الجمعة، 28 فبراير 2025

الحركة التقدّميّة للتواصل- درب المعلّم: الضائقة السياسيّة والمعيشيّة لدروز سوريَة ليست سلعة في سوق المخطّطات الإسرائيليّة



(بيان)

طالعنا رئيس الحكومة الإسرائيليّة؛ بنيامين نتانياهو بالأمس القريب، وخلال كلمته في تخريج دورة ضبّاط بتصريح ديماغوغيّ آخر يُضاف إلى رصيده الغنيّ، قائلًا: "لن نتسامح مع أيّ تهديد للطائفة الدرزية في جنوب سوريَة". 

جاء ذلك ضمن تصريحه بأنّ إسرائيل ستحتفظ بمواقعها في المناطق الإضافيّة التي احتلّتها في الجنوب السوري كإجراء دفاعي ووفق ما تقتضي الضرورة كقوله. وبأنّه لن يسمح لقوات هيئة تحرير الشام أو الجيش السوري الجديد بدخول الأراضي الواقعة جنوب دمشق، ويطالب بالنزع التامّ للسلاح من جنوب سوريا، في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء (!)." 

الحركة التقدّمية للتواصل تبيّن:

أوّلا: أعمى البصر والبصيرة الذي يعتقد أنّ نتانياهو المتّهم على يد غالبيّة من شعبه أنّه فرّط ويفرّط بحيوات الأسرى و\أو المخطوفين لدى حماس من أبنائهم، يهمّه مصير الدروز في سوريَة. وفي تناقض سافر، ها هو يُطالب بنفس التصريح بنزع السلاح من محافظة السويداء (!) 

ثانيًا: ورود هذا التصريح مترابطًا مع ما قال عن الجنوب السوريّ، لا يبقي مجالًا للشكّ أنّه جاء محاولة لزجّ الدروز وقودًا في المخطّط القديم الجديد لإقامة الدويلة\ الحزام الأمنيّ العازل، من خلال استغلال المتاجرة في الضائقة المعيشيّة والسياسيّة التي تمرّ على دروز سوريَة. ولنا بالأمس البعيد القريب المثال الساطع في الحزام الأمنيّ في جنوب لبنان وإلى أين آل بأهله المصير.    

ثالثًا: لو كان نتانياهو ومؤسّسته قلقين على الدروز أو يقيمون قيمة للدروز وقياداتهم لما أخرجوا دروز البلاد من مواطنتهم بِـ "قانون القوميّة"، ولما تركوا آلاف منازلهم عرضة للهدم لا بل وهدموا بعضها بِـ "قانون كامنيتس للتخطيط والبناء". 

رابعًا: لو كان نتانياهو ومؤسّسته قلقين على الدروز لما كانوا حرموهم ويحرمونهم حقّهم في التواصل الأهليّ والتواصل المذهبيّ، وقبل الأزمة السوريّة وبمعزل عنها. 

خامسًا: أهل الجبل كأهل مكّة أدرى بشعابها، فاتركوا لهم يا أهلنا في فلسطين الخيار ودون أن "تحمّلوهم جميلة" بالمساعدات التي أغدقتم عليهم، وبغضّ النظر عن المصير الذي آلت إليه غالبيّتها. وقد حسمت الغالبيّة منهم الموقف الرافض لتصريحات نتانياهو انطلاقًا من تاريخهم العروبيّ المشرّف في تحرير وبناء سوريَة، وانتمائهم الوطنيّ والقوميّ لها.

سادسًا: لسنا من مؤيّدي النظام الجديد في سوريَة ولكنّا لا نرى خطرًا منه على الدروز في سوريَة. هذا التخويف والتهويل الحاصلان والمبالغ بهما ما هما إلّا "كلام حقّ يُراد به باطلًا". وبغضّ النظر، فمن تصدّى للعثمانيّين عقودًا من الزمن، وتصدّى لإبراهيم باشا عقدًا كاملًا من الزمن والدولة العظمى فرنسا ثلاثة عقود من الزمن دون أن ينطر ظهيرًا من أحد قادر أن يحمي حياضه، ولن يحوجه ظهيرًا مشبوهًا من نتانياهو إن أقدم النظام أو أيٌ كان على النيل منهم.  

  سابعًا: إنّ الأصوات التحريضيّة التي تصدر من طائفيّين متخلّفين من العرب ضدّ الدروز على خلفيّة مواقف نشاز تصدر عن دروز في هذا السياق لا تمثّل الغاليّة الدرزيّة، هذه الأصوات مردودة على أصحابها ولن تكفي كلّ مساحيق الكون على تنظيف عيونهم من القذى الفائض المُزمِن. 

 ثامنًا: انتماء الدروز لعروبتهم وإسلامهم هو سياج رِفعتهم وبقائهم. هكذا قال شكيب أرسلان وهكذا قال سلطان الأطرش وهكذا قال كمال جنبلاط، وليس هنالك من هو أكبر من أولئك في المشهد العربيّ الدرزيّ اليوم، لا في سوريَة ولا في لبنان ولا في بلادنا. 

