الأربعاء، 31 يناير 2024

الشرعية الدولية او شاهد الزور من 425 الى 1701


 كتب عباس علي مراد



يتحدث البعض في لبنان والمنطقة عن الشرعية الدولية والتي تستمد شرعيتها من الامم المتحدة ومجلس الأمن التابع لها الذي لا "يجلس" الأمن الا بما يتناسب مع من يملكون حق النقض الفيتو.

بين الحين والآخر يطل علينا رجال دين ودنيا في لبنان بدعوات لتطبيق القرارات الدولية الخاصة بلبنان وتحييد لبنان عن الصراع الدائر في المنطقة وكان لبنان هو المعتدي وليس المُعتدى عليه.

اصحاب الدعوات تلك لهم أسبابهم السياسية، لكن يبدو ان بعد النظر احادي الجانب، ويجانب الواقع لان لبنان لم يجتاح اراض الكيان عشرات المرات، لا بل على العكس فإن إسرائيل هي من يعتدي دائما وكان من اكثر اجتياحاتها عمقا داخل الاراضي اللبنانية عام 1982، حيث وصلت قوات الاحتلال الى بيروت. بعد ذلك الاجتياح خرجت قوات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان والتي لم تكن لتتواجد في لبنان أصلاً لولا تهجير الاحتلال الفلسطينين من ديارهم ورفض عودتهم اليها.

وكان قد سبق ذلك اجتياحان الاول عام 1972 والثاني عام 1978 وقد صدر بعد هذا الاجتياح عن مجلس الامن القرار الاممي رقم 425 والذي نص صراحة الى سحب الاحتلال قواته من الجنوب دون قيد او شرط.

لم ينفذ الاحتلال القرار 425  رغم ارسال قوات تابعة للأمم المتحدة للأشراف على تنفيذه، ولم يتوقف العدوان على لبنان فكان عدوان 1993 الذي استمر لمدة 7 أيام، وفي العام 1996 شن الاحتلال عدوان آخر لمدة ستّة عشر يوم بحجة وقف صواريخ المقاومة التي كانت تسعى لتحرير الاراضي اللبنانية المحتلة في الجنوب او ما عرف ب"الشريط الحدودي" والذي كانت تديره وبأشراف مباشر من قوات الاحتلال القوات المتعاملة مع أسرائيل جيش لحد "جيش لبنان الجنوبي".


بسبب عدم تنفيذ القرار425 استمرت عمليات المقاومة من أجل تحرير المناطق المحتلة حتى تم إخراج المحتل الاسرائيلي من معظم الاراضي اللبنانية المحتلة في25 ايار عام 2000 دون قيد او شرط.

في العام 2006 شنت أسرائيل عدواناً كبيراً على لبنان بهدف القضاء على المقاومة وعامودها الفقري حزب الله انتهت الحرب التي استمرت33  يوماً بهزيمة الاحتلال الذي لم يتمكن من تنفيذ أي اهدافه المعلنة وغير المعلنة من تلك الحرب.

بعد ذلك العدوان صدر القرار الأممي 1701 الذي دعى الى وقف الاعمال القتالية دون وقف شامل لاطلاق النار، وتم تعزيز وزيادة عديد قوات الطوارئ الدولية بالاضافة الى دخول قوات أضافية من الجيش اللبناني للعمل على تنفيذ القرار.

 يدعو القرار إلى وقف كامل للأعمال الحربية يرتكز خصوصاً على وقف فوري من قبل حزب الله لكل هجماته ووقف فوري من جانب إسرائيل لكل هجماتها العسكرية.

يؤكد القرار انه من الضرورة أن تبسط الحكومة اللبنانية سلطتها على كل الأراضي اللبنانية طبقاً لبنود القرارين 1559 (2004) و1680 (2006) ولبنود اتفاق الطائف ذات الصلة، لممارسة سيادتها بشكل كامل.

إسرائيل كعادتها لم تفي بالتزاماتها أمام القانون الدولي، ووقف خروقاتها للقرار1701 والتي تجاوزت 34 ألف خرق حسب إحصاءات السلطات اللبنانية قوات الطوارئ الدولية.

رغم أن إسرائيل تأسست بقرار من الأمم المتحدة، ما تقدم يظهر كبف تتعامل أسرائيل مع القرارت الدولية والامر ينطبق كذلك على كل القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية التي لم تنفذ أي منها، لا بل تمادت في التوسع واحتلال المزيد من الاراضي الفلسطينية والعربية ضاربة بعرض الحائط كل القرارت الدولية والتي بلغت أكثر من 900 قرار خلال الـ 75 عاماً الماضية لصالح الشعب الفلسطيني، واولها واهمها قرار تقسيم فلسطين رقم 181 للعام 1947والقرار رقم 242 الذي تلا حرب 1967والذي ينص على رفض احتلال الأراضي الفلسطينية والعربية وطالب إسرائيل بسحب قواتها. 

هذا التجاهل الاسرائلي للقوانين الدولية وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة لم يقابله أي ضغط من المؤسسات الدولية او يما يسمى بالمجتمع الدولي، الذي يتعامى لا بل يدعم أسرائيل في حرب الإبادة التي تشنها على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.

أن الاطماع الاسرائلية في ثروات لبنان المائية والنفطية ليست خافية وما الاجتياحات التي نفذتها داخل الاراضي اللبنانية الا خير دليل على ذلك.

إذن، لماذا المراهنة على المجتمع الدولي والدعوة الى الحياد في الوقت الذي أثبتت فيه المقاومة الوطنية والأسلامية ان أسرائيل اندحرت من لبنان ليس بسبب القرارات الدولية او الدبلوماسية انما بسبب المقاومة التي ما زالت تشكل عامل ردع قوي لاٍسرائيل لعدم التفكير في غزو لبنان مجدداً؟

نعم، من مصلحة لبنان تنفيذ القرار 1071 لكن ليس من طرف واحد، لكن بقى السؤال ما هي الضمانات ان تلتزم اسرائيل يتنفيذه في الوقت الذي تقف فيه قوات الطوارئ كشاهد زور على عدم تنفيذه، كما فعلت مع القرار 425 لمدة 22 عاماً؟


الثلاثاء، 30 يناير 2024

حينما يكون عيد الإستقلال كئيبا .. ميانمار نموذجا


 

بقلم: د. عبدالله المدني*

جرت العادة أن يكون عيد الإستقلال أو اليوم الوطني في أي دولة مقترنا بالفرح والاحتفالات البهيجة والتذكير بانجازات الوطن خلال السنوات التالية لخروج المستعمر واستعادة الحرية والسيادة الوطنية، لكن الأمر مختلف في ميانمار (بورما سابقا) التي صادف يوم الرابع من شهر يناير الجاري الذكرى السادسة والسبعين لإستقلالها عن بريطانيا التي دام حكمها لهذه البلاد كمقاطعة من مقاطعات الهند البريطانية من عام 1824 إلى عام 1948.

