السبت، 18 فبراير 2023

تأثير انهيار "مجموعة أداني" على الاقتصاد الهندي


بقلم: د. عبدالله المدني*

 تتضخم ثروات بعض رجال الأعمال إلى أرقام فلكية، بحيث يؤدي أدنى هزة فيها إلى مخاطر على اقتصاد وسمعة وطن بأكمله. وما حدث مؤخرا في الهند، ربما يصلح كمثال على ذلك. 

ففي أواخر شهر يناير الماضي تناقلت وكالات الأنباء خبرا عن انهيار القيمة السوقية لأسهم "مجموعة أداني Adani Group" الهندية بنحو مائة مليار دولار. والمجموعة المذكورة يملكها المليادير الهندي غوتام أداني وهي عبارة عن تكتل من ست شركات كبرى تعمل بقطاعات تتراوح ما بين الطاقة والنقل والتأمين وتطوير البنية التحتية وتشغيل أكبر موانيء ومطارات البلاد.

ومذاك راح المراقبون والصحافة المحلية والعالمية المعنية بالشؤون الاقتصادية تتحدث عن آثار الحدث، ليس على إقتصاد الهند وموقعه ضمن اقتصاديات العالم الكبرى فحسب، وإنما أيضا على المستقبل السياسي لحزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم في نيودلهي وحظوظ رئيس الوزراء "ناريندرا مودي" في الانتخابات العامة القادمة سنة 1924، خصوصا وأن غوتام أداني يعد من أقرب الأثرياء الهنود إلى مودي كونهما ينحدران من ولاية واحدة (غوجارات الغربية)، ناهيك عن أن الرجلين يتعاونان ضمن استراتيجيتين متوازيتين هدفهما تطوير الاقتصاد الهندي البالغ قيمته نحو 3.2 تريليون دولار.

بدأت حكاية انهيار المجموعة في سوق الأسهم منذ أن نشرت شركة "هندنبرغ" (Hindenburg) للأبحاث، تقريراً في 24 يناير المنصرم، تتهم فيه مجموعة أداني بالاحتيال واللجوء إلى تعاملات مالية غير معلنة والتلاعب بالإيرادات للمحافظة على مظهرها وصحة وضع وحداتها التجارية المدرجة في البورصة. وعلى الرغم من قيام المجموعة بنفي تلك المزاعم، واصفة إياها بـ "مزيج خبيث من المعلومات المضللة الانتقائية والادعاءات التي لا أساس لها من الصحة والتي تم اختبارها ورفضها من قبل المحاكم العليا في الهند"، إلا أنها سارعت إلى سحب خططها لبيع أسهم بقيمة 2.5 مليار دولار.

إلى ما سبق، تسببت هذه الأخبار في انخفاض المؤشر المصرفي الرئيسي للبورصة الوطنية الهندية بنسبة 6.3%، وتأثر معنويات المستثمرين وحدوث ذعر في أوساطهم، وخروج غوتام أداني من قائمة أغنى 10 أشخاص في العالم، وفقاً لمؤشر "بلومبرغ" للمليارديرات، بعد خسارته لنحو 24 مليار دولار في تعاملات البورصة، علاوة على توقف عدد من المصارف العالمية السويسرية والأمريكية عن قبول سندات أداني كضمان للقروض، أو مطالبتها بزيادة الأسهم كضمان.

ومما لاشك فيه أن الحدث كان بمثابة خبر غير سار للزعيم الهندي القوي مودي، الذي كان يسعى إلى أن تتصدر أخبار ميزانيته السنوية الجديدة عناوين الصحف بما تتضمنه من أرقام وخطط حول تخفيض الديون ودعم الطبقة المتوسطة وتمكين المرأة، وتقليص عجز الميزانية البالغ 9.2% من الناتج المحلي الإجمالي، وتسريع الترقيات الهيكلية، والإبقاء على زخم معدل النمو الحالي البالغ 7%، وذلك بغية استخدامها كورقة تضمن له التجديد والبقاء في السلطة. غير أن أخبار الهزة التي تعرضت لها مجموعة أداني طغت على بقية الأخبار، بل استخدمت من قبل أحزاب المعارضة الهندية كسلاح لتوجيه تهم الفساد إلى رئيس الحكومة عبر الإدعاء بأن غوتام أداني ما كان ليصبح أكبر مليادير في آسيا لولا علاقته الشخصية الوطيدة برئيس الوزراء.

ومن ناحية أخرى كان الحدث غير سار للهند كبلد وأمة، كونه وقع في وقت كانت فيه صحف العالم تتحدث حول تفوق الهند على جارتها اللدودة الصين في عدة مجالات حيوية مثل: نمو الناتج المحلي الاجمالي في الهند بشكل أسرع من مثيله في الصين، وانتاج الهند لشركات تقنية ناشئة أكثر من الصين، واتجاه مقاييس القوى العاملة لجهة الأداء والكفاءة ومتطلبات الوظيفة وطبيعتها وترقياتها لصالح الهند. وفي هذا السياق كتب المحلل الهندي "أوديت سيكاند" ما مفاده أن الاتهامات الموجهة لمجموعة أداني، سواء صحت أو لم تصح، قد أحدثت ضررا ربما سيدفع بعض المستثمرين إلى إعادة تقييم توقعاتهم حول عائداتهم من الإقتصاد الهندي والتساؤل عن حوكمة الشركات في الهند.

أما ردة فعل الحكومة الهندية على ما حدث فقد ورد في تصريح لوزير التكنولوجيا والسكك الحديدية "أشويني فايشناو" لتلفزيون بلومبيرغ أكد فيه على أن اقتصاد بلاده سيصمد أمام الهزة، وأن تأثيرها على أسواق الأسهم سيكون قصيرا ومحدودا، مضيفا أن "الهند لديها مجموعة واسعة جداً من شركات البنية التحتية.. ومهما كانت الهزة الذي تشهدها سوق الأسهم، فإنَّها لن تؤثر على الاقتصاد الكلي"، ومفندا المبالغات التي راحت بعيدا إلى حد مقارنة تأثير ما حدث لمجموعة أداني على الهند بالهزة الاقتصادية الآسيوية في 1997/1998. وفي رأي بعض المراقبين أنه لو أردنا مقارنة ما حدث مؤخرا في الهند بأي حدث آخر شبيه، فلن نجد أفضل (مع الفارق) من الهزة التي تعرض لها قطاع العقارات في البر الصيني والتي كان تأثيرها قصيرا ومحدودا على اقتصاد البلاد ونظامها المالي والمصرفي، رغم المخاوف التي برزت وقتها من احتمال حدوث إنهيار كلي لقطاع العقارات واإلحاق ضرر فادح بالإقتصادين المحلي والعالمي.



عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: فبراير 2023م


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق