الأحد، 30 يونيو 2024

أستراليا: اين حزب العمال من فلسطين؟

 كتب عباس علي مراد 


قضية النائبة العمالية فاطمة بايمن والتي صوتت الى جانب حزب الخضر على مشروع قرار من أجل أقامة الدولة الفلسطينية ما زالت تتفاعل داخل حزب العمال وعلى المستوى الوطني.

حزب العمال يحاول ان يمشك العصا من الوسط في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وحرب الابادة على غزة والضفة الغربية علمأ ان موقف حكومة حزب العمال كان يجاري مواقف القوى الغربية التي دعمت أسرائيل وقالت بحقها الدفاع عن نفسها بعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين اول (اكتوبر).

موقف حكومة العمال بدا يتبدل قليلاً عندما صوتت أستراليا في الامم المتحدة في أيار الماضي الى جانب 143 دولة من أجل منح فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة لتصبح الدولة 194 وقد صوت ضد القرار 9 أعضاء وامتنع 25 عن التصويت، لكن التصويت أدى إلى انقسام داخل حزب العمال، حيث أعرب نواب وأعضاء حاليون وسابقون عن غضبهم من القرار، بينما رحبت به قوى حزبية أخرى.

رغم هذا الموقف والبيان المشترك الذي وجهه رئيس الوزراء الأسترالي انتوني البانيزي ورئيس وزراء كندا ورئيس وزراء نيوزليندا في كانون اول (ديسمبر) وعبروا عن دعمهم للجهود الدولية العاجلة لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار في غزة الا ان حزب العمال لم يتخذ قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية والذي تبناه سابقا مؤتمرعام سابق للحزب، لكن رئيس الوزراء انتوني البانيزي وفي مؤتمر الحزب التاسع والاربعين الذي عقد في مدينة برزبن في اواخر آب (اوغسطس) الماضي ركز جهوده على تمرير صفقة أوكس وعقد صفقة مع مؤيدي الاعتراف بدولة فلسطين على أن يعمل مستقبلا ً لإقرار الاعتراف بفلسطين.

السينتورة فاطمة بايمن قالت انها خالفت قواعد الحزب الصارمة بالتصويت الى جانب الخضربما يمليه عليه ضميرها قالت: لبرنامج (انسايدرز) على تلفزيون أي بي سي 30/6/2024 انها على أستعداد للتصويت مرة اخرى في نفس الاتجاه إذا ما طرح المشروع مجدداً امام البرلمان مضيفة ان المسالة لا تتحمل التـأجيل بسبب معاناة الشعب الفلسطيني والذي خسر عشرات آلاف الضحايا.

وانتقدت النائبة بايمن  وزيرة الخارجية بيني وونغ ضمنيًا وقالت إنها كانت تستمع إلى رغبات الحركة العمالية الأوسع بشأن فلسطين وكان لا بد من تقديم شيء ما.

تصريح بايمن دفع رئيس الوزراء بالاتفاق مع وزيرة الخارجية بيني وونغ ووزير الدفاع ريتشرد مالر الى اتخاذ قرار بوقف مشاركة بايمن في اجتماعات الحزب الى أجل غير مسمى لانها خرقت التضامن الحزبي بعد ان كان الحزب اتخذ قراراً اوليا بوقف مشاركتها لمرة واحدة في اجتماع الكتلة البرلمانية ومجلس الحزب(الكوكس).

ووصف رئيس الوزراء تصرف بايمن بأنه بلا مبرر" وأنها، من خلال تصرفها من جانب واحد، وضعت نفسها فوق المصلحة الحزبية وأعضاء كتلة الحزب البرلمانية الآخرين البالغ عددهم 103 أعضاء.

وراى الكاتب في الهيرلد جيمس ماسولا انه "إذا لم يتحرك رئيس الوزراء، فإن ذلك لن يؤدي إلا إلى المزيد من الانقسام، وربما إلى تجرأ أعضاء البرلمان الآخرين الذين يقررون المجازفة والتحدث بشأن أي قضية سياسية". 