ذلك أن ميانمار لم تهنأ باستقلالها وحريتها سوى فترة قصيرة جدا امتدت من عام 1948 إلى عام 1962، وهي الفترة التي تولت قيادتها حكومات ديمقراطية مدنية منتخبه برئاسة السياسي القومي "أو نو". أما الفترات التالية (باستثناء فترة قصيرة) فقد شهدت انقلابات عسكرية ابتداء من انقلاب 1962 بقيادة قائد الجيش الجنرال "ني وين" الذي أرسى حكما ديكتاتوريا أبويا منيعا ونظاما اشتراكيا بوذيا قاتما، ورسخ نفوذ العسكر وفسادهم وتدخلهم في مختلف مناحي الحياة على مدى 12 سنة، الأمر الذي حرم البلاد والعباد من الحرية والنهضة والتقدم والانفتاح على العالم وقوض كل ما تركه المستعمر البريطاني خلفه من نظم إدارية ومؤسسات مدنية وهياكل للأقتصاد الحر، وانتهاء بانقلاب الأول من فبراير 2021 الذي ستحل قريبا ذكراه الرابعة.

ولأن الإستقلال فقد سحره، أضحت الملايين من شعب ميانمار تستقبل عيد الاستقلال بالحزن بدلا من الفرح، لأن جنرلات جيشهم أفرغوا هذه المناسبة من محتواها ولم يقدموا لهم سوى المرارة والحرمان والقمع والتسلط. ولا نبالغ لو قلنا أن الكثيرين من هؤلاء باتوا يحنون إلى زمن ما قبل الإستقلال حينما كانت حرياتهم الشخصية وأمورهم المعيشية وقنوات التعبير عن آرائهم ــ على الأقل ــ مصونة، بل وينظرون إلى ما يجري في الهند التي كانوا يوما ما جزءا إداريا منها بنظرة الغبطة والتحسر.

وهكذا نجد أن المحتفل الوحيد بالمناسبة هم جنرالات الطغمة العسكرية الحاكمة ورموز "مجلس إدارة الدولة" المغتصب للسلطة وأعوانهما القلة ممن باتوا يرددون شعارات متكررة كل عام حول "استقرار الدولة وتعزيز النظام العام" و"القضاء على الإرهاب والجماعات المتمردة" و"انقاذ وحدة البلاد من المتمردين العرقيين والشيوعيين والمجاهدين قبل إجراء أي انتخابات تعددية حرة".

وبعبارة أخرى يكرر جنرلات الجيش هذه الشعارات كل عام، محاولين إقناع الميانماريين بأن أحوال بلدهم على مايرام وأن الخير قادم طالما أنهم يؤيدون جيش البلاد الساهر على الأمن والنظام، بينما الشواهد تقول غير ذلك.

فالجيش الأسطورة الذي يدين بتعليمه لأكاديمية عسكرية أنشأه المستعمر البريطاني في الاربعينات ثم طوره الحكم المدني الديمقراطي في الخمسينات، بات يتلقى ضربات يومية من ميليشيات متمردة وجماعات انفصالية منتشرة في مختلف أقاليم البلاد، وبالتالي فهو ليس في أفضل أحواله ويعاني من الخسائر والإذلال وإنْ قال خلاف ذلك.

ومن ناحية أخرى، يعاني الاقتصاد من حالة ترهل ألقت بظلال قاتمة على مستويات المعيشة ومداخيل الأسر وموازنة الدولة ومخصصات التعليم والصحة. وطبقا لتقرير نشره صندوق النقد الدولي حول حالة الاقتصاد في ميانمار في عام 2023، فإن القوة الشرائية للأفراد والأسر ضعيفة وبالتالي فإن الاستهلاك الداخلي محدود ولايمكنه قيادة النمو، فيما أدت القيود المفروضة على الاستيراد إلى نقص المعروض من الكثير من السلع وبالتالي ارتفاع أسعارها. ويضيف التقرير أن ميانمار تعاني من نقص خطير في الطاقة، وضعف في جذب الاستثمارات الخارجية بسبب تعقيدات الحصول على تراخيص لمزاولة الأنشطة، وانخفاض مشهود في منتجات وأرباح القطاع الزراعي بسبب الأعمال القتالية الدائرة في الأرياف بين الجيش والمتمردين وفصائل المعارضة.

ويترافق كل هذا الوهن مع حالة غضب شعبية داخلية واحتجاجات وعقوبات من قبل الدوائر الإقليمية والعالمية لسببين، اولهما: عملية التطهير العرقي التي يمارسها الجيش ضد الروهينغيا المسلمين المنتمين إلى ولاية أركان في غرب البلاد، وثانيهما: استمرار اعتقال زعيمة الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية وإبنة بطل الإستقلال السيدة "أونغ سان سو شي" منذ الأول من فبراير عام 2021 بتهمة أن نتائج إنتخابات نوفمبر 2020 العامة التي جعلتها شريكة في السلطة مزورة.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: يناير 2024م


السبت، 27 يناير 2024

صباغْ منْ واشنطن: لإعلانِ دولةٍ فلسطينيةٍ مستقلةٍ وعاصمتها القدسِ الشرقيةِ


قالَ المبعوثُ الخاصُ للمجلسِ الأميركيِ لسياساتِ الشرقِ الأوسطِ آدمْ صباغْ أنَ المجلسَ يسعى بكلِ إمكانياتهِ معَ الجهاتِ المعنيةِ بالسياسةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ للوقفِ الفوريِ للحربِ القائمةِ في قطاعِ غزةَ , والتي راحَ ضحيتها عشراتُ الآلافِ منْ المدنيينَ والأطفالِ والنساءِ .

