الثلاثاء، 30 يوليو 2024

لو فاز ترامب، كيف سيتعامل مع قضية تايوان؟


بقلم: د. عبدالله المدني*

حتى قبل فوزه المتوقع برئاسة الولايات المتحدة للمرة الثانية، أثار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب زوبعة حول قضية تايوان. فقد سجل عنه قوله أنه لن يدافع عن هذا الإقليم الحليف الذي تطالب به الصين وتهدد بضمه بالقوة في حال قيام بكين بغزوه. وفي مناسبة أخرى سجل عنه قوله أن على حكومة تايبيه أن تدفع مقابل حماية الولايات المتحده لها. هذان التصريحات اشغلا مراقبي الشؤون الدولية والآسيوية مؤخرا لما له من تداعيات خطيرة ــ في حال تنفيذه ــ على مجمل أوضاع الشرق الأقصى.

والحقيقة أن مساعدي ترامب سارعوا بتفنيد التصريح الأول، موضحين أن مرشح الحزب الجمهوري للسباق الرئاسي المقبل في نوفمبر من العام الجاري لم يقل أنه سيتخلى عن تايوان لمصيرها، وإنما قال أن بكين ليست بحاجة لغزو تايوان التي تقع في مرمى صواريخها وترسانتها الحربية العملاقة، وأن الولايات المتحدة تفتقر إلى الميزات النسبية التي يتمتع بها جيش الأحمر الصيني والمتمثلة في القرب الجغرافي، والمساحة الشاسعة وامتلاك قوة برية جرارة معززة بآلاف الصواريخ المضادة للسفن وآلاف الطائرات والمسيرات.

لقد كان ترامب واضحا وواقعيا في قوله أن تايوان تقع على بعد أقل من 100 ميل من البر الرئيسي الصيني، وأن الصين لديها ما يكفي من الصواريخ لتدمير الجزيرة المنشقة إذا ما اختارت غزوها، لكنها ــ أي الصين ــ لا تريد تدمير المصانع التايوانية المنتجة لأكثر من 90 بالمائة من الرقائق المتقدمة، ولا تريد أن تقتل مئات الآلاف من التايوانيين الذين تعتبرهم مواطنين صينيين. كما كان الرجل واقعيا في قوله أنه في حال تأزم الموقف بين تايبيه وبكين فإن باستطاعة الأخيرة أن تنتصر عن طريق محاصرة تايوان وقطع امدادات النفط والغاز عنها وإبلاغ ناقلات النفط والغاز المتجهة إليها بمخاطر إغراقها في البحر، خصوصا وأن تايوان تتمتع بقدرات تخزينية لا تكفيها إلا لمدة ثلاثة أسابيع فقط.

ويقارن الخبراء العسكريون هذه الميزات المتوفرة للصين بما لا يتوفر للولايات المتحدة في حال أن قررت تنفيذ تعهداتها الأمنية بالدفاع عن تايوان. فالجيش الأمريكي وقتئذ سيحارب على بعد 6000 ميل من وطنه، ولا يمكن لقوته النارية أن تضاهي قوة خصم قريب جدا من قيادة أركانه ومن مراكز تموينه وأكثر علما بخرائط منطقة المعارك. ويضيف هؤلاء أنه في حال إصطدام البحرية الصينية بالأسطول البحري الأمريكي من أجل تايوان، فإن النتيجة سوف تشبه تدمير الأسطول الروسي على يد اليابانيين في معركة مضيق تسوشيما التي دارت رحاها أثناء الحرب الروسية اليابانية من 27 مايو إلى 28 مايو من عام 1905.

أضف إلى ما سبق حقيقة أن استخدام جهاز اعتراضي بقيمة مليون دولار لإسقاط طائرة بدون طيار بقيمة 5000 دولار في أي مواجهة عسكرية أمريكية ــ صينية بخصوص تايوان هو عمل خاسر. وبعبارة أخرى فإنه حتى لو تمكنت الولايات المتحدة من صنع ما يكفي من الصواريخ الاعتراضية لمواكبة انتاج الصين من الصواريخ، وكان بامكان الأساطيل البحرية الأمريكية حملها إلى مواقع الإشتباك مع الصين، فإن تكلفة الدفاع الصاروخي التقليدي ستكون باهضة الثمن.

يقول ترامب ومساعدوه أن الجيش الأمريكي يعرف كل هذه الحقائق جيدا، لكن إدارة جو بايدن الديمقراطية تناور وتخادع كي تضفي على نفسها صفة حامية الديمقراطيات في العالم. والمعروف أنه في السنوات القليلة الماضية تعززت العلاقات بين تايبيه وواشنطن في مواجهة قيام بكين بتكثيف ضغوطها العسكرية والدبلوماسية على تايوان، علما بأن إدارة بايدن وافقت في يونيو المنصرم على بيع أسلحة بقيمة 360 مليون دولار لتايوان، وأرسلت لها مئات الطائرات بدون طيار بالإضافة إلى معدات صاروخية ومواد الدعم ذات الصلة.

ومن مفاجآت ترامب أيضا مطالبته تايوان بدفع تكاليف الحماية الأمريكية لها. ففي مقابلة مع "بلومبورغ بيزنس ويك" في 17 يوليو الجاري قال: "يجب أن تدفع لنا تايوان تكاليف الدفاع، فكما تعلمون نحن لا نختلف عن شركات التأمين، وتايوان تسيطر عالميا على صناعة الرقائق ولديها الكثير من الأموال"، وهو ما أشعل جوا من عدم اليقين حول نهج ترامب حيال تايوان إذا ما عاد إلى البيت الأبيض، وهو أيضا ما دفع تايبيه للرد عبر رئيس مجلس الدولة "تشو جونغ تاي" الذي قال أن تايوان على استعداد لتحمل المزيد من المسؤولية للدفاع عن نفسها، مذكرا في الوقت نفسه ترامب بأن من مصلحة واشنطن والمجتمع الدولي الحفاظ على السلام والإستقرار في مضيق تايوان لأنه جزء لا يتجزأ من الرخاء العالمي.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: يوليو 2024م

الثلاثاء، 23 يوليو 2024

اليابان والصين تشعلان سباق تسلح جديد في آسيا

  


د. عبدالله المدني*

يبدو أن ما توقعه تقرير لمعهد الدراسات الدولية والاستراتيجية  نهاية العام الماضي من ان سباقا جديدا للتسلح في آسيا سوف يشتعل، فيؤدي إلى المزيد من التوترات الإقليمية، قد بدأ بالفعل. 

ففي التقرير المذكور الذي كتبه "توم كاراكو" و"ماساو دالغرين" في 2023 تمت الإشارة إلى اليابان والصين كطرفين رئيسيين في السباق المتوقع، مع بيان طبيعة السباق والمتمثلة في اختراع وتصنيع أسلحة غير تقليدية قادرة على مواجهة الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.

واليوم نقرأ في صحيفة "تشاينا مورنينغ بوست" الصينية أن العلماء الصينيين قد نجحوا في ابتكار رادار جديد يمكنه تتبع 10 صواريخ بسرعة 20 ماخ، بدقة تصل إلى 99.7 بالمائة، وذلك باستخدام تكنولوجيات الليزر المتقدمة، مع خوارزمية جديدة، مضيفة انه بوسع الابتكار الجديد نقل المعلومات بسرعة الضوء ومعالجة إشارات الموجات الدقيقة المعقدة وإلغاء مشكلة الصور الوهمية والأهداف الزائفة.

كما نقرأ في خبر نقلته صحيفة "نافال نيوز" البريطانية أن قوات الدفاع الذاتي البرية اليابانية سوف تبدأ اعتبارا من عام 2026 بنشر القذيفة الشراعية المتفوقة HVGP المصممة للدفاع عن الجزر والذي تزيد سرعتها عن سرعة الصوت ويصل مداها إلى 900 كم (مع إمكانية زيادته بحلول عام 2030)، علما بأن الحكومة اليابانية قامت بتسريع انتاج هذا السلاح بالتعاون مع واحدة من أفضل شركاتها الصناعية وهي شركة "متسوبيشي للصناعات الثقيلة"، خصوصا وأن حليفتها الأمريكية التي تعهدت بالدفاع عنها، باتت متخلفة توعا ما عن الصين في مجال الصواريخ الدفاعية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت لأسباب مختلفة. حيث أن واشنطن استثمرت أكثر من 8 مليار دولار في العامين الماضيين في تطوير الصواريخ الهجومية ذات السرعة المتفوقة على سرعة الصوت، بينما انفقت أقل بكثير في مجال تطوير الصواريخ الدفاعية المضادة، ولا تتوقع وزارة الدفاع الأمريكية أن تشرع الولايات المتحدة في انتاج صواريخ دفاعية مضادة للصواريخ التي تزيد سرعتها عن سرعة الصوت قبل عام 2034. 

مما لا شك فيه أن انجراف الصين إلى تحصين نفسها بمختلف الأسلحة المتطورة منطلق من سياسات بكين الرامية إلى التوسع والانتشار والهيمنة الإقليمية، ومنطلق من عقيدة الحزب الشيوعي الحاكم الداعية إلى بناء الصين الكبرى، شاملة تايوان والجزر الصغيرة المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي والشرقي، ومنطلق أيضا من ضرورات مواجهة ما يدبر لها من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الآسيويين من مخططات لتحجيمها وإحتواء تطلعاتها وطموحاتها، خصوصا وأنها، بسبب طبيعة نظامها السياسي الشمولي، لا تواجه أي اعتراض تشريعي أو شعبي على فكرة منافسة الآخرين في سباق التسلح، والإنفاق الهائل على المشاريع الحربية. 

أما اليابان، التي لم تفكر، إلا في السنوات القليلة الماضية، في التخلي تدريجيا عن سياسات السلمية الطويلة والبدء ذاتيا في تطوير قواتها وآلتها العسكرية، فقد أملت عليها حالة الغليان في محيطها الإقليمي ومناوشات جارتها الكورية الشمالية، وتحالفات خصومها التاريخيين، أن تخوض سباقا للتسلح من أجل حماية أمنها وسيادتها، وذلك على الرغم من كل القيود القانونية التي تواجه حكومتها (المادة 9 من الدستور الياباني لا يجيز التوسع في العسكرة إلا بالقدر الكافي للدفاع عن البلاد)، ناهيك عن القيود الشعبية ممثلة في معارضة تنظيمات أهلية محلية كثيرة لمسألة التوسع في الإنفاق الحربي. 

ونستطيع القول أن ما دفع طوكيو وبكين إلى خوض سباق تسلح في مجال الأسلحة غير التقليدية تحديدا هو تحديات التتبع، بمعنى ان التتبع المستمر للصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت يتطلب أجهزة استشعار ذات قدرات استثنائية لجهة مواجهة تلك النوعية من الصواريخ القادرة على المناورات غير المتوقعة أو سلوك مسارات منخفضة لتجنب الرادارات الأرضية، وذلك بهدف خلق بنية نموذجية تتكامل فيها الرؤية والدقة والحساسية والعدد المطلوب من الأقمار الصناعية من أجل اعتراض الصواريخ المهاجمة بنجاح.

وفي هذا السياق كتب "تانغ رونغ" في صحيفة "جيش التحرير الشعبي" الصينية اليومية" ما مفاده أن الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت تعمل في الغالب على ارتفاعات قريبة من الفضاء، وهذا يجعل من الصعب اكتشافها ويقلل من وقت استجابة أنظمة الدفاع  لتدميرها، علاوة على ذلك فإن "التأثير الجوي البصري الناجم عن رحلة ذلك السلاح، يصعب على النظام الدفاعي تتبع الهدف وتحديده واعتراضه بدقة بسبب إهتزاز الصورة وعدم وضوحها".

 


د. عبدالله المدني

* أستاذ العلوم السياسية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: يوليو 2024م



الثلاثاء، 16 يوليو 2024

توجه اندونيسيا الخارجي في عهد رئيسها المقبل


 بقلم: د. عبدالله المدني*

تحظى الشؤون الأندونيسية بمتابعة كبيرة من قبل الخبراء والمتخصصين في الشأن الآسيوي، انطلاقا مما تمثله هذه البلاد من ثقل سكاني واقتصادي وجيو استراتيجي ضمن منظومتها الإقليمية، ناهيك عن كونها أكبر ديمقراطيات العالم الإسلامي لجهة عدد السكان، علاوة على كونها في بؤرة التنافس الأمريكي ــ الصيني المحتدم في منطقة جنوب شرق آسيا.

والمعروف أن اللجنة الانتخابية في أندونيسيا أعلنت الشهر الماضي بصورة رسمية ونهائية أن "براباوو سوبيانتو" وزير الدفاع الحالي سوف يكون الرئيس المقبل للبلاد خلفا للرئيس المنهية ولايته ذي الشعبية الواسعة "جوكو ويدودو" الذي حكم البلاد لفترتين ولا يحق له الاستمرار لفترة ثالثة.

والسؤال الذي يتردد اليوم هو "كيف سيدير الرئيس المنخب سياسة بلاده الخارجية في السنوات الخمس المقبلة؟"، بمعنى هل سيواصل سياسة سلفه الهادئة غير المستفزة للجيران والقوى العظمى، أم أنه سيتبنى نهجا مغايرا من أجل إبراز صوت ومكانة بلاده على المسرحين الاقليمي والعالمي؟.

الاجابة على هذا السؤال يتطلب دراسة شخصية الرجل، والعودة إلى نشأته الأولى والأحداث التي صاحبت بروزه وصعود نجمه، وما سجل عنه من مواقف، مع الاعتراف مسبقا بأن الساسة كثيرا ما يغيرون مواقفهم، فيبدون مختلفين بعد وصولهم إلى السلطة عما كانوا عليه قبل ذلك.

صحيح أن "بروباوو سوبيانتو" البالغ من العمر اليوم 72 عاما، حرص خلال حملاته الانتخابية على التاكيد بأنه سيواصل سياسات جاكرتا الخارجية الراهنة التي رسمتها وزيرة الخارجية الحالي والدبلوماسية المحترفة "ريتنو مرسودي" ووافق عليها رئيسها "جوكو ويدودو" الذي لم يعرف عنه اهتماما كبيرا بالسياسة الخارجية منذ توليه زعامة أندونيسيا لأول مرة عام 2014، مع استثناءات نادرة تمثلت بحضور بعض قمم رابطة آسيان، والمشاركة في الدبلوماسية التي سبقت انعقاد قمة مجموعة العشرين في جزيرة بالي عام 2022. 

غير أن الصحيح أيضا هو أن بروباوو الطامح لحفر إسمه في تاريخ بلاده، والرجل الذي قاتل مرارا من أجل الوصول إلى قصر مارديكا الرئاسي وأسس الأحزاب والتحالفات وفضها، وأمضى سنوات طويلة من حياته خارج أندونيسيا دارسا في مدارس ماليزية وسويسرية وبريطانية وأمريكية فتشبع بالثقافة الغربية وخبر دهاليز السياسات العالمية، وكان رقما عسكريا صعبا في نظام الديكتاتور الراحل الجنرال سوهارتو (والد زوجته سيتي هيداياتي بنت سوهارتو)، لا يتوقع منه إلا انتهاج توجه خارجي نشط يعيد من خلاله لبلاده ذلك الوهج الذي انطفأ برحيل نظام الرئيس الأسبق أحمد سوكارنو يوم كانت جاكرتا بلدا مؤثرا من خلال انتهاج سياسة عدم الانحياز، وإحدى عواصم ما عرف بسياسة الحياد الإيجابي، وصاحبة دور مؤثر في شؤون نطاقها الجيوسياسي، بل يعيد لها ــ على الأقل ــ دورها الغائب منذ زوال نظام سوهارتو في عام 1998، حينما كانت جاكرتا لاعبة محورية في صراع الشرق والغرب. والمعروف في هذا السياق أنه منذ التحول الديمقراطي في أندونيسيا بدءا من عام 1998، فإن كل النخب السياسية التي قادت البلاد انتهجت شعار "كسب المزيد من الأصدقاء وتصفير الأعداء" مع التركيز على التنمية الاقتصادية والابتعاد عن الدخول في مشاغبات ونزاعات مع الآخر، ربما باستثناء الرئيس الأسبق عبدالرحمن وحيد (غوس دور) الذي قاد البلاد في الفترة من اكتوبر 1999 إلى يوليو 2001، وتميزت خلالها سياساته الخارجية بمواقف غير تقليدية وتصريحات مثيرة للجدل.

ولعل ما يعزز احتمال تبني براباوو لنهج خارجي مغاير وأكثر نشاطا، هو وضع اندونيسيا الجيوسياسي والعسكري الراهن. فمن جهة هناك تنافس صيني أمريكي على بلاده بسبب موقعها الاستراتيجي وثرواتها واقتصادها الصاعد، ومن جهة أخرى هناك خلافات محتدمة بين جاكرتا وبكين حول السيادة على بعض الجزر الصغيرة في بحر الصين الجنوبي، ولاسيما حول جزر ناتونا الواقعة ضمن المياه الإقليمية الأندونيسية، ومن جهة ثالثة هناك اعتماد اندونيسي متنامي على الولايات المتحدة لجهة التسليح والدفاع. الأمر الذي يجعل الرئيس المنتخب واقعا ما بين المطرقة والسندان. فكيف يا ترى سوف يتصرف الرجل الذي خدم في جيش بلاده سنوات طويلة الى أن وصل إلى رتبة جنرال، وكان في عهد سوهارتو قائدا للقوات الخاصة (كوباسوس) ثم قائدا لقوات الاحتياطي الاستراتيجي (كوستراد)؟، أخذا في الإعتبار أنه لا يتهاون في مسألة السيادة الوطنية الاندونيسية، ناهيك عن أنه صاحب مزاج متوتر وميل للتعليقات غير الرسمية المثيرة للجدل.



د.عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: يوليو 2024م


الأربعاء، 10 يوليو 2024

أستراليا: هستيريا حزب العمال وانتهازية الاحرار

 


تقرير عباس علي مراد


لم تكون السينتورة فاطمة بايمن الاولى ولن تكون الأخيرة الي انشقت عن الحزب هنا (العمال) الذي وصلت الى الندوة البرلمانية كمرشحة على لائحتة الانتخابية، فقد سبقتها النائبة  لديا ثورب التي انشقت قبل عام عن حزب الخضر، وقبلهما كانت النائبة جاكي لامبي التي انشقت عن جزب كلايف بالمر (استراليا المتحدة) قبل ان تعود الى البرلمان كمرشحة مستقلة، وقبل ذلك بسنوات بولين هانسون عام 1996 انشقت عن حزب الاحرار هذا على سبيل المثال لا الحصر.

وبما ان موضوع الساعة استقالة النائبة بايمن من حزب العمال ما هي اسبابه وتداعياته، النائبة بايمن التي صوتت الى جانب حزب الخضر من أجل إقامة دولة فلسطينية مخالفة موقف الحزب الذي يمنع بموجب قوانينه الداخلية التصويت بخلاف رغبة الحزب  مع العلم ان حزب العمال حاول تعديل مشروع القرار الذي تقدم به الخضر بإدخال فقرة تقول من خلال مفاوضات سلام تفضي الى إقامة تلك الدولة التي يقر بها حزب العمال ولكن مازال يتلكأ بالاعتراف بالدولة الفلسطينية. 

وخوفاً من التداعيات والتي يدركها قياديو الحزب والممسكين بقراره واهمها:

- خسارة صوت في مجلس الشيوخ

- الاحباط  الذي اصاب مؤيدي الفلسطينيين من موقف العمال داخل الحزب وعلى المستوى الوطني.

- الحراك الذي يقوم به بعض اعضاء الجالية الاسلامية وتوجيه الصوت الاسلامي لتأييد مرشحين مستقلين مؤيدين للقضية الفلسطينية في الانتخابات القادمة.

- نتائج الانتخابات البريطانية والتي اوصلت العمال باكثرية كبيرة ومريحة  لكنه خسر أمام المرشحين المستقلين المؤيدين للقضية الفلسطينية واهمهم جريمي كوربن زعيم الحزب السابق الذي اطاحه الحزب سابقاً بتهمة معاداة السامية.

- عدم تمكن الحكومة من الترويج لختطها بتخفيض الضرائب والتي كانت الحكومة تمني نفسها به للذهاب الى الانتخابات فخسرت هذه الفرصة بسبب التركيز على ما قامت به النائبة بايمن وردة فعل الحزب عليها.

 لتلك الأسباب وغيرها اصيب حزب العمال بهستيريا بعد استقالة بايمن واقام الدنيا ولم يقعدها للنيل من مصداقية السينتورة بايمن.

 الهجوم بدأ من اعلى الهرم مرورا بقيادي الحزب ونوابه وصولاً الى القواعد الحزبية لمحاولة النيل من مصداقية النائبة بايمن،هذا مع العلم الى ان هناك نواب ومحازبين يؤيدون مواقف بايمن واهمهم مجموعة اصدقاء فلسطين داخل حزب العمال.

النائبة بايمن التي صوتت كما تقدم الى جانب مشروع قرار حزب الخضر قالت انها صوتت بما يمليه عليه ضميرها ولا يخالف توجهات الحزب "لإن الإبادة الجماعية المستمرة في غزة هي مأساة ذات أبعاد لا يمكن تصورها. إنها أزمة تخترق القلب والروح، وتدعونا إلى التحرك بإحساس والإلحاح والوضوح الأخلاقي، وعلى عكس زملائي، أعرف كيف تشعر عندما تكون على الطرف المتلقي للظلم. لم تهرب عائلتي من بلد مزقته الحرب (افغانستان) لتأتي إلى هنا كلاجئين لكي أبقى صامتة عندما أرى الفظائع التي ترتكب بحق الأبرياء".

 في خطاب الاستقالة من الحزب والالتحاق بصفوف النواب المستقلين قالت بايمن انها لم تأخذ هذا القرار بسهولة وكانت من اصعب اللحظات وقالت إنها "ممزقة بشدة" بسبب قرارها الانسحاب من حزب العمال، لكن ضميرها لم يترك لها "أي خيار" سوى الدفاع عن معتقداتها.

كيف تحركت ماكينة الحزب للنيل من بايمن، رئيس الوزراء أنثوني البانيزي الذي استدعى بايمن الى (اللودج) مقر رئيس الوزراء قال ان بايمن كانت تخطط لتلك الخطوة منذ  مدة ولم يكتف بذلك بل  لمح الى انه ليس من مصلحة احد العمل السياسي من منطلق طائفي او فئوي وقال لدينا في حزب العمال نواب مسيحيين ويهود ومسلمين يحتفظون بقيمهم الدينية ويلتزمون بالقوانين الحزبية.

   نفت بايمن بشدة اقوال رئيس الوزراء ووصفت لقاءها برئيس الوزراء بالتلميذ المذنب الذي يحضر للمدير لتاديبه، ورداً على سؤال احد الصحافيين حول امكانية تشكيل حزب اسلامي قالت بان هذا السؤال مهين فهي تمثل ناخبيها ولا يعني ان كانت ملتزمة اسلامية تعمل لمصلحة الجالية فقط، وقالت انها التقت مجموعات أسلامية تعمل على توجيه الصوت الاسلامي في الانتخابات القادمة، واضافت انها لم تلتزم بما يقومون به،وأكدت أيضًا إجراء "محادثة" مع جلين دروري المختص بتنظيم الحملات الانتخابية، وكانت النائبة بايمن في وقت سابق تحدثت عن طريقة معاملة زملائها لها بطريقة متعالية تصل لحد السخرية تقريباً مثل قولهم  أوه، انظر إلى هذه، إنها تصلي لهذا الكائن القدير""

بدأت التسريبات الحزبية تصل الى الاعلام فعنونت صحيفة "ذي أستراليا" ان بايمن ما زالت تحمل الجنسية الافغانية لانه بموجب المادة 44 من الدستور لا يحق لأي مواطن في البرلمان الفيدرالي ان يحمل جنسية ثانية (القانون لا ينطبق على نواب الولايات والمقاطعات) ليتبين لاحقا ان حزب العمال كان قد اصدر بيان قبل انتخابات عام 2022 يقول فيه ان بايمن قامت بما فيه الكفاية للتنازل عن الجنسية الافغانية ولكن بسبب حكم الطالبان لم يكن ألامر ممكن وعليه فقد حصل الحزب على إستشارة قانونية تؤكد قانونية الترشيح!

صحافية أخرى قالت ان بايمن اشترت شقة في العاصمة الفيدررالية كانبرا وتتلقى علاوة السكن التي تقارب 300 دولار عن الليلة مع انها تسكن في شقتها وهذا امر معروف واغلبية النواب يمارسون هذا الأمر ولا غبار عليه قانونياً. 

الاعلام المسعور لم يكتفي بذلك لا بل ذهب الى تجييش الرأي العام وبث المعلومات الخاطئة والمضللة وكثرت التحليلات وكأن زلزال سياسي ضرب الطبقة السياسية الاسترالية.

وزير المهارات بريندان أوكونورحث على ألا يؤدي أي إجراء إلى تأجيج التوتر بين فئات المجتمع الأسترالي.

وزير الخارجية الأسبق غاريث إيفانز من حزب العمال قال إنه يتفق مع بايمان على أن موقف حزب العمال بشأن الدولة الفلسطينية لا يعتبر من الاولويات، واضاف لكنها من خلال موقفها المتحدي الذي اتخذته جعلت من الصعب سياسيا على الحكومة أن تتخذ خطوة إضافية صغيرة في باتجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية التي من شأنها أن تكون في مصلحة الجميع، الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.

الكاتب الصحفي شون كايلي كتب في الهيرلد (8/8/2024) ان حزب العمال الذي يدافع عن القوانين الحزبية بأسلوبه هذا لا يعني انه قد برأ نفسه بشكل جيد خلال الأسبوع الماضي. وان الطريقة التي استعملها ضد بايمن كانت قبيحة، فالمهاجمة على جنسيتها المزدوجة كان أمراً غير حكيم. وكذلك الاتهامات بأنها كانت تخطط لتلك الخطوة منذ شهر ولكن من المؤكد ان مسالة التحدث بوضوح عن المسائل ذات الأهمية الأخلاقية والعملية، وإسماع صوتك بأي طريقة متاحة لك. يمكنك القول، بالطبع، أنه إذا كنت تريد القيام بذلك، فمن المحتمل أن الحزب السياسي ليس هو المكان المناسب لك. وهذا بالطبع ما دفع بايمن الى اتخاذ هذا القرار.

أما المعارضة الفيدرالية وبأسلوب انتهازي واضح فلم يكن موقفها أفضل، زعيم المعارضة الفيدرالية بيتر داتون وبكلمة مختصرة لا تشذ عن اسلوبه الفج في مقاربة الامور أظهر موقف حزبه الذي يختصر ما يضمره من عنصرية بأن حكومة اقلية برئاسة حزب العمال ستضم حزب الخضر والمستقلين الخضر والنواب المسلمين المستقلين فستكون هذه الحكومة كارثة على أستراليا ولن تحل مشكلة غلاء الاسعار.

أما حزب الخضر فموقفه معروف من الاعتراف بالدولة الفلسطينية بتأييد الاعتراف، ولكنه لا يستطيع ان يقرر في هذا الامر لانه لا يعتبر من الاحزاب الكبيرة وان كان يحتفظ بكتلة من 11 نائباً في مجلس الشيوخ من اصل 76 و4 نواب في مجلس النواب الحالي من أصل151. ويتعرض الحزب لحملة قاسية من حزب العمال الذي يهاجم حزب الخضر ويتهمه بأنه باسلوبه يعمل على ضرب التناغم والانسجام الاجتماعي في البلاد وقد دعم حزب الاحرا ر موقف العمال هذا.

شعار التناغم الاجتماعي هذا الذي يرفعه حزب العمال اصبح عرضة للأهتزاز بعدما اقدمت الحكومة على تعيين مبعوث خاص لشؤون معادة السامية ونية الحكومة تعيين مبعوث خاص لشؤون الأسلاموفوبيا لانه يظهر ان الحكومة تتنازل عن صلاحياتها لصالح مكونات اجتماعية دون غيرها مما يشكل شرخاً اجتماعياً وهنا تطرح عدة أسئلة  نفسها:

- هل سنصل الى مرحلة تطلب كل جالية بمبعوث خاص؟!

 - ما هو دور قوانين مكافحة العنصرية والتمييز على أساس العرق والجنس واللون وغيرها سواء كانت قوانين فيدرالية او على مستوى الولايات والمقاطعات ولماذا هي موجودة؟!   

- كيف لحكومة منتخبة من قبل الشعب وفي بلد دستوره علماني تتنازل عن دورها الذي كلفها به الناخب الأسترالي ؟!

هذه الاسئلة وغيرها برسم الحكومة والمعارضة الفيدرالية بشكل أساسي وكيف ستساهم في الحفاظ على التناغم والانسجام الاجتماعي في البلاد؟

الثلاثاء، 2 يوليو 2024

قمة بوتين وكيم جونغ أون المفاجئة .. ماذا وراءها؟


 

بقلم: د. عبدالله المدني

كثرت تساؤلات مراقبي الشؤون الآسيوية حول الزيارة المفاجئة القصيرة التي قام بها مؤخرا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى بيونغانغ، والقمة التي جمعته بديكتاتور كوريا الشمالية "كيم جونغ أون". تساءل أحدهم عن أسباب الزيارة من بعد انقطاع دام نحو ربع قرن، وتساءل آخر عما إذا كانت الزيارة طلبا لمساعدة كورية شمالية لروسيا في حربها المحتدمة مع أوكرانيا، وتساءل ثالث عن توقيت الزيارة في وقت تأزمت فيه العلاقات بين الكوريتين على خلفية "حرب المناطيد"، وتوترت فيه الأوضاع في مضيق تايوان بين تايبيه وبكين، وتساءل رابع عن مغزى عدم مشاركة الصين في القمة.

مما لا شك فيه أن منطقة شمال شرق آسيا بؤرة تصادم خطيرة بين الشرق والغرب، ومؤهلة لإندلاع حروب وتفجر أزمات تزيد الأوضاع الدولية تأزما وخللا. بل يمكن وصفها بـ "منطقة الجغرافيا السياسية المعقدة" بتعبير "دانييل سنايدر" المحاضر في السياسة الدولية ودراسات شرق آسيا بجامعة ستانفورد الأمريكية. حيث تتواجه في هذه المنطقة مثلث بكين ــ موسكو ــ بيونغيانغ مقابل مثلث واشنطن ــ طوكيو ــ سيئول. أما زيارة بوتين لبيونغيانغ، التي تم خلالها توقيع اتفاق لتشكيل شراكة استراتيجية شاملة بين البلدين المعادين للغرب شاملة مجموعة من الروابط الاقتصادية والثقافية والتكنولوجية، إضافة ــ وهذا هو الأهم ــ إلى تعهدات بالمساعدة المتبادلة في حالة العدوان على أي منهما (نصت الاتفاق في مادته الرابعة على أنه "في حالة وقوع أي من الطرفين في حرب بسبب عدوان مسلح من دولة منفردة أو دول عدة، يجب على الطرف الآخر أن يقدم على الفور المساعدة العسكرية وغيرها من المساعدات بجميع الوسائل المتاحة")، فقد أثارت لدى المراقبين ذكريات الزمن السوفيتي، وتحديدا نقطة التحول التاريخية التي تمثلت في إعطاء الزعيم السوفياتي الحديدي "جوزيف ستالين"، وبموافقة نظيره وحليفه الصيني "ماو تسي تونغ" الضوء الأخضر للرفيق "كيم إيل سونغ (جد الرئيس الكوري الشمالي الحالي) لغزو كوريا الجنوبية مطلع خمسينات القرن العشرين.

صحيح أن الزمن تغير، وصين تلك الحقبة غير صين اليوم، وكذا بالنسبة لروسيا. لكن الصحيح أيضا هو أن الصين لا زالت الداعمة الرئيسية لكوريا الشمالية ونظامها الحديدي وسلالتها الحاكمة. ورغم ذلك فهي لا تريد أن تدعم الحسابات الاستراتيجية الروسية الخاصة بكوريا الشمالية على غرار ما حصل في عام 1950، ولذا فضلت ألا تشارك في القمة، خصوصا وأنها لا تريد إثارة اليابان وكوريا الجنوبية، وكلتاهما من شركائها الاقتصاديين الكبار. بل أن بكين سعت مؤخرا إلى اسئناف حواراتها معهما من أجل التفاهم والإستقرار بدلا من الصراع كما تقول، وإنْ قيل أنها تحاول دق إسفين بين واشنطن وحليفتيها الآسيويتين الكبيرتين. أما روسيا فقد ابتعدت عن كوريا الشمالية لسنوات منذ ظهورها كدولة مستقلة بعد انهيار الإتحاد السوفياتي، لكنها تعود اليوم لتحتضنها باعتبارها ضحية لخصومها الاستراتيجيين، وبعبارة أوضح ضحية مشتركة للضغوط الغربية والهيمنة الأمريكية.

وفي اعتقادنا أن تحرك الرئيس بوتين صوب كوريا الشمالية وتوقيع اتفاق شراكة استراتيجية معها، إنْ لم يكن ردا على مواقف الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي وحلف الناتو من الحرب في أوكرانيا، فلعله بداية تحرك للرد على الشراكة الأمنية الآخذه في الترسخ بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية والتي تحاول الدول الثلاث إضفاء الطابع المؤسسي عليها منذ اجتماع قادتها العام الماضي في منتجع كامب ديفيد، علما بأن تطورات قد تحدث على صعيد هذه الشراكة قريبا حينما يحضر قادة اليابان وكوريا الجنوبية قمة الناتو المقرر عقدها في شهر يوليو، لاسيما وأن الكوريين الجنوبيين ينظرون إلى الاتفاقية الروسية ــ الكورية الشمالية بعين القلق، بدليل ما ورد في افتتاحية صحيفة "دونغا إلبو" اليومية الصادرة في سيئول في الثامن عشر من يونيو الجاري من أن كيم جونغ أون ونظيره بوتين يسعيان من خلال اتفاقية الشراكة بينهما إلى خلخلة الوضع الراهن باتجاه الفوضى وعدم الإستقرار. ومثل هذا الموقف يتطابق مع مواقف الأمريكيين التي عبر عنها مسؤول الأمن القومي الأمريكي السابق "فيكتور تشا" بقوله: "قمة كيم ــ بوتين تمثل أكبر تهديد للأمن القومي الأمريكي منذ الحرب الكورية"، ويتطابق أيضا مع موقف المراقبين في اوروبا التي عبرت عنها مجلة الإيكونوميست البريطانية حينما وصفت الشراكة بين موسكو وبيونغيانغ بأنها "محور استبدادي أنيق، وأكثر من مثلث حب فوضوي".



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلوم السياسية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: يونيو 2024م