إلى مرحلة التدخل في شؤون الأشقاء نسأل: هل طرح الأشقاء المغتربون العرب خاصة المشرقيون على أنفسهم السؤال التالي – وأعداد المهاجرين/المهجّرين من المشرق العربي في ازدياد دائم -: ما هي أفضل الأقنية للفعل السياسي الإغترابي لإنتشال أوطاننا الأم من الحضيض الذي وصلت إليه؟ وهل من إمكانية أو ضرورة لعمل عربي مشرقي إغترابي مشترك؟ هل من جواب؟ (انتهى)

المنتدى الاسترالي اللبتاني المستقل 

Australian Lebanese Independent Forum  

عنهم 

طتّوس فرنسيس 

الأربعاء، 8 يونيو 2022

المجلس العالمي لثورة الأرز: من الواضح لا تغيير في مجلس النواب، اشارة واضحة بأن الأمور لا تدعو إلى التفاؤل


واشنطن في  8 حزيران 2022

الانتخابات النيابية وعدت اللبنانيين ببعض التغيير ولكن ما جرى في انتخاب رئيس وأعضاء مكاتب مجلس النواب واللجان كان اشارة واضحة بأن الأمور لا تدعو إلى التفاؤل فهل ستبقى البلاد مرهونة لسياسة الأمر الواقع؟ وهل أن حزب الله لا يزال قادر على فرض معادلة "أنا أو لا أحد"؟

يرى المجلس العالمي لثورة الأرز بأن لبنان بالرغم من محاولات التمرد على هيمنة عملاء إيران ودخول بعض العناصر الجديدة على الساحة السياسية إلا أن طريقة المساومة وعدم الوضوح في ممارسة اللعبة الديمقراطية لا تزال الغالبة ولذا فانه ينبه اللبنانيين إلى الأمور التالية:

- إن مصادرة راي الطائفة الشيعية بكاملها وعدم فسح المجال بأن يخرج أي من ممثليها عن سيطرة حزب الله وسلاحه هو موضوع قلق بالنسبة لمستقبل لبنان والنظام الديمقراطي فيه.

- إن تمثيلية التجديد للرئيس بري للمرة السابعة في رئاسة المجلس وبأغلبية مصطنعة من صوت واحد يظهر جليا الاستخفاف بعقول اللبنانيين ويؤشر إلى فشل النظام الانتخابي في لبنان كما ينبئ  باستمرار سياسة الصفقات وتقاسم المناصب لتغطية المكاسب على حساب الشعب وعملية افقاره كمقدمة لتهجيره بعد هدم الكثير مما كان يميز لبنان من الانجازات على صعيد التطور والحداثة والثقة التي تمتع بها سوقه الحر. وهي على ما يبدو سياسة الاحتلال الجديد الذي يتستر بعملاء يحملون الهوية اللبنانية بالأصالة أو التزوير لا فرق.


- إن المجلس العالمي لثورة الأرز، الذي لن يترك هواة السياسة يلعبون بمقدرات الوطن ويضحكون على اللبنانيين بمماشاة الاحتلال وأعوانه ويستمرون بجر البلاد نحو الهاوية التي بات الكل يراها بوضوح، سوف يعمل على رفع الصوت عاليا بوجه طغمة الفساد والحقد وقصر النظر على السواء. فالوطن الذي ضحى من أجله رجالات كبار وسفكت لبقائه دماء عزيزة لن يترك ليصبح أضحوكة للعالم وسخرية للقدر. 

- إننا ندعو الصادقين ممن انتخبهم الشعب للوقوف بشجاعة واصرار واضحين ولو لم يشكلوا الأكثرية في المجلس النيابي وتأليف كتلة معارضة حقيقية برنامجها الأساسي والوحيد التخلص من نير الاحتلال وزبانيته ورص الصفوف الوطنية من كافة الفئات لاعطاء بريق أمل للبنانيين بأنه لا يزال هناك من يعمل على خلاص البلاد وتوحيد الصفوف وانهاء الحالة الشاذة التي أغرقت لبنان منذ أن أصبح ساحة لحروب الآخرين في وحول لا ناقة له فيها ولا جمل.

- إننا ندعو اللبنانيين إلى خلق مناطق مختلطة وآمنة ترفض السلاح والحزب الذي يستقوي به عليهم لتصبح الملاذ للمناضلين في سبيل تحرير التراب الوطني واعطاء العالم أمثولة جديدة للتعلق بالأرض والتمسك بالحق والعمل على استعادة السيادة الكاملة والحرية غير المنقوصة والكرامة التي لا يجرحها استتباع ولا يلطخها جور مهما تعاظم.