وأضافَ صباغْ أنهُ ينبغي الضغطُ على جميعِ الأطرافِ منْ أجلِ إيصالِ المساعداتِ الغذائيةِ والطبيةِ إلى داخلِ القطاعِ المحاصرِ, كما أشارَ إلى أنَ هذهِ الأهدافِ تتماشى معَ ما تهدفُ إليهِ الولاياتُ المتحدةُ الأميركيةُ بصفتها الراعيَ لجميعِ اتفاقياتِ السلامِ بينَ إسرائيلَ وكلِ منْ مصرَ والأردنِ، إضافةً إلى اتفاقيةِ أوسلو بينَ إسرائيلَ والسلطةِ الفلسطينيةِ .

ورأى صباغْ أنَ السبيلَ الوحيدَ لتسويةِ القصيةِ الفلسطينيةِ هوَ إعادةُ إحياءِ المفاوضاتِ التي تهدفُ لقيامِ دولةٍ فلسطينيةٍ عاصمتها القدسُ الشرقيةُ على أساسِ حلِ الدولتينِ, إضافةٌ إلى حلِ مشكلة اللاجئينَ الفلسطينيينَ استناداً على القرارِ الأمميِ رقمِ 194 .

وأكدَ أنَ إحياءَ عمليةِ السلامِ سينعكسُ على مجملِ منطقةِ الشرقِ الأوسطِ التي تتمتعُ بثرواتٍ كبيرةٍ منْ النفطِ والغازِ والتي سيصبحُ بالإمكانِ استثمارها واستفادةُ شعوبِ المنطقةِ منها إذا سادَ السلامُ في الشرقِ الأوسطِ.


للاطلاع على كلمة صباغ على الرابط التالي:

https://youtu.be/nVhzRt861ZA?si=0is6B-A0qPlcPmbi

الثلاثاء، 23 يناير 2024

هل سيحتفظ "مودي" بزعامة الهند للمرة الثالثة؟

بقلم د. عبدالله المدني 

مع احتفالات الهند هذا الشهر بمرور ثلاثة أرباع القرن على إعلان الجمهورية في السادس والعشرين من يناير 1950، يتردد سؤال "هل سيحتفظ حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم بزعامة رئيس الحكومة "ناريندرا مودي" بالسلطة للمرة الثالثة على التوالي في الانتخابات العامة القادمة المقرر إجراؤها في مايو من العام الجاري؟

كل المؤشرات تفيد بأن مودي سيفعلها مرة أخرى وسيفوز وسيواصل زعامته للهند التي بدأها في عام 2014. مستفيدا من غياب منافس قوي، وتشتت الأحزاب الهندية الأخرى، ناهيك عن تعويله على الإنجازات التي حققها لبلاده في السنوات الماضية. 

فمنافسه التقليدي على الزعامة ممثلا في "راهول غاندي" زعيم حزب المؤتمر الوطني المعارض تعرض للطرد من البرلمان الاتحادي في مارس من العام الماضي بعد إدانته بتهم التشهير. وعلى الرغم من أن المحكمة الفيدرالية العليا برأته وأعادته إلى مقعده إلا أنه تعرض لمهانة جعلت أتباعه ينظرون إليه على أنه قائد ضعيف. ولئن شكل طرد غاندي من البرلمان تحفيزا للمعارضة المنقسمة على توحيد صفوفها عبر تشكيل جبهة معارضة موحدة، إلا أن هذا التحالف فشل في الصمود، بدليل هزيمته في الانتخابات التشريعية المحلية على مستوى الولايات في نوفمبر الماضي. حيث خسر في ثلاث ولايات شمالية مهمة لأن حزب المؤتمر رفض تقاسم المقاعد مع حلفائه المفترضين، ولم يحقق  سوى نجاح ضئيل تمثل في استعادة ولاية كارناتاكا الجنوبية من غريمه (بهاراتيا جاناتا) وفوزه بحكم ولاية تيلانغانا الصغيرة في جنوب البلاد أيضا.

أما الانجازات التي تشفع لمودي بحصد أصوات الهنود والبقاء في السلطة فكثيرة سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي أو الخارجي. ويكفي دليلا أن حزب بهاراتيا جاناتا فاز بمعظم انتخابات الولايات في عام 2023. وإذا ما دخلنا في التفاصيل نجد أنه نجح في تحقيق صيت فضائي لبلاده بإنزال مركبة هندية على سطح القمر لأول مرة في تاريخ البلاد، وأكد طموح الهند في منافسة الصين إقتصاديا بتحقيق أرقام عالية في معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، ناهيك عن منافستها لمبادرة "الطريق والحزام" الصينية من خلال نجاحها في إقناع الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ودول شرق أوسطية أخرى بإطلاق مشروع طريق تجاري جديد يربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط.

أما على صعيد السياسات والشؤون الخارجية فقد نجح مودي في وضع بلاده في بؤرة الأحداث العالمية من خلال موازنة تحالفاتها مع القوى العالمية والاقليمية المتنافسة. يشهد على ذلك توقيع الهند على اتفاقية تعاون دفاعي تاريخية مع الولايات المتحدة في يونيو المنصرم من جهة، واستضافتها في الشهر التالي لإجتماعات منظمة شنغهاي للتعاون التي تعد تكتلا أسسته وتقوده الصين من جهة أخرى، ودورها السياسي المؤثر في مجموعة بريكس التي تضم أقطارا ليست على ود مع واشنطن مثل روسيا والصين من جهة ثالثة، واستضافتها الناجحة لقمة مجموعة العشرين في سبتمبر 2023 من جهة رابعة. علاوة على احتفاظها بعلاقات تعاون وشراكة وطيدة مع القوى الاقليمية الكبرى مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.

وجملة القول أن الطريق سالك أمام مودي لتكرار ما فعله في الانتخابات العامة سنتي 2014 و2019، ما لم يحدث طاريء يقلب الموازين لغير صالحه. وعلى حين يؤكد المراقبون هذا، تبني أحزاب المعارضة الهندية، وفي مقدمتها حزب المؤتمر الوطني، آمالها في هزيمة بهاراتيا جاناتا وزعيمه مودي على إجراءات نسبت لإدارته وأثارت سخطا ضده من قبل الراي العام الهندي مثل اتهام كندا والولايات المتحدة للهند بملاحقة واغتيال النشطاء السيخ في الشتات من أولئك الساعين إلى إقامة دولة منفصلة عن الهند في ولاية البنجاب باسم "خالستان"، ومثل تعريض القوة الهندية الناعمة للخطر من خلال سياسة حظر صادرات الأرز التي بررتها حكومة مودي بمخاوفها من ارتفاع أسعارها في الداخل، ومثل محاولة إسقاط إسم الهند لصالح الإسم السنسكريتي القديم "بهارات" (رغم اعتراف الدستور بكلا الإسمين)، ناهيك عن مزاعم بتعرض مستخدمي الانترنت والفنانين ورموز المجتمع المدني إلى ضغوط لمنعهم من التعبير عن آرائهم، ولاسيما في ولاية جامو وكشمير التي ألغت الحكومة ما كانت تتمتع به سابقا من إستقلال ذاتي.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: يناير 2024م


الأحد، 21 يناير 2024

تعيين آدم صباغ مبعوثاً خاصاً للمجلس الأميركي لسياسات الشرق اأوسط



‎المجلس الأميركي لسياسة الشرق الأوسط يعين السيد آدم صباغ مبعوثاً خاصاً إلى الشرق الأوسط.


 يسر المجلس الأميركي لسياسات الشرق الأوسط  (واشنطن، الولايات المتحدة الامريكية) أن يعلن عن تعيين السيد آدم صباغ(لبناني الاصل) مبعوثا خاصا إلى الشرق الأوسط. وبفضل خبرته وفهمه العميق للمنطقة، سيلعب السيد صباغ دورًا حيويًا في تعزيز مهمة منظمتنا المتمثلة في تعزيز الحوار وتعزيز السياسات الفعالة في الشرق الأوسط. 

‎بصفته مبعوثًا خاصًا، سيشارك السيد صباغ في الجهود الدبلوماسية والمشاورات والتعاون الاستراتيجي مع أصحاب المصلحة الإقليميين والحكومات والمنظمات الدولية. وسوف يساهم في تفعيل جهود المجلس لتعزيز السلام والاستقرار والتعاون في المنطقة.

‎ويعرب المجلس عن ثقته في قدرة السيد صباغ على إحداث تأثير إيجابي ويتطلع إلى مساهماته القيمة في تعزيز أهداف منظمتنا. ونتقدم بأحر التهاني للسيد صباغ على تعيينه ونتمنى له التوفيق والنجاح في منصبه الجديد .

السبت، 20 يناير 2024

أستراليا: الغضب من عمليات القتل في غزة

 


لكننا فعلنا نفس الشيء أيضًا

مايكل باسكو

ترجمة عباس علي مراد

عنوان النص بالانكليزية

The outrage over Gaza killings but we do it, too

Michael Pascoe, The new Daily, Jan 19, 2024

ليس من المستغرب أن تكون الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوفياء، أستراليا والمملكة المتحدة، صامتين إلى حد ما في احتجاجاتهم على مقتل المدنيين في غزة، حيث ان احتجاجاتهم تقتصر على دعوات ليست أكثر من "هل يمكنكم أن تهدأوا قليلاً وحاولوا ألا تقتلوا العديد من الأطفال، من فضلكم، هل من الممكن ان يكون هناك وقف لإطلاق النار لبعض الوقت".

سبب عدم وجود المفاجأة بما يحصل إلى أننا نفعل ذلك أيضاً: نقتل الأطفال، ونفجر المستشفيات، ونقصف المناطق المدنية، ونقطع المساعدات والإمدادات الطبية.

إن الاحتجاجات القوية الآن، بدلاً من المرافعات الناعمة، من شأنها أن تؤدي إلى اتهامات بالنفاق من جانب الحكومة الإسرائيلية الأصولية.

عاموس يادلين، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، قال نفس الشيء بالفعل: "سوف تتعامل إسرائيل مع هذه الدولة (غزة) بنفس الطريقة التي عاملتم بها اليابان عندما هاجمتكم في بيرل هاربور، وبنفس الطريقة التي عامل بها الحلفاء ألمانيا في الحرب العالمية الثانية".

 دريسدن، طوكيو، هيروشيما، ناغازاكي وغيرها.. فقد تم ذبح مئات الآلاف من النساء والأطفال وإحراقهم وتعريضهم للإشعاع بشكل مروع، لكن ليس علينا  العودة إلى ذلك الحد للحصول على أمثلة، أو إلى القصف الشامل لمساحات واسعة من الهند الصينية.

حرب العراق

لقد فعلنا ذلك في حرب العراق غير الشرعية التي شنها بوش/ بلير/ هوارد، ولا نريد أن نحقق فيها، ولماذا شنت تلك الحرب.

هناك جملة بقيت عالقة في ذاكرتي قالها ضابط مدفعية أمريكي حيث يعترف ببعض القلق بشأن الجهة التي قد تصيبها القذائف التي كان يطلقها على بغداد، في خضم التقارير الصحافية التشجيعية العامة للصحفيين المرافقين لقوات الغزو تلك.

كانت معركة الفلوجة ذات شبه كبير بما يحدث الآن في غزة، هذه المعركة التي أدارها إلى حد كبير لواء أسترالي قائد عمليات القوة المتعددة الجنسيات، الذي انتخب نائباً لاحقاً السيناتور جيم مولان. 

وبعد وفاة السيناتور مولان العام الماضي، أعاد الصحافي جون مينادو نشر مقال "لآلئ ومضايقات" من عام 2018، والذي كان مهتمًا في المقام الأول بالفشل العام لتغطية وسائل الإعلام الأسترالية في الشرق  الأوسط وخاصة دور مؤسسة (نيوز كورب) التي لم تعتذر أبدًا عن أخطائها الفادحة ولوبخجل كما كتب الصحافي مينادو.

"في الوقت الذي كانت وسائل الإعلام الاسترالية الرئيسية نائمة أوتغض الطرف عمداً بتشجيع من العلاقات العامة لقوات الدفاع الأسترالية حول ما كان يحدث في العراق والفلوجة، كانت وسائل الإعلام الخارجية تنشر تقارير على نطاق واسع.

في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2004، ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن "الكهرباء والمياه انقطعت عن المدينة مع بدء موجة جديدة من الضربات والغارات ليلة الخميس، وهو الإجراء الذي اتخذته القوات الأمريكية أيضًا في بداية الهجمات على النجف وسامراء". 

كما مُنع الصليب الأحمر ووكالات الإغاثة الأخرى من الوصول لتقديم أبسط المساعدات الإنسانية  كالماء والغذاء والإمدادات الطبية الطارئة للسكان المدنيين.