 الحركة التقدّمية للتواصل- درب المعلّم

27 شباط 2025

اللجنة التنفيذيّة

للتواصل

عماد دغش – سكرتير 4030870-050

سعيد نفّاع - الناطق الرسمي 7208450- 050 


الخميس، 27 فبراير 2025

ماذا لو جرت الانتخابات الاسرائيلية اليوم؟

 




كتب جواد بولس:

قد يعتقد البعض أن التعاطي مع هذا السؤال سابق لأوانه؛ فحكومة بنيامين نتنياهو، رغم ما تواجهه من مناكفات داخلية بين الأحزاب الشريكة فيها، أو داخل معسكرات حزب الليكود نفسه، ستصمد حتى نهاية فترة ولايتها الحالية. وقد يفترض البعض الآخر أن مشاركة الأحزاب العربية التقليدية ستكون مسألة خلافية اذا ما أُخضعت برامجها ومواقف قياديّيها لاشتراطات القوانين الاسرائيلية الجديدة الرامية إلى" تعقيم" تلك المواقف وافراغها من المضامين السياسية التاريخية، كما نصت عليها دساتير تلك الأحزاب وبرامجها الانتخابية المعلنة. في هذه الحالة ستواجه جميع هذه الأحزاب عائقا "دستوريا" غير مسبوق، من شأنه أن يفضي إلى استحالة مشاركتها في العملية الانتخابية القادمة، أو منعها من المشاركة فيها؛ ولن يسعفها، هذه المرة، التوجه الى المحكمة العليا الاسرائيلية التي تواجه، هي نفسها، حملة ضارية وعلنية من قبل بنيامين نتنياهو وحزبه وسائر أحزاب ائتلافه، حيث بات وجودها ودورها التقليدي مهددين، وسقوطها في أحضان القوى اليمينية الجديدة ،كسقوط سائر أجهزة النظام القديم ومؤسساته، أقرب إلى الواقع.

قد يفرح دعاة مقاطعة الانتخابات الاسرائيلية من نشوء هذه الحالة لكنني لست منهم ولا مثلهم؛ فأنا يشغلني هذا الهاجس على خلفية التداعيات الحاصلة في منطقتنا وداخل اسرائيل بداية؛ لا سيّما بعد أن اكتسبت فكرة تهجير الفلسطينيين "شرعية" واسعة، لا بسبب ما أعلنته ادارة الرئيس دونالد ترامب ازاءها وحسب؛ بل بسبب شيوعها وتقبلها من قبل أكثرية أفراد المجتمع الاسرائيلي وشرائحه وقناعتهم بأن تهجير الفلسطينيين ممكن وأن التخلص منهم سوف يريح اسرائيل مرة والى الأبد، وسيؤمن نجاتها، خاصة بعد أن أثبت هجوم حماس في السابع من اكتوبر 2023 أن السلام والتعايش مع الفلسطينيين هما أمران مستحيلان، كما تؤمن تلك الأكثرية. 


هنالك بين الفلسطينيين من يستخفّ بهذه المخاوف ولا أعرف ما هي ضماناتهم؛ وهناك من يأخذها على محمل الجد والقلق، لكنهم يعِدون الله والأرض وشعبهم بالصمود وبمقاومة تلك المشاريع مهما كانت الأثمان التي سيدفعون ومهما عظمت التضحيات، ولهم في تجربة الحرب الجارية على غزة وعلى الضفة الغربية المحتلة برهان وفي صمودهم اعلان: بأن لا نزوح عن الوطن ولا هجرة ولا تهجير.

لا يمكن التنبؤ كيف ستنتهي الأحداث الجارية ولا كيف ستكون الحالة الفلسطينية بعدها. فحماس تدير معركتها حول مصيرها ومكانتها في غزة وفق مصالحها السياسية ورؤاها الحركية الخاصة، ويبدو أنها تؤثر أن تفعل ذلك بالتنسيق مع بعض القوى الاقليمية والدولية وليس من خلال أي اطار وحدوي فلسطيني جامع ؛ بينما تواجه سائر الفصائل الفلسطينية المنتظمة تحت خيمة منظمة التحرير الفلسطينية حالة من الالتباس والضعف أدت عمليا الى استقواء البعض على المنظمة نفسها حتى بات وجودها مهددًا وتقويض دورها في رسم مستقبل القضية الفلسطينية محتملا.  

لسنا، نحن المواطنين الفلسطينيين داخل اسرائيل، في منأى عما يحصل في العالم وحولنا وداخل اسرائيل أيضا، ولا في مأمن من تداعياته؛ فوفق المنطق التهجيري الذي تتبناه حكومة نتنياهو وتجسده ممارسات جيشها في غزة وفي مناطق واسعة في الضفة الغربية لا يجوز لنا أن  نفترض أننا خارج قواعد هذا المنطق، ولا أن نفترض أن مصممي الاستراتيجية الاسرائيلية لا يرون بوجودنا، مليوني مواطن فلسطيني "مُعاديا" داخل دولتهم، عائقا أمام تحقيق "حقهم" بالعيش في دولة يهودية "نقية" من واجبها أن تؤمّن لمواطنيها اليهود الأمن في حيّزات خالية من المخاطر التي يسببها وجود الأغيار/ العرب بينهم.

لا أقول ذلك من باب التهويل أو الترهيب، كما سيّدعي البعض؛ فمن يتابع تصريحات بعض الوزراء وأعضاء الكنيست وعدد من المسؤولين في الأجهزة الحكومية والأمنية، يسمع ويعرف أن جميعم يؤمنون بضرورة ايجاد "حل جذري" لمشكلة وجود العرب المعادين داخل الدولة؛ ويكفي أن نتذكر، كمثال على نواياهم، اقتراح رفع السيادة الاسرائيلية عن منطقة المثلث والحاق سكانه العرب بالاردن، أو أن نتذكر  تهديدنا شبه اليومي بأن من لا يثبت بشكل قاطع ولاءه للدولة ويقبل بجميع قوانينها فليرحل الى غزة أو لأي دولة عربية أخرى. لم تكتف هذه الحكومة باطلاق تحذيراتها وتهديداتها للمواطنين العرب، بل شرعت باتخاذ خطوات فعلية باتجاه تنفيذ ما تعلنه وملاحقة المواطنين العرب والتضييق عليهم مستندة في اجراءاتها القمعية على منظومة قوانين جديدة تستهدف تحجيم هوامش حريتهم وحرمانهم من حقوقهم الأساسية. لقد اشتدت حملات التنكيل والقمع والملاحقة بعد السابع من اكتوبر، فبدأ آلاف العمال والموظفين والمهنيين يواجهون أوامر طردهم من العمل أو تقديمهم الى القضاء بتهم التحريض والمس بأمن الدولة بسبب تعبيرهم عن رأيهم ازاء ما يجري مع الفلسطينيين وتضامنهم الانساني البديهي مع شقاء الناس هناك.