- كما ندعو الأمم الحرة إلى اعتبار لبنان بلدا محايدا لا يقبل بأن يفرض عليه سياسة ولا راي وأن ترفع ايدي القوى في الأقليم عن التدخل في شؤونه لكي يركز على اعادة تنظيم كل قطاعاته تحت مجهر الشعب ومحاسبته لكل المتطاولين على حقوقه العابثين بثرواته ونعدهم بأن هذا الشعب سوف يحاسب ولن يقبل بتمرير أعمال الفساد والتبعية على السواء وسيحاكم كل من تجرأ على هدم مؤسساته وتجيير ثرواته ومقدراته وتشويه سمعته وسمعة ابنائه حول العالم.

الثلاثاء، 7 يونيو 2022

أستراليا في عهدة حزب العمال .. ماالذي سيتغير؟


 

كتب د. عبدالله المدني*

في خضم الحرب الدائرة في أوكرانيا والصراع الغربي ــ الروسي على النفوذ، لم تلق الانتخابات الأخيرة في أستراليا اهتماما يوازي مكانة هذا البلد الشاسع في موازين القوة ولاسيما لجهة التحالفات الاستراتيجية الجديدة لمحاصرة النفوذ الصيني المتصاعد.

تمخضت هذه الانتخابات عن خسارة حزب المحافظين اليميني الحاكم بقيادة سكوت موريسون لصالح منافسه أنتوني ألبانيز زعيم حزب العمال اليساري المعارض، الذي ظل بعيدا عن السلطة لنحو عقد من الزمن. وبهذه النتيجة ــ رغم أن الحزب المنتصر لم يحقق فوزا ساحقا لتشكيل حكومة أغلبية برلمانية مريحة ــ وجه الاستراليون لطمة إلى المحافظين وزعيمهم موريسون ذي الشعبية المتدنية بسبب لجوئه إلى قرارات صعبة ومؤلمة تجلت في طريقة تعامله مع جائحة كورونا وإلغاء صفقة الغواصات مع فرنسا رضوحا لضغوط امريكية بريطانية. وبالتالي باتت استراليا اليوم في عهد حكومة أقلية يدعمها حزب الخضر والمستقلون لأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

لكن ماذا عن السياسات التي ستتبناها الحكومة الجديدة، ولاسيما تلك المتعلقة بتعاون كانبرا مع واشنطن وطوكيو ونيودلهي للجم بكين وسياساتها التوسعية، خصوصا وأن حكومة موريسون المهزومة كانت متهمة بإهمال علاقات البلاد مع الدول الصغيرة المحيطة بأستراليا في المحيط الهادي إلى درجة أن بلدا مثل "جزر سليمان" قام بعقد اتفاقيات أمنية مع الصين، ما أثار مخاوف قطاعات من الاستراليين حول احتمال أن تؤدي تلك الاتفاقية إلى بناء قواعد عسكرية صينية بالقرب من مياهمم وترابهم الوطني لأول مرة. كما وأن جزر ساموا حذت مؤخرا حذو جزر سليمان فوقعت اتفاقا سريا مع بكين تحت غطاء التنمية والتعاون.

ومن هنا قيل أن المهمة الأولى لرئيس الحكومة الجديد ستكون إعادة رسم العلاقات الخارجية بطريقة أقوى وأوضح من أجل أمن البلاد وحمايتها من أي تهديد خارجي، ودرء مخاطر الهيمنة الأجنبية على حركة المرور في المحيطين الهادي والهندي. وبالفعل قام وزير الخارجية الاسترالي الجديد "بيني وونغ" وقت كتابة هذا المقال بزيارة جزر فيجي لتأكيد أن بلاده معنية بمشاكل بلدان المحيط الهادي الصغيرة وأنها شريكة لا تفرض شروطا أو أعباء مالية على شركائها كما يفعل الصينيون، ولحث قادتها على "التفكير في المكان الذي تكونون فيه خلال عقد من الصفقات مع الصين" طبقا لتصريحه.


أما داخليا، فالأنظار تتجه إلى إجراءات الحكومة حول قضية تغير المناخ، خصوصا وأنها كانت قضية محورية خلال حملات حزب العمال الإنتخابية، بل يمكن القول أن الأخير لم يفز إلا بسبب الوعود التي قطعها ألبانيز على نفسه بخفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 43% بحلول عام 1930 وتصفيرها بحلول عام 2050. وهو أيضا ما شجع حزب الخضر على دخول الإئتلاف الحكومي الحالي، بعدما أعلنت الحكومة الجديدة أنها تخطط لتحديث شبكة الطاقة الأسترالية وإطلاق البنوك الشمسية، مع الاستثمار في مشاريع الفحم الجديدة إذا كانت مجدية بيئيًا واقتصاديًا. هذا علما بأن حكومة موريسون المهزومة قاومت الدعوات العالمية لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بما يتجاوز نسبة 28% من الانبعاث بحلول العام 2030، ودعمت استعمال الفحم الذي تعد صناعته أحد محركات الاقتصاد الأسترالي. 

لكن من هو الزعيم الاسترالي الجديد الطامح للبقاء في السلطة طويلا ومسح الصورة الهزيلة التي ظهر بها حزبه في انتخابات عام 2019 بعد أن أمضى ربع قرن ينتظرها على خلاف أسلافه الذين لم ينتظروا أكثر من عقد؟

حصل ألبانيز البالغ من العمر 59 عاما على مقعد برلماني لأول مرة في عام 1996 تزامنا مع تحول حزبه إلى المعارضة. وحينما عاد العمال إلى السلطة ما بين عامي 2007 و 2013 نشبت خلافات حزبية حول القيادة فانبرى ينتقد طرفي الخلاف صراحة. وخلال تلك السنوات أثبت قدرات قيادية مشهودة تجلت في قيادته للبرلمان بحيادية وتعاونه مع الحكومة المحسوبة على خصومه من أجل تمرير عدد كبير من القوانين دون أن تؤثر عليه أيديولوجية حزبه اليساري. وفي هذا السياق ذكر كريغ إيمرسون، وزيرا للتجارة آنذاك، أن الرجل كان له الفضل بصفته رئيسا لمجلس النواب في ضمان استمرار عمل الحكومة ومنع الفوضى.

تقول سيرته الذاتية أنه نجح في تنظيم إضراب متعلق بالإيجارات وهو في الثانية عشرة من عمره إدى إلى وقف عقارات سكنية مملوكة لأمه، وأنه كان أول من إلتحق بالجامعة ضمن أسرته، فدرس الاقتصاد وانخرط أثناء ذلك في النشاطات الطلابية، وأنه ينخذ قراراته ببرغماتية دون الاخلال بمبدأ العدالة الإجتماعية، متأثرا في ذلك بما مر به من صراعات في طفولته. وفي سن الثانية والعشرين أنتخب رئيسا للجنة شباب حزب العمال وعمل موظفا باحثا في ظل حكومة رئيس الوزراء الأسبق بوب هوك الذي يعد الأطول بقاء في السلطة.

شغل ألبانيز منصب وزير في حكومة حزب العمال السابقة برئاسة رئيسي الوزراء كيفن رود وجوليا جيلارد، قبل أن يتولى منصب زعيم حزب العمال بعد خسارة حزبه في انتخابات  2019. وبايجاز فإن رحلته السياسية كانت طويلة وشاقة وبطيئة، بدأت وهو في سن المراهقة بمرافقة والدته وجدته إلى اجتماعات فرع حزب العمال في ولاية نيو سالوث ويلز، واستمرت في سنواته الجامعية قبل أن تثمر عن وظائف قيادية تدريجيا وصولا إلى دخوله البرلمان وترؤوسه للمجلس وتنافسه على قيادة حزب العمال وفوزه بها وتحركه لإضفاء صورة أكثر واقعية على الحزب، بعيدا عن التزمت الايديولوجي والشعارات الطبقية وتخويف أصحاب رؤوس الأموال.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: يونيو 2022م


الأربعاء، 1 يونيو 2022

صراع مبكر حول قيادة الحزب الحاكم في فيتنام

 


كتب  د. عبدالله المدني*

توحد شطرا فيتنام عام 1975 بعد ثلاثة عقود من الحروب التي قاتل فيها الشيوعيون المستعمرين الفرنسيين ومن ثم الفيتناميين الجنوبيين وأعوانهم الأمريكيين الذين تدخلوا عسكريا في هذه البلاد بحجة منع سقوطها في أحضان الشيوعية كما هو معروف. ومذاك قررت قيادة الحزب الشيوعي الحاكم رمي مأسي الماضي خلف ظهرها والعمل من أجل تحويل فيتنام الموحدة إلى بلد مزدهر اقتصاديا وإن تطلب ذلك التعاون مع الأعداء السابقين. تلك الرؤية الصائبة التي تعلمها حكام فيتنام الشيوعيين من تجربة اليابان بعد الحرب الكونية الثانية ساهمت في تحول البلاد إلى واحدة من أسرع الاقتصاديات الآسيوية نموا. صحيح أنها عانت في البدايات من مشاكل اقتصادية وعجوزات تجارية، بل ودخلت حربا قصيرة مع الصين وغزت كمبوديا المجاورة للإطاحة بنظام الخمير الحمر، وتألمت من تداعيات الأزمة الاقتصادية الآسيوية عام 2008، لكنها تمكنت من التغلب على كل العوائق ومضت تبني نفسها بإرادة حديدية إلى أن جاءت جائحة كورونا التي أثرت سلبا على اقتصادها من جديد وكشفت أوجه فساد كبير.