في 7 نوفمبر/تشرين الثاني، نشرت صحيفة نيويورك تايمز في صفحتها الأولى تقرير مفصل كيف بدأت الحملة البرية للتحالف من خلال الاستيلاء على المستشفى الوحيد في الفلوجة: "تم نقل المرضى والعاملين في المستشفى من الغرف بواسطة جنود مسلحين وأمروهم بالجلوس أو الاستلقاء على الأرض وتم تقييد أيديهم خلف ظهورهم من قبل العسكريين".

وكشف التقرير أيضًا عن الدافع وراء مهاجمة المستشفى: "لقد أدى الهجوم أيضًا إلى إيقاف ما قال الضباط إنه سلاح دعائي للمسلحين: وهو ان مستشفى الفلوجة العام يقدم سيلاً من التقارير عن سقوط ضحايا من المدنيين". ولم تكتفي القوات المهاجمة بذلك بل قامت بقصف وتدميرالعيادتان الطبيتان في المدينة.

الفوسفور الأبيض

في افتتاحية نوفمبر/تشرين الثاني 2005 استنكرت نيويورك تايمز استخدام الفوسفور الأبيض، ووصفت الصحيفة  تاثير الفوسفور الأبيض وكيف يطلق: "معبأ في قذيفة مدفعية، تنفجر فوق ساحة المعركة في وهج أبيض يمكن أن يضيء مواقع العدو. كما أنها تمطر كرات من المواد الكيميائية المشتعلة، التي تلتصق بأي شيء تلمسه وتحترق حتى ينقطع إمدادها بالأكسجين. ويمكن أن تحترق لساعات داخل جسم الإنسان".

عندما استخدم صدام حسين الفوسفور ضد الأكراد، استنكرت مؤسسة نيوز كورب الأعلامية الهجوم وأعلنت عن غضبها لكنها التزمت الصمت عندما استخدمته الولايات المتحدة في الفلوجة.

في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني 2004، إلى جانب تقارير صحيفة نيويورك تايمز التي تفيد بأن المستشفى الرئيسي في الفلوجة قد تعرض للهجوم، أشارت مجلة ذي نيشن إلى "تقارير تفيد بأن القوات المسلحة الأمريكية قتلت عشرات المرضى في هجوم على مركز صحي في الفلوجة وحرمت المدنيين من الرعاية الطبية والغذاء والماء".

في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2004 ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية ما يلي: "بدون الماء والكهرباء، نشعر بأننا معزولون تماماً عن العالم الخارجي... هناك قتلى من النساء والأطفال جثثهم ملقاة في الشوارع. أصبح الناس هزلاء بسبب الجوع. ويموت الكثيرون متأثرين بجراحهم لأنه لم يعد هناك أي مساعدة طبية في المدينة على الإطلاق.

في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2004، ذكرت صحيفة الغارديان أن "الظروف المروعة لأولئك الذين بقوا في المدينة بدأت في الظهور خلال الـ 24 ساعة الماضية حيث أصبح من الواضح أن ادعاءات الجيش الأمريكي بشأن الاستهداف "الدقيق" لمواقع المتمردين كانت كاذبة ... لقد ظلت المدينة بدون كهرباء أو ماء لعدة أيام".

وفي تقرير آخر تدعمه صور بي بي سي في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2004 وهو أن قوات التحالف منعت توزيع إمدادات المساعدات على المدنيين.

وأشارت صحيفة الإندبندنت إلى فيلم وثائقي إيطالي يزعم أن مدنيين عراقيين، بينهم نساء وأطفال، لقوا حتفهم متأثرين بحروق ناجمة عن الفوسفور الأبيض أثناء الهجوم على الفلوجة.

في الفلوجة تمكن معظم السكان المدنيين، وليس كلهم، من الفرار من المدينة قبل الهجوم. وعلى عكس سكان غزة، حيث لا مكان لديهم يهربون إليه.

في النهاية لا يوجد نصر

كانت النتيجة النهائية أن تحالف بوش/ بلير/ هوارد "تحالف الراغبين" دمر الفلوجة، لكن ذلك لم يحقق نصراً ولم تقضي على المتمردين، حيث كتب أحد مراسلي الغارديان أنها ببساطة نشرت المقاتلين في جميع أنحاء البلاد وزادت من فرصة نشوب حرب أهلية في العراق لأن التحالف استخدم الحرس الوطني الجديد من الشيعة لقمع السنة.

هناك تشابه مذهل بين بعض تكتيكاتنا في الفلوجة وما يحدث في غزة. لا عجب أننا لا نقول أن إسرائيل ترتكب جرائم حرب. من السهل إدانة الهجمات العسكرية والإرهابية التي شنتها حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، لأنها تختلف عن مشاريعنا العسكرية. والأطفال الذين قُتلوا بطريقة أو بأخرى هم أموات واموات فقط، وتستمر دورة الموت.

ليس لدى أستراليا أي تأثير على حكومة نتنياهو أو حماس. لكن من المشكوك فيه مدى تأثيرنا على حكومتنا عندما يتمكن رئيس الوزراء من إرسال أستراليين ليَقتُلوا ويُقتَلوا بناءً على مكالمة هاتفية رئاسية(عادة يبلغ الرئيس الاميركي رئيس الوزراء الاسترالي بمكالمة هاتفية  بطلب ارسال قوات الى مناطق النزاع،المترجم) ومعلومات استخباراتية مزورة وإحاطة شفهية لمجلس الوزراء، ومنذ ذلك الحين ولم يكن لدى أي حكومة أي مصلحة لوضع حد لهذه التصرفات الحمقاء.


لجنة تحقيق ملكية؟

ختم جون مينادو مقالته بالإشارة إلى أن توني أبوت (رئيس وزراء اسبق من حزب الاحرار) أنشأ لجنة تحقيق ملكية لملاحقة كيفن رود(رئيس وزراء سابق من حزب العمال) بشأن الخفافيش الوردية ( حادثة قُتل فيها أربعة رجال أثناء تركيب عوازل حرارية على أسطح المنازل في عهد حكومة راد).

وتساءل مينادو: "ماذا  نحتاج أكثر من ذلك لتشكيل لجنة تحقيق ملكية لفحص غزونا للعراق على أساس معلومات كاذبة؟" 

ويضيف "يجب على تلك اللجنة الملكية أيضاً أن تحقق في أداء وسائل إعلامنا في تغطية الأحداث التي أدت إلى إرسال قواتنا والكوارث اللاحقة التي تلت ذلك في العراق، بما في ذلك الفلوجة".