لقد قرأنا في الأسبوعين الأخيرين عن عيّنات من هذه الحالات، كانت من بينها قضية الفنان الساخر نضال بدارنة الذي منعته الشرطة الاسرائيلية من تقديم عروضه على المسرح ثم قامت باعتقاله والتحقيق معه قبل الافراج عنه، وكذلك قضية اعتقال سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي فادي أبو يونس والتحقيق معه، وقضية اعتقال الصحفي سعيد حسنين. تزامنت هذه الاعتقالات مع حملات تحريض مبرمجة ضد عدد من القيادات السياسية والمؤسسات الحزبية وجمعيات المجتمع المدني ومعظمها مستهدفة ومهددة بالملاحقة القضائية وبالقصاص.

لقد أصدر  "مدى الكرمل، المركز العربي للدراسات الاجتماعية والتطبيقية" مؤخرا من حيفا ورقة أعدتها الباحثة غادة مجادلة تحت عنوان "أصوات مكتومة وفضاءات معسكرة: الأطباء الفلسطينيون في المستشفيات الاسرائيلية بعد السابع من أكتوبر" استعرضت فيها واقع هذه الشريحة في ضوء "حوادث ملاحقة الأطباء وغيرهم من مقدمي الرعاية الصحية أثناء الحرب على غزة. وقد تواترت تقارير عديدة عن طرد فلسطينيين من أماكن عملهم في اسرائيل بسبب التعبير عن تضامنهم مع ضحايا غزة وذلك من خلال اعتباره "دعمًا للارهاب" وهو ما يمكن استخدامه ذريعة للفصل عن العمل". لن أرهق القراء بتفاصيل الورقة وبمضامينها القيّمة،  فخلاصتها ببضع كلمات جاءت على لسان معدّتها "أن نظام الرعاية الصحية الاسرائيلي يشكّل جزءا لا يتجزأ من بُنى الدولة، ولا يمكن اعتباره من وجهة نظر سياسية فضاءً محايدا".  احتوت الورقة شرحا مفصلا ومعطيات مقلقة عن حالة الأطباء والعاملين الفلسطينيين في جهاز الرعاية الصحية الاسرائيلي، وهي الحالة التي تنطبق، برأيي، على جميع قطاعات العمل والمرافق التشغيلية حيث يخضع فيها المواطن الفلسطيني لضغوطات تفرزها ذات الفضاءات المجندة قوميا والمعسكرة ذهنيا وغير المحايدة،  فنحن نواجه "مرحلة أخرى من التصعيد الخطير والفاشي" كما وصفها محمد بركة رئيس "اللجنة العليا لمتابعة قضايا الجماهير العربية"  في منشور شامل وضعه على صفحته قبل ثلاثة أيام وأشار فيه الى رزمة من افرازات هذا التصعيد الخطير والفاشي ومظاهر الملاحقات وتضييق الخناق، ودور المؤسسات القضائية فيه ووسائل الاعلام المجندة وتواطؤ المؤسسة الرسمية وأعوانها مع ظاهرة الجريمة وعصاباتها. لقد دعا محمد بركة في منشوره "الى تعزيز الوحدة الوطنية والاجتماعية والى العمل المشترك والبناء في كل مجالات حياتنا" ونوّه إلى ضرورة "العمل في الشارع الاسرائيلي السياسي والاعلاني والشعبي لتجنيد أوسع الأوساط الممكنة (في واقع صعب للغاية)، والى  التحرك على المستوى الدولي لمنع الاستفراد بنا من خلال حكومة ترى في مجرد وجودنا مشكلة".

لن يختلف اثنان على ضرورة العمل وفق ما عدّه محمد بركة كضرورات من أجل "منع الاستفراد بنا من خلال حكومة ترى في مجرد وجودنا مشكلة"؛ فتعزيز الوحدة الوطنية والاجتماعية، وضرورة العمل في الشارع الاسرائيلي السياسي والاعلاني، والتحرك على المستوى الدولي هي المبادىء التي تعلمنا على أهمية أن يضمنها المظلوم الى جانبه في صراعه مع الظالم، وهي في حالتنا الراهنة، اذا اردنا أن نقف ونصمد في وجه الفاشية والفاشيين، ضرورات بحاجة إلى ترجمات فعلية وفورية على أرض الواقع؛ وهي في نفس الوقت مبادىء أساسية للعمل السياسي لكنها بحاجة إلى تصريف وتجسيد من خلال ايجاد الأطر السليمة وبناء الجبهة السياسية المناسبة، رغم صعوبة الواقع الشديدة، كي لا نفيق ونكتشف أن الانتخابات للبرلمان الاسرائيلي ستجري غدا، وأن سفن "العودة" قد جهزتها حكومة اسرائيل الرعناء في مرافىء الأمل!

