الثلاثاء، 24 أكتوبر 2023

آسيا منقسمة حول الموقف من عملية "حماس" الأخيرة


بقلم: د. عبدالله المدني*

الأحداث السياسية العاصفة غالبا ما تقود إلى انقسام المجتمعات ــ خصوصا إذا ما كان المجتمع مسيسا أو مؤدلجا ــ ما بين مؤيد ورافض او متحفظ. وعلى مر السنوات الماضية، رأينا أنه كلما حدثت واقعة سياسية في العالم العربي انقسمت حكوماته وشعوبه إلى طرفين متضادين: طرف يحلل وينظر إلى الحدث بواقعية ويبني مواقفه منه بعقلانية وحكمة، وآخر عاطفي تأخذه العاطفة والحماس والانتماء الأيديولوجي بعيدا، فيلجأ إلى التهويل والصياح وتخوين الآخر وترديد الشعارات المدغدغة للمشاعر. حدث ذلك بصور متفاوتة يوم أن غزا العراق الكويت في صيف 1990، وإبان أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وبُعيد التدخل الأمريكي في العراق سنة 2003، ووسط زوبعة الربيع العربي سنة 2011، وخلال أحداث سوريا ولبنان وليبيا واليمن، وأخيرا ما حدث يوم السابع من أكتوبر الجاري، حينما باشرت حركة "حماس" الفلسطينية المنشقة ما أطلقت عليه تسمية "طوفان الأقصى".

غير أننا هنا لسنا في وارد الحديث عن تلك الانقسامات العربية المعروفة، أو استعراض مواقف أطرافها، وانما الحديث عن المواقف المتباينة لبعض الدول الآسيوية من عملية "حماس" الأخيرة والعمليات الإسرائيلية المضادة في غزة.


فاليابان، التي لا تربطها علاقة بحركة حماس ولا تعترف بها، شدد رئيس حكومتها "فوميو كيشيدا"، من خلال منشور على منصة إكس (تويتر سابقا)، على ضرورة  قيام جميع الأطراف المنخرطة في الصراع بضبط النفس، كما دعا حماس إلى إطلاق جميع الأسرى الإسرائيليين الذين تحتجزهم، مبديا في الوقت نفسه تعاطفه مع أهالي غزة وقلقه على خسائرهم الفادحة. ولاحقا أصدرت الخارجية اليابانية بيانا أدانت فيه هجمات حماس ضد إسرائيل، وكذا تسلل مسلحيها إلى الأراضي الإسرائيلية. وفي سيئول، لم يكن الموقف الكوري الجنوبي مختلفا عن الموقف الياباني.

أما الصين، التي تحاول أن تكون صاحبة كلمة في حل الأزمات الدولية والاقليمية من خلال جهود الوساطة بين الفرقاء على نحو ما فعلت في الخلاف السعودي ــ الإيراني، وفي الملف الروسي ــ الأوكراني، ومن قبل ذلك في سنة 2013 حينما قدمت مقترحا من أربع نقاط لتسوية القضية الفلسطينية، فإن موقفها تلخص في القلق حيال التصعيد وأعمال العنف (دون استخدام مفردتي فلسطين أو إسرائيل كطرفين في النزاع، ودون الإتيان على ذكر فصائل فلسطينية بعينها)، والمطالبة بضبط النفس والهدوء ووقف جميع الأعمال العنيفة، وضرورة ألا تتجمد عملية السلام في المنطقة. وبهذا وازنت بكين بين علاقاتها الوطيدة والمتشعبة مع إسرائيل وحاجتها الاقتصادية للدولة العبرية لتنفيذ مشروع "الحزام والطريق"، وبين علاقاتها مع منظمة التحرير الفلسطينية التي اعترفت بها الصين عام 1988 كممثل شرعي وحيد للفلسطينيين الذين بحسبها "تعرضوا لظلم تاريخي من المجتمع الدولي". غير ان هذا الموقف الصيني ووجه برفض إسرائيلي. إذ صرح نائب رئيس البعثة الإسرائيلية في بكين "يوفال واكس" قائلا: إنَّ فشل الصين في إدانة عنف "الإرهابيين الذين يحتجزون الأطفال" أمر مؤسف من دولة تربطها علاقات ودية بإسرائيل.


وإذا ما أتينا إلى استعراض مواقف دول منظومة آسيان الجنوب شرق آسيوية، لوجدناها متباينة بشدة، ويمكن اعتبار ذلك انعكاسا لانقسامات مريرة داخل المنظمة بشأن العديد من القضايا مثل: الموقف من التمدد الصيني في المياه والجزر المتنازع عليها، والموقف من النظام العسكري في بورما، والموقف من التحالف أمنيا وعسكريا مع الولايات المتحدة. فالفلبين التي لها جالية كبيرة تعيش في إسرائيل تقدر بحوالي مائة ألف نسمة، وتربطها بتل أبيب 14 إتفاقية ثنائية، من بينها اتفاقيات دفاعية لشراء أنظمة مراقبة وصواريخ متطورة وبرامج للتحديث والتدريب العسكري أصدر قصرها الرئاسي بيانا أدانت فيه الهجمات الفلسطينية الأخيرة ضد المدنيين الإسرائيلين، وأعربت من خلاله عن "تعازيها لأولئك الذين فقدوا أفرادا من عائلاتهم وأحبائهم".

وعلى العكس من الفلبين، أكدت ماليزيا على لسان رئيس وزرائها أنور إبراهيم تضامنها مع الفلسطينيين، دون إشارة إلى عملية حماس الأخيرة. لاحقا أصدرت الخارجية الماليزية بيانا شديد اللهجة ادانت فيه إسرائيل ووصفتها بالمحتل "الذي أخضع الفلسطينيين لإحتلال غير قانوني طويل الأمد وحصار ومعاناة ومصادرة أراض وممتلكات دون هوادة"، مضيفة أنه "نتيجة لهذا الظلم تمت التضحية بمئات الأرواح البريئة، وهو ما يدفع لإلقاء اللوم على إسرائيل". ولم يختلف موقف أندونيسيا، كبرى الديمقراطيات الإسلامية، عن موقف ماليزيا. إذ شددت على ضرورة حل جذور الصراع في الشرق الأوسط وفقا للقرارات الدولية كوسيلة لوقف العنف والعنف المضاد في المنطقة. أما تايلاند وفيتنام فقد اتصف موقفيهما بالحياد، مع التأكيد على ضرورة صون المصالح المشروعة لطرفي النزاع وحماية المدنيين بكل الوسائل.



د.عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: أكتوبر 2023م


الأربعاء، 18 أكتوبر 2023

لماذا التقاطر الأمريكي والغربي الإستعماري الى دولة الكيان؟


بقلم :- راسم عبيدات

دولة الكيان منذ إقامتها على ايدي القوى الإستعمارية المتعاقبة،بريطانية وأمريكية على أراض الشعب الفلسطيني ،جرى امدادها بكل مقومات البقاء والوجود والقوة تسلحياً ومالاً وحماية وحصانة من أي عقوبات او قرارات قد تتخذ بحقها على خلفية خرقها لقرارات الشرعية والقانون الدولي،وأصبحت بمثابة البقرة المقدسة التي لا يجب المس بها حتى لو بالكلام وليس بالفعل،ومن يقوم بذلك سيتهم باللاسامية وبدعم وتأييد " الهولوكست" المحرقة ضد اليهود ...حتى أن مندوبة دولة اليمين المتطرف الأمريكي في الأمم المتحدة في عهد الرئيس السابق اليميني المتطرف ترامب ،نيكي هايلي قالت بشكل واضح بأن عهد تقريع دولة الكيان في الأمم المتحدة قد انتهى بلا رجعة،وأي مندوب يتطرق أو يسعى لإدانة وتجريم دولة الكيان من خلال المؤسسات الدولية ستصفعه بحذائها ذو الكعب العالي....وقادة الدول الإستعمارية كانوا دوماً يحرسون على ان تكون دولة الكيان الأكثر تسليحاً وتفوقاً عسكريا في المنطقة، لكي تكون عصاهم الغليظة في الحفاظ على مصالحهم واهدافهم في المنطقة،ولكي يجري استخدام فائض قوتها في إحتلال أكبر مساحة من الأرض العربية،ولكي تمارس أيضاً عدوانيتها وعنجهيتها في منع انبعاث او تشكل أي مشروع قومي عربي يوحد الأمة العربية، التي حددت القوة الإستعمارية، بأنه يجب ان تبقى بلدانها مفرقة،وتحت قيادة انظمة عشائرية وقبلية وقطرية ومحميات تكون تابعة وتحت مظلة الإشراف الأمني الإستعماري،وأن يجري إقامة قواعد عسكرية استعمارية على أراضيها،وأن تبقى ثرواتها وخيراتها منهوبة من قبل تلك القوى الإستعمارية ...وضمن هذه الرؤيا والأهداف بقيت دولة الكيان تمارس البلطجة والعدوان واستباحة الأرض العربية دون رادع او خوف من أية عقوبات قد تفرض عليها او قرارات تتخذ بحقها،فأمريكا ودول الغرب الإستعماري توفر لها مظلة من الحماية في تلك المؤسسات تبقيها دولة فوق القانون الدولي وتوفر التغطية لكل الجرائم التي ترتكبها.

بعد أن تعرضت دولة الكيان الى خطر وجودي في حرب اكتوبر عام 1973،بعد أن شنت عليها حرب مشتركة من قبل الجيشين المصري والسوري،أستطاعت امريكا عبر جسر جوي ان تنقذها،وما تبع ذلك من توقيع مصر لإتفاقية "كامب ديفيد" الخيانية التي تدفع مصر والأمة العربية ثمنها حتى اليوم،فهي لم تخرج مصر بثقلها العسكري والبشري من المواجهة مع دولة الكيان فقط،بل حولت مصر الى دولة وظيفية تابعة ،حتى أضحت عاجزة الان ان تفتح معبر رفح لإدخال شاحنات مساعدات اغاثية لسكان القطاع الذين يتعرضون لحرب إبادة ومحرقة جماعية .. وأعقب اتفاقية " كامب ديفيد" ،تصفية الوجود العسكري الفلسطيني في لبنان،وخروج قوى المقاومة الفلسطينية منها الى أكثر من عاصمة عربية،وبقي  الهدف المركزي لدولة الكيان وامريكا وقوى الغرب الإستعماري، تصفية القضية الفلسطينية من كل جوانبها ،ولكن  كل المشاريع السياسية التي طرحت فشلت بفعل الصمود والمقاومة والإنتفاضات الشعبية الفلسطينية،انتفاضة الحجر الفلسطيني/ كانون اول/1987 ،تلك الإنتفاضة التي كادت ان تنجح في نقل الدولة الفلسطينية من الإمكانية التاريخية الى الإمكانية الواقعية  لولا الإستثمار المتسرع لنتائجها من قبل الجناح المتنفذ في المنظمة،والذي قاد الى  اتفاق أوسلو الإنتقالي – الدائم،هذه الإتفاق الكارثي الذي نتج عنه سلطة ومؤسسات اوسلو،وشكل النصر الثاني لدولة الكيان بعد نكبة عام 1948،وما زلنا ندفع ثمنه حتى اليوم استمرار للنكبات وتقسيم الشعب والأرض والقضية.

أوسلو الذي قيل بأن سيجلب دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس،وضمان حق العودة للاجئين وفق القرار الأممي 194،لم يحقق أي من حقوق الشعب الفلسطيني ،لم يعد لا حقوق ولا أرض واستغلته دولة الكيان،لكي تواصل الإستيطان ونهب الأرض وتقطيع أوصالها.


تداعيات اوسلو الكارثية أوجدت حالة من الإنقسام الفلسطيني،بين سلطة في الضفة الغربية، لا تريد مغادرة  نهج وخيار وثقافة أوسلو المدمرة،والتي ثبت فشلها وعقمها،وبأن ما يريده الكيان منها حفظ أمن المستوطنين والتنسيق الأمني وضرب المقاومين مقابل مساعدات مالية واقتصادية لسلطة اوسلو ولأجهزتها الأمنية،وسلطة نشأت في غزة رسمت خططها ورؤيتها واستراتيجيتها على إقامة سلطة مقاومة تمازج بين السلطة والمقاومة،ورغم كل ما تعرضت له من حصار،وكل المعارك التي شنت على القطاع،من عام 2008 -2009 و 2012 و2014 و2018 و2019 و 2021 و2022 و2023 ،تلك المعارك التي اتت بعد تحرير الجنوب اللبناني في 25/ايار والحرب العدوانية التي شنت على جزب ا ل له وا ل مقاومة اللبنانية في تموز /2006 ،وهدفت لخلق شرق أوسط امريكي كبير،تمكن ح ز ب ا ل له من "قبره"،ومن ذلك التاريخ لم تعد دولة الكيان،قادرة ان تكون الشريك الإستراتيجي القادر على حماية المصالح الأمريكية في المنطقة،ولم يعد جيشها ذلك الجيش الذي لا يهزم،وبدت دولة الكيان"اوهن من بيت العنكبوت"، واوجدت ا ل م قا ومة اللبنانية وح ز ب الله قواعد ردع واشتباك برية وبحرية  وحمت ثروات لبنان البحرية وشكلت رادع لأي عدوان على الأراضي اللبنانية.

وكذلك المقاومة الفلسطينية التي لم ينتصر الكيان في أين من الحروب التي شنت على قطاع غزة، كانت ترسم  معادلات ردع وقواعد إشتباك جديدة مع دولة الكيان، وتعمل على مراكمة وزيادة قدراتها العسكرية والتسليحية  وتطوير أنفاقها الهجومية،وكذلك طورت من ترسانتها العسكرية على صعيد الصواريخ ومداياتها وقدراتها التدميرية  ودقتها،والطائرات المسيرة الإنتحارية،ووحدات المدفعية والسيبر  وامتلاك التكنولوجيا، والعمل الإستخباري والأمني ،واوجدت قوى نخبة على درجة عالية من التدريب  والكفاءة والخبرة ...ولعل معركة "سيف القدس" ايار /2021،والتي انتصرت فيها غزة للأقصى والقدس  وما تلاها من معركة" بأس الأحرار" ،كانت بروفات نحو معركة " طوفان الأقصى" ،حيث قوة الردع عند جيش الكيان تراجعت وأصبحت الأزمات تعصف بدولة الكيان  بنيوية وسياسية ومجتمعية ،والإنقسامات تعمقت  لتطال المؤسستين الأمنية والعسكرية،والمعادلات والمعارك كانت تقول بأن زمن الإنتصارات لجيش الكيان قد ولت،ولم يعد ذلك الجيش الذي يمتلك زمام المبادرة ويتحكم في بدايات المعارك ونهاياتها.

جاءت معركة " طوفان الأقصى" لتقلب كل المعادلات والمشهد ولتلحق هزيمة عسكرية بدولة الكيان غير مسبوقة،والسيناريو الذي تحقق فيها  والخطة التي رسمت لها،وقادت الى تحطيم الخطوط الدفاعية لدولة الكيان على خطوط قطاع غزة مع مستوطنات غلاف غزة واقتحام مواقعه العسكرية على طول خط الغلاف في زمن قياسي ،لكي تكشف مدى الفشل العسكري والأمني والإستخباري الذي أصاب دولة الكيان في عصبها المركزي مخلفاً أزمات وتخبط وإرباك قيادي على كل المستويات عسكرية وأمنية وسياسية،كل هذا دفع بدولة الكيان لكي ترد على تلك الهزيمة الساحقة بعقلية ثأرية انتقامية  كتعويض عن فشلها وهزيمتها بشن حرب إبادة وحرق بحق المدنيين  ومنع كل مستلزما الحياة الأساسية عنهم من ماء وكهرباء وسولار   ومواد غذائية وطبية،حيث قصفت البنايات والأبراج السكنية والأسواق ودور العبادة والمشافي  والمصارف والبنايات الحكومية ومقرات الأمم المتحدة ...ومسحت عائلات ،ومناطق بكاملها   في قصف همجي ووحشي بغطاء امريكي وأوروبي غربي استعماري بلغ عدد ضحاياه حتى اللحظة أكثر من 3000 شهيد وأكثر من 12500 ألآلآف جريح جلهم من الأطفال والنساء.

حجم الهزيمة القاسية التي حلت بدولة الكيان،جعلت أمريكا ودول الغرب الإستعماري تهب لنجدة دولة الكيان،حيث أمريكا أرسلت بوارجها الحربية "جيرالد فورد" و"ايزنهاور" وفتحت مخازنها لتزويد دولة الكيان  بأحدث الأٍسلحة التدميرية وأرسلت لها بشكل عاجل مساعدات مالية بقيمة 8 مليار دولار وبريطانيا ارسلت سفينتين حربيتين للإستطلاع والمراقبة والمانيا وضعت تحت تصرفها مسيرتين حربيتين وفرنسا قالت بانها ستساعد في تزويد دولة الكيان بالمعلومات الإستخبارية وستكون جاهزة للتدخل اذا ما توسعت الحرب البرية.

المهم القادة الأمريكان  الأوروبيين الغربيين تقاطروا الى دولة الكيان التي باتت تحت خطر التهديد الوجودي،ولم تعد تلك الدولة القادرة ان تكون شريك استراتيجي يحمي المصالح والأهداف الأمريكية والغربية  في المنطقة ...وزير الخارجية الأمريكي بلينكن اتى كيهودي  وكذلك فعل وزير الخرب الأمريكي لويد اوسن  والرئيس الأمريكي بايدن الذي عبر عن افتخاره بصهيونته سيصل اليوم الأربعاء بطائرة عسكرية لدولة الكيان،وكذلك الرئيس الفرنسي العنصري ماكرون ووزيرة خارجيته كاترينا كولونيا  والمستشار  الألماني اليمنيي المتطرف اولاف شولتز والرئيس الروماني كلاوس يوهانس،وبلينكن  شارك في كابينت الحرب المصغر وكذلك سيفعل رئيسه بايدن اليوم ،وهذا الحجيج لكل القوى والقيادات الإستعمارية والتكالب على شعبنا ومقاومتنا الفلسطينية، يقول بشكل واضح الكيان تعصف به الأزمات وحالة التخبط والإنهيار الداخلي والتخوف من الخيارات والثمن البشري في أي حرب برية قادمة وتداعياتها على دولة الكيان والمنطقة والإقليم والعالم  واحتمالات توسعها لحرب اقليمية شاملة،ولذلك كل هذا الحضور الإستعماري يهدف الى  :-  ضمان أمن وحماية ودعم مُطلق لـ”تل أبيب” وتهديد مباشر لحركة حماس وبقية قوى المقاومة، التضامن مع دولة الكيان والإلتزام الصارم بأمنها،التوضيح بشكل لا لبس فيه أن لدولة الكيان الحق، بل ومن واجبها، الدفاع عن شعبها من حماس و”الإرهابيين” الآخرين ومنع الهجمات المستقبلية.، توجيه رسالة واضحة إلى أي جهة فاعلة، سواء كانت دولة أو غير دولة ،المقصود هنا حزب الله وايران وبقية مكونات محور المقاومة، تحاول الاستفادة من هذه الأزمة لمهاجمة دولة الكيان، لا تفعل ذلك. ولتحقيق هذه الغاية، قام بنشر مجموعتين من حاملات الطائرات وأصول عسكرية أخرى في المنطقة”. التنسيق الوثيق مع دولة الكيان لضمان إطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم فصائل المقاومة ـ بما في ذلك الرجال والنساء والأطفال الصغار و"الناجين من المحرقة "والمواطنين الأمريكيين ". تلقي ملخصا شاملا عن أهداف إسرائيل واستراتيجيتها في الحرب” ،اما الكذب الوقح يتمثل بأنه سيطلب من دولة الكيان كيف ستدير عملياتها بما يقلل من الخسائر في صفوف المدنيين وضمان تدفق المساعدات الإنسانية الى المدنيين ومنع حماس من الإستفادة منها،وهو يعلم بأن معظم الشه د اء من الأطفال والنساء .

نعم هذا التقاطر  الأمريكي والغربي لدولة الكيان عدا هذه الأهداف،فهو يريد من الأطراف العربية والسلطة الفلسطينية الذين سيلتقي قادتها غداً في عمان، أن ينضبطوا للمسارات الأمريكية الإستراتيجية،ويمنعوا ويحاصروا تفاعل الحالة الشعبية في دولهم،لكي تسير العملية العسكرية لدولة الكيان وفق المخطط لها،وكذلك سيدعوها الى الإنخراط الأمني بشكل مباشر مع دولة الكيان ضمن هيكل أمني تقوده امريكا.