إن عمل المراسلين الحربيين في فيتنام، ونقل رعب الحرب الفيتنامية وعدم جدواها إلى صالونات البيوت الأمريكية والأسترالية، ساعد في إنهاء تلك الحرب.

لا يبدو أن رؤية رعب السابع من أكتوبر وغزة حتى الآن قد أنهت هذه الحرب، بل أدت فقط إلى مقتل عدد كبير للغاية من الصحفيين.

أخيراً، فنحن لسنا على استعداد للنظر بما فعلناه بأنفسنا ومن المسؤول عنه..

الثلاثاء، 16 يناير 2024

ماذا يطلب العرب وما هو المطلوب منهم؟


 بقلم: د. عبدالله المدني*

الكثير من الدول والجامعات ومراكز البحث والدراسات في العالم تنظم سنويا مؤتمرات ومنتديات لإستشراف المستقبل جيوسياسيا واقتصاديا على المستويين الاقليمي والعالمي ومناقشة الأفكار والمرئيات ذات الصلة بأحداث متوقعة قادمة أو أحداث سابقة لا زالت تداعياتها مستمرة. لذا فإن حكومة دبي سنت سنة حميدة منذ عام 2001 بعقد منتدى سنوي استراتيجي لبحث حالة العالم العربي، موكلة تنظيمه ورئاسته إلى رجل ألمعي مثابر من أبنائها المخلصين هو معالي محمد عبدالله القرقاوي وزير شؤون مجلس الوزراء في الحكومة الاتحادية، الذي لخص في كلمته الإفتتاحية الوضع العربي والعالمي بقوله: ان هناك ثلاثة تحولات استراتيجية في المنطقة العربية والعالم يجب التوقف عندها وتأملها وهي القضية الفلسطينية وما طرأ عليها مؤخرا وما صاحبها من مآس إنسانية جديدة، وبروز دول الخليج العربية كشريك مؤثر وفاعل في القضايا العالمية السياسية والاقتصادية والمناخية والانسانية والنفطية والرياضية، وتصاعد وتيرة الاستقطابات داخل المجتمعات فكريا ودينيا وسياسيا واقتصاديا، بدليل تزايد الانقسام بين الشرق والغرب في القيم والتوجهات والثقافات وانحسار العولمة لصالح الشعبوية والحمائية، ناهيك عما خلقته الفوضى الإعلامية من تجاذبات وانقسامات مجتمعية.

في الدورة العشرين للمنتدى الاستراتيجي العربي الذي انعقد مؤخرا بمدينة دبي وكان لي شرف حضوره إلى جانب نخبة من المسؤولين والخبراء وقادة الفكر العرب والأجانب، كان السؤالان الطاغيان هما: ماذا يريد العالم من العرب؟ وماذا يريد العرب من العالم؟. 

والحقيقة أن هذين السؤالين المرتبطين والمتعاكسين يشكلان في حد ذاتهما معضلة لسبب بسيط هو أن مصطلح "العالم" يشير إلى أكثر من جهة لكل واحدة أجنداتها وسياساتها التي لا تتقاطع مع أجندات وسياسات الجهة الأخرى، بل وقد تتعارض بشدة. وكذا الحال مع مصطلح "العرب". وبعبارة أخرى كان يمكن استخدام المصطلحين لو كان العالم موحدا أو كان العرب كتلة واحدة متحدة في أهدافها وسياساتها الاقليمية والدولية، لكن المشهد السياسي الراهن يقول أن هناك عالم شرقي تقودهما الصين وروسيا الاتحادية وحلفاؤهما في مواجهة عالم غربي تقوده الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وحليفاتهما، وعالم ثالث تقودها مجموعة الدول النامية التي هي الأخرى ليست على قلب رجل واحد. اما العرب فمنقسمون إلى دول ذات سياسات عقلانية هادئة تحاول جاهدة أن تبني أوطانها وتحقق الإزدهار والرخاء لشعوبها وتعمل من أجل الإستقرار والسلام في محيطها الجغرافي وتحفظ سيادتها وأمنها من الأعداء الكثر، تقابلها دول تعيش ــ للأسف ــ فوضى "اللادولة" فصارت ذات سياسات شعبوية وشعارات نضالية، كي لا نقول أنها خاضعة لسطوة ميليشيات مرتبطة بدولة غير عربية تضمر الشر للعرب.

وهكذا، وجب إعادة صياغة السؤالين السابقين على النحو الآتي: ماذا يريد العالم الغربي من الدول العربية المعتدلة؟ وماذا تريد الدول العربية المعتدلة من العالم الغربي؟ هي الصيغة المناسبة للطرح والجواب، باعتبار أن الأول يهيمن اليوم على القرار الدولي وباعتبار أن الثانية تمثل مركز الثقل العربي.

طرح السؤال الأول في جلسة شارك فيها البروفسور الأمريكي "فرنسيس فوكوياما" أستاذ العلوم السياسية المعروف وصاحب نظرية "نهاية التاريخ" والدكتور "باراغ خانا" المؤسس والشريك لمؤسسة "فيوتشر ماب" اللذين تناوبا على الرد، مشيرين إلى مطالب مثل الشراكات والتحالفات التي من شأنها تحقيق السلام والأمن العالمي وتوازن القوى وضمان تدفق النفط بأسعار معقولة، ومؤكدين أن ما يطلبه العالم من العرب يتقاطع مع ما يريده العرب لأنفسهم بحسب تعبير "باراغ خانا".

أما السؤال الثاني فقد خصصت له جلسة حوارية من أهم جلسات المنتدى وآخرها، حضرها شخصيا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رئيس مجلس الوزراء/ نائب رئيس الدولة/ حاكم دبي، وأدارها بنجاح واقتدار الإعلامي المصري عماد الدين أديب، مستضيفا فيها كلا من صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل بن عبدالعزيز رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، ومعالي الدكتور أنور محمد قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات والسفير نبيل إسماعيل فهمي وزير خارجية مصر الأسبق. حفلت هذه الجلسة باستعراض تاريخي لبعض الصراعات والأزمات العالمية والإقليمية التي أثرت سلبا على العرب وأضاعت عليهم فرص السلام والاستقرار اللازمة لتوجيه كل طاقاتهم نحو البناء والتنمية، بل وخلقت أمامهم معوقات قوضت خططهم للتنويع الاقتصادي مبكرا. وفي هذه الجلسة طرح المحاور سؤالا قال أنه لو لم يسأله سيصاب بنوبة قلبية. وكان السؤال عن صحة ما يتردد في الإعلام المضاد من وقت إلى آخر حول وجود خلافات بين المملكة العربية السعودية وشقيقتها دولة الإمارات العربية المتحدة، فتولى الرد سمو الأمير تركي الفيصل ومعالي أنور قرقاش نافيين تلك الإدعاءات ومشددين على أن ما يربط البلدين الجارين الحليفين أقوى من أن يتأثر بأي تباينات إنْ وجدت. بل أن معالي أنور قرقاش استحضر ما قاله سمو رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ذات مرة من أنه لولا وجود دولة جارة مستقرة آمنة مثل السعودية لما تمكنت الإمارات من تحقيق نهضتها ورخائها وازدهارها وانطلاقتها التنموية المشهودة. أما سمو الأمير تركي الفيصل فقد أشار إلى الرحلات الجوية المكثفة بين المملكة والإمارات والتي تصل إلى 39 رحلة يومية مكتملة العدد في أغلب الأحيان كدليل على قوة ما يربط الشعبين، مضيفا: "الإماراتي مواطن سعودي والمواطن السعودي مواطن إماراتي لا فرق بينهم".



د. عبدالله المدني

أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: يناير 2024م




الثلاثاء، 9 يناير 2024

حرب بكين ضد "لوكهيد" .. الأسباب والخلفيات

  


بقلم: د. عبدالله المدني*

شركة "لوكهيد مارتن"، لمن لا يعرفها، شركة امريكية عملاقة تعد اليوم من أكبر الشركات المتخصصة في الصناعات العسكرية على مستوى العالم دخلا وتوظيفا وانتاجا للمقاتلات الحربية المتطورة ومحركات الطائرات ومركبات ومكوكات الفضاء وطائرات الشحن العسكرية العملاقة وأنظمة الدفاع الجوي، حيث بلغت قيمتها السوقية في نهاية عام 2022 نحو 11.58 بليون دولار.

هذه الشركة، التي تعمل مقاولا دفاعيا للولايات المتحدة، من بعد أن كانت متخصصة لسنوات طويلة في صناعة طائرات الركاب المدنية (مثل طائرة لوكهيد 1011 تراستار الفخمة)، باتت هي ــ ونظيرتها الأمريكية الأخرى "نورثروب غرومان" ــ هدفا رئيسيا لحملة مقاطعة صينية بسبب مواصلة واشنطن عملية تزويد تايوان بأسلحة متطورة من إنتاج لوكهيد مارتن، والتي كان آخرها صفقة بقيمة 300 مليون دولار لربط نظام المعلومات التكتيكية لسلاح الجو التايواني مع نظام حلف الناتو من أجل تحسين قدرات تايوان في مجال القيادة والسيطرة وأنظمة التواصل والحاسوب، وتعزيز الإستعداد التشغيلي لمواجهة التهديدات الحالية والمستقبلية من قبل بكين. هذا علما بأن هذه الصفقة بين واشنطن وتايبيه هي الثانية عشرة منذ تولي الرئيس جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة في يناير 2021. 

والجدير بالذكر في هذا السياق أن بكين، التي تعتبر تايوان إقليما متمردا وتطالب بعودتها إلى السيادة الصينية وتندد بسياسات واشنطن الداعمة لها، سبق لها أن اتخذت منذ يوليو 2020 عددا من الإجراءات ضد شركة "لوكهيد مارتن" منها: وضعها على قائمة الكيانات غير الموثوق بها، ومطالبتها بغرامات تبلغ ضعف حجم مبيعاتها العسكرية لتايوان، وحظر دخول مديريها وموظفيها إلى الأراضي الصينية، وغيرها من الإجراءات التي لم تتضرر منها الشركة قيد أنملة لسبب بسيط هو عدم وجود الكثير من الأعمال والاستثمارات المباشرة لها داخل الصين، وهو ما جعل معلقا أمريكيا يصف العقوبات الصينية بأنها "مزحة" وأن لا أحد في الولايات المتحدة يكترث بها.

غير أن بكين تدعي أن العديد من الكيانات التابعة لشركة "لوكهيد مارتن" تعمل داخل الصين في مجالات الطاقة والإلكترونيات وقطع غيار الطائرات. ولعل هذه الجزئية الأخيرة هي التي دفعت بعض المعلقين إلى تساؤل مفاده هو "لماذا لم تلجأ بكين إلى ضرب هذه الكيانات وطردها طالما هي مرتبطة بشركة معادية؟" والجواب ــ بطبيعة الحال ــ  هو أن خروجها من الصين معناه ذهابها للإستثمار في دول أخرى معادية أو منافسة للصين مثل الهند وفيتنام، وبالتالي حرمان الصناعة الصينية من بعض احتياجاتها التقنية.

ولا حاجة لنا للقول أن هذه المعركة المشتعلة بين الحكومة الصينية والشركة الأمريكية مرتبطة بصورة أو بأخرى بتأزم العلاقات الأمريكية ــ الصينية والتي لم تنجح القمة التي عقدها الرئيس الصيني "شي جينبينغ" مع نظيره الأمريكي في سان فرانسيسكو في نوفمبر المنصرم على هامش اجتماعات قمة منتدى التعاون لأسيا والمحيط الهادي (إيبك)، في حلحلتها أو تخفيفها، خصوصا في ما يتعلق بتايوان، بدليل تجديد الرئيس الأمريكي تأكيداته بأن سياسة "صين واحدة" التي تنتهجها إدارته لا تعني الموافقة على أي إجراءات أحادية الجانب من قبل بكين لتغيير الوضع الراهن في مضيق تايوان.

ولهذا السبب، تجاهلت واشنطن ملاحظات ومناشدات بكين بأن مبيعات الأسلحة الأمريكية لتايوان تقوض بشكل خطير سيادة الصين ووحدتها وأمنها القومي وتضر بالسلام والإستقرار عبر مضيق تايوان وترسل رسالة خاطئة إلى القوى الإنفصالية الساعية إلى إعلان استقلال تايوان، وواصلت تزويد الأخيرة بأسلحة دفاعية وبأنظمة دقيقة جديدة كي تمكنها من استبدال أنظمتها القديمة غير القادرة على التفاعل والإندماج كما يجب مع أنظمة الدفاع الجوي الأمريكي وأنظمة حلف الناتو والأنظمة المستخدمة في المعدات والأسلحة التي إشترتها تايبيه من فرنسا مثل طائرات "الميراج 200" وفرقاطات "لافايات".

أما الصين، ولنفس الأسباب، فقد واصلت مناوراتها وطلعاتها الجوية عبر مضيق تايوان بشكل يومي، مع إرسال المناطيد الحاملة لكاميرات استطلاع دقيقة، بعد مضي أقل من شهر على قمة سان فرانسيسكو المشار إليها.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: يناير 2024م



الأحد، 7 يناير 2024

أول تعاون صناعي حربي لليابان مع شركاء أوروبيين


 

بقلم: د. عبدالله المدني*

في بيئة استراتيجية يسودها عدم اليقين، ولمواجهة احتمالات نشوب حرب في جوارها بين الصين وتايوان، وفي ظل التعاون العسكري المضطرد بين بكين وموسكو، وخوفا من حماقات النظام الكوري الشمالي الأهوج، وجدت اليابان نفسها مجبرة على الدخول في تعاون صناعي حربي مع بريطانيا وإيطاليا، للمرة الأولى في تاريخها. والإشارة هنا ــ بطبيعة الحال ــ إلى ما أعلنته الدول الثلاث مؤخرا عن عزمها على تطوير مقاتلة أسرع من الصوت من الجيل السادس بحلول عام 2035، وذلك في إطار "برنامج القتال الجوي العالمي" المعروف إختصار بـ  . GCAP

ولئن دخلت اليابان هذا المشروع وهي تستهدف إنتاج مقاتلة تتميز بقدرات قتالية خارقة ومزودة بأسلحة وأنظمة موجهة قادرة على إسقاط أنظمة العدو وتحجيمه، ومتفوقة على المقاتلات الأمريكية من نوع F 35 التي تعد اليوم الأكثر تطورا في العالم، بل ومتفوقة أيضا على مشروعها الخاص المتمثل في انتاج مقاتلات Mitsubishi FX الذي اعترته مصاعب جراء تردد واشنطن في تزويدها ببعض التكنولوجيات الحساسة، وذلك من باب حماية نفسها والدفاع عن مصالحها الجيوستراتيجية ومصالح النظام الدولي الحر والمفتوح، فإن بريطانيا، إنضمت إلى المشروع مدفوعة بأكثر من سبب: فمن ناحية تشعر بعزلة منذ خروجها من الإتحاد الأوروبي بدليل استبعادها من مشاريع مماثلة تضم فرنسا وألمانيا وأسبانيا. ومن ناحية أخرى تحتاج إلى شركاء دوليين لمساعدتها في تخفيض تكاليف الإنتاج الحربي وتأمين طلبات التصدير، كونها تعاني من مشاكل مالية وتصديرية. ومن ناحية ثالثة تسعى إلى إحلال بدليل أكثر تطورا لمقاتلتها المعروفة باسم "تيمبست" والتي كشفت عنها للمرة الأولى في معرض فرنبورو الدولي للطيران في يوليو 2018، خصوصا في ظل تقادم أسطولها المقاتل من طائرات "يوروفايتر تايفون Eurofighter Typhoon".  ومن ناحية رابعة تحاول من خلال انخراطها في المشروع إعادة تأكيد صورتها كقوة عسكرية مستقلة ذات استراتيجيات دفاعية وطنية أقل ارتباطا بالإستراتيجيات الأمريكية.

أما إيطاليا فإنها تبحث عن موقع في عالم التصنيع الحربي يعيد أمجادها الغابرة ويضعها مجددا على قدم المساواة مع شركائها الأوروبيين في قائمة مصدري السلاح العالميين، فوجدت في هذا التعاون الثلاثي خير مدخل لذلك ولطموحات أخرى مثل استبدال أسطولها المقاتل القديم من طائرات "يورو فايتر" خصوصا في ظل ما كشفت عنه الحرب الأوكرانية من ضرورة امتلاك مقاتلات حديثة قادرة على تحقيق تأثيرات متعددة في بيئة يشتد فيها التنافس بين القوى العظمى.

وطبقا لما أفصحت عنه الدول الثلاث في بيانات منفصلة، فإن تعاونها يهدف إلى الدمج والإستفادة من كافة الأبحاث العلمية والتقنية التي بدأتها في وقت سابق في مجال القتال الجوي المتقدم، بما في ذلك الأبحاث الخاصة بالطائرات والمسيرات بلا طيار وتقنيات الذكاء الصناعي، والبدء في المشروع في عام 2025 وصولا إلى إطلاق المقاتلة المطلوبة إلى السماء وإدخالها الخدمة الفعلية بحلول عام 2035، علما بأنه تم الاتفاق بين الشركاء الثلاثة أن يتولى عملية التصنيع كل من: شركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة اليابانية، و"BAE Systems"  البريطانية، و"ليوناردو" الإيطالية.، وأن يكون المقر الرئيسي للمشروع في بريطانيا، مع تعيين مواطن ياباني رئيسا تنفيذيا للمشروع وتعيين مواطن إيطالي مديرا للمشروع.

لكن هل الطريق ممهد أمام الدول الثلاث للمضي قدما في هذا المشروع الطموح؟ الحقيقة أن المصاعب التي قد تبرز تتمثل اساسا في مسألتي التمويل والمنافسة. فلجهة التمويل تبدو الالتزامات المالية التي تعهدت بها الدول الثلاث أقل بكثير من المبلغ المطلوب لإنتاج مقاتلة متفوقة موثوق بها من الجيل السادس، الأمر الذي دعا أحد خبراء السلاح اليابانيين إلى اقتراح توسيع إطار الشراكة بدعوة دول ذات قدرات مالية ضخمة من الخليج العربي للمشاركة في المشروع. أما لجهة المنافسة، فإن المقاتلة المقترحة يتوقع أن تواجه منافسة شديدة  في أسواق التصدير العالمية من قبل مقاتلات أمريكية يجرى الآن تطويرها من قبل شركة لوكهيد صاحب الخبرة الطويلة في انتاج الطائرات المقاتلة باستثمارات حكومية ضخمة على أن تطرح للبيع بحلول عام 2030، ناهيك عن تنافس متوقع من نظام FCAS القتالي الجوي المستقبلي لفرنسا وأسبانيا وألمانيا، وبرنامج KF – 21 القتالي الجوي لكوريا الجنوبية.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: ديسمبر 2023م