كانت النتائج الأولية قد حسمت مبكرا مصير السباق الانتخابي للرئاسة الأمريكية قبل تمام الانتهاء من عملية الفرز ببعض المكاتب الانتخابية وقبل الإعلان عنها رسميا. لم ينتظر الرئيس الأسبق دونالد ترامب طويلا ليعلن أمام أنصاره فوزه في انتخابات الرئاسة 2024 بمنصب الرئيس الـ 47 للولايات المتحدة الأمريكية أمام مرشحة التيار الديمقراطي كامالا هاريس . كان السباق الانتخابي شاقا وطويلا، وجسدت مجريات الحملة الانتخابية للمرشحين الإثنين أضخم الفعاليات لأكبر حدث سياسي في تاريخ أمريكا والعالم.
صبحة بغورة تكتب:
لقد حقق ترامب فوزا تاريخيا عريضا على أربع مستويات دفعة واحدة : نتائج صندوق أصوات الناخبين ، أغلبية أصوات كل من حكام الولايات، أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، ليحقق بذلك عودة مظفرة لم يكن يتوقعها أنها ستكون بهذا الحجم بعد مضي أربع سنوات على خسارته في الانتخابات الماضية أمام الرئيس الديمقراطي جو بايدن. فوز ترامب بمنصب رئاسة الولايات المتحدة يعني مباشرة ترقب تطبيق سياسته المعلنة عنها فورا وهي تلك التي كانت مصاغة في جملة وعود الانتخابية تندرج تحت الشعار الشهيرلنجعل أمريكا عظيمة ثانية " بمعنى أنها كانت عظيمة في فترة رئاسته الأولى ، ثم تدحرجت في فترة الرئيس الديمقراطي السابق جو بايدن ، وينتظر أن يتوجه إلى دعم وتمكين الجبهة الاجتماعية حيث يريد تخليص المجتمع الأمريكي ممن وصفهم "بالمجرمين والإرهابيين " والمقصود المهاجرين ، إذن المنتظر أن تشهد الفترة القادمة عمليات ترحيل واسعة النطاق لفئات من المقيمين الأجانب من عديد الجنسيات ومنع التدفق الفوضوي للمهربين عبر الحدود، غلق الحدود أمامهم ومحاربة الهجرة غير الشرعية بتقوية الوضع الأمني الحدودي،وفي المقابل اتخاذ إجراءات حكومية غير مسبوقة ولكن محفزة للمواطنين على زيادة النمو الديمغرافي وتتمثل في صرف مبلغ 6 آلاف دولار فورا لكل مولود أمريكي جديد! وخفض الضرائب، وعدم السعي للحرب.
تأسس الحزب الجمهوري في عام 1854 على يد معارضي قانون كانساس نبراسكا الذي سمح بانتشار العبودية في بعض الأراضي الأمريكية ثم تبنى الحزب الليبرالية الكلاسيكية ودعّم الإصلاح الاقتصادي وعارض انتشار العبودية في البلاد ،وكان أبراهام لينكولن أول رئيس أمريكي من الحزب الجمهوري. وفي عهد الرئيس لينكولن والكونغرس الجمهوري عام 1865 تم حظر العبودية في الولايات المتحدة. وبعد عام 1912 شهد الحزب تحولا أيديولوجيا نحو اليمين بعد سن قانون الحقوق المدنية لعام 1964 وقانون حقوق التصويت لعام 1965فتغير الجوهر الأساسي للحزب وأصبحت الولايات الجنوبية أكثر جدارة بالثقة في السياسة الرئاسية. تشمل قاعدة دعم الحزب في القرن الحادي والعشرين الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الريفية والرجال وأبناء الجيل الصامت،والأمريكيين البيض، والمسيحيين الإنجيليين.
هذه البسطة التاريخية الموجزة تعطي مؤشرات على طبيعة التوجهات الرئيسية المتوقعة للإدارة الأمريكية في الفترة القادمة وما سيكون عليه الوضع السياسي والاقتصادي،فالأغلبية المحققة للحزب الجمهوري في مجلسي الشيوخ والنواب تمنح ترامب مساندة المجلسين لسياسته داخل الولايات المتحدة وخارجها، والمتوقع ان تحدث العديد من التغيرات بما يناسب الظروف المستجدة، وأن يمضي قدما في تشكيل حكومته دون متاعب. وقد يستغل اعتبار مجلس الشيوخ أن حرب غزة من القضايا التي فشلت فيها الإدارة الأمريكية بقيادة الحزب الديمقراطي فكانت سببا في خسارة الحزب في الانتخابات الرئاسية 2024
لا يختلف موقف الرئيس الجمهوري الأمريكي عن الديمقراطي تجاه القضية الفلسطينية في شيء، إذ لا يؤمن الرئيس ترامب بحل الدولتين، لذلك فليس من المتوقع أن يرفع الكيان المحتل قبضته على الشعب الفلسطيني قبل أن يتحقق له ما أراد من أهدافه العدوانية المعلنة بمباركة أمريكية . أثار فوزالرئيس الجمهوري ترامب بمنصب الرئاسة الأمريكية تفاؤلا أوروبيا بإنعاش العلاقات الاقتصادية والتجارية وبفتح أبواب الأمل مشرعة نحو وضع حد للتدهور الاقتصادي العالمي، حيث أكدت الصين أن سياستها ثابتة وواضحة تجاه الولايات المتحدة ولم تتغير مهما كان الرئيس ، وأن فوز ترامب لم يكن مفاجئا للصين بل كان متوقعا وأنها تحرص على العلاقات المبنية على الاحترام المتبادل بينهما . كما أكدت المفوضية الأوروبية على ضرورة الحفاظ على التحالف الدائم معا للولايات المتحدة.وقد يجوز الاعتقاد بوجود فرص حقيقية لإرساء الأمن والسلام العالميين، وأن يكون فوز دونالد ترامب مناسبة قوية للتعجيل بوقف الحرب ببين روسيا وأوكرانيا ، ولكن يخشى بعض المراقبين أن يساعد الرئيس الأمريكي الجديد اسرائيل على الإسراع في توسعها الاستيطاني بقطاع غزة والضفة الغربية،وأنه قد يلجأ إلى سياسة التخويف لكسب بعض الأنظمة العربية والإسلامية لتأمين المصالح الأمريكية في العالم. وفي إيران يبدو أن الوقت ما زال مبكرا لبلورة موقف واضح تجاه فوز الرئيس الجمهوري بالرئاسة الأمريكية حيث تراوحت ردود الفعل بين القلق والحذر والتفاؤل،وكانت فترة رئاسة ترامب الماضية قد شهدت تصعيدا غير مسبوق مع إيران بدءا من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018ثم فرضها عقوبات اقتصادية عليها شديدة امتدت إلى المجتمع الدولي وسميت بـ"الضغوط القصوى"
يمكن أن تحفل الفترة القادمة من عهدة الرئيس ترامب بمؤشرات انفراج للعديد من القضايا الدولية الشائكة، كما قد تحمل مزيدا من التعقيد لأزمات قائمة فعلا باتجاه العمل المسلح ذات التصعيد المحدود. وتتلخص توجهات السياسة الخارجية الأمريكية في تقوية التحالفات السياسية والعسكرية ، ونشر مبادئ وقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وتعظيم المصالح الأمريكية، مع الحرص على الحفاظ على درجة مقبولة من الواقعية تجاه الآخرين ،والجمع بين ضبط السياسة الخارجية على أسس براغماتية وأخلاقية في نفس الوقت ،وجعل العلاقات التجارية والتكنولوجية الأمريكية العابرة للحدود الوطنية كمحدد مهم للعلاقات السياسية وحتى الأمنية للبلاد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق