الأربعاء، 28 سبتمبر 2022

قمة سمرقند .. طموحات كبيرة وواقع معيق

 


بقلم: د. عبدالله المدني

في يونيو 2001 تأسست منظمة شنغهاي للتعاون SCO على يد روسيا والصين وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان، لتكون تكتلا لتعاون سياسي واقتصادي وأمني منافس للمنظمات والتكتلات الغربية. ومنذ ذلك التاريخ راحت تمنح عضويتها الكاملة أو صفة العضو المراقب إلى مزيد من الدول حتى صارت تجمعا فضفاضا لبلدان تختلف طموحاتها ومرئيات واولوياتها عن بعضها البعض، بل تحكم علاقات بعضها الثنائية حالة عداء تاريخية مريرة (باكستان والهند، والهند والصين، وأرمينيا وآذربيجان مثلا)

مناسبة هذا الحديث هي انعقاد قمة جديدة للمنظمة هذا الشهر بمدينة سمرقند الأوزبكية وسط عناوين كبيرة وأمنيات ذات سقف عال من الصعب تحقيقها  في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية المتدهورة يوما بعد يوم. لذا لم يجد المراقبون أمامهم سوى توجيه بوصلتهم نحو الإجتماعات الجانبية بين القادة المشاركين، علهم يلتقطون خبرا مختلفا غير التصريحات التقليدية حول ضرورة التعاون من أجل عالم أكثر أمنا واستقرارا وعدالة، وغير قرارات توسيع المنظمة بمنح عضويتها إلى أقطار جديدة (أعلنت القمة  إطلاق مسار لضم بيلا روسيا، وتم منح العضوية الكاملة لإيران، وصفة "شركاء الحوار" لخمس بلدان عربية)


ويمكن القول أنه حتى اللقاءات الجانبية لم تحقق أي انفراج يسمح بالابتهاج، كي لا نقول أنها اثمرت عن ظهور تباينات جديدة، على نحو ما حدث في لقاء بوتين ــ مودي، حيث أوردت الأنباء أن الزعيم الهندي، الذي تجبنت بلاده إدانة روسيا بشكل صريح لغزوها أوكرانيا، والتي تعد في الوقت نفسه شريكا في تحالف "كواد" مع الولايات المتحدة واليابان واستراليا، صارح نظيره الروسي بأن "الآن ليس وقت الحرب"، مع تشديده على الدبلوماسية والحوار كوسيلة لحل الأزمة الأوكرانية. وعلى المنوال نفسه أوردت الأنباء أن لقاء جينبينغ ــ أردوغان طغى عليه قلق أنقرة حول أوضاع مسلمي الإيغور ذوي الثقافة التركية في إقليم شينجيانغ الصيني. 

ومن هنا لا نتجنى لو قلنا أن أهمية هذه القمة تكمن فقط في أنها أول اجتماع لقادة المنظمة منذ تفشي وباء كورونا، وأول لقاء بين قادة يوراسيا منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا واحتدام المواجهة بين موسكو والغرب. لذا سعى الزعيم الروسي فيلاديمير بوتين لاستثمار القمة في نيل أكبر قدر من دعم دول دول المنظمة لسياساته في أوكرانيا وتجاه الغرب، كما سعى في الوقت نفسه للضغط على شركائه لتعزيز دور المنظمة كي يغدو لاعبا أكثر تأثيرا في الشؤون الدولية والقضايا الإقليمية لأن المنظمات الأخرى بحسب تعبيره "تستخدم الأنانية الإقتصادية وسياسات العقوبات غير القانونية والقيود التمييزية ضد الدول النامية في التجارة والطاقة والغذاء وغيرها".


وقد لوحظ وجود تناغم واضح غير مستغرب بين الزعيم الروسي ونظيره الصيني إذ أن كليهما تبنيا فكرة أن تلعب المنظمة دورا مركزيا في بناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب مع الدفع باتجاه استخدام العملات المحلية المحلية، بديلا عن الدولا الأمريكي، في المبادلات التجارية.

كما لوحظ أن الدولة المضيفة ورئيسة الدورة الحالية للمنظمة (أوزبكستان) نأت بنفسها عن الملفات الخلافية وركزت على الجانب الاقتصادي لاسيما وأن رئيسها شوكت ميرضيائيف وضع آمالا عريضة على استضافة سمرقند (لؤلؤة طريق الحرير) للقمة لجهة إحياء وتنفيذ مشروع طريق الحرير الحديدي بين الصين وأوروبا عبر أوزبكستان وتركمانستان وإيران وتركيا، علما بأن هذا المشروع المعلق حال تنفيذه سيساهم سنويا في نقل ما قيمته 75 مليار دولار من البضائع التي يتم نقلها حاليا عبر كازاخستان وروسيا أو عبر بحر قزوين، كما سيختصر كثيرا رحلة الشحن إلى أوروبا. وبسبب الفوائد الاقتصادية الجمة التي ستجنيها أوزبكستان من هذا المشروع، وآملا في انجاح قمة سمرقند دون مشاكل في ظل المناوشات العسكرية المستجدة بين أرمينيا وآذربيجان واتساع دائرة الاشتباكات الحدودية بين قرغيزستان وطاجيكستان والإخفاقات الروسية الأخيرة في أوكرانيا، فقد استبق الرئيس الأوزبكي القمة بنشر مقال مطول حول رؤية بلاده والتي جاء فيها أن رئاسة أوزبكستان لمنظمة شنغهاي تأتي في ظل متغيرات كثيرة وأنه في لحظات الأزمات ينبغي على الدول، كبيرة ومتوسطة وصغيرة، أن تضع مصالحها الضيقة جانبا وتركز على التفاعل والتعاون في النقل والتجارة والاقتصاد والتوصل إلى توافق في الآراء والمسائل الخلافية لأن عكس ذلك سيؤدي إلى نزاعات مسلحة ستسبب بدورها في انقطاع التجارة والاستثمار وتفاقم مشاكل أمن الطاقة والغذاء، مشيرا إلى أن  "النظام الحديث للتعاون الدولي ، القائم على المبادئ والأعراف العالمية ، بدأ يختل بشكل كبير، وأحد الأسباب هو أزمة ثقة عميقة على المستوى العالمي، والتي بدورها تثير المواجهة الجيوسياسية وتحيي التكتلات النمطية".