نشير الى انه بموجب القوانين الحزبية الصارمة المعمول بها من 130 سنة  فان من يصوت ضد الحزب يطرد من الحزب بصورة آلية، خطوة بايمن الاخيرة هي الاولى من نوعها منذ عام 2005. وفي وقت سابق كانت بايمن قد تلقت تحذيراً من رئيس الوزراء عندما هتفت في البرلمان بشعار "من البحر الى النهر فلسطين حرة" والتي يعتبرها رئيس الوزراء غير مناسبة وهناك ضغوط من اللوبي المؤيد لاسرائيل لمنع استعمال هذا الشعار على اعتبار انه معادي للسامية.  

والان، السؤال الذي يطرح نفسه  بعد قرار حزب العمال بوقف نشاط النائبة بايمن هل ستنتهي مشاكل حزب العمال؟!

 سيواجه الحزب عدة ردات فعل ومشاكل حزبية وعلى المستوى الشعبي حيث يخشى الحزب على التماسك الاجتماعي في البلاد بسبب الحرب الأسرائلية على غزة والضفة وهذا ما يردده دائماً رئيس الحكومة ووزرائها.

 حزبياً العمال بحاجة الى صوت النائبة بايمن في مجلس الشيوخ لتمرير مشاريع القوانين لانهم لا يملكون الاكثرية في المجلس مما سيضطرهم لعقد صفقات مع الاحزاب الصغيرة والنواب المستقلين لتمرير مشاريع القوانين الحكومية والتي ستكون لها كلفة سياسية ومالية.

أما على المستوى الشعبي فإن قرار حزب العمال قد يكون له تداعيات مهمة، حيث سيفسر هذا الموقف بانه انحياز الى جانب الموقف الاسرائيلي على حساب الفلسطينين، مما سيؤثر على طريقة تصويت الجالية الاسلامية الاسترالية في الانتخابات الفيدرالية القادمة ( سيكون آخر موعد لإجرائها أيار عام 2025 ) حيث توجد عدة مقاعد في كل من ملبورن وسدني (6 مقاعد) يلعب الصوت المسلم فيها دوراً مهماً للفوز بها، مع العلم ان الحكومة تحكم باكثرية صوتين فقط في مجلس النواب من أصل 151 مقعداً والتي سوف تخفض الى 150 مقعدا بعد التقسيمات الجديدة للمناطق الانتخابية التي قامت بها مفوضية الانتخابات الاسترالية.

أخيرا، من هنا وحتى موعد الانتخابات، هل سيقدم حزب العمال ويعمل الى اتخاذ إجراءات للحد من التداعيات السياسية والاجتماعية التي يتخوف منها، ويرسم خطة وطنية تستوعب التنوع الحزبي والمجتمعي، بعيداً عن شعارات التعددية الثقافية التي افرغت من مضمونها، ويقرن القول بالفعل في ما خص الاعتراف بالدولة الفلسطينية والعمل على وقف اطلاق نار شامل في غزة وليس كما يردد وقف اطلاق نار انساني؟

الثلاثاء، 18 يونيو 2024

بروباوو المثير للجدل رئيسا مقبلا لإندونيسيا


 

بقلم: د. عبدالله المدني*

أعلنت اللجنة الانتخابية في أندونيسيا الشهر الماضي بصورة رسمية ونهائية أن "براباوو سوبيانتو" سوف يكون الرئيس المقبل للبلاد خلفا للرئيس المنهية ولايته ذي الشعبية الواسعة "جوكو ويدودو" الذي حكم البلاد لفترتين ولا يحق له الاستمرار لفترة ثالثة، وأن السيد جبران راكابومينغ راكا (نجل ويدودو) سوف يكون نائبا لرئيس الجمهورية، هذا علما بأن هذه النتيجة تأخرت شهرين بسبب قيام المرشحين الخاسرين في الانتخابات (حاكم جاكرتا السابق أنس باسويدان وحاكم جاوة الوسطى غانجار برانوو) بالطعن في فوز براباوو ونائبه أمام المحكمة الدستورية بحجة وجود عمليات احتيال وتزوير.