في يناير 1911 تولى قيادة الحزب الحاكم (أعلى سلطة في البلاد) نغوين فو ترونغ، خلفا لنونغ دوك مان الذي تقاعد من بعد شغل المنصب لمدة عشر سنوات. وفي عام 2016 اعيد انتخابه للمرة الثانية، وفي سبتمبر 2018 تم تعيينه رئيسًا للدولة بينما كان يشغل أيضًا رئاسة الوزراء وقيادة الحزب ، مما جعله أول زعيم فيتنامي منذ الثمانينيات يجمع كل هذه المناصب الرفيعة. وحينما انعقد المؤتمر الثالث عشر للحزب في يناير 2021  كان المتوقع أن يتنحى، لكن أعيد انتخابه لفترة ثالثة، في خرق للعرف السائد الذي يحدد زعامة الحزب لفترتين متتابعتين فقط. وقتها صرح قائلا بأنه لم يرغب في التجديد بسبب تقدمه في السن ومتاعبه الصحية، لكنه رضخ لرغبات "الرفاق". وهكذ فإنه من المنتظر أن يستمر هذا المنظر الشيوعي العتيد الحاصل على دكتوراه الفلسفة من موسكو في قيادة فيتنام حتى عام 2026 حينما ينعقد المؤتمر الوطني العام إلا إذا توفي خلال فترة زعامته الثالثة، خصوصا أنه أصيب في أبريل 2019 بجلطة دماغية خلال زيارة لمقاطعة "كين جيانغ"، ما أثر على قدرته على السفر داخليا وخارجيا، قبل أن يستعيد عافيته نسبيا.


والحقيقة ــ طبقا للمراقبين ــ هي أن التجديد لترونغ كان سببه فشل الحزب الحاكم في التوصل إلى اجماع حول من سيخلفه. ذلك أن خليفة الرجل المفضل "تران كووك فونغ"، الذي يعتبر يده اليمنى، شخصية لا تحظى بشعبية وتدور حولها قصص الكسب غير المشروع، وبالتالي من الصعب المجازمة باختيارها في وقت لا تزال فيه البلاد تئن من التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا وسط تبادل الاتهامات بين كبار المسؤولين حول الاخفاق والفساد. وبمعنى آخر فضل الحزب الحاكم الإبقاء على ترونغ كي يواصل قيادة القارب الفيتنامي ويسيطر على مشاكله بما له من نفوذ وإرث سياسي وحزبي.

يعتقد المحللون والمختصون في الشأن الفيتنامي من أمثال ألكسندر فوفينغ، الأستاذ في مركز الدراسات الأمنية في هونولولو (هاواي) أن صراعا مبكرا قد بدأ في هانوي لخلافة رجل البلاد القوي ترونغ البالغ من العمر حاليا 76 سنة. أما الدليل فهو قيام رفاقه الحزبيين باعلان الحرب ضد بعضهم البعض عبر ترويجهم لقصص فساد مزكمة للأنوف في محاولة لقطع الطريق على هذا الطامح أو ذاك. أما البروفسور ثاير الأستاذ الفخري بجامعة نيوساوث ويلز الاسترالية فقد زعم أن إصدار مذكرة توقيف مؤخرا بحق سيدة أعمال فيتنامية بارزة هو جزء من صراع النخبة على السلطة في هانوي.

إن غياب ترونغ عن المشهد سيفضي إلى فراغ كبير في السلطة. فللرجل تاريخ طويل في أروقة الحزب الحاكم ابتداء من عمله في التسعينات كرئيس تحرير لمجلة الحزب الرسمية، ثم منحه عضوية المكتب السياسي للحزب عام 1997، فانتخابه رئيسا للبرلمان عام 2006، وانتهاء بصعوده إلى المنصب القيادي الأعلى كأمين عام للحزب عام 2011. هذا ناهيك عن براعته القيادية التي تجلت في حكم البلاد وفق النظام الجماعي المركزي الذي أسسه "هو شي منه" عام 1969 قبل توحيد شطري فيتنام، وقدرته على كسب الشرعية والتأييد بعد قرارات الانفتاح والإصلاح الاقتصادي والسعي لإقامة علاقات تعاون قوية مع العدو الأمريكي السابق، وهو ما أكسبه تأييدا شعبيا أوسع بسبب تحسن مستويات المعيشة والنمو الاقتصادي المتصاعد. أضف إلى ذلك، الإصلاحات التي أدخلها في أجهزة الحزب الشيوعي منذ عام 2012 والتي تجلت في الأخذ بمبدأ النقد ومحاسبة المخطئين والمتجاوزين من قبل المكتب السياسي للحزب. على أن ما يـُعاب عليه في الخارج هو قبضته الحديدية وقمعه للمعارضين والكتاب الداعين للتعددية السياسية وإطلاق الحريات.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: مايو 2022م