كلام الرئيس الأوزبكي هذا لا تنقصه الصراحة، لكنه يظل مجرد نصائح وينبغيات مكررة وآماني من الصعب تحقيقها.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: سبتمبر 2022م


الثلاثاء، 20 سبتمبر 2022

حرب الرقائق تزداد اشتعالا بين واشنطن وبكين


بقلم: د. عبدالله المدني*

في مايو 2019 حظرت واشنطن التعامل مع شركة هاواوي الصينية. جاءت الخطوة انعكاسا لنزاع أمريكي ــ صيني حول المعايير الداعمة للجيل الخامس (G5) من تكنولوجيات شبكات المحمول، وبسبب تفوق الصين على الولايات المتحدة (العقل المدبر للمعايير العالمية ذات الصلة بالإتصالات والمعلوماتية وتكنولوجياتها) في مجال تحديد المعايير الخاص بـ G5 ، كون الشركات الصينية تمتلك ثلث برءات الإختراع الأساسية المتعلقة بشبكات الجيل الخامس، علما بأن الأخيرة لا تقتصر أهميتها على انتاج الهواتف الذكية، بل تتجاوزها إلى القطاعات التكنولوجية الناشئة مثل السيارات ذاتية القيادة والذكاء الاصطناعي والمدن الذكية. وهكذا فإن من يملك براءات الاختراع الأساسية هو الذي يحدد معايير الجيل الخامس وهو الذي يربح أكثر، بل ويمارس قوة مؤثرة على مسار ابتكار وتوجيه التقنيات ذات الصلة.

ومن هنا رأينا كيف أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كررت كلمة "معايير" نحو عشر مرات في وثيقة استراتيجية مرفوعة إلى البيت الأبيض عام 2020، مبدية شكوكها في مجموعة المعايير الصينية المشتركة للإتصالات، وواصفة إياها بأنها ليست مرنة أو آمنة أو موثوق بها كما تدعي بكين.

ومع مجيء بايدن إلى البيت الأبيض، تعززت الشكوك والمخاوف الأمريكية من الصين، الأمر الذي وجدنا تجلياته في ورقة نشرت بُعيد توليه الرئاسة وجاء فيها أن على الولايات المتحدة أن تواصل دورها لعقود قادمة في كتابة قواعد التجارة والتكنولوجيا في العالم، وأن تتعاون مع الأقطار الأخرى الحليفة لمواجهة ما وصفته بـ "السلوك التعسفي للصين"، وألا تتيح المجال لبكين للتلاعب بقواعد الاقتصاد الدولي. في الوقت نفسه راحت واشنطن تراجع سلاسل التوريد للسلع ذات الأهمية الاستراتيجية لتحديد المجالات الرئيسية التي يمكن أن تلعب فيها الحكومة دورا أكثر نشاطا لجهة وضع المعايير وتحفيز الأعمال.

في المقابل نظرت الصين إلى المعايير كأداة استراتيجية وجيوسياسية يمكن عن طريقها بناء نظام عالمي جديد. ويظهر ذلك جليا في "مبادرة الحزام والطريق" الصينية التي تؤكد على التعاون في المعايير، ثم في قيام بكين خلال عام 2019 بتوقيع 52 اتفاقية تعاون معياري. ومن ناحية أخرى، يضع الصينيون المعايير في صلب رويتهم الإستراتيجية الجديدة (معايير الصين 2035)، تكملة لإستراتيجتهم الصناعية المعروفة باسم "صنع في الصين 2025"، علما بأن الإختلاف بين الاستراتيجيتين يكمن في أن الأخيرة سعت للهيمنة على انتاج السلع، بينما الجديدة تستهدف الهيمنة على القواعد التي تحكم التقنيات العالمية الناشئة. وبعبارة أخرى، تسعى الصين اليوم إلى أن تكون لها كلمة في وضع المعايير العالمية للتقنيات الناشئة والذكاء الاصطناعي والحوسبة والتحول الرقمي، وهو ما تحاول واشنطون الآن منعه (أوتصحيح خطأ ارتكبته حينما تبنت فكرة تجزئة صناعة الرقائق بحيث يكون البحث والتطوير في أراضيها بينما يكون التصنيع في آسيا) وذلك من خلال عدد من الإجراءات والخطط منها: انتاج رقائق (أشباه موصلات) أكثر تقدما على مستوى العالم (وقع الرئيس بايدن بالفعل في مطلع الشهر الماضي على قانون لتعزيز القدرة التنافسية للولايات المتحدة تجاه الصين، يمنح 54 مليار دولار أمريكي من الإعانات والمزايا الضريبية لصانعي الرقائق في الولايات المتحدة على مدى السنوات الخمس القادمة). ومنها أيضا الدفع بمرشحها لتولي منصب الأمين العام لإتحاد الدولي للإتصالات خلفا للصيني "هولين جاو" الذي ظل مسيطرا على هذا المنصب منذ عام 2014، ومتحكما في مكتب تقييس الاتصالات (TSB)، المعني بوضع المعايير التقنية اللازمة للتشغيل البيني لتكنولوجيات المعلومات والاتصالات على مستوى العالم.