ويبقى السؤال ماذا لو ستجري الانتخابات غدا ؟ 

الأربعاء، 26 فبراير 2025

الدولة الدرزيّة قاب قوسين أو أدنى: وقفات على المفارق


كتب سعيد نفّاع

مدخل.

هنالك مثل شائع أو قول مفاده: "عبطَه عبْط الدبّ". لا أعرف مصدره ولكنّي مقتنع أنّه ليس عربيّا، فالدِّببة الدِّببة نادرة في أوطاننا. ولكنّ الدِّببة الآدميّة أكثر من أن تُحصى في مشهدنا. وكم يصحّ مثل هذا القول في عبط نتانياهو المتفجّر حبّا للدروز.  

الوقفة الأولى... والتقسيم السوري بحكم الواقع. 

يوم سقوط النظام السابق في سورْية كتبت في وقفات حملتْ العنوان؛ (سقوط الأسد كان في أيّار عام ال21): "يكمن وراء النتائج التي نشهدها ونتائجها وعلاماتها بحكم الواقع، العودةُ على المخطّط الانتدابيّ الفرنسيّ البائد لتقسيم سوريا؛ إنّ التخوّف، المسنود جيوسياسيّا، أنّنا بصدد أربع، إن لم يكن خمس، دويلات\ كنتونات تمامًا كما خطّط المنتدَب الفرنسيّ حينها وفشل؛ سنّية؛ تركيّةُ الهوى مدينةٌ لتركيا، وعلويّة؛ روسيّة الهوى مدينة لروسيا، ودرزيّة؛ إسرائيليّة- أردنيّة الهوى مدينة لإسرائيل وربّما للأردن، وكرديّة؛ أميركيّة الهوى مدينة لأميركا، وطلعت إيران من المولد بلا حُمّص (!) هذا التقسيم الميدانيّ سيبقى إلى أجل غير مُسمّى، وبغضّ النظر عن النوايا ومهما طابت، إن لم يحدث تطورٌ "فوق العادة". وأمّا الحكم المركزي فسيكون "إسلاميّا" على الطريقة التركيّة (الأردوغانيّة - حزب العدالة والتنمية) ولعلّ في ذلك بعض تغيير إلى أفضل...وإلى أن يفعل الله أمرًا كان مفعولا!" 

الوقفة الثانية... ودولة جبل الدروز.

 دولة أعلنها الانتداب الفرنسي على سوريا في الفترة من عام 1921 وحتى عام 1936، وكان يحكمها الدروز تحت الوصاية الفرنسية. تشكلت الدولة الدرزية في 1 مايو من عام 1921، في حين تم إنشاء دويلات صغيرة في أجزاء أخرى من الانتداب السوري (مثل الدولة العلوية في منطقة اللاذقية). كان هذا هو الكيان الدرزيّ الأوّل الذي تمتّع بالحكم الذاتي والذي يسكنه ويحكمه الدروز. ضمّت وقتها جبل العرب والقرى المحيطة به، وشملت أجزاء من إمارة شرق الأردن، بين جبل العرب والأزرق. في 4 مارس من عام 1922 سُمّيت دولة السويداء، على اسم عاصمتها السويداء، ولكن في عام 1927 أعيدت تسميتها باسم دولة جبل الدروز بعد انكسار الثورة العربيّة السوريّة الكبرى 1925-1927 بقيادة سلطان الأطرش. توقف جبل الدروز عن الوجود ككيان مستقل وتمّ دمجه في سوريا نتيجة للضغط القومي السوري بموجب المعاهدة الفرنسية السورية لعام 1936. نجحت القوميّة السوريّة في نضالها ضدّ التقسيم بإعادة توحيد كامل الكيانات التي فرضتها فرنسا، باستثناء لبنان (الذي أصبح مستقلًا) ولواء اسكندرون، الذي ضُم إلى تركيا كمحافظة هاتاي.

الوقفة الثالثة... الدروز والطابور الخامس ورأس الحربة.

الحركة الصهيونيّة وقبل أن يشتدّ ساعدها عملت على أن تضرب وحدة العرب وتضع الدروز رأس حربة في مخطّطاتها\ حلمِها، وإحدى وسائلها كانت الدويلات الطائفيّة سياجًا لها؛ بدءًا ببرنامج حاييم وايزمن رئيس المنظّمة الصهيونيّة عام 1920 (الرئيس الأوّل لدولة إسرائيل لاحقًا)، مرورًا بِـ يتسحاك بن تسفي عام 1932 وما بعده (الرئيس الثاني لدولة إسرائيل لاحقًا) وخطّته الترانسفيريّة؛ نقل دروز فلسطين إلى الجبل. ولاحقًا وبعد العام 1967، عام الهزيمة، مخطّط الدولة الدرزيّة وهو الأشهر.

من نافل القول: إنّ القوى العروبيّة بين الدروز وفي مقدّمها سلطان الأطرش، أفشلت كلّ هذه المخطّطات. ومن نافل القول أيضًا: إنّ "قيادات" درزيّة، ليست قليلة، قبلت على نفسها دور "الطابور الخامس" وكانت جزءًا من هذه المخطّطات، وإن حُيّدت سابقًا لكنّ ورَثتَها يطلّون برؤوسهم اليوم في كلّ مواقع الوجود. فهل غدا "الحلم" قاب قوسين أو أدنى؟!   

الوقفة الرابعة... والوقود العربيّ لِـ "الحلم"! 

أوّل كفاح مسلّح فلسطينيّ عصَبُه كان من الدروز في معركة طلحة- تل حاي عام 1919، وأوّل ثورة مسلّحة فلسطينيّة كان قائدها وعصبُها من الدروز عام 1929-1932؛ ثورة الكفّ الأخضر، والتي قادها الصفديّ ابن قرية قَدَس الدرزي أحمد طافش. وهكذا معركة بلعة الشهيرة في ثورة ال-36؛ حمد صعب، وكذا معارك خط ترشيحا - الكابري؛ سلمان الغضبان.

في عزّ ثورة ال-36 هذه يقود يوسف أبو درّة قائد منطقة جنين حملة تنكيل بدروز الكرمل وبغضّ النظر عن ظروفها ونتائجها و"تنفيخها"، وتمامًا في نفس الزمان الذي كانت تنكّل القوّات البريطانيّة بأهالي الجليل الدروز الفاعلين في الثورة؛ في كسرى وكفر سميع والبقيعة. وفي أوج المؤامرة على فلسطين في الأربعينيّات يرفع الوقف "الإسلاميّ" على يد المحامي الشقيري دعوى لدى محاكم الانتداب على الوقف "الدرزي" لنزع ملكيّة مقام النبي شُعيب (ع) في حطّين. هذا الوقود العربيّ المجاني (كما وقود اليوم) كان الوقود في إيجاد رأس حربة دروزًا لتنفيذ المخطّط الصهيوني في دولة درزيّة تحمي حدود الدولة العتيدة الشماليّة الشرقيّة.      

أبناء وأحفاد طافش والأطرش وصعب والغضبان (حسب الترتيب الزمني)، ورغم هذا الوقود، نجحوا في إخماد النار التي أشعلها هذا الوقود قبل أن يعلو أوار ناره. فهل سيكون النجاح حليفًا لأمثالهم هذه الأيّام؟!   

الوقفة الخامسة... وحملات الإغاثة الدرزيّة الإسرائيليّة!    

بسطاء الدروز الفلسطينيّين اقتطعوا من أقوات أسرهم ودفعوا بسخاء في حملات الإغاثة لدروز سورْية إبّان الأزمة. وضاعت حينها في المعمعان الأصوات التي حذّرت من وجهة هذه الأموال، وحذّرت من تقوية جناح على آخر في الجبل ودقّ الأسافين. هذه الأموال استغلّت في غير غرضها المعلن وجاء مردودها أسرع من المتوقّع، ففعلت فعلها، وما زالت، في المواقف المُعلنة والمُستترة في الجبل؛ تجاه النظام القديم سابقًا والجديد حاليّا، وتجاه إسرائيل. مهما حاولتَ أن تتقصّى ما يحدث في الجبل اليوم ومن أقرب المقرّبين تعجز عن التوصّل إلى خلاصة تشفي الغليل؛ فَـ "طاسة وضايعة"؛ فصيل "كذا" وفصيل "كذا"، وكلّه تحت شعار حماية أهل الجبل من النظام السابق سابقًا ومن الخطر المُحدق من النظام القائم حاضرًا المدجّج بقاعديّين وداعشيّين.

الوقفة السادسة... ونتانياهو والحلم والدعم الدرزي والرفض.   

نتانياهو وهو المتّهم من قبل غالبيّة الرأي العام الإسرائيلي أنّه يقامر بحيوات الأسرى\ المخطوفين الإسرائيليّين (طبقًا للتسميات)، "تفقع درّته" على دروز سورْية حبّا، ويحذّر من المساس فيهم. فما عدا ممّا بدا حتّى يخرج نتانياهو بمثل هكذا تصريح واليوم بالذات؟!   

أوّلاً: هل فعلًا لِـ "المكانة العظمى" لقيادات درزيّة فلسطينيّة عند نتانياهو وكُرمى لخاطرها؟! 

تجد بين الدروز الفلسطينيّين قطاع واسع يسوّق هذه الترّهات، ولسخرية الأقدار يبزّهم في ذلك "ثوّارٌ" من الأمس القريب؛ لبنانيّون. لو كان لهم فعلًا مثل هذه المكانة لما كان الدروز ضحايا، كبقيّة العرب الفلسطينيّين، لسياسة إسرائيل العنصريّة المتعاقبة و"دُرّتها"؛ قانون القوميّة. 

ثانيًا: نتانياهو يصبو إلى تحقيق الحلم الصهيوني الآنف والذي فشل فيه سابقوه من القادة الصهاينة على مدى عقود، فهي فرصة تُدخِله التاريخ الصهيوني من أوسع أبوابه. خصوصًا وهو مزهوّ بالضربة التي وجّهها إلى إيران وحزب الله وسورْية، ليس قبل أن يعطيه هؤلاء كلَّ أسباب نجاح ضربته. عند "أبناء العمّ" مقولة ترجمتها: "الشهيّة تأتي مع الأكل" فشهيّته فاضت والأُكُلُ المثيرة للشهيّة سهلة ومتوفّرة.

ثالثًا: الحكم الجديد في سورْية يتخبّط وأعجز من أن يشكّل رادعًا لإسرائيل التي تقضم يوميّا من الجسد السوريّ، ولا شبع من ناحيتها ولا نأمة من النظام. حجّة إسرائيل الظاهرة هي الخطر الكامن في أصوليّة هذا الحكم وما يخبّئ، وإحدى الضمانات منطقة عازلة تحتلّها. وإن كانت دويلة، أو كنتونًا، تشكّل خطّا أماميّا تحت وصايتها فَـ "زيادة الخير خير وخير". 