كيف ولماذا تدهورت علاقات الهند بكندا؟

 


بقلم: د. عبدالله المدني*

في الأسبوع الماضي تدهورت العلاقات الهندية ــ الكندية سريعا، ووصلت إلى حد حرب دبلوماسية معلنة مارس فيها كل طرف طرد العشرات من دبلوماسي الطرف الآخر وسط تراشق الاتهامات، وهو ما قد يهدد الاتفاقيات الدفاعية والتجارية المبرمة بين البلدين، ويضع التحالف الهندي ــ الباسيفيكي لمواجهة الصين والذي يضم الولايات المتحدة وبريطانيا في موقف حرج، ويؤثر سلبا على مصير نحو 183 ألف هندي يتلقون التعليم في الجامعات الكندية، خصوصا وأن كندا هي وجهة الهجرة المفضلة للهنود بسبب قيودها المخففة مقارنة بغيرها.

في الواقع، نحن أمام حالة دولة ديمقراطية نامية تشتكي من أنشطة انفصالية تهدد وحدتها الوطنية تمارس من فوق أراضي دولة ديمقراطية غربية، فيما لا تحرك الأخيرة ساكنا للجم هذه الأنشطة بذريعة حرية الرأي وحقوق الإنسان. ولئن كان هذا مربط الفرس في النزاع المشتعل بين البلدين، فإنه يخفي وراءه أمورا أخرى هي التي فجرت الأوضاع بينهما. 

في نوفمبر 2022  صدر بيان كندي حول استراتيجية كندا في منطقة المحيطين، تم وصف الصين فيها بـ "القوة العالمية المدمرة على نحو متزايد"، فيما وصف البيان الهند بأنها "الشريك المهم لكندا في تحقيق أهدافها الإقليمية والعالمية كونهما صاحبتي تقاليد مشتركة متمثلة في الديمقراطية والتعددية والإلتزام بقواعد النظام الدولي". ومن يقرأ مثل هذه العبارات الكندية الدافئة حيال الهند، يخيل له أن علاقات البلدين الثنائية اتسمت دائما بالصفاء وخلت من الاشكالات والهواجس، لكن الحقيقة غير ذلك. فخلال زيارة رئيس الحكومة الكندية "جيستن ترودو" للهند في فبراير 2018، وقع حدث غير متوقع أحرج الضيف وجعله موضع سخرية من الإعلام الكندي والأمريكي والبريطاني الذي وصف زيارة ترودو بالفاشلة، الأمر الذي دفعه إلى اطلاق تصريح قال فيه إنه قد لا يزور الهند مرة أخرى. ولم يكن ذلك الحدث سوى التقاط صورة تجمعه مع زوجته وإلى جانبهما "غاسبال أتوال"، والأخير مواطن كندي من أصل هندي وذو ارتباطات بحركة خالستان السيخية الانفصالية، وكان قد أدين من قبل محكمة كندية بتهمة محاولة قتل وزير هندي خلال زيارته لكندا.

أدت تلك الواقعة إلى توقف الاتصالات بين البلدين لنحو 18 شهرا، قبل أن تعود العلاقات للتعافي على إثر لقاء زعيميهما على هامش قمة مجموعة السبع في بياريتز الفرنسية في أغسطس 2019. وسرعان ما واجه العالم جائحة كوفيد 19 وقيام الهند إبانها بتزويد بعض الدول ــ ومنها كندا ــ بكميات كبيرة من اللقاحات، وهو ما ساهم في إجراء أكثر من إتصال بين ترودو ونظيره الهندي رانيندرا مودي لمناقشة ما وصف بـ "معركة البلدين المشتركة ضد الوباء"، ليذوب الجليد في علاقاتهما الثنائية ويتكرر لقاءاتهما على هامش قمة مجموعة السبع في "شلوس إلماو" الألمانية في يونيو 2022، وقمة مجموعة العشرين في بالي الأندونيسية في نوفمبر 2022.

غير أن ما حدث في قمة العشرين الأخيرة التي استضافتها نيودلهي في سبتمبر 2023، كان مؤشرا على بداية حدوث تراجع خطير في علاقات البلدين والزعيمين، حيث لم يعقد مودي أي اجتماع مع نظيره الكندي على غرار ما قام به مع ضيوفه الآخرين من قادة مجموعة العشرين، بالرغم من تأكيداته المسبقة بأن قمة العشرين فرصة تاريخية لإعادة ضبط وتمتين علاقات الهند الخارجية.

لقد بدا واضحا أن مودي مستاء من سياسات ترودو ومواقفه وتودده لمواطنيه السيخ الحاملين للجنسية الكندية لأسباب انتخابية، والتغاضي عن أنشطتهم المزعجة للهند. ولعل ما زاد الطين بلة، وجعل الأمور تتأزم وتصل إلى ما وصلت إليه، هو تصريحات لترودو زعم فيها بوجود أدلة موثقة تربط حكومة مودي بمقتل الناشط الكندي من أصل هندي "هارديب سينغ نيغار" بالرصاص في 18 يونيو 2023 خارج مركز ثقافي للسيخ في ولاية "كولومبيا البريطانية" بكندا. وهو ما نفته نيودلهي واحتجت عليه بأشد العبارات.

والمعروف أن كندا تعتبر موطنا لأكبر عدد من طائفة السيخ خارج الهند بعدد يصل إلى نحو 800 ألف نسمة، مشكلين بذلك قوة تصويتية هائلة، وبينهم شخصيات تحتل مراكز مرموقة في حكومة ترودو وحزبه وفي السلطتين الأمنية والقضائية. ويستغل هؤلاء الحريات المكفولة في كندا للتعبير عن دعمهم المادي والمعنوي والإعلامي لحركة خالستان الإنفصالية التي تسعى لإقامة كيان للسيخ مستقل عن الهند في ولاية البنجاب حيث يعيش 18 مليون سيخي، ناهيك عن قيامهم بتخريب الممتلكات الهندية في كندا، وإجراء استفتاءات محلية حول أحلامهم الانفصالية التي انطلقت في الستينات ثم تبلورت في الثمانينات عبر انتفاضة مسلحة قمعتها الحكومة الهندية فكان ردهم القيام باغتيال رئيسة الوزراء أنديرا غاندي عام 1984.

والمعروف أيضا أنه منذ التسعينات زادت هجرة السيخ الهنود إلى كندا بتشجيع من أقاربهم هناك، حيث جذبتهم الفرص الاقتصادية والتعليم المتقدم والحريات التي تكفل لهم إعادة تنظيم أنفسهم من أجل الدفع بقضيتهم.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشؤون الآسيوية

تاريخ المادة: أكتوبر 2023م


الاثنين، 16 أكتوبر 2023

وقفة تضامنية أمام المسرح الوطني اللبناني : من أجل حرّية فلسطين

 


 أقيمت وقفة تضامنية مع الشعب الفلسطيني أمام «المسرح الوطنيّ اللبناني» في مدينة صور، بدعوة من «جمعية تيرو للفنون» و«مسرح إسطنبولي» وبمشاركة الاهالي والطلاب من المخيمات الفلسطينية الذين عبروا عن تضامنهم مع أهلهم في غزة في وجه العدوان المستمر على الأهالي في غزة وفلسطين .

وأكد مؤسّس المسرح الوطني اللبناني الممثّل والمخرج قاسم إسطنبولي « على أهمية المقاومة الثقافية والاعلامية من أجل نشر صورة الحقيقة للعالم وأن القضية هي قضية إنسانية لشعب يناضل في وجه الظلم الاستبداد وانه لا معنى لحياة بلا الحرّية وهذا الشعب يكتب حكاية إنسانية ستبقى خالدة للأجيال القادمة».


الثلاثاء، 10 أكتوبر 2023

ما بين جنوب الهند وشمالها

 


بقلم: د. عبدالله المدني*

عادة ما توصف الأقاليم الجنوبية في الكثير من البلدان بأنها متخلفة في أحوالها الإقتصادية والمعيشية والتنموية مقابل شمال مزدهر ومستقر، لكن الهند الراهنة أثبتت خلاف ذلك. فعلى حين نجد أن ولاياتها الجنوبية تعيش حالة من الإستقرار والتناغم الاجتماعي معطوفة على إزدهار اقتصادي وصناعي بحيث صارت اليوم من قلاع تكنولوجيات البرمجيات وغيرها، نجد أن ولاياتها الشمالية تواجه الكثير من المشكلات وسط احتقانات محلية سياسية وثقافية واجتماعية، وحالات من التشنج والتعصب. وعلى الرغم من هذه الحقيقة فإن جنوب الهند لا يحصل على مكافأة مالية معتبرة على أدائها الجيد قياسا بما يحصل عليه الشمال، حيث تقوم الحكومة المركزية في نيودلهي بجمع الضرائب من جميع الولايات ثم توزعها على ولايات البلاد بناء على توصية من لجنة مالية مختصة ووفقا لمعايير الاحتياجات. وهكذا فإن ولاية شمالية كثيفة السكان ومتأخرة في التنمية البشرية وفاشلة في الانتاجية والحد من الانفجار السكاني مثل "أوتار براديش" تتلقى تمويلا فيدراليا أكثر مما تتلقاه الولايات الجنوبية ذات مؤشرات التنمية الأعلى. أضف إلى ذلك أن نسبة تمثيل ساسة الجنوب في الحكومة المركزية عادة ما تكون منخفضة، بل أن زعامة الهند لم تذهب إلى ساسة جنوبيين إلا مرتين في  التسعينات حينما تولاها "تشاندرا شيكار" ثم "هاراداناهالي ديفي" على التوالي زمن ضعف الأحزاب الكبيرة.

في تفاصيل أوضاع الجنوب الهندي، نجد مثلا أن مدينة بنغالور،عاصمة ولاية كارناتاكا الجنوبية، التي تعرف بوادي السليكون الآسيوي، تمثل ثلث صادرات البلاد من البرمجيات، فيما تشتهر ولاية جنوبية أخرى مثل "تاميل نادو" بالتصنيع وتمثل وحدها ثلثي صادرات الهند من السيارات، على حيت تشتهر جارتيجها (ولاية أندرا براديش وولاية تيلانغانا) بكونهما مركزا لصناعة الدواء، حيث تمثلان معا نحو 22.5 بالمائة من جميع مرافق تصنيع الأدوية في الهند. أما ولاية كيرالا التي باتت من معاقل صناعة السياحة وفرص العمل في الهند، فقد أصبح قطاعها السياحي مسؤولا عن نسبة 10 بالمائة من اجمالي الناتج المحلي للولاية، ومسؤولا في الوقت نفسه عن توفير نحو 24 بالمائة من فرص العمل بدليل تحولها في السنوات القليلة الماضية إلى مقصد للملايين من أبناء الشمال الهندي بحثا عن وظائف ودخول أفضل.


إلى ما سبق، يمكن القول أن ولايات الجنوب الهندي بصفة عامة تتفوق على بقية الولايات الهندية لجهة الصحة والتعليم والفرص الاقتصادية والبنية التحتية المصرفية ومبادرات القطاع الخاص التنموية ومؤشرات التنمية البشرية. فمثلا ولاية كيرالا لديها أعلى معدلات المعرفة والتعليم والتدريب المهني. وإذا كان قياس ازدهار أي  ولاية يعتمد على الناتج المحلي الإجمالي (GSDP) ونصيب الفرد من الدخل، فإن أربع من أصل خمس ولايات جنوبية مصنفة اليوم ضمن أفضل عشر ولايات في الهند لجهة الأمن والتخطيط التنموي ودخل الفرد والبنية المعرفية الرقمية والموارد البشرية المؤهلة.

وحينما يبحث المرء في الأسباب والعوامل التي جعلت ولايات جنوب الهند متقدمة ومتفوقة على نظيراتها الشمالية، سيجد أن العامل الحاسم هو انشغال الجنوبيين بالعمل والتعليم واستخدامهما كسلاح لثورة اجتماعية يغيرون بها أوضاعهم نحو الأفضل، فيما ظل الشماليون يراوحون مكانهم بسبب انشغالهم العميق بالسياسة والعمل الحزبي والمسائل الدينية والطائفية، وتأثرهم البالغ بالوعود والإغراءات العاطفية التي تصاحب عادة الانتخابات المحلية والفيدرالية، ونجد تجليات ذلك في انتشار الجماعات الدينية القومية التي رسخت التمييز والطائفية والهويات الفرعية في سعيها للوصول إلى السلطة عبر عقلية القطيع ( a herd mentality) في التصويت، ما أدى إلى احتكار أحزاب بعينها للسلطة على مدى عقود دون تغيير. ومثل هذه الحالة لا نجدها في الجنوب، حيث يسود تناغم إجتماعي وثقافي في ظل تعددية سياسية راسخة ومنافسة سياسية شريفة وتبادل سلس للسلطة المحلية، فلا نرى مثلا أحداث عنف أو صعود جماعات متطرفة، ولا نرى احتكارا طويلا للسلطة أو الكرسي التشريعي، ناهيك عن بعد المواطن ــ بصفة عامة ــ عن تسييس ما لا يجب تسييسه.


والمعروف أن أجواء المنافسة السياسية الصحية، البعيدة عن المهاترات واللعب على العواطف وتأجيج مشاعر الجماهير دينيا أو طائفيا،  تساعد الحكومات المنتخبة على الأداء بشكل أفضل، كما أنها تعزز مشاركة ونشاط المواطنين، ناهيك عن أنها تؤدي إلى جودة الحكم والإدارة، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى التنمية والإزدهار، على العكس من حالة سيطرة الحزب الواحد لمدد طويلة على مقاليد الأمور بكل ما يفرزه من فساد وطغيان وجمود في السياسات والأجندات.

وفي التفسيرات الأخرى لأسباب الفارق بين جنوب الهند وشمالها، يبرز التفسير القائل بأن الأمر يُعزى إلى الطبيعة العرقية والثقافية للمواطن، بمعنى أن سكان الشمال، ومعظمهم من الهنود الآريين، الذين يعتبرون أنفسهم عرقا متميزا، وتكسو طباعهم القسوة والرفض لفكرة العدالة الإجتماعية، يختلفون اثنيا وثقافيا عن سكان الجنوب من القومية الدرافيديونية التي يعتنق أفرادها مباديء مثل احترام الذات  والتسامح والعدالة والعقلانية ومقاومة التقسيم الطبقي ورفض الهيمنة البراهمية، نسبة إلى طبقة البراهمة (البراهمة في جنوب الهند كانوا في الأصل مهاجرين آريين من شمال الهند، وكانوا يتحدثون باللغة الستسكريتية وجلبوا معهم النظام الطبقي).



د.عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: أكتوبر 2023م


الأحد، 8 أكتوبر 2023

طوفان الاقصى... صفعة للمنظومة الامنية الاسرائيلية

 


كتب فؤاد بكر:

لم يكن يتوقع أحد أن تكون بهذه الطريقة رد المقاومة الفلسطينية على مخطط حكومة الاحتلال الاسرائيلية الفاشية والعنصرية القائم على التهويد والتهجير والتوسع في المستوطنات وضم الأراضي، وإقتحام باحات المسجد الأقصى والمخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية، والإعتقالات الادارية، وتصفية القضية الفلسطينية والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني الذي يناضل من أجلها أكثر من 75 عاما. 

على الرغم من إمتلاك إسرائيل أحدث التقنيات إلا أن منظومتها الأمنية فشلت من حماية المستوطنين الذين يقيمون في الأراضي الفلسطينية بعد أن إحتلوها بالقوة من خلال إرتكابهم للمجاز وجرائم القتل والتعذيب بحق الفلسطينيين، حيث تمكن عدد من المناضلين في المقاومة الفلسطينية إجتياز السياج الحدودي الفاصل بين قطاع غزة والمستوطنات الاسرائيلية غير الشرعية، وتعطيل قدرة جيش الاحتلال الاسرائيلي، ويقتلون العشرات من المستوطنين المحتلين للأراضي الفلسطينية، ويأسرون عددا منهم، ومن ثم يعودون إلى مواقعهم في قطاع غزة، كما سبق ذلك إطلاق 5000 صاروخ من قطاع غزة تجاه هذه المستوطنات غير الشرعية، الأمر الذي شل القبة الحديدية الإسرائيلية والمنظومة الأمنية الإسرائيلية التي تمتلك أجهزة المراقبة والإستخبارات، وطائرات تجسس بدون طيار، حيث شاركت في هذه العملية العسكرية غرفة العمليات الفلسطينية المشتركة التي تضم جميع الفصائل الفلسطينية أبرزها: حماس، الجهاد، الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين... 

أما بالنسبة إلى الضفة الغربية، فقد شهدت لحظات الدهشة والذهول بفعل العملية العسكرية التي قامت بها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والتي أسفرت عن قتل المئات وأسر 35 مستوطن إسرائيلي، كما تفاعلت مع هذا الحدث بتنظيم مسيرات إحتفالية عسكرية وغير عسكرية في المدن الفلسطينية، أدت إلى إشتباكات مباشرة مع قوات الاحتلال الاسرائيلية التي أطلقت النار على الشباب الفلسطينيين في مخيم قلنديا ونابلس. 

وقد أغلقت إسرائيل المدخل الرئيسي الشمالي ما تسبب بأزمة مرور خانقة، إضافة إلى إطلاق نار في الخليل وإحراق مركز الشرطة الاسرائيلي في مدينة القدس، الى جانب المواجهات في مدينة قلقيلية أثناء اقتحام جيش الاحتلال الاسرائيلي شرق نابلس، وكذلك في جنين، أبو ديس، رام الله، طولكرم... 


أطلقت المقاومة الفلسطينية على عملية الهجوم على المستوطنات الاسرائيلي التي تقع على غلاف قطاع غزة عملية "طوفان الأقصى"، برزت من خلالها إحترافية العمل والتخطيط للمقاومة الفلسطينية، بهدف إستعادة الفلسطينيين زمام المبادرة، ورفضهم للتطبيع السعودي – الإسرائيلي الذي يهدف إلى تصفية قضيتهم وحرمانهم من حقوقهم الوطنية المتمثلة بإنهاء الاحتلال الاسرائيلي عن أراضيهم واقامة دولتهم المستقلة بعاصمتها وعودة اللاجئين إلى أرضهم. 

إعتبرت حكومة الاحتلال الاسرائيلية أن عملية "طوفان الاقصى" هي عملية إرهابية، متغافلة أنها دولة إحتلال تحتل أراض تعود ملكيتها للشعب الفلسطيني، وأنها إذا أرادت سلام حقيقي في الشرق الأوسط عليها أن تنهي الاحتلال، غير أن هذه العملية تشير التالي: 

1- فشل الاجهزة الامنية الاسرائيلية والموساد الاسرائيلي كشف مخطط المقاومة الفلسطينية رغم كل الامكانيات والدعم العسكري من الولايات المتحدة الاميركية، وفشل برامج المراقبة والتجسس الاسرائيلية مثل بيغاسوس التي باعتها للدول العربية. 

2- التنسيق الكامل بين فصائل المقاومة الفلسطينية وبسرية تامة، حيث ان المقاومة الفلسطينية راهنت على المظلات الهوائية لإختراق السياج الحدودي في قطاع غزة، وتدمير الدبابات الاسرائيلية وفتح الطريق للتقدم بإتجاه المستوطنات غير الشرعية. 

3- بروز التطور النوعي في عمل المقاومة الفلسطينية التي حولت الصواريخ البدائية والقذائف البسيطة الى صواريخ شبه دقيقة تصل الى عمق إسرائيل، الأمر الذي مكنها من أسر جنود إسرائيليين لتوظيفهم في المفاوضات من أجل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الاسرى منذ عشرات السنين، والذين يعانون من التعذيب والاهمال الطبي... 

نعم، لقد كانت مواجهة نوعية تعود للسياسة العنصرية التي تطبقها حكومة الاحتلال الاسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، والتي تشهد إحتجاجات إسرائيلية ضدها، وما يؤدي إلى فرملة توقيع الانظمة العربية على اتفاقيات سلام مع اسرائيل، كما أن عملية طوفان الأقصى جاءت بعد أن إستنفذت كل الوسائل الدبلوماسية للحد من سياسة الاحتلال الاسرائيلي وجرائمه بحق الشعب الفلسطيني. 


وردا على عملية طوفان الأقصى، قصفت قوات الاحتلال الاسرائيلية المدنيين في قطاع غزة، اضافة الى الابراج السكنية، ما أسفر عن وقوع 250 شهيد فلسطيني ومئات الجرحى. 

إن عملية طوفان الأقصى لها بعدا دوليا يتعلق بمسار التطبيع السعودي – الاسرائيلي، والممرات الإقتصادية التي تحاول الولايات المتحدة الاميركية محاصرة الصين وإيران وروسيا، والتي كان آخرها ممر الهند – الشرق الاوسط – أوروبا. 

ولذلك، تعلم الحكومة الاسرائيلية المتطرفة والفاشية أن أي عملية عسكرية تقوم بها تتخطى الحدود الحمراء، ستشتعل منطقة الشرق الأوسط دفاعا عن الشعب الفلسطيني، حيث أنها تتجنب حرب تكون طويلة ومتعددة الجبهات كما حصل في حرب أكتوبر عام 1973، ولكن هذه المرة تدخل بها المقاومة اللبنانية، والعراق، واليمن، وسوريا... 

لقد إشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بتهنئة الشعب الفلسطيني على هذه العملية العسكرية النوعية، والتي إشتركت بها غرفة العمليات المشتركة الفلسطينية والتي تضم جميع فصائل المقاومة الفلسطينية، لاسيما الشعوب العربية التي قامت بإطلاق المفرقعات النارية إبتهاجا بالانجاز التاريخي الذي لم يحصل منذ ولادة إسرائيل عام 1948، وقامت بتوزيع الحلوى وتنظيم الاحتفالات. 

وأما مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان، والأردن، والجاليات الفلسطينية في أوروبا، بما في ذلك الشعب الفلسطيني المتواجد في الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، فستكون بالمرصاد إذا تعرض الشعب الفلسطيني في قطاع غزة إلى الخطر أو الابتزاز الاسرائيلي، حيث أن لكل ساحة فلسطينية نضالها الخاص، كما حصل في معركة سيف القدس عام 2021، والتي شكلت نقلة نوعية في تاريخ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. 

واهم من يظن أن الشعب الفلسطيني سيقبل أن يكون ورقة سياسية تتلاعب بها الدول الكبرى أو رسالة بريد لتحقيق مصالحها، وواهم من يظن أن الشعب الفلسطيني سيقبل بالتسويات السياسية التي لا تحقق مطالبه يحصل من خلالها على حقوقه الوطنية المشروعة، وواهم من يظن أن السلام في الشرق الأوسط ممكن أن يحدث دون وجود عدالة حقيقية وانهاء الاحتلال الاسرائيلي عن الأراضي الفلسطينية المحتلة. وكما أن معركة سيف القدس عام 2021 أنهت مرحلة من تاريخ الصراع العربي – الاسرائيلي، فإن عملية طوفان الاقصى فتحت صفحة جديدة في تاريخ الصراع العربي – الاسرائيلي. 

الجمعة، 6 أكتوبر 2023

من سيحمي الصليب والمسيحيين في الاراضي المقدسة؟




كتب جواد بولس:

تناقلت وسائل الاعلام المحلية في اسرائيل مؤخرا أخبارًا حول انتشار ظاهرة اعتداء بعض المجموعات اليهودية المتدينة على مسيرات الحجاج المسيحيين الذين يأتون الى القدس من جميع أرجاء العالم لاقامة شعائر الحج المسيحي الذي يتخلله الطواف في مسار "درب الآلام" وزيارة كنيسة القيامة وغيرها من الأماكن المقدسة عند الطوائف المسيحية المختلفة.  

لم تتميز الاعتداءات هذا العام عن تلك التي ارتكبت خلال الاعوام الماضية، ولم ترافقها أية مؤثرات جديدة أو مستجدات لافتة؛ فالمعتدون جاؤوا من نفس الخلفيات الدينية والسياسية والعقائدية، ويستعملون نفس الاساليب الاجرامية القذرة المستفزة ضد نفس الاهداف والرموز المسيحية.

يواجه المسيحيون، لا سيما الفلسطينيون المسيحيون،  في "الأراضي المقدسة" منذ عقود طويلة ظاهرة عنصرية إضطهادية، ليس من الصعب التحقق من تاريخها وحجمها، اذ أن قوائم الجرائم  والاعتداءات اليهودية المرتكبة بحق الاماكن والرموز المسيحية موثّقة، باليوم وبالساعة، عند معظم الكنائس، ومثلها ايضا قوائم الاعتداءات في مناسبات عديدة، على رجال الدين والحجاج انفسهم.

لقد ظهرت في شريط الفيديو المذكور مجموعة من اليهود المتدينين وهم يبصقون باتجاه صليب خشبي كبير كان بعض الحجاج الاجانب يحملونه على اكتافهم ويسيرون به في شوارع البلدة القديمة. لقد كان مشهد الاعتداء مستفزًا وغير انساني بالمطلق، وطويلاً حسب معايير الوقت في الاعلام البصري.

ويبدو ان المشاهد التي اظهرها الشريط، وانتشاره الواسع، لا داخل اسرائيل وحسب، قد احرج المسؤولين الاسرائيليين وربما احرج، لا اقل منهم، بعض السياسيين الغربيين ورؤساء الكنائس المحلية والعالمية، الذين كانوا يتمنون ألا يصوّر هذا الاعتداء وألا تنتشر صوره على الملأ، على أمل أن يمر ويُنسى، كما مرت معظم الاعتداءات التي سبقته "بهدوء كنسي" لافت وصمت دبلوماسي عربي وأعجمي غير مفهوم ولا مبرر. 

 لا يمكن تبرير حجم الضجة، التي رافقت موجة الاعتداءات العنصرية الدينية، هذه المرة، بمحتويات الشريط المذكور او في عرض المشاهد المستفزة وحسب، فهنالك بعض الجهات الاسرائيلية المعارضة لحكومة نتنياهو التي استغلت الحادثة، بانتهازية سياسية معتادة، ووظفتها في التحريض على الحكومة وفي تأليب الرأي العام عليها في بعض الدول المسيحية الغربية، خاصة داخل الاحزاب التي تعتمد على الصوت المسيحي المعتدل تجاه اسرائيل. لم تغب هذه الصورة عن بال نتنياهو، فبادر الى شجب الاعتداءات على المسيحيين ووعد ان حكومته ستتخذ الاجراءات القضائية الصارمة بحق من يقوم باقتراف مثل تلك الأفعال بحق المصلين. 


لا أرغب في مناقشة ما ورد في بيان نتنياهو الذي اعلن فيه "ان اسرائيل ملتزمة بشكل تام بالمحافظة على حق العبادة المقدس والحجيج للاماكن المقدسة لجميع الاديان"، واضاف: "انني اشجب بشكل صارم كل محاولة لايذاء المصلين، وسوف نتخذ ضد هذه الافعال خطوات فورية وحازمة". ولقد انضم عدد من الوزراء الاسرائيليين وعبروا، مثل رئيس حكومتهم، عن معارضتهم لتلك الاعتداءات، لكنهم لم يلجأوا الى نصوص نتنياهو الحازمة بل آثروا البقاء تحت "رحمة" الدبلوماسية، وتعمّدوا أن يداهنوا، من ثناياها، الجناة ومعلميهم؛ وكذلك فعل بعض الحاخامات. لن يفضي شجب بنيامين نتنياهو وغيره الى تغيير "الوضع القائم" في اسرائيل، الدولة اليهودية؛ ولن ينجح هو وحكومته في منع استباحة الفرق اليهودية المتزمتة لحرمة الاديان غير اليهودية ولرموزها. لم يكن ذلك خيارًا ممكنًا لديه في السنوات الماضية، وصار اليوم احتمالًا مستحيلا بسبب تشريع "قانون القومية اليهودية" الذي اعترف بفوقية الديانة اليهودية، وأتاح عمليا لجميع العناصر اليهودية المتطرفة والفرق والاحزاب الدينية المتزمتة التزوّد بطاقات "شرعية" غير محدودة، وأباح لهم تحويلها الى افعال حقيقية بدأوا بتنفيذها في جميع ميادين الحياة وبضمنها طبعا ما نشاهده من تصعيد في مظاهر احتقار اصحاب الديانات الاخرى ورموزهم. هكذا يجب أن نرى الواقع الاسرائيلي الجديد وان نفهم شجب نتنياهو وزملائه في سياقه؛ فالهدف من موقفهم المعلن هو امتصاص "غضب" الجهات التي احتجت على تزايد الاعتداءات ضد المسيحيين في القدس وفي مناطق أخرى في الدولة. ولقد كان قداسة البابا في طليعة المحتجين  كما قرأنا في الاخبار، حيث طالب اسرائيل، بطريقته الهادئة، بضرورة اتخاذ خطوات فعلية لوقف تلك الاعتداءات على المسيحيين وحماية الحريات الدينية وحرية العبادة. وكاستجابة للنداءات الدولية اعلنت شرطة اسرائيل بطريقة "مُمسرحة " عن اعتقال خمسة مشتبهين ضالعين بحادثة البصق على الصليب والاعتداء على المصلين، في خطوة من شأنها ان تظهر جدية الحكومة الاسرائيلية وتقنع العالم بها. لن أفاجأ اذا قامت الشرطة بالافراج عن المعتقلين الخمسة من دون ان تقدم بحقهم لوائح اتهام، بالرغم من ظهور صورهم في الشريط المذكور، فنتنياهو اضعف من أن يواجه وزراءه المتدينين واحزابهم التي تضم بين صفوفها الآلاف ممن يؤمنون ان "البصاق" على الرموز المسيحية واهانتها هي "فريضة دينية" كانوا قد تربوا عليها في معابدهم التوراتية. انه نفس النتنياهو الذي لم يقدر، عندما كانت اوضاعه السياسية اقوى مما هي عليه في هذه الأيام، على معاقبة مثل هولاء الجناة، وهو اليوم نتنياهو الجريح الذي لن يجروء على ان يواجههم ولا ان يعاقبهم. انه يعرف حدود قوته الحقيقية ويعرف اين هي مصلحته الشخصية واين مرافيء نجاته المأمولة، وهو يراهن، في نفس الوقت وعن تجربة طويلة، على حدود مواجهة "العالم المسيحي" المحتملة لاسرائيل ولشعبها اليهودي ولحكومته. على الارجح ان تمر موجة الاعتداءات "بسلام" من ناحية اسرائيل كما مرت "بسلام" جميع سابقاتها، وسوف تزداد الاهانات للصليب وللمسيحيين في القدس وفي جنبات فلسطين كلها؛ فميليشيات "يوشع" بدأت تشعر، في هذا الزمن التوراتي، انهم أصحاب المملكة وأنها قائمة فعليا حتى لو لم يرها غيرهم، وفي مملكتهم لن ترفع رايات سوى شمعدان هيكلهم الثالث المرتجى ونجمة داود وسيفهم البتار. من كان في القدس في الاسبوع الاخير شاهد بأم عينه واحس على جلده ان هذا الواقع التلمودي لن يتغير من تلقاء نفس ولا من حسن نوايا من تتلمذوا على حاخامات يؤمنون أن اليهود شعب اصطفاه الرب كي يحكم في الارض وكي يكون الاغيار عبيدًا لديه. لن يتغير هذا الواقع  الا اذا بدأ العرب، وخاصة نحن اصحاب الارض الأصليين، بتناول هذه المسألة بجرأة وبواقعية غير مداهِنة، وباشرنا في تغيير بعض مفاهيمنا الاساسية العوجاء حيال ما جرت العامة منا وعلماء الامة على تسميته، بتعميم سطحي خاطيء ومضر، باسم  "العالم المسيحي". علينا ان نخرج من تلك القوقعة، وان نحاول تفكيك ذلك العالم وفصل عناصره لما فيه مصلحة فلسطين ومستقبلها. ففي الواقع لم يكن، منذ ولادة المسيح وحتى يومنا هذا، "عالم مسيحي" واحد، ولا حتى مسيح واحد. لماذا لا نراجع أنفسنا ونحاول ان نجد الفوارق الجوهرية بين الملل المسيحية والنحل على اختلاف مشاربها في العالم؟  فهناك، في تلك الفوارق، سوف نجد ما يفيدنا نحن الفلسطينيين، ويسعفنا ويسندنا. انها مهمة شاقة، لكنها ضرورية وهي تحتاج الى اقرار وطني واضح وهمّة لانشاء هيئة من اختصاصيين ومهنيين وتوكيلهم بمهمة القيام بمسح شامل لما نطلق عليه اسم "العالم المسيحي"، ثم وضعهم لخارطة طريق كي نهتدي بها الى من يقيم من أولئك المسيحيين في "دار الحرب" ومن يقيم في "دار السلم". فهل من الصعب أن نرى وان نقر بوجود فرق بين دونالد ترامب المسيحي وصليبه، مثلًا، وبين ابن القدس المطران منيب يونان المسيحي وصليبه؟ من لا يرى ذلك الفرق لن يستطيع منع اهانة الصليب في القدس ولا منع انقراض المسيحيين في ارض المسيحية الاولى؛ ومن لا يريد ان يرى الفرق القائم اليوم بين الكنيسة الانجليكانية في جنوب افريقيا وصليبها المتحرر من نظام الابرتهايد، وبين اخواتها الانجليكانيات في العالم وفي فلسطين وصليبهم المكسور والأسير، لن ينجح في كسر "قوس بيلاطس البنطي"  الذي ما زال متكئا بحزن على حجارة القدس ويشهد على ظلم التاريخ وعلى فساد السلطة ونفوذ المصالح.

من يراجع التاريخ سيرى ان المسيحية والمسيحيين وصليبهم لم يهانوا في فلسطين من قبل اولئك المتعصبين المتزمتين اليهود وحسب، فقد أهانهم عبر التاريخ من جاؤوها غاصبين باسم مسيح آخر وسرقوا صليبها وبنوا كنائسهم على اساسات من جماجم وتخاصموا فصار لكل كتيبة منهم معبد ومسيح ودين. واهانها كذلك من جاؤوا ليحرروها من حكم أصحاب ذاك الصليب فبنوا امجادهم على انهر من دم وعلى فتاوى اصدرها قضاتهم وشيوخهم فقضت بضرورة اذلال الصليب ومن يؤمنون به؛ وللاسف ما زالت تلك الفتاوى حية بيننا في بعض المواقع وتنبض بالدماء. 

والخلاصة: لن تمنع حكومة اسرائيل تكرار الاعتداءات على المسيحيين وعلى رموزهم وعلى اماكنهم المقدسة. هكذا علمنا التاريخ؛ ومن لا يقرأ التاريخ سوف يبقى لاصحابه عبدا. بالمقابل، من يحاول ان يصنع التاريخ ويمضى "حاملا صليبه" نحو النور، فحتى لو أخطأ، سيحظى لا محالة بالحرية.

سوف تمر موجة الاعتداءات الحالية كما مرت جميع سابقاتها، وسوف يعود قداسة البابا الى صلاته في روما ويدعو من اجل خلاص العالم ؛ وسيمضي حكام العالمين العربي والاسلامي في سبلهم وعلى عروشهم، وستكون القدس في صدورهم ليس أكثر من وجع زائد وثقيل. وسيتمسك رؤساء الكنائس في القدس بمطالبتهم بالمحافظة على"الستاتوس كوو"، وهي بدعة أخرجها الاستعمار للابقاء على سراب اسمه "الوضع القائم" وهو مجرد اغلال تحيط بصدورنا، ورماح مغروزة على انقاض حقوقنا التي صودرت في حالة "الكنيسة الارثوذكسية المقدسية"، ذات يوم وبقيت رهينة عند بطريركها وسينوده وقلة من اعوانه المقربين. لقد شاهدناهم برفقته في الصورة اثناء زيارته الاخيرة لقداسة البابا في الفاتيكان، ولكن هذه لوحدها مسألة اخرى جديرة بالمتابعة. 

لقد ادرك قادة اسرائيل وقبلهم قادة الحركة الصهيونية ان المسالة المسيحية في شرقنا هي قضية معقدة ومركبة ومصيرية لوجودهم، فسعوا ونجحوا في فهم مغاليقها وبحفر قنواتها وبتوثيق مرابطها، وكان الى جانبهم دهاقنة هذا الزمن العاقر. هكذا كان، ولكن كانت الحكمة وبقيت مدفونة في تراب القدس، مدينة الملائكة الحالمة، التي سوف تشهد يومًا قيامتها الجديدة، إن اراد اهلها ذلك. 

الثلاثاء، 3 أكتوبر 2023

ماليزيا .. شعبية أنور إبراهيم في خطر


 

بقلم د. عبدالله المدني*

المعروف أن الانتخابات العامة الأخيرة في ماليزيا أسفرت عن تولي إئتلاف برلماني هش بقيادة السياسي المخضرم أنور إبراهيم الحكم في هذا البلد المنقسم على نفسه سياسيا. والمعروف أيضا أن إبراهيم ما كان له أن يحصد ما حصده من مقاعد برلمانية ويتجاوز الشخصيات والأحزاب الأخرى المترشحة لولا برنامجه الانتخابي القائم بصورة محورية على الحكم الرشيد وضرب الفساد الذي عانت منه ماليزيا كثيرا في السنوات الأخيرة، والذي كان أوضح تجلياته ما حدث في قضية اختلاس رئيس الحكومة الأسبق  "نجيب رزاق" لمليارات الدولارات من صندوق الدولة للتنمية (MDBI) التي انتهت بدخوله المعتقل، ليصبح أول زعيم ماليزي مدان.

الغريب أن أبراهيم، الذي حلم طويلا بقيادة ماليزيا من بعد سنوات من القهر والظلم والاذلال والاعتقال بتهم كيدية إبان عهد صديقه رئيس الحكومة الأسبق مهاتير محمد، قبل مضطرا أن يتحالف مع شخصية سياسية تدور حولها شبهات الفساد وملاحق بتهم جنائية هو الزعيم الحالي لحزب المنظمة الوطنية المتحدة للملايو (أمنو) "أحمد زاهد حميدي"، بل اضطر أيضا أن يخضع للضغوط ويعين الأخير نائبا له ويعهد إليه أيضا بمنصب وزير تنمية الأقاليم النائية.

وبهذا فقد إبراهيم الكثير من مصداقيته في نظر مؤيديه والرأي العام الماليزي، بل باتت مقولة "اليوم حميدي وغدا نجيب" شائعة في الأوساط الشعبية في إشارة مبطنة إلى أن الرجل الذي عول عليه الشعب لتنظيف البلاد من الفساد، تخلى عن أجندته الإصلاحية بتوزيره حميدي، وربما يتخلى عنها أكثر بالعفو عن نجيب رزاق قريبا، لاسيما وأن ابراهيم عضو نافذ في مجلس العفو الذي يتمتع فيه ملك ماليزيا بسلطة تقديرية ويتصرف بناء على نصيحة أعضاء المجلس. 

جاء ذلك، بُعيد قيام المدعين العامين في الرابع من سبتمبر الجاري باسقاط 47 تهمة فساد متعلقة بخيانة الأمانة والرشوة وغسل الأموال ضد حميدي بشكل مثير للجدل، الأمر الذي أثار انتقادات بأن حكومة ابراهيم باتت تتخذ إجراءاتها ضد الفساد بصورة انتقائية ومحابية، وقد يتوقع منها قرارات أخرى مماثلة، إرضاء للقوى السياسية التقليدية المحافظة، وكثمن للمحافظة على تماسك الحكومة الحالية.

وكرد فعل من قبل إبراهيم على الانتقادات التي انهالت على حكومته كرر مرارا أن لا دخل له في تبرئة حليفه حميدي وأن الموضوع من اختصاص النائب العام والسلطة القضائية فقط، لكن الكثيرين مقتنعون بأن دور النائب العام والمدعي العام في ماليزيا غير منفصل ويخضع لمرئيات الحكومة الفيدرالية، خصوصا وأن النائب العام الماليزي يشغل في الوقت نفسه منصب كبير المستشارين القانونيين للحكومة.

من جانب آخر، خرج معلقون محليون ليقولوا أن أهمية حميدي أقل بكثير من أهمية رزاق في أوساط حزب أمنو التاريخي الذي استقلت البلاد على يده، وبالتالي فإنه لو قامت الحكومة بجهد لإعادة محاكمة الأخير وتبرئة ساحته كي يعود ويتزعم أومنو بدلا من حميدي لصب ذلك في صالح تعزيز قوة حكومة إبراهيم داخل البرلمان لأن رزاق شخصية سياسية قوية وماهرة ولا زالت تحظى بشعبية قوية عند مؤيدي أومنو الكثر ولاسيما ضمن عرقية الملايو، بينما لا يشكل حميدي أي ثقل مواز، بدليل أن أومنو تحت قيادة الأخير حققت أسوأ أداء على الإطلاق في انتخابات نوفمبر 2022، من بعد أن كان دائما في الطليعة. هذا ناهيك عن فشل الحزب فشلا ذريعا في انتخابات محلية جرت في أغسطس المنصرم (حصلت أومنو على 19 مقعدا فقط من أصل 108 مقاعد تنافست عليها في ست ولايات).

والمعروف أن حميدي، بدلا من أن يتبى قضية تبرئة واطلاق سراح زعيمه السابق أي نجيب رزاق، فإنه يقاوم مثل هذا التوجه لأسباب منها أنه سيخسر حتما موقعه الحالي على رأس أومنو في حال تبرئة رزاق وعودة الأخير إلى الساحة السياسية. وهذا وحده يكشف مدى التنافس الضاري المشتعل بين ساسة ماليزيا والذي تتخلله صورا شتى من الدسائس والمؤامرات والمماحكات والضرب تحت الحزام.

نخالة القول أن ضررا سياسيا بالغا قد وقع بعدم إدانة حميدي في التهم الموجهة له والإكتفاء باسقاطها، وأن أكبر المتضررين هو زعيم البلاد الحالي أنور إبراهيم الذي يواجه اليوم انشقاقات فردية داخل ائتلافه الحاكم قد يفقده أغلبية الثلثين في البرلمان. كما ينتظر أن يواجه في الأيام القادمة مظاهرات شعبية بقيادة أحزاب المعارضة احتجاجا على ما تصفه هذه الأحزاب بـ "بداية التطبيع مع الفساد". والحقيقة التي لا بد من الإشارة إليها هي إبراهيم ليس لديه خيار سوى الابقاء على حميدي ومقاومة اسقاطه وطرده من الحكومة لأن عكس ذلك يعني لجوء أومنو إلى اختيار زعيم جديد مع احتمال أن يلجأ خليفته إلى سحب نوابه البرلمانيين الثلاثين من الائتلاف الحكومي والانضمام إلى المعارضة، الأمر الذي يعني سقوط الحكومة تلقائيا.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: سبتمبر 2023م


التمييز الهيكلي ضد النساء الأجنبيات في الدنمرك




 د. حسن العاصي

باحث وكاتب فلسطيني مقيم في الدنمرك


يتم التعامل مع الرجال والنساء على قدم المساواة عند وصولهم إلى الدنمارك وتقديم طلب اللجوء، أو القدوم كأفراد من الأسرة عبر نظام جمع الشمل. إن مراكز اللجوء مختلطة وتخضع جميعها لنفس العملية لتقييم احتياجات الحماية أو الإلحاق. نظام التعليم الدنماركي وعروض العمل التي تقدمها البلديات تخضع هي الأخرى لنفس مبدأ المساواة بين للرجال والنساء دون أي تمييز.

تبنت الدنمرك سياسة المساواة بين الجنسين منذ عقود، وتعتبر أن المعاملة الخاصة والتقسيم إلى جنسين أمر سلبي وقديم الطراز. لكن عدم التفرقة في المعاملة لا يؤدي إلى المساواة. إذا كنت تريد معاملة جميع الأشخاص بنفس الطريقة، فهذا يتطلب أن يكون لديهم نفس نقطة البداية. وإلا فإنه يمكن أن يؤدي في الواقع إلى التمييز. من الأمثلة الجيدة على ذلك الصورة المستخدمة غالباً للمعلم الذي يقول: "لضمان الاختيار العادل، سيتم تكليفكم جميعًا بنفس مهمة الاختبار: يجب عليك تسلق الشجرة" لكن الطلاب هم بمثابة حيوانات مختلفة، مثل القرد والذئب والقنفذ والسنجاب - بالنسبة للبعض ستكون المهمة سهلة، وبالنسبة للآخرين ستكون المهمة مستحيلة.

يمكن تعريف التفرقة بأنه تمييز غير معقول يؤدي إلى حصول الشخص على معاملة أو حماية أسوأ من غيره. ليس من غير القانوني معاملة الناس بشكل مختلف. بل على العكس من ذلك، غالبا ما يكون من الضروري ضمان معاملة الجميع على قدم المساواة. هذا ما يكتبه معهد حقوق الإنسان الدنمركي على موقعه الإلكتروني.


تقرير حقوقي جديد

قامت مِؤخراً منظمة مساعدة اللاجئين في الدنمرك بنشر تقرير بعنوان "إنهم لا يعرفون مقدار الضغط الذي نعانيه"، والذي يسلط الضوء على كيفية تعرض آلاف النساء للتمييز من جانب المجتمع الدنماركي - ليس عن وعي، ولكن لأن الناس يتجاهلون كيف تختلف ظروف النساء الأجنبيات مقارنة بأزواجهم وإخوانهم، وبالمقارنة بالنساء الدنماركيات. وفي العديد من النقاط، تكون فرصة النساء أقل بكثير للوفاء بالمطالب التي يتم تقديمها، على الرغم من أن النساء القويات غالباً ما يخضن معارك الحياة دون كلل.

على سبيل المثال لم يُسمح لـ "آشا" بالذهاب إلى المدرسة في موطنها الصومال. ولذلك فقد تم تسجيلها في مركز اللغة الدنماركية، اجتازت المستوى الأول، ولم تتمكن من اجتياز المستوى الثاني، وهو شرط للحصول على الإقامة الدائمة. بينما تخطي المستوى الثالث يعتبر شرطاً رئيسياً للحصول على الجنسية الدنماركية. وهي مطالب قد يكون لإخوتها بعض الفرصة للوفاء بها. إنه التمييز الهيكلي. من ناحية أخرى، كأم عازبة وبعد قضاء السنوات الست الأولى في مركز اللجوء، قامت بتربية ستة أطفال، وقد حصلوا جميعاً على التعليم العالي أو المهني فيما بعد.

تضمن التقرير وصف مشاكل المرأة الأجنبية في الدنمرك من خلال تسع عشرة قصة لنساء لاجئات، والكثير من الاقتباسات. على سبيل المثال قصة "سميرة" وهي لبنانية تعيش الآن في مركز مغادرة لأنها تركت زوجاً يسيء معاملتها.

تقول "أتيت إلى الدنمارك منذ أربع سنوات بسبب الزواج. لكنه ضربني وتركته بعد أربعة أشهر. لا أستطيع العودة إلى لبنان حيث تعيش عائلتي. يريدون قتلي لأنني مطلقة. والآن أعيش في أحد المراكز المخصصة لمغادرة طالبي اللجوء المرفوضين منذ عام، ولا أستطيع الحصول على المال أو المساعدة من أي شخص. إنه أمر صعب للغاية."

يتناول التقرير النساء والفتيات اللاتي، لأسباب مختلفة، لا يستطعن العودة في وطنهن، ويقيمن الآن في الدنمرك، بإذن أو بدون إذن أي من تحمل منهن تصريح بالإقامة قانوني، أو من لا تمتلك أوراق. لم يتضمن التقرير النساء اللاتي قدمن إلى الدنمرك كعاملات مهاجرات أو بسبب الزواج من رجل دنماركي. بل التقرير يستهدف الفتيات والنساء الأجنبيات اللاتي وصلن الدنمرك وحدهن، أو بسبب زواجهن من رجال أجانب.

 البعض ترك وطنه بمفرده، والبعض الآخر مع أفراد الأسرة. وقد وصل البعض بعد رحلة محفوفة بالمخاطر بمساعدة مهربي البشر لتقديم طلب اللجوء، بينما كان آخرون ينتظرون الحصول على إذن للم شملهم مع الزوج أو الأب الذي سافر قبل ذلك وحصل على اللجوء. ولا يزال البعض الآخر يتم استدراجهم إلى هنا بوعود كاذبة، لكن ينتهي بهم الأمر إلى زيجات سيئة.


هؤلاء النساء ضمن الفئات التالية:

طالبات اللجوء.

اللاجئات المعترف بهن.

النازحات من أوكرانيا.

الموجودات بنظام جمع شمل أسرة اللاجئ.


نساء غير موثقات ـ على سبيل المثال بعد رفض اللجوء.

وتندرج العديد من هؤلاء النساء أيضاً ضمن فئة "غير غربية"، لكن هذا تعريف دنماركي يتضمن دلالات عرقية، تصفه كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بأنه موصم وغير مناسب، وبالتالي لم يتم استخدامه في التقرير. غالبية النساء في الفئات المذكورة أعلاه يأتون من دول في الشرق الأوسط وأفريقيا، ولكن أيضاً من دول مثل أوكرانيا، والبوسنة، وسريلانكا، وتايلاند.

النساء، اللاتي يتحدثن إلى حد كبير عن أنفسهن في التقرير، غالباً ما يعانين من نقاط ضعف متعددة الجوانب في المجتمع الدنماركي، مما يتركهن في أسفل التسلسل الهرمي. على سبيل المثال "بينتا" من غامبيا. فهي ليست مجرد امرأة، ولكنها أيضاً مثلية، وأمية، وسوداء، ومسلمة، وفقيرة، وطالبة لجوء مرفوضة.

تقول "إستيلا " من أوغندا، التي أمضت خمس سنوات في مركز ترحيل مع طفلها الصغير "لا أحد يفهم ما نشعر به. إنهم لا يعرفون مدى الضغط الذي نعاني منه. إذا لم يسبق لك أن واجهت الإجبار على القيام بأشياء ضد إرادتك، لذلك تشعر حقاً بالضعف، فلا يمكنك إصدار الأحكام."

هؤلاء النساء لا يشكلن مجموعة متجانسة، فهن غير متشابهات، ويختلفن عن بعضهن البعض عرقياً وثقافياً. لذلك من المهم إدراك الخطر الكبير المتمثل في التعميم والوقوع في الصور النمطية أثناء النظر في قضاياهن. ومن المؤسف أن النظام الدنماركي يجد صعوبة في التعامل مع هذه الاختلافات. هؤلاء النسوة رغن أنهن ضحايا وضعيفات وتعرضن للعنف، ومعتمدات على الآخرين، ، إلا أنهن نساء قويات ويتحملن مسؤوليات كبيرة، ويعملن بعناد وعزيمة لتحقيق استقلالهن، رغم الاحتمالات المتدينة ارتباطاً بأوضاعهن العامة.


تشريعات قاصرة

اتم اتخاذ العديد من التدابير القانونية ـ على مدار تعاقب الحكومات ـ فيما يتعلق بنساء الأقليات العرقية في الدانمرك من أجل إدخالهن إلى سوق العمل والحد من عزلتهن في المنزل. اليوم، هناك تركيز كبير على مواجهة الثقافات والأنماط القمعية الآتية من البلدان الأصلية، أي الزواج القسري والمرتب، والرقابة الاجتماعية بشكل عام. ومن المؤسف أن الإجراءات المضادة المُتخذة كانت مقتصرة في كثير من الأحيان على العقوبات الصارمة للآباء والإخوان، الأمر الذي يهدد بفرض المزيد من المشاكل على النساء أنفسهن اللواتي يزعمن أن تلك الإجراءات تساعدهن.

وفي عام 2015، تم إلغاء تصريح إقامة "جميلة" رغم أنها أوضحت أن الطلاق كان بسبب العنف من قبل الزوج، وأنها عاشت في ملجأ لمدة ثلاثة أشهر. وشرحت أنها قبل ذلك أقامت مع الرجل خوفا من فقدان تصريح إقامتها. أكد الزملاء في المركز الذي تعمل فيه جميلة أنها أخبرتهم عن تعرضها للعنف سابقاً. لكن لم يكن هناك توثيق للعلامات المرئية بعد العنف، ولا تقرير طبي. ولم تعتقد السلطات أن العنف كان بالضرورة سبب الانفصال. علاوة على ذلك، تم التأكيد على أن جميلة احتفظت بارتباط قوي ببلدها الأصلي، وأن حقيقة أنها بدأت التدريب المساعد في النظام التعليمي لم يكن كافياً لاعتباره اندماجاً ناجحاً.

لقد تجاهل السياسيون والنظام العام، الدور الذي يلعبه النظام الهيكلي الدنماركي نفسه في الحفاظ على جزء من النساء في حالة اضطهاد واعتماد على أزواجهن.

لتوضيح هذا الادعاء، يجب النظر إلى ما تحمله النساء المعنيات معهن في أمتعتهن عند وصولهن إلى الدنمارك - وهذا ينطبق على تربيتهن والتجارب التي مررن بها أثناء الرحلة. تضطهد أفغانستان، والصومال، وإيران، النساء والفتيات بشكل مباشر في التشريعات، في حين أن دول مثل العراق، وسوريا، وإريتريا، وميانمار، تمنح النساء حقوقاً رسمية في التشريعات والقوانين، ولكنها في الواقع لا تمنحهن بأي حال من الأحوال فرصاً متساوية مع الرجال.


مستضعفات في الدنمرك

بشكل عام، تتمتع النساء في الفئات المذكورة بمتطلبات أقل لتحقيق أداء جيد في المجتمع الدانمركي بسبب الظروف التي نشأن فيها. يبدأ الأمر في مراكز اللجوء، وفي عملية اللجوء، وفي تقييمات اللجوء، حيث تكون النساء وحدهن بدون رجال. تشكل النساء في مراكز اللجوء أقلية ويشعرن بعدم الأمان بين العديد من الرجال غير المتزوجين. فالنساء أقل استعداداً لإجراء المقابلات الطويلة، كما أن دوافع لجوء النساء تؤدي إلى وضع قانوني أضعف بكثير من وضع الرجال، وهو ما يمكن أن يكون من الأسهل المشاركة فيه مرة أخرى. العديد من النساء يحصلن على اللجوء بسبب حالة أزواجهن، وبالتالي يرتبطن به.

تقول امرأة أفريقية عازبة "أحضرت طفلي معي في كل المقابلات. كان عمره عامين. جلس في حجري ثم أعطوه جهاز iPad وسماعات حتى يتمكن من مشاهدة الرسوم المتحركة. لكنه لم يتمكن من النظر إليها لساعات عديدة، وكان يبكي ويركض. كان من المستحيل بالنسبة لي أن أركز".

ومع ذلك، فإن ما يقرب من 80٪ من النساء يصلن بغرض لم شمل الأسرة، وبالتالي ليس لديهن تصريح إقامة خاص بهن على الإطلاق، لكنهن يعتمدن بشكل كامل على أزواجهن - ويخاطرن بفقدانه إذا انتهت المعاشرة.

إن خلفية المرأة تجعل من الصعب عليها أن ترقى إلى مستوى متطلبات المجتمع الدانمركي. لقد التحقن بمدارس أقل وحصلن على تعليم أقل من إخوانهن وأزواجهن. وهذا يعني أن عدد النساء أكبر من عدد الرجال المسجلين في أدنى مستوى من التعليم الدانمركي، والذي لا يتيح امتحان النجاح فيه الحصول على مزيد من التعليم أو الإقامة الدائمة أو المواطنة.

وقد تعرضت الأغلبية من النساء الأجنبيات للعنف من أقرب الأشخاص إليهم في مرحلة ما، ولم يُسمح للكثيرين باتخاذ قرارات مستقلة بشأن حياتهم الخاصة. هناك العديد من الأمهات العازبات في المجموعة، وحتى في العائلات التي لديها أب، تتحمل الأم دائماً المسؤولية الأساسية عن الأطفال، مما يربطهم بمراكز اللجوء والمنزل.

كما أن لديهم أيضاً خبرة عمل أقل أهمية ودخلاً مستقلاً أقل في وطنهم، مما يضعهم في وضع غير مؤات فيما يتعلق بدخول سوق العمل الدنماركي. يعاني العاملون الاجتماعيون في مراكز العمل من التحيزات التي تقول إن المرأة لا ترغب في العمل، وتقدم لهم أنواعاً أقل وأدنى من الوظائف من الرجال. ولم يكن للنسخ والتجارب والمشاريع المتغيرة من مساعدات بدء المشاريع للاجئين أي تأثير على جذب المزيد من النساء إلى العمل، وكان لها تأثير محدود فقط على الرجال. وقد أثرت المزايا المخفضة على الأمهات العازبات بشكل خاص، وفقا لمعهد حقوق الإنسان الدنمركي.

جاءت الإيرانية "شرارة" إلى الدنمارك مع ابنتها البالغة من العمر 16 عاماً،  لكنها اضطرت إلى قضاء عشر سنوات في مراكز اللجوء قبل أن تتمكن أخيراً من إعادة فتح قضيتها والحصول على اللجوء.  تقول "لم تكن إيران هي التي منعت ابنتي من أن تصبح امرأة مستقلة. بل نظام اللجوء الدنماركي هو الذي منعها من القيام بذلك".


إصرار على التعلم

تجد النساء صعوبة في دخول سوق العمل، وعندما ينجحن، يحصلن على راتب أقل، ومعاش تقاعدي أقل، خاصة بسبب إجازة الأمومة - تماماً مثل النساء الدنماركيات، بالمناسبة. ومع ذلك، غالباً ما ينتهي بهم الأمر في أسفل التسلسل الهرمي، وتكون حالتهم الصحية أسوأ بكثير مما كانوا عليه

فيما يتعلق بالنساء المقيمات في الدنمرك، فإنه بحلول الوقت الذي يصلن فيه إلى سن التقاعد، تعيش 20-25% من النساء من الشرق الأوسط وتركيا تحت خط الفقر الذي تم إلغاؤه الآن، والذي ينطبق فقط على 10-15% من أزواجهن، و1% فقط من الرجال والنساء من أصل دنماركي عرقي.

في مجال التعليم، ترى شيئاً مثيراً للدهشة. عدد أقل من النساء حصلن على تعليم من وطنهن الأصلي، لكن عدد النساء اللاتي يتعلمن في الدنمارك ضعف عدد الرجال. ويلاحظ نفس الاتجاه بين الشباب والأحفاد، حيث لا تتفوق الفتيات على إخوتهن فحسب، بل تتفوق أيضاً على الفتيات الدانمركيات عرقياً. ولذلك فإن لدى النساء رغبة كبيرة في تحسين مهاراتهن ودعم أنفسهن. ولذلك، فمن الأفضل كثيراً لكل من السويد والنرويج أن تعمل على جلب النساء من الشرق الأوسط وتركيا وشمال أفريقيا على سبيل المثال - وهذا يتطلب استراتيجية طويلة الأجل تعتمد على تحسين المهارات بدلاً من الحل الدنماركي السريع المتمثل في الوظائف التي لا تتطلب المهارة في أقرب وقت ممكن.

على الرغم من أنها تتراجع في التصنيف العالمي على المؤشرات القابلة للقياس، فإن الدنمارك لديها صورة ذاتية مفادها أنها حققت المساواة الكاملة تقريباً بين الجنسين. الدنمرك حالياً في المركز التاسع والعشرين، في حين أن جميع دول الشمال المجاورة مستقرة في المراكز الخمسة الأولى. وحتى النساء الدانمركيات من أصل عرقي لم يحققن المساواة حتى الآن، على الرغم من تكافؤ الفرص في الالتحاق بالمدرسة، وحرية اختيار العمل، والزواج، وما إلى ذلك.

عندما تكون ظروف المجموعة المذكورة من النساء الأجنبيات في الدانمرك أسوأ من ذلك، ويظلن معتمدات على أزواجهن، فإن ذلك لا يشكل تعبيرا عن الرغبة في وضعهن في مكانة غير مناسبة من جانب المجتمع الدانمركي. وهو نتيجة لعدم الاهتمام بالجوانب المتعلقة بالجنسين وعدم الاهتمام بتنظيم العروض والطلبات بطريقة تتاح لهؤلاء النساء فرصة حقيقية للاستفادة منها والارتقاء بها.


توصيات الخبراء

ويحتوي التقرير على عدد من التوصيات لإجراء تحسينات، سواء في إجراءات اللجوء أو في مرحلة الاندماج أو الهدف النهائي المتمثل في أن تصبح مواطناً دنماركياً:

ـ هناك حاجة إلى المزيد من طرق الوصول الآمنة إلى الدنمارك.

ـ هناك حاجة لمراعاة سلامة النساء والفتيات في مراكز اللجوء بشكل أفضل.

ـ هناك حاجة إلى المساواة بشكل أفضل بين دوافع لجوء النساء والرجال.

ـ هناك حاجة إلى مزيد من الفحص والدعم والعلاج لضحايا العنف، ويجب أن تكون بعض أشكال العنف الجنسي مساوية للتعذيب.

ـ هناك حاجة إلى ضمان عدم بقاء أي امرأة مع رجل ضد إرادتها من أجل الاحتفاظ بتصريح إقامتها.

ـ هناك حاجة إلى تكييف التعليم الدانمركي بشكل أفضل مع النساء ورفع مستوى مؤهلاتهن لدخول سوق العمل.

ـ هناك حاجة إلى زيادة التركيز على صحة المرأة.

ـ هناك حاجة لتكييف متطلبات الإقامة الدائمة والمواطنة وفقًا لنقطة البداية والفرص المتاحة للفرد.

ـ يحتاج الوافدون الجدد من كلا الجنسين إلى تعليم الحقوق والمساواة.

ـ هناك حاجة إلى تعاون منظم مع المنظمات الإسلامية لتقديم الدعم للنساء والفتيات المسلمات اللاتي يعانين من مشاكل.

إن المساواة في المعاملة في الدنمرك تنطوي على تمييز لمجموعة معينة من النساء. إن التجاهل للجوانب الجنسانية يجعل النساء معتمدات ومستضعفات في نظام اللجوء وعملية الاندماج. لقد حان الوقت لكي تغير الدانمرك سياستها عندما يتعلق الأمر بالنساء اللاتي لجأن إلى هذا البلد والذين لم يحظوا بحياة مميزة مثل الدنمركيين. ليس رجالهم وحدهم هم المشكلة لهن. لا يرغبن في العودة إلى المنزل بمفردهن والعيش على أموال الرجل، لكنهن لا يستمتعن أيضاً بطلب سبع وثلاثين ساعة من التدريب غير مدفوع الأجر في أحد المستودعات، أو التهديد بفقدان تصريح إقامتهن إذا طلقن من أزواجهن. تطلب النساء المعلومات والعروض ذات الصلة والدعم لجعل الحياة اليومية ناجحة، لذلك يشعرن بالسعادة لبذل جهد كبير ويقبلن بفرح وفخر الفرص التي لم تتح لهن في بلادهن الأصلية.