وأواخر شهر أغسطس المنصرم، قررت واشنطن فرض حظر جديد على صادرات العديد من الرقائق المتطورة الذاهبة إلى الصين وروسيا، حيث أمرت شركتين من شركاتها التكنولوجية الكبرى وهما شركة Nvidia وشركة AMD بوقف بيع وتصدير منتجاتها من الرقائق المتطورة إلى البلدين كيلا تنتهي إلى استخدامات عسكرية. ومعنى هذا القرار أن نمو الصين في الحوسبة عالية السرعة والذكاء الاصطناعي سيتباطأ، وسيتعرض لإشكالات تحدث عنها الكاتب الصيني المتخصص في مجال تكنولوجيا المعلومات "لي وي" قائلا أن عمالقة الانترنت في الصين لن يكونوا قادرين بعد الآن على الحصول على أحدث الرقائق من الشركتين الأمريكيتين، وبالتالي سيكون من الصعب عليهم المحافظة على مزاياهم في قطاع الذكاء الصناعي عالميا. ولعل ما يعزز كلام الكاتب الصيني هو ما قاله "تشاو ليدونغ" الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة Shanghai Enflame Technology خلال المؤتمر العالمي للذكاء الاصطناعي في شنغهاي في الأول من سبتمبر الجاري من  أن احد أسباب المشاكل التي ستواجه الصين هو أن صانعي الرقائق فيها متخلفين عن نظرائهم في الولايات المتحدة وأوروبا ممن أمضوا عقودًا طويلة في البحث والابتكار والتطوير، لكنه أضاف مستدركا أن شركات تصميم الرقائق الصينية ستنجح يوما إذا استمرت في الاستثمار في الابتكار على المدى الطويل.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: سبتمبر 2022م




السبت، 17 سبتمبر 2022

المجلس العالمي لثورة الارز: التاريخ يشهد مجازر الفلسطينيين وحزب الله دمرت لبنان والعالم العربي


واشنطن في  19 آيلول  2022

أتحفنا الأمين العام لحزب الله الإيراني اليوم في أحد خطاباته الشعبوية باتهامه القوى المسيحية التي تناهضه بأنها كانت وراء مجازر صبرا وشاتيلا. ونحن ولو أننا كنا دوما ضد أي نوع من القتل الغير مبرر إن في لبنان أو في سوريا وضد التظيف العرقي أو الديني، ولكننا في نفس الوقت، وفي غابة الوحوش تلك التي صنعتها منظمة التحرير حيث جعلت من الشعوب الآمنة ووسائل النقل العالمية مجالا لانتقامها ودب الرعب بالمدنيين في كافة بقاع الأرض، ومن ثم قامت بتخريب لبنان حاضرة الشرق وموطن كل المقهورين فيه والذي كان أساس دستوره حماية حق الناس بالحياة الآمنة وحرية المعتقد والعيش الكريم. ولكن هؤلاء ومن ورث طريقتهم التخريبية ولا يزال يتبجح بانجازاته، قاموا بكل أنواع المجازر والتهجير وتدمير المدن والحضارات. ونحن نريد تذكير السيد الكريم ببعض ما قام به هو ومن يدافع عنهم وبعض انجازاته في مخيمات سوريا ولبنان بالماضي القريب جدا ولسان حالنا يقول بأن "من بيته من الزجاج لا يرمي الناس بالحجارة". واليكم بعض ال:


- إن مجزرة صبرا وشاتيلا سنة 1982 التي راح ضحيتها 460 قتيلا أحصيت جثثهم من قبل المنظمات العالمية يقابلها مجزرة مدينة الدامور التي قتل فيها 586 قتيلا وهجر أهلها في بحر هائج بقوارب الصيد. ولن نحصي أعداد المجازر الأقل حجما كما في بيت ملات وتل عباس ودير عشاش وغيرها في نفس الفترة ولا العيشية حيث قتل أكثر من خمسين مواطن بدون سبب أو الفاكهة والقاع وغيرها والتي كانت قامت بها منظمة التحرير. 

- هذا بين 1976 و1982 ولكن وبعد خروج الاسرائيليين من لبنان في 1985 قام جماعة السيد بحرب المخيمات والتي في صبرا وشاتيلا نفسهما أدت إلى سقوط 3100 بين قتيل وجريح.

- لن نحصي المدنيين القتلى الذين تسبب بهم السيد إن في عملياته الاستعراضية في الجنوب تحت شعار المقاومة أو في حربه مع حركة أمل وبالطبع كل المخطوفين لصالح إيران ومن بعدهم شهداء ثورة الأرز منذ 2005 

- ولن نستطيع احصاء من قتل وهجر في مخيمات سوريا ومدنها وقراها في حروبه للمساهمة بسيطرة إيران على الأرض إن في مخيمات اليرموك وغيرها حيث عانى الفلسطينيون من القتل والتجويع والتهجير أو في القلمون السوري وسائر المناطق التي لا تزال تحت سيطرته واسياده 


- بينما تهجر السكان أصحاب الأرض ولا يزال منهم من يسكن في مخيمات داخل لبنان كتلك التي يذكرنا بها اليوم.

- لن نستفيض في تعداد المأسي التي أوقعها في اليمن ولا في العراق ولا بين الشيعة في البحرين أو شرق السعودية حيث كان هؤلاء يعيشون بكرامتهم كمواطنين لولا تدخله وحزبه وتأليبهم على دولهم لكي يسود العصر الفارسي ويتحكم بالعرب.

- من هنا ننصح السيد أن يراجع ملفاته جيدا قبل فتح أبواب تاتي منها رياح تلفحه أكثر بكثير مما تعطيه نفسا يستطيع التبجح به أمام الناس.


جوزيف بعيني ، رئيس المجلس العالمي لثورة الارز


الثلاثاء، 13 سبتمبر 2022

ماذا وراء تقارب الهند ونظام طالبان؟


   

بقلم: د. عبدالله المدني*

لطالما اشتكت الهند من طالبان الافغانية باعتبارها حركة متطرفة تسعى إلى خلق القلائل في الداخل الهندي عبر توجيه ضربات ارهابية إلى مصالحها، بل اعتبرتها أداة خلقتها أجهزة المخابرات الباكستانية للإضرار بأمنها القومي ووحدتها الوطنية ضمن حالة العداء المستمرة بين نيودلهي واسلام آباد منذ تقسيم الهند البريطانية. لذا تنفس الهنود الصعداء نسبيا، دون انحسار مخاوفهم تماما في عام 2001 حينما أخرجت الولايات المتحدة طالبان من السلطة وشتت قواتها بالضربات الجوية الساحقة، ردا على توفيرها الملجأ والحماية والدعم لمرتكبي هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية.

غير أن مخاوف الهنود القديمة أطلت برأسها مجددا قبل عام على أثر استلام طالبان للسلطة في كابول مرة أخرى بمجرد انسحاب القوات الأمريكية والغربية من أفغانستان على النحو الفوضوي المعروف. إذ سارعت نيودلهي إلى اغلاق سفارتها في كابول وإجلاء دبلوماسييها منها، خشية تعرضهم لسوء المعاملة من قبل الميليشيات الطالبانية، خصوصا وأن الهند كانت من كبار الدول الداعمة ماليا وتنمويا وعسكريا لنظام الرئيس السابق أشرف غني، ومن قبله لنظام الرئيس الأسبق حامد كرزاي. كما أن نيودلهي شاركت بقية دول العالم في رفض الاعتراف بالنظام الأفغاني الجديد. لكنها تبدو اليوم أكثر استعدادا للتعامل معه والانفتاح عليه بسبب المستجدات على الأرض الأفغانية.



وفي رأينا المتواضع أن نيودلهي قرأت هذه المستجدات بنظرة واقعية، وأن عوامل كثيرة أملت عليها انتهاج سياسة جديدة في التعامل مع نظام كابول الحالي المعزول والمحاصر دوليا. ولعل ما شجعها على ذلك هو أن حركة طالبان نفسها تحاول التصالح مع محيطها أملا في الخروج من عزلتها المريرة وأزماتها الخانقة، وسعيا وراء نيل الاعتراف بها. ويمكن القول أيضا، في السياق نفسه، أن الخلافات والمناوشات العسكرية التي برزت قبل مدة بين حركة طالبان والحكومة الباكستانية حول الحدود البينية والأمن والموقف من بعض الفصائل المناوئة لطالبان (مثل جماعة تحريك طالبان المتشددة في الشمال الباكستاني) حركت شهية الهند لتقديم مبادرات باتجاه تحسين علاقتها مع النظام الأفغاني الحالي، على الرغم من توجس الطرف الأول تجاه سياسات وأهداف الطرف الثاني، وعلى الرغم مما حدث بينهما في الماضي غير البعيد من عداء مرير جعل مؤسسة الأمن القومي الهندية تنظر إلى الطالبانيين كوكلاء لباكستان

إحدى آيات تقارب الطرفين هي أن الهند أعادت في يونيو الفائت فتح سفارتها في كابول، في خطوة وصفت من قبل المراقبين بأنها بداية لعودة انخراط الجانبين مع بعضهما البعض، أملتها المصلحة. ومن المعروف أن الهند مهدت لخطوتها هذه بإرسال 30 ألف طن متري من الغذاء والدواء والمؤن واللقاحات لمنكوبي الزلزال المدمر الذي ضرب أفغانستان هذا العام. ومن الجانب الطالباني لفت نظر المراقبين تصريح أطلقه مؤخرا نائب أمير طالبان ووزير دفاعها "الملا محمد يعقوب مجاهد" شجع فيه جنوده على تلقي التدريب العسكري في الهند. وهذا التصريح النادر وغير المسبوق، والغريب كونه جاء على لسان إبن الملا محمد عمر مؤسس إمارة أفغانستان الإسلامية، ربما أملاه الفشل الذريع لقوات طالبان لجهة تحجيم قوة "تنظيم الدولة الإسلامية ــ إمارة خراسان" وافشال هجماتها المتكررةعلى دور العبادة والمصالح الحكومية والأسواق. 