رابعًا: أسافين حادّة دُقّت عميقًا، وعلى غير المتوقّع، بين جنبلاط والشيخ الهَجري. لا تحوجُ المرء فراسة نادرة ليُعرف من وراءها وما هدفها، فهذا بحدّ ذاته عامل آخر يسهّل تنفيذ المخطّط خصوصًا وأنّ موقف جنبلاط في هذا السياق صارم ولذا يجب تحييده عن الساحة. أمّا ما هي المصلحة للشيخ الهَجري ولمريديه في ذلك؛ هي مسألة فيها نظر!    

خامسًا: تحقيق هذا الحلم العتيق الجديد لا يتمّ إلًا إن وجد الحالم عند الهدف من هو مستعدّ أن يمدّ له يد العون. واليوم هنالك كُثُر بين الدروز؛ من الجبل مرورًا بالجولان والجليل وانتهاء بالكرمل، وفي الأخيرين أكثر من كُثُر، ممّن لا يرون غضاضة في مدّ يد العون وحجّتهم؛ الغيرة على دروز الجبل وخوفهم عليهم من الغول القابع في دمشق ينتظر ساعة فرج لينقضّ. 

الوقفة السابعة... والتاريخ العروبيّ الثوريّ العريق.        

الصورة أعلاه سوداويّة وليس من فراغ، ولكنّ ما يترك للمرء فسحة تفاؤل هو الإرث العروبيّ القوميّ الثوريّ لدروز الجبل، وغالبيّة الدروز، فتراب الجبل كما بقيّة التراب الذي عليه يقيمون ومنه يأكلون، مخلوط بدماء أهلهم ذودًا عن الانتماء وما كانوا يومًا من المفرّطين. 

ولكن وبغض النظر عن ذلك، فالنظام الجديد في سورْية أوّلًا، نتّفق معه كنّا أو لا، وكلّ من زال يحمل في صدره جذوة الغيرة على هذه الأمّة مُلزمٌ بتفويت الفرصة على "لصوص العصر" وأزلامهم وأدواتهم وأيّا كانوا، ولن تعجزهم القدرة إن توفّرت النوايا وإن لم يكن وراء الأكمة ما وراءها!        

عندها سينكسّر القوسان في وجه حامليهما قبل أن يهترئ من طول الحَمل! 

26 شباط 2025


مينمار، الجرح الآسيوي الغائر، ما مصيرها في عهد ترامب؟


 

بقلم: د. عبدالله المدني*

مع بدء العهد الجديد للرئيس الامريكي دونالد ترامب زادت المخاوف في آسيا عموما، وفي دوائر رابطة آسيان الجنوب شرق آسيوية خصوصا من انكفاء واشنطن عن مساعدة القوى الديمقراطية في ميانمار (بورما سابقا) ضد الطغمة العسكرية الحاكمة في هذا البلد منذ انقلابها في عام 2021 على الحكم الديمقراطي القصير بقيادة السيدة "سان سوتشي"، والذي تلته حقبة جديدة من الإدانات والعقوبات الأمريكية والأوروبية والأسترالية.

صحيح أن واشنطن مذاك تقاعست عن دعم الجماعات التي تحاول استعادة الديمقراطية هناك بالشكل المطلوب، لكن الصحيح أيضا أن الدعم الامريكي، رغم ضآلته، بات مهددا اليوم، خصوصا مع إعلان ترامب مؤخرا تجميد كافة برامج المساعدات الخارجية التي تقدمها الوكالة الامريكية للتنمية الدولية، شاملة البرامج الصحية والحقوقية والعسكرية والاعلامية وتلك المتعلقة بدمقرطة انظمة الحكم.

وهذا، تحديدا، يثير المخاوف ويبعث برسائل سلبية لشعوب ميانمار التي مزقتها الحروب والصراعات الداخلية، بل ويبعث أيضا رسائل سلبية لدول الجوار القلقة من تأثير ذلك على أوضاعها الداخلية. وبعبارة أخرى فإن هناك قلق محلي وإقليمي من أن وقف واشنطن لبرامجها التمويلية للمعارضة الميانمارية سوف يزيد من تدخلات الصين وغطرسة المجلس العسكري الحاكم في ميانمار، وبما يضعف حتى دور رابطة آسيان، التي تضم في عضويتها ميانمار منذ عام 1997. علما بأن آسيان تعثرت في مساعيها الرامية لانقاذ ميانمار من مأزقها بسبب مبدأيها الأساسيين والمتمثلتين في: عدم التدخل في شؤون أعضائها الداخلية، وضرورة توفر الإجماع في ما تتخذه من قرارات، وهو ما أفشل دوما جهودها لجهة التوسط في أي نواع ثنائي بين أعضائها.

ومن المرجح أن أي جهود جديدة من قبل آسيان لحل هذا الملف الشائك مصيرها الفشل، خصوصا في ظل القيادة الحالية للرابطة التي تتولاها ماليزيا المعروفة بساساتها المهادنة للنظام الصيني. وهذا بدوره يفتح المجال مفتوحا أمام الصين التي ما برحت تدعم النظام العسكري القمعي في ميانمار بكل الوسائل وتمده بأسباب الحياة والبقاء من أجل المحافظة على نفوذها هناك وتعزيزه في مواجهة محاولات الهند الدؤوبة لإيجاد نفوذ مماثل في ميانمار المجاورة لها، بل التي كانت جزءا منها إداريا زمن الهيمنة الإستعمارية البريطانية. والمعروف أن الهند سعت لتأسيس موقع قدم قوي لها في ميانمار كي تحول دون حصول بعض الجماعات الهندية المتمردة على ملاذات آمنة في مناطق شمال غرب ميانمار الجبلية النائية، وبالتالي حرمانهم من تهريب الأسلحة وشن هجمات على "ما نيبوري" في شمال شرق الهند. كما أن الهند حرصت على خلق نفوذ لها هناك لأسباب اقتصادية متمثلة في الحصول بيسر على النفط والغاز والطاقة الكهرومائية. 

ومن أمثلة التمدد الصيني في ميانمار، التجارة البينية النشطة عبر الحدود التي يبلغ طولها 2185 كيلومترا، على الرغم من الحرب الأهلية، ناهيك عن خطط صينية بمليارات الدولارات لتطوير الطرق والشكك الحديدية في ميانمار ومينائها الرئيسي، ضمن مشروع الممر الاقتصادي بين الصين وميانمار، وهو مشروع متفرع من "مبادرة الحزام والطريق" الصينية. أضف إلى ذلك الدور المزدوج والمعقد لبكين في هذه البلاد والمتمثل في تزويد النظام العسكري الحاكم بمختلف أنواع الأسلحة من جهة، وتزويد ميليشيات ولاية "وا" أيضا بأسلحة مماثلة من جهة أخرى. ويمثل الطرف الأخير، وهو أكبر ميلييشيات ميانمار المسلحة، بقايا الحزب الشيوعي البورمي الذي دعمته الصين طوال حقبة خلال الحرب الباردة.

وفي رأي العديد من المراقبين فإن هذه السياسة الصينية المزدوجة تستهدف إبقاء ميانمار في حالة ضعف وانهاك لأن ذلك يسهل لبكين السيطرة عليها وممارسة سياسة العصا والجزرة المعروفة بشكل يحقق مصالحها الاستراتيجية.

غير أن تلك السياسة الصينية لها سلبياتها، وهو ما تدركه بكين جيدا، لذا فهي تبادر إلى قطع الدعم عن الميليشيات المسلحة كلما نجحت الأخيرة في انتزاع بعض الأقاليم من سيطرة النظام العسكري الحاكم، خصوصا إذا كانت تلك االأقاليم متاخمة للحدود الصينية ولبكين فيها مصالح كبيرة وموانيء وخطوط لنقل النفط والغاز، وذلك كنوع من الحيطة والحذر والخوف من تدفق واسع للاجئين عبر الحدود، وحدوث قلاقل تعطل التجارة البينية الرابحة.

ولعل هذا يفسر ما حدث في أواخر ديسمبر 2024، حينما أوقف "جيش التحالف الوطني الديمقراطي" المتمرد ضد المجلس العسكري الحاكم وحليفه "جيش تحرير تانغ الوطني" تقدمهما للسيطرة على المزيد من الأراضي، بناء على ضغوط مارستها بكين عليهما. ولعل ما يعزز هذا التفسير أن أحد زعماء المتمردين سافر إلى بكين في ديسمبر المنصرم تحت ستار الإستشفاء في أحد المستشفيات الصينية، فيما كان الغرض هو التباحث مع القيادة الصينية حول الحصول على مقابل للإمتثال لأوامر وطلبات الأخيرة.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: فبراير 2025م

الخميس، 20 فبراير 2025

مصــر، السـعودية، الجزائــر ومفهوم امتلاك أسباب القوة


  إن تأمين حدود الدولة وأمن المجتمع وحماية الشعب واجب مؤكد على الحكومات ويستمد أصالته من دستور البلاد، ومن أجله يتم اتخاذ كل ما يمكن لضمان تحقيق هذا الهدف.

صبحة بغورة تكتب :


لايزال الفكر السياسي والوعي الإنساني عامة قاصرا على تجنب النزاعات وغير قادر على احتواء الخلافات ونشر القناعات بالكف عن التلويح بشن الحروب التي تراها بعض الأطراف ذات الشحنة النفسية المائعة حلا سريعا في حسم قضاياه الدولية المستعصية عليه ،وهذا برغم جهود مختلف الهيئات الدولية وموقف الاتحادات الإقليمية ولوائح المنظمات العالمية المطالبة بضرورة نبذ العنف ،وتجنب خطابات الكراهية والعنصرية  والتطرف المسلح ، ومكافحة ظواهر نشر الأسلحة الفتاكة وانتشار القواعد العسكرية في كل بقاع العالم.

في القضايا العادلة التي يؤمن أصحابها بسلامة مواقفهم وصدق نواياهم هم فقط من يلتزمون بالرقي الإنساني في أساليب تناول المسائل الخلافية عن طرق التشاور ومن خلال الحوار، ويتمسكون بمبدأ معالجة القضايا والنزاعات بالوسائل السلمية،وبالمحادثات الدبلوماسية الناعمة كخطوات لحلحلة وضع قائم معقد ، وبالمفاوضات من أجل التوافق حول وضع حلول سياسية ثابتة لها يكون من شانها أن تضع سقفا أمام مؤامرات الدفع نحو الحروب من خلال إثارة الفتن ،ولكن قد يستغرق هذا المسار زمنا قد يطول لسنين عددا، ويمكن أن لا تتحقق به في النهاية أي نتائج ترضي أطراف النزاع بقدر ما يمكن أن يترتب على طول أمدها أبعادا أخرى قد تتعقد معها الأمور أكثر، مثلما هو الحال بالنسبة لقضايا الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية تحديدا التي تشابكت خيوطها وتضاربت مصالح أطراف خارجية حولها فخفتت أضواء شموع الأمل في قرب رؤية  سلمية الحل، وفي المقابل كشّرت قوى الشر عن أنياب نفوس متعطشة للدم ، وانحرفت بالصراع من مسألة حرية وحدود إلى قضية بقاء ومصير ووجود.