وبهذه النتيجة سيكون براباوو، الذي يشغل حاليا منصب وزير الدفاع في حكومة ويدودو، ثاني عسكري يقود إندونيسيا منذ الإطاحة بالديكتاتور سوهارتو عام 1998، من بعد الرئيس الأسبق " سوسيلو بامبانغ يودويونو"، محققا بذلك حلما لطالما سعى إليه بدليل أنه حاول بالقوة خلافة سوهارتو (والد زوجته)، ناهيك عن أنه ترشح مرتين للرئاسة في عامي 2014 و2019 وخسرهما أمام ويدودو. والجدير بالذكر أنه قام بعد خسارته في انتخابات 2019 الرئاسية بحشد عناصر متطرفة من أنصاره الإسلامويين للقيام بأعمال شغب وتخريب انتهت بعد أن منحه ويدودو حقيبة الدفاع في حكومته سعيا من الأخير للحفاظ على الوحدة الوطنية والأمن والسلام. غير أنه في انتخابات هذا العام، ظهر في صورة مرشح معتدل وبعيد عن تيار الإسلام السياسي، الأمر الذي تمكن معه من تحقيق نصر كاسح بحصوله على أصوات أكثر من 96 مليون إندونيسي (58.6% من إجمالي المقترعين).

على أنه في مقابل هذا الفوز الساحق فشل حزب "غريندرا" الذي أسسه ويتزعمه من تأمين عدد كاف من المقاعد البرلمانية كي يصبح قوة فاعلة وداعمة للرئيس في التصويت على مقترحاته وقراراته. حيث لم يفز إلا بنسبة 14.8% فقط من مقاعد مجلس النواب (86 مقعدا)، بينما فاز بالمركز الأول (110 مقاعد) حزب النضال الديمقراطي بزعامة الرئيس الأسبق "ميغاواتي سوكارنوبوتري"، يليه حزب جولكار (حزب أنصار الديكتاتور سوهارتو) بمائة ومقعدين. ومعنى هذا أنه حتى لو تمكن جدلا من التحالف مع بعض الأحزاب الصغيرة الممثلة في البرلمان فلن يستطيع سوى تأمين 48% من الأصوات، وهذا غير كاف لتمرير أجندات الحكومة المقبلة، وإنْ كان براباوو نفسه ليس بحاجة إلى أغلبية برلمانية للبقاء في منصبه.

ويبقى السؤال الأكبر الذي يتردد في جاكرتا الآن، وهو "هل يستيطع براباوو قيادة أندونيسيا في ظل ما يدور حول شخصه وماضيه من جدل؟". وهناك سؤال آخر يتردد أيضا وهو "هل بمقدور الرئيس الجديد المحافظة على الوحدة الوطنية ومواصلة الخطط التي رسمها ويدودو إبان ولايتيه للنهوض بالبلاد؟".

ومبعث السؤال الأول هو أن لبرباوو، جنرال الجيش المتقاعد، سجل أسود وتاريخ طويل من انتهاكات حقوق الانسان والخطف والتعذيب والقمع حينما كان قائدا للقوات الخاصة (كوباسوس) ثم قائدا لقوات الاحتياطي الاستراتيجي (كوستراد) زمن حكم سوهارتو، وهو ما دفع واشنطن وقتها لإصدار قرار بمنع دخوله الأراضي الأمريكية.

أما السؤال الثاني فمبعثه الخشية من أن يؤدي طموحه في تعزيز موقعه للبقاء طويلا في السلطة إلى التحالف مجددا مع تيار الإسلام السياسي المتطرف، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى انقسام البلاد وتهديد الوحدة الوطنية. أما لجهة السياسات العامة التي سوف ينتهجها، فإن المعتقد، طبقا لتصريحاته، هو مواصلة أجندة سلفه دون القيام بمبادرات جديدة او إصلاحات هيكلية، بمعنى التمسك بسياسات ويدودو حول تحديث وتوسيع البنية التحتحية بما ذلك مواصلة بناء العاصمة الجديدة (نوسنتارا)، وتنفيذ خطط اقتصادية قومية تشمل فرض قيود على تصدير المعادن لتشجيع التصنيع المحلي، وتقييد استيراد الأرز والسلع الزراعية لدعم الناتج المحلي.

فإذا ما علمنا أن مختلف الأحزاب السياسية الممثلة برلمانيا لا تختلف على هذه البرامج والخطط، فإن لا خشية من مواجهات تشريعية بين نواب حزب الرئيس ونواب الأحزاب الأخرى تفرض الإحتكام إلى رأي الأغلبية التي يفتقدها براباوو في البرلمان. لكن المشاكل والمواجهات قد تحدث في حالتين هما: 1ــ مناقشة القضايا الدينية الحساسة مثل موقع الدين في الدولة ووضع المرأة في الحياة العامة وحقوق المواطنين غير المسلمين. 2 ــ مناقشة ميزانيات الدفاع والتسليح والسياسات الدفاعية (خصوصا وأن مشرعين ومتنفذين وسماسرة وقفوا سابقا ضد خططه كوزير للدفاع لشراء مقاتلات قديمة من قطر العام الماضي). في هاتين الحالتين فقط سوف يحتاج براباوو للتودد إلى الأحزاب المعارضة ونوابها البرلمانيين لشراء دعمهم. وغالبا ما يتم هذا في أندونيسيا بتقديم إغراءات تتمثل في منح الحقائب الوزارية.



د.عبدالله المدني*

أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: يونيو 2024م



الاثنين، 10 يونيو 2024

أضواء على نتائج انتخابات 2024 البرلمانية في الهند


 

بقلم: د. عبدالله المدني*

تعد الانتخابات العامة في الهند هي الأضخم في العالم والأكثر تعقيدا بسبب مساحة البلاد الشاسعة وعدد من يحق لهم المشاركة، وبالتالي ضخامة عدد الدوائر الانتخابية والتعقيدات اللوجستية المرتبطة بها. ولهذا فإنها تجرى على مراحل تستغرق أسابيع عدة. فمثلا في انتخايات هذا العام أجريت على 7 مراحل واستغرقت 6 أسابيع، وشارك فيها نحو 650 مليون ناخب، من أصل مليار، يحق لهم التصويت، وذلك من أجل إختيار أعضاء البرلمان (لوك سابها) المكون من 543 مقعدا.

وكما جرت العادة خلال الانتخابات الثلاثة الماضية، شهدت البلاد احتدام المنافسة بين حزب بهاراتيا جاناتا القومي وحلفائه المنضوين تحت راية "التحالف الديمقراطي الوطني" الحاكم وبين "تحالف الموتمر الهندي" المعارض، وسط طقس حار تجاوزت حرارته 45 درجة مئوية، ما أدى إلى تراجع نسب المشاركة بشكل جزئي (بلغت نسبة المشاركة في انتخابات هذا العام 66.3% مقابل 67.4 في الانتخابات الماضية). 

حاول التحالف الحاكم تكرار انتصاراته المدوية خلال انتخابات 2014 و2019، من خلال حملات انتخاباية منظمة وحماسية استندت بالأساس على الترويج للإنجازات التنموية والاقتصادية التي حققها على مدى السنوات العشر الماضية بقيادة رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي، الذي حلم بأن يحقق حزبه (بهاراتيا جاناتا) لوحده أغلبية ساحقة تتيح له الانفراد بالحكم دون دعم من حلفائه. لكن النتائج، لئن جاءت في صالحه، فإنها لم تصل إلى مستوى ما حققه في انتخابات عام 2019، إذ حصل تحالفه الحاكم على 293 مقعدا مقابل 230 لتحالف المعارضة، كما أن بهارتيا جاناتا لم يحصل بمفرده إلا على 240 مقعدا مقارنة  مع 303 مقاعد فاز بها قبل خمس سنوات، بينما تمكن حزب المؤتمر لوحده دون شركائه من رفع عدد مقاعده البرلمانية من 52 مقعدا في الانتخابات الماضية إلى 99 مقعدا.

ولهذا قيل ان التحالف القومي الحاكم مني بخسارة معنوية، وإنْ نجح في تجاوز عتبة 272 مقعدا المطلوبة لتشكيل الحكومة المركزية المقبلة والبقاء في السلطة خلال السنوات الخمس المقبلة. ولم تمنع هذه الخسارة المعنوية مودي من التغريد قائلا: "لقد وضع الناس ثقتهم مجددا في التحالف الوطني الديمقراطي للمرة الثالثة على التوالي، وهذا انجاز كبير في تاريخ الهند"، مؤكدا على أنه سيواصل العمل لتحقيق تطلعات الشعب.

من جانبها احتفلت المعارضة بزيادة عدد مقاعدها، وإن اشتكى حزب البلاد التاريخي ممثلا في "حزب المؤتمر الهندي" وانصاره كعادتهم من استخدام بهاراتيا جاناتا للمؤسسات الحكومية في عملية استهدافهم عبر رفع القضايا الجنائية ضد رموزهم أو من خلال التضييق على حملاتهم الانتخابية بتجميد حساباتهم المصرفية لأسباب ضريبية ما حال دون تمكنهم من الانفاق على حملاتهم، مشيرين تحديدا إلى قصة رئيس حكومة العاصمة نيودلهي "أرفيند كيجريوال" الذي يقود تحالفا تم تشكيله لمنافسة مودي. هذا على الرغم من أن حكومة مودي أفرجت عن كيجريوال من معتقله الذي كان يقضي فيه حكما بالفساد كي يقود حملته الانتخابية شرط أن يعود إلى سجنه فور انتهاء التصويت. وقد بدا زعيم المعارضة راهول غندي (حفيد رئيس الوزراء الإستقلالي الأول جواهر لال نهرو) سعيدا بالخسارة المعنوية للتحالف الحكم، بل أكثر سعادة لأن غريمه اللدود مودي لم يحصل في دائرته الانتخابية (مدينة فاراناسي الشمالية المقدسة لدى الهندوس) إلا على 152300 صوت مقارنة بنحو نصف مليون صوت قبل خمس سنوات. إذ عده انتصارا للشعب بقوله "إن الناخبين عاقبوا بهاراتيا جاناتا .. كنت على ثقة بأن شعب هذا البلد سيعطي الرد الصحيح".

لكن ما الذي جعل رئيس الحكومة ناريندرا مودي صاحب شعبية جارفة في بلاده وقادرا على الاحتفاظ بالسلط للمرة الثالثة بعد عشر سنوات من وجوده في السلطة؟ طبقا للمراقبين واستطلاعات الرأي، فإن مودي لئن كانت شخصية جدلية في داخل الهند وخارجها، فإنه زعيم قوي ومؤثر ومتحرك في جميع الاتجاهات وقريب من الجماهير فتمكن من الحصول على تأييد الملايين من فقراء البلاد بسبب المزايا الاجتماعية التي وفرها لهم ولم توفره الحكومات السابقة، ثم بسبب سياساته الاقتصادية والتنموية التي ارتقت بأحوال شعبه بصفة عامة، وحققت معدلات نمو بلغت 7%، ناهيك عن سياساته الخارجية التي أمنت للبلاد موقعا متينا على الساحتين الاقليمية والدولية. مقابل هذا يرى معارضوه أن حكومته أضعفت المؤسسات الفيدرالية وقمعت المعارضة وقيدت حرية الصحافة وضيقت على الأقليات ولاسيما الأقلية المسلمة التي يتجاوز عددها 200 مليون نسمة.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: يونيو 2024م

الأربعاء، 5 يونيو 2024

الإمارات وكوريا .. من شراكة عامة إلى شراكة استراتيجية خاصة


 

بقلم: د. عبدالله المدني*


لا يمكن لاي قائد طموح يسعى لنهضة ورخاء وتقدم شعبه تجاوز تجارب الأمم الاسيوية الناهضة بصفة عامة وتجارب اليابان وكوريا الجنوبية والصين بصفة خاصة. فإذا كانت التجربة اليابانية في النهوض كالمارد من تحت رماد هزيمتها المرة في الحرب العالمية الثانية قد عرفت على نطاق واسع وكتب فيها الكثير بعد أن تفوقت اليابان على نفسها صناعيا وتجاريا وعلميا وتكنولوجيا، وبنية تحتية، فإن تجربة كوريا الجنوبية لا تقل عنها أهمية. فحتى ستينات القرن العشرين لم تكن هذه البلاد شيئا يذكر بسبب اعتماد اقتصادها على الزراعة وانطوائها على نفسها، لكنها سرعان ما خلقت لنفسها تجربتها التنموية الرائدة فتحولت خلال السنوات الاربعين الماضية إلى رابع أكبر اقتصاد آسيوي من بعد اليابان والصين والهند بقيمة 1.6 تريليون دولار امريكي، بل نجحت في التحول إلى مركز اقليمي للمال والنقل والتكنولوجيا وصناعة المعرفة وانتاج الاجيال الجديدة من الوسائط الالكترونية واجهزة الاتصالات والمركبات الكهربائية، من بعد أن نجحت في أواخر القرن المضي في البروز كدولة رائدة في بناء السفن وكثاني اكبر مصنع في العالم للأدوات الكهربائية المنزلية وخامس أكبر منتج عالمي للسيارات والبتروكيماويات وسادس اكبر منتج للصلب.

وبما أن دولة الإمارات العربية المتحدة إحدى النماذج العربية الوضاءة في التنمية والخلق والابتكار والاستفادة من تجارب الأمم المتقدمة في رفد خططها ومشاريعها بكل ما يحقق رفعتها ومكانتها في موازين القوى العالمية والاقليمية، فقد جاءت زيارة الدولة هذا الشهر لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لكل من كوريا الجنوبية وجمهورية الصين الشعبية ضمن هذا الأطار، ولتجسد على أرض الواقع سياسة دولة الإمارات القائمة على مد جسور التواصل والشراكة في كل اتجاه وعدم تقييدها في اتجاه شركاء المنطقة التاريخيين في اوروبا والولايات المتحدة.

ولو قصرنا هنا حديثنا على زيارة سموه الناجحة إلى كوريا الجنوبية لوجدنا انها لم تأت لبناء شراكة من العدم وانما جاءت لتعزيز وترسيخ ما هو قائم من  شراكات بينية منذ سنوات وتطعيمها بالمزيد من الدعائم وادوات القوة  ومجالات التنوع والتوسع، خصوصا


دعونا نقرب الصورة بلغة الحقائق والأرقام:

كانت كوريا الجنوبية من أوائل الدول الأجنبية التي اعترفت بدولة الإمارات العربية المتحدة بعيد قيامها سنة 1971. وفي عام 1980 دشن البلدان علاقاتهما الدبلوماسية البينية على مستوى السفراء. حدث ذلك في وقت كان التواجد الكوري في المنطقة قد بدأ من خلال قيام الإمارات وبعض الدول الشقيقة المجاورة بإرساء عقود انشائية ضخمة بقيمة اجمالية بلغت نحو 56 مليار دولار على الشركات الهندسية الكورية العملاقة، مثل هيونداي وسامسونغ ودايوو، لبناء الطرق والمطارات والموانيء واحواض السفن والمجمعات الصناعية والسكنية. نجحت هذه الشركات في تنفيذ المهام المطلوبة منها على أكمل وجه، وغادرت المنطقة تاركة وراءها سمعة طيبة في الأداء المتقن والجدية والانضباط وسرعة الانجاز.

في عام 2009، وبينما كانت العلاقات الإماراتية ــ الكورية تشهد تطورا ملحوظا في العديد من المجالات، قررت قيادة البلدين الصديقين رفعها إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية لتتحول في العام 2018 إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية الخاصة شاملة مختلف أوجه التعاون السياسي والإقتصادي والعسكري والأمني والثقافي والتعليمي والصحي والسياحي والتكنولوجي، ولتصبح الإمارات أول بلد في الشرق الأوسط ترتبط بشراكة استراتيجية خاصة مع كوريا.

توطدت تلك الشراكة، وأضحت نموذجا للعلاقات بين بلدين ينشدان التعاون من أجل السلام والرخاء والإزدهار، لاسيما بعد الزيارات التي قام بها  صاحب السمو الشيخ محـمد بن زايد آل نهيان لكوريا الجنوبية  في يونيو 2006م، ومايو 2010م، ومارس 2012م، وفبراير 2014م، وفبراير 2019م، ناهيك عن زيارات قادة كوريا الجنوبية إلى الإمارت مثل زيارة الرئيس الأسبق «روه مو هيون» في مايو 2006م، وزيارات الرئيس الأسبق «لي ميونغ باك» في ديسمبر 2009م ومارس 2011م وفبراير 2012م ونوفمبر 2012م، وزيارات الرئيسة الكورية السابقة «بارك كون هيه» في مايو 2014م ومارس 2015م، وزيارة الرئيس الحالي «مون جيه إن» في مارس 2018م.

تفيد احصائيات 2023 بأن الإمارات هي الشريك التجاري الثاني على المستوى الخليجي والعربي والرابع عشر على المستوى العالمي لكوريا، بحجم يصل إلى 5.3 مليار دولار، بينما تأت كوريا في المرتبة العاشرة لتجارة الإمارات غير النفطية مع بلدان آسيا غير العربية، والشريك الثلاثين لتجارة الإمارات مع العالم، ويتمتع البلدان بعلاقات استثمارية وطيدة نجد تجلياتها في قرار الإمارات في العام الماضي بضخ استثمارات تقدر ب30 مليار دولار في كوريا الجنوبية خلال السنوات القادمة، في حين بلغت قيمة الاستثمارات الكورية المباشرة في الإمارات حتى مطلع 2021 نحو 2.2 مليار دولار، معظمها في قطاعات المال والتأمين والتعدين وتجارة التجزئة والعقارات والنقل والطاقة والتكنولوجيا. وبهذا تحتل كوريا الجنوبية المرتبة الخامسة في قائمة دول آسيا غير العربية المستثمرة في الإمارات (بنسبة 7%) والمرتبة 17 في قائمة الدول الأجنبية المستثمرة مباشرة في الإمارات. أما أهم الاستثمارات المشتركة بين البلدين فتتمثل في مشاريع محطة براكة للطاقة النووية السلمية في أبوظبي بكلفة 20 مليار دولار، والتي تندرج ضمن برامج التعاون في مجال العلوم والتكنولوجيا النووية والطاقة الآمنة النظيفة. 



د. عبدالله المدني*

أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: يونيو 2024م



الأحد، 2 يونيو 2024

السريلانكيون يتحسرون على ثورة تبخرت آمالها

 

بقلم" د. عبدالله المدني*

تكررت المظاهرات والاحتجاجات والثورات الشعبية في أكثر من مكان في العالم الثالث في السنوات الأخيرة على خلفية فشل بعض الأنظمة السياسية والأحزاب السياسية الحاكمة في تلبية المطالب المعيشية والحقوقية لمواطنيها وجماهيرها، بل فشلها في إدارة البلاد ومواردها بطريقة سليمة وتأمين الماء والدواء والعلاج والتعليم والسكن اللائق وغيره. ولعل آخر الأمثلة في القارة الآسيوية ما حدث في مارس 2022 في سريلانكا التي شهدت ثورة شعبية فاجأت العالم بأسره ضد نظام رئيسها آنذاك "غوتابايا راجاباكسا"، الذي طبقت حكومته سياسيات مالية وضريبية وزراعية أفقرت البلاد والعباد.

وقتها هاجمت الجماهير الغاضبة من تردي أحوالها المعيشية وتزكم أنوفها بروائح الفساد واستغلال السلطة والمحسوبية القصر الرئاسي واقتحمته دون أن تنجح قوات الأمن في صدها، ثم راحت تحتفل في الشوارع بانتصارها، خصوصا بعدما تأكدت من هروب رئيس البلاد وحاشيته.

بعد ذلك بأيام أعلن أن الرئيس راجاباسكا قد استقال، فاستبشر السريلاتكيون بمختلف فئاتهم وأعراقهم وتوجهاتهم خيرا، واعتقدوا أنهم باتوا على مشارف تغيير سياسي نوعي وعهد ديمقراطي جديد ومكاسب شعبية طال انتظارها. غير أن المشهد الحالي بعد سنتين من ذلك الحدث المزلزل غير المسبوق يوحي بأن لا شيء قد تغير سوى رموز السلطة ووزراء الحكومة.

كان أحد أسباب تبخر أحلام الجماهير السريلانكية هو حقيقة قيامها بثورة عفوية دون تخطيط ومن غير قيادة واعية ومستعدة لملء الفراغ. وبعبارة أخرى افتقر المحتجون المنتمون لمشارب مختلفة ومتضادة إلى أجندة واضحة وقيادة موحدة، وكان هدفهم آنيا بحتا تمثل في الإطاحة بالرئيس ونظامه ومحاسبته فقط. ولهذا قفز سياسي من العهود السابقة هو رئيس الوزراء السابق "رانيل ويكرمسينغا" إلى الواجهة ليملأ الفراغ ويقبض على زمام السلطة، ثم ليستخدم سلطاته في فرض إجراءات أمنية صارمة وحالات طواريء باسم المحافظة على أمن واستقرار البلاد، مع وعود بإصلاح الأحوال وتأسيس نظام ديمقراطي جديد.

والحقيقة أن الفشل الذي حدث بعد أحداث مارس 2022 في هذه البلاد التي كانت مؤهلة لأن تصبح دولة واعدة في جنوب آسيا، هو تكرار لسلسلة طويلة من الفشل والإحباط والانكسار والتمزق والحروب والصراعات العرقية وخروقات حقوق الإنسان بدأت منذ تنافس المستعمرين البرتغاليين والهولنديين عليها. وهي لئن توحدت واستقرت في عام 1815 تحت سيطرة البريطانيين الذين نجحوا في إعادة هيكلة اقتصادها من خلال تنمية أراضيها الزراعية الخصبة وإنشاء مزارع ضخمة لزراعة الشاي والقهوة يعمل فيها فلاحون مستوطنون من تاميل الهند، إلا أن مقدراتها ومواردها وصناعاتها الوطنية بعد نيل استقلالها في عام 1948 ظلت مرتبطة ومتأثرة بماضيها الإستعماري.

صحيح أن سريلانكا اختطت لنفسها بعد الاستقلال نظاما ديمقراطيا برلمانيا على النمط  البريطاني، إلا أن التوترات العرقية والثقافية بين الأغلبية السنهالية من ذوي الثقافة البوذية والأقلية التاميلية من ذوي الثقافة الهندوسية أفسدت كل شيء، بدليل أن تلك التوترات أفضت في نهاية المطاف إلى حرب أهلية مدمرة استمرت لجبل كامل وسخرت لها الدولة كل مواردها وطاقاتها وقضت على أرواح مئات الآلاف من الأبرياء. ففي عام 1983، ومن بعد عقود من الإذلال والحرمان والقمع بدأ التاميليون تمردهم بشكل عنيف سعيا وراء الانفصال في دولة مستقلة، فما كان من الحكومة التي يهيمن عليها السنهاليون إلا مقابلة العنف بالعنف واستخدام ما تحت يدها من بيانات وسجلات للإنتقام من الأسر والمجتمعات التاميلية، الأمر الذي أدى إلى انتشار العنف بشكل واسع وقيام ما عرف بحركة "نمور التاميل" بسلسلة من التفجيرات والاغتيالات التي أدت بدورها إلى حرمان البلاد من مواردها السياحية ومحاصيلها الزراعية.

واستمر الحال على تلك الوتيرة إلى عام 2009 حينما أعلنت الحكومة نجاحها في القضاء على المتمردين التاميل وانتصارها في الحرب من بعد ربع قرن من العمليات المسلحة. وعلى الرغم من انتهاء الصراع، إلا أن حكومة الرئيس راجاباكسا التي استمد شرعيته من نجاحه في انهاء تمرد نمور التاميل حينما كان وزيرا للدفاع وقائدا للجيش، واصلت ملاحقتها وتعذيبها للمعارضين السياسيين من التاميل. ويبدو أن النهج ذاته مستمر في عهد الرئيس الحالي من خلال قانون مكافحة الإرهاب الذي يتيح الاعتقال والتعذيب والملاحقة والترهيب. ولعل أقوى دليل على صحة كلامنا هو طرح ملف سريلانكا أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف في الأول من مارس من العام الجاري، حيث أشار المفوض الأممي السامي لحقوق الانسان "فولكر تورك" أمام الهيئة المجتمعة إلى بعض من أسباب ثورة السريلانكيين قبل عامين مثل الفساد وسوء الإدارة والقمع والملاحقة وعدم المساواة.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: يونيو 2024م