والحال، أنه بقدر ما تحتاج حركة طالبان إلى مساعدات الهند التنموية والانسانية والاقتصادية لعلاج الإقتصاد الأفغاني المنهار ومواجهة أسوأ موجة جفاف تضرب أفغانستان، فإن الهند في حاجة لإستعادة بعض نفوذها السابق في هذه البلاد لقطع الطريق على غريمتها الباكستانية وأيضا لمواجهة تحركات منافستها الصينية الهادفة لتعزيز مواقعها في بلد كان خلال حكم طالبان السابق(ما بين عامي 1996 و 2001) يمد الجماعات الانفصالية في إقليم تركستان الشرقية الصيني بالسلاح والتدريب، خصوصا وأن التحرك الصيني جاء بعد أن طلبت حكومة طالبان بنفسها من شركة صينية مدعومة من الدولة العودة إلى مشروع تعدين لاستخراج النحاس.

لقد خشي المراقبون أن تحدث انتكاسة جديدة في علاقات الجانبين الحذرة في أعقاب مقتل زعيم تنظيم تنظيم القاعدة الإرهابي أيمن الظواهري داخل حي سكني راق في كابول في 31 يوليو الماضي. حيث قيل أن هذه الحادثة قد تدفع نيودلهي إلى مراجعة حسابها بعد تأكدها من أن طالبان وفرت الإقامة والحراسة للظواهري، وبالتالي فإن الحركة لم تلتزم بقطع علاقاتها مع تنظيم القاعدة الذي يعتبر الهند ضمن أهدافها الإرهابية الرئيسية. غير أن شيئا كهذا لم يحدث حتى الآن، الأمر الذي يوحي بأن صانع القرار الهندي مصمم على التعامل مع الأوضاع الأفغانية وتطوراتها بنظرة واقعية تحتمها مصالح بلاده الاستراتيجية والجيوسياسية وليس أي شيء آخر.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: سبتمبر 2022م


الجمعة، 9 سبتمبر 2022

المجلس العالمي لثورة الأرز: نطلب من المشرعين السياديين برفع مذكرة إلى الأمم المتحدة تطالب بتنفيذ القرارات الدولية بشكل فوري وخاصة 1559 ولو على مراحل



واشنطن في  9 آيلول  2022


ردا على المعلومات التي تداولتها وسائل الاعلام عن محاولة وزارة الخارجية اللبنانية طلب شطب مرجعية القرارين 1559 و1680 من متن التجديد لقوات اليونيفيل يهم المجلس العالمي لثورة الأرز توضيح الأمور التالي:

- إن الظروف التي أدت إلى تحرك الانتشار اللبناني لمساندة الوطن الأم الذي كان يقع تحت الاحتلال السوري يومها وأدى إلى صدور القرار 1559 تشبه الواقع الذي نعيشه اليوم فالدولة التي كانت تدار من عنجر تنفيذا لأوامر حاكم دمشق أصبحت اليوم تدار من الضاحية الجنوبية تنفيذا لأوامر الولي الفقيه في طهران ولذا فإن أي مساس بهذا القرار سيؤدي لتحركات تطالب بالتنفيذ الفوري وتحت البند السابع من القانون الدولي فالأفضل لمن يهيمن على السياسة في لبنان عدم تحريك هذا الموضوع لأنه سوف يرتد عليه بالسوء ولن تكون نتائجه كما يريدها.

- إن محاولة وزير الخارجية التذاكي بهذا الموضوع لن تمر ولن تغفر له ونذكره باضطراره للهروب من الباب الخلفي للسفارة اللبنانية في واشنطن يوم حاول عدم تنفيذ القوانين ولو أعتقد بأنه هذه المرة يماشي سياسة المحتل.

- إن الألتفاف الكبير حول القرارات الدولية خاصة 1559 و1680 والمطالبة بتنفيذها والتي أصبحت اليوم ظاهرة شعبية ضرورية وأساسية لتأمين سيادة الدولة والمساواة بين كافة شرائح الوطن تخيف المحتل وزبانيته ومن هنا سعيهم إلى محاولة طمسها لا بل إذالتها لو أمكن ولكن اللبنانيين بشقيهم المقيم والمنتشر لن يجعلوا مثل هذه المناورة تمرّ لا بل سيقفون بقوة لمواجهتها.

- إن المجلس العالمي لثورة الأرز يدعو المشرعين السياديين للتعجيل برفع مذكرة إلى الأمم المتحدة تطالب بتنفيذ القرارات الدولية بشكل فوري حيث أمكن ولو على مراحل لكي يفهم الغزاة وأعوانهم من المراوغين بأن التنفيذ سيتم بالرغم عن محاولاتهم البائسة.   


التصعيد في الضفة.. مقدمة للحرب على لبنان


كتب راسم عبيدات ـ

من بعد معركة "سيف القدس" ودولة الكيان تعمل على كسر المعادلات وقواعد الردع التي نتجت عن تلك المعركة،بربط الساحات الفلسطينية مع بعضها البعض،وايجاد وحدة حال ومصير ما بين القدس وقطاع غزة،،ووقف تسمية اهلنا وشعبنا في الداخل -48 - ب"عرب اسرائيل"،واعتبارهم جزء اساسي من شعبنا الفلسطيني ومشروعه الوطني في النضال ضد الإحتلال والإستيطان،فتلك الوحدة وخوض حرب مفتوحة مع دولة الكيان عنوانها القدس والأقصى،من شأنها تعميق ازمة دولة الكيان سياسياً ومجتمعياً،وإضعاف مناعة جبهة الداخلية،ولذلك من بعد تلك المعركة ومن بعد العمليات الكبرى الأربعة أيضاً التي نفذها شبان فلسطينيون من الداخل الفلسطيني - 48 - والضفة الغربية،وتحديدا مدينة جنين ومخيمها في آذار ونيسان الماضيين،ودولة الكيان بكل مستوياتها العسكرية والأمنية والسياسية والإستخبارية،تعكف على صياغة رؤى واستراتيجيات ووضع خطط وبرامج لكيفية،منع تحويل ا ل م ق ا و م ة الفلسطينية الى م ق ا و م ة شاملة وموحدة،بل جعلها م ق ا و م ة محلية،يجري محاصرتها مناطقياً وتسليط قوة نارية وعسكرية كبيرة عليها تمكن من القضاء عليها وإضعافها الى ابعد حد،وكذلك منع نشوء وتبلور هياكل وبنى وقواعد تنظيمية لفصائل ا ل م ق ا و م ة وغيرها ...وفي مواجهة تصاعد ا ل م ق ا و م ة ....اعتمدت دولة الكيان عدة مسارات لتحقيق هذه الأهداف،سياسة الإنهاك المستمر عبر عمليات الإقتحام والدهم والتفتيش والقيام بعمليات استباقية من اعتقالات واغتيالات وتصفيات،عمليات "جز العشب" ضد ما يسمونه ب" الذئب المنفرد" وعملية كاسر الأمواج" لمنع توحد ساحات الفعل والعمل ا ل م ق او م،والسعي لإستعادة قوة الردع ،وترافق ذلك مع سعي حثيث للتعاون مع السلطة ومحور التطبيع العربي وأمريكا واوروبا ،لتحسين ظروف واوضاع السكان الفلسطينيين  عبر ما يعرف بخطوات السلام الإقتصادي و"تقليص الصراع"،بما في ذلك تعديل المادة (34) من اتفاقية باريس الإقتصادية،بتحويل رواتب العمال الفلسطينيين داخل دولة الكيان ومستعمراته الى البنوك الفلسطينية بدل الصرف النقدي لها مباشرة للعمال،بحيث تستوفي خزينة السلطة 75% من الضريبة التي تفرض على أجور العمال كإقتطاع منها على عمليات التحويل،وتتقاضى دولة الكيان 25% كرسوم خدمة للقيام بهذه العملية.لعل وعسى تحسين الظروف الإقتصادية تسهم في تراجع العمل ا ل م ق ا و م،وتزيد  من شعبية السلطة التي تعيش حالة من التراجع والتأكل غير المسبوقين،ليس بسب تعاونها الأمني مع دولة الكيان،بل ضعف ادائها الحكومي وفسادها المستشري،يجعل من المستحيل خلق حالة من الثقة بها،او جسر الهوة بينها وبين الجماهير الفلسطينية.


واضح بأن ما نشهده في الضفة الغربية ،هي م ق ا و م ة من نوع جديد تمازج بين الحجر والمولتوف والرصاص والسلاح،ويبدو انها عابرة للفصائل وقوامها شبان فلسطينيون دون الخامسة والعشرين،ينتظمون محليا وعفوياً ودافعهم الأنموذج والمثل وإمتلاك الإرادة  وفقدان الثقة بالسلطة وبنهجها وخيارها ومسارها ومشروعها،وكذلك لا بد من القول بأن هناك العديد من البنى والهياكل التنظيمية للفصائل،وبالتالي مشاريع ومخططات الكيان لوأد ا ل م ق ا و م ة في جنين ومخيمها،كبؤرة مركزية  لقوى ا ل م ق ا و م ة ،فشلت في منع تدحرج "بقعة الزيت"،حيث وجدنا بان "كتيبة جنين" التي تشكل عصب العمل ا ل م ق ا و م  ،انتقلت الى نابلس ومخيماتها وطوباس وقباطيه وطولكرم، لتقول بشكل واضح بان دولة الكيان غير قادرة على إستعادة قوة الردع،ولذلك شهدنا تصعيداً كبيرا من قبل جيش الاحتلال  وأجهزة مخابراته،لم يطال فقط الضفة الغربية لوحدها،بل هو شامل لكل مساحة  فلسطين التاريخية ،في القدس والداخل الفلسطيني -48 – وقطاع غزة،حتى  ان قادة دولة الكيان يفكرون بإستخدام الطائرات المسيرة في قصف ما يعتبرونه بؤر ومواقع لقوى ا ل م ق ا و م ة في الضفة الغربية،ومن يشاهد قيام جيش الإحتلال بحشد اكثر من مئة وعشرين آلية ومدرعة لكي تقتحم مدينة صغيرة بحجم جنين،أو تحشد اربع كتائب لتأمين ،دخول المستوطنين الى قبر يوسف في نابلس،فهذا يدلل على ان هناك تصاعد وتطور في أشكال العمل ا ل م ق ا و م ،وأن الدخول للقيام بعمليات الإعتقال في الضفة الغربية،لم يعد نزهة او غير محفوف بالمخاطر،فكل عمليات الإعتقال تجري م ق ا و م ت ه ا وحدوث اشتباكات أثناء القيام بها،وكذلك الشبان المُعرفين كمطلوبين لدولة الكيان،إما ان ي س ت ش ه دوا أو يجري اعتقالهم بعد نفاذ ذخيرتهم،وهذا تطور لافت ومهم،ويشكل مصدر خطر وقلق لدولة الكيان،فهؤلاء الشبان  لم يعد ولائهم للسلطة وأجهزتها،بل باتوا يشعرون بأنها عبء على شعبنا الفلسطيني.


ما يقوم به الكيان من عمليات في الضفة الغربية،مستخدماً فيها  نيرانه الكثيفة وقواته البرية بأعداد كبيرة،والتخطيط لإدخال سلاح المسيرات في عدوانه،يؤكد بأن هذا الكيان  لا يقوم بذلك إرتباطاً باوضاعه وأزماته الداخلية سياسية ومجتمعية،وتآكل مناعة جبهته الداخلية،وإدخال الدم الفلسطيني في المزاد الإنتخابي لدولة الكيان،للحصول على أصوات انتخابية وزيادة حجم التمثيل في " الكنيست"  البرلمان الصهيوني،بل هناك هدف أبعد من ذلك،ألا وهو محاكاة شن حرب على لبنان وح ز ب ا ل له ،فالوضع على الجبهة اللبنانية، ترسيم الحدود البحرية والتسلم بحقوق لبنان الاقتصادية في حقوله من غاز ونفط،لم يجر الاتفاق عليها،وحكومة الكيان غير قادرة على أن تستجيب لها،لأن  ذلك قد يجعلها عرضة لشن حرب عليها من قوى المعارضة اليمينية وفي المقدمة منها نتنياهو،بإتهامها بالرضوخ لمطالب ح ز ب ال ل ه،رغم أن بايدن أبلغ نتنياهو، بأن قضية الغاز الشرق المتوسطي،هي امن طاقة عالمي،ولبيد يعمل لمصلحة دولة الكيان،ولذلك تسعى دولة الكيان بالتعاون مع شريكها وحليفها ما يعرف بالوسط الأمريكي عاموس هكوشتاين الى استقطاع الوقت،ودفع وربط عملية الترسيم الى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية في تشرين ثاني القادم،مع وقف دولة الكيان من الإستخراج من حقل "كاريش"،وإطلاق يدها في الإستخراج من الحقول الأخرى،على أن ينتظر لبنان الحصول على الجائزة الكبرى ما بعد الإنتخابات الإسرائيلية،وحينها يكون لبنان في حالة فراغ سياسي،عدم انتخاب رئيس لبناني، بالرهان على حلفائها في الدولة اللبنانية والضغوط عليها من أمريكا،للقبول بما يطرحه هوكشتاين،بحيث يصبح ممسكا ومتحكما بملفي الرئاسة والترسيم...طوال ثلاثة عشر عاماً وعبر خمس وسطاء أمريكيين والعنوان المماطلة والتسويف،في قضية حقوق لبنان الاقتصادية  من ثرواته البحرية غاز ونفط الواقعة ضمن مياه الإقليمية،ولذلك طرح سماحة السيد، اذا لم يحصل لبنان على غازه ونفطه،فلا غاز ولا نفط للجميع..وقال ب معادلة "كاريش " – قانا ..ورفع شعار " كاريش وما بعد كاريش" ،وأكد على عدم قبول سياسة المماطلة والتسويف،واستقطاع الوقت،وحدد شهر أيلول كموعد أخير للترسيم،والتنقيب والإستخراج المتبادل،واذا لم يحصل ذلك فلبنان الذي يعيش أزمات اقتصادية ومالية خانقة سيدفع ثمنا باهظاً،ولذلك لا بد من منع دولة الكيان بالقوة من التنقيب والإستخراج...ودولة الكيان تدرك بأن السيد يترجم ما يقوله ويهدد به الى فعل ...وكذلك الأوضاع المتفجرة مع طهران،في ظل تلاشي فرص توقيع الاتفاق النووي، حيث باتت طهران لا تستعجل توقيع هذا الاتفاق،فالعقوبات الأمريكية القصوى فقدت معناها وقيمتها، في ظل علاقاتها وتحالفاتها الإستراتيجية عسكرياً واقتصادياً وتجارياً مع الصين وروسيا...قادم الأيام سيجيب على أن الحرب هل باتت وشيكة في المنطقة،وهل ستكون لبنان بوابتها....؟؟؟؟

الأربعاء، 7 سبتمبر 2022

القلق من حرب نووية يسيطر على دول آسيان


كتب د. عبدالله المدني*:

المعروف أن دول رابطة آسيان الجنوب شرق آسيوية وقعت في العاصمة التايلاندية سنة 1995 على ما يعرف بمعاهدة بانكوك التي كرست إلتزامها بعدم حيازة الأسلحة والمحطات النووية أو تطويرها أو اختبارها سواء داخل حدودها أو خارجها. غير أن هذه المعاهدة والتزاماتها تبدو اليوم شيئا من الماضي الذي يجب التراجع عنه على ضوء الأحداث الأخيرة المرتبطة بالأزمة الأوكرانية وما أعلنته موسكو من أن "أي دولة تتدخل في الأزمة ستواجه عواقب لم يسبق لها أن رأتها في تاريخها"، وهو ما عدّ بمثابة تهديد بشن هجوم نووي، خصوصا بعد أن وضع قادة الكرملين ترسانتهم النووية في حالة تأهب. وإذا كان هذا قد بث الذعر والقلق في دول آسيان، فإن تذبذب وتراخي مواقف حليفها الأمني الأكبر ممثلا في الولايات المتحدة ومعها حلف الناتو ضاعف من قلقها ومخاوفها الأمنية.

لقد تجلى هذا القلق بوضوح في مؤتمر آسيان الأخير حينما خاطب الرئيس الدوري الحالي للرابطة، رئيس وزراء كمبوديا "هون سين" المؤتمرين بقوله أن التنبؤ بما سيحدث عملية بالغة الصعوبة في ظل بيئة عالمية آخذه في الانهيار وتهديدات بحرب نووية. وقبل هذا بوقت قصير بدا رئيس وزراء سنغافورة "لي هسين لونغ" منزعجا بنفس القدر حينما صرح بأن كرة الجليد قد تشكلت وبدأت تتدحرج في اتجاه سباق تسلح نووي في شرق آسيا.


والحقيقة أن ما يبدو جديدا في دول آسيان، ليس جديدا في بلدين آسيويين هامين هما اليابان وكوريا الجنوبية اللتين أثيرت فيهما قضية حيازة السلاح النووي، أو نشره على أراضيهما رغم الحساسية الشديدة للقضية، بحجة ضرورته للأمن الإقليمي في مواجهة دولتين مجاورتين تملكان السلاح النووي هما الصين وكوريا الشمالية (سبق أن قام أحد المراكز البحثية الأمريكية بعمل استطلاع في أوساط الكوريين الجنوبيين، فتبين أن 71% ممن شملهم الاستطلاع يؤيدون امتلاك بلادهم للسلاح النووي، فيما فضلت نسبة 56% نشر الأسلحة النووية الأمريكية على أراضيهم).

وهكذا نرى أن دول آسيان، التي لا تملك أي منها السلاح النووي حتى الآن، باتت اليوم أكثر قناعة من أن باكستان والهند وكوريا الشمالية مثلا اتخذت القرار الصحيح بامتلاك السلاح النووي الرادع ورفض التخلي عنه تحت الضغط الغربي، وذلك على خلاف أوكرانيا التي تخلت عن قوتها النووية من الحقبة السوفيتية لصالح روسيا الاتحادية مقابل حصولها على ضمانات من موسكو بوحدة أراضيها وعدم التدخل في شؤونها، فانتهكت سيادتها وخسرت أراضيها بدءا بشبه جزيرة القرم عام 2014م.

إن ما تشعر به دول آسيان اليوم من قلق متزايد، لاسيما بعد التوترات الأخيرة بين الصين وتايوان والولايات المتحدة، ناهيك عن مخاطر عدم إلتزام دول كثيرة بمعاهدة عدم الإنتشار المعروفة باسم NPT، ومحاولة الجارة الأسترالية ركوب القطار النووي من خلال معاهدتها الأمنية (AUKUS) مع واشنطن ولندن  التي ستساعدها على امتلاك غواصات تعمل بالطاقة النووية، قد يدفعها دفعا نحو تسليح نفسها نوويا من خلال برامج تبدأ تحت ستار الإستخدام السلمي للطاقة النووية، وبحجة التغلب على مشاكل الطاقة التي تفاقمت اليوم مع الحرب الأوكرانية ومع تطلع الدول إلى تعزيز إجراءات تغير المناخ. وبمعنى آخر فإن دول آسيان أقرب اليوم من أي وقت مضى لإعادة التفكير في إلتزاماتها بموجب معاهدة بانكوك، ومعها إعادة التفكير في كراهيتها السابقة للطاقة النووية المدنية.

وفي هذا السياق نرى مثلا أن الفلبين اتخذت بالفعل قرارا بتبني الطاقة النووية من خلال تعهد رئيسها المنتخب بونغ بونغ ماركوس بذلك، علما بأن سلفه الرئيس رودريغو دوتيرتي أصدر أمرا سابقا بالتخلص التدريجي من محطات الطاقة العاملة بالفحم والعمل على إعادة تشغيل محطة باتان للطاقة النووية (بناها الديكتاتور السابق فرديناند ماركوس في الثمانينات بكلفة 2.2 مليار دولار لكنها لم تشغل بسبب مخاوف متعلقة بالسلامة على إثر كارثة تشيرنوبل في 1986). كما نرى أن فيتنام، التي اتخذت في عام 2009 قرارا ببناء مفاعلين نووين دون أن تنجزهما بسبب التكاليف، تحاول الآن إحياء خططها تلك بمساعدة روسية ويابانية. وفي أندونيسيا هناك اليوم مشروع قانون معروض أمام البرلمان للعمل على أن تمتلك البلاد أول محطة للطاقة النووية بحلول عام 2045. وبالمثل فإن ماليزيا تريد أن تنافس جارتها الأندونيسية وسط حماس حكومي وبرلماني، لاسيما وأنها تمتلك مفاعلا نوويا للإبحاث منذ عام 1982. أما في تايلاند فإن حكومتها العسكرية صامتة حول الموضوع، على الرغم من امتلاكها خبرة أفضل من جاراتها على هذا الصعيد. كما وأن ميانمار وقعت في يوليو المنصرم اتفاقية أولية مع روسيا للتعاون في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، لتنضم ميانمار بذلك إلى كمبوديا ولاوس اللتين تربطهما اتفاقيات مماثلة مع الروس,

وأخيرا فإن مراقبين كثر يرون أن هناك عوائق تحول دون نووية أقطار آسيان، على رأسها التكلفة المالية الضخمة ومخاوف تتعلق بالسلامة والصحة العامة وأخرى بمخاطر التجاوز.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: أغسطس 2022م