إرادة التوسع لدى الكيان المحتل التي أثارت في نفوس داعميه الأطماع الاستيطانية فقد وضعت دولا جوارية ذات منعة وسيادة أمام تحدي قبضة القوة ، ووضعت قوى الخير العربية أمام امتحان الجدارة للدفاع الشرعي عن الأوطان ومهمة حفظ الحق العربي في ضمان الحرية والأمن والسلام والإسهام بفعالية في صنع الحضارة الإنسانية، إنها دول تبوأت مكانتها الريادية بسبب الزخم التاريخي الذي تتمتع به والطاقات البشرية والمادية الكبيرة ،إنها دولا ذات حضارات ضاربة في جذورالتاريخ تؤمن بأن لا معنى لأي جهد للمحافظة على هذا الحق الأصيل بدون قوة تحميه وتصونه قوة عمادها النفوذ السياسي الواسع والمؤثر ، وتستمد مناعتها من إمكانياتهاالاقتصادية الواقعية والعملية ، ومن وعي جماهيري عميق وإدراك واسع وثقافة ناضجة ، من قوة عسكرية مهيبة ومتطورة ...


إنه مفهوم الأخذ بأسباب القوة كواجب لا يمكن تجاهله، ولا يجوز التغافل عن حقيقته أو نكرنه وهذا من منطلق فرضية أكيدة وثابتة " إن من يريد السلام عليه دائما أن يكون مستعدا للحرب" وتسبيق إرادة السلام أولا في هذه العبارة تحمل نفيا مبطنا بوجود أي نوازع للاحتلال أوللتوسع غصبا على حساب الغير، أو الظن بوجود ميل إلى السباق نحو التسلح الذي غالبا ما ينصرف معناه إلى سوء النوايا وينطوي على الإشارة إلى وجود خطر مخططات التآمروإرادة التعدي ، أو إلى ثبوت حقيقة التورط في حروب القوة الفائضة حيث يصبح الثقل العددي لهذا التيار يتحدد بالحلفاء والمرتزقة وليس عبر أطراف الصراع الرئيسيين، لذلك كله فالأخذ بأسباب القوة كمفهوم كما سبق ذكره يمكن تلمس حقيقته من خلال نوعية التسليح الذي يتميز بالطابع الدفاعي ، ويكون المؤشر عليه هو قصر المدي المؤثر للقذائف ودانات المدفعية والصواريخ، وكذا مدى التحليق بالنسبة للطائرات.. وحجم القوات المسلحة عموما، والعكس صحيح  فسباق التسلح كم هو واضح من معناه ينطوي على نوعية التسليح الهجومي الذي يتميز بالمديات الطويلة والقوة التفجيرية الشديد والتعداد الضخم للقوات المسلحة.. وفي بعض الحالات تلجأ الدول إلى المزاوجة بين الحالتين الدفاعية والهجومية إذا كان أمنها القومي يستدعي القيام بعمليات وقائية خارج الحدود الوطنية. 

التحديات الأمنية في منطقتنا العربية خطيرة والمؤامرات  قوية وكبيرة وأساليبها متعددة ، ولكن كما هي الثوابت في واقع وطبيعة العلاقات العربية  يجد الأخ  دائما أخاه وقت الشدة . 

الأربعاء، 19 فبراير 2025

التنافس الاميريكي الصيني في مجال الذكاء الاصطناعي


 بقلم: د. عبدالله المدني*

بمجرد أن أطلقت الصين في 20 يناير 2025، تطبيقها الخاص للذكاء الإصطناعي المعروف باسم DeepSeek ، وما اعقب ذلك من قيام مجموعة من الباحثين الصينيين بنشر ورقة بحثية تفيد بأن "ديب سيك" هو أحدث نموذج للذكاء الاصطناعي، وأنه يحقق أداء مشابها لمثيله الأمريكي ChatGPT، وأن هذا الانجاز، الذي تحقق بتكلفة منخفضة وباستخدام عدد قليل من الرقائق، جاء ردا على "الغطرسة والقيود والضغوط الأمريكية"، راح بعض العرب يهلل ويطبل للإنجاز الصيني، وكأنه انجاز يُعزى لوطنه، وراح البعض الآخر، من منطلق عدائه لكل ما هو غربي، يبشر بسقوط العهد التكنولوجي الامريكي قريبا، حتى قبل أن يستخدم التطبيق الصيني عمليا للتعرف على مميزاته "العظيمة".

ولاحاجة لنا للقول أن الحدث جاء في إطار التنافس الأمريكي ــ الصيني القائم منذ سنوات في مختلف المجالات العسكرية والعلمية والجيواستراتيجية والتجارية والصناعية، ووصل اليوم إلى مجال الذكاء الإصطناعي (AI) الذي يُعزى فضل ابتكار نماذجه وإطلاقها إلى العالم للولايات المتحدة التي استثمرت فيه مواردها الذتية وأموالها وعقولها البشرية. وبطبيعة الحال، وجد الصينيون أنهم سوف يتخلفون عن الأمريكيين إن لم يبادروا إلى عمل شيء مواز، خصوصا بعد أن أغلقت واشنطن الطريق أمامهم، وفرضت عليهم حصارا تجاريا وتكنولوجيا ومعرفيا.

لا يمكننا هنا التقليل من الإنجاز الصيني الجديد، والذي نجم عن استثمارات صينية هائلة في الذكاء الإصطناعي فاقت 50 مليار دولار في عام 2023، ويتوقع أن تتواصل لتصل إلى 120 مليار دولار أمريكي بحلول 2027، طبقا لبيانات "مركز أبحاث الذكاء الإصطناعي العالمي". لكن يبقى السؤال هو: هل "ديب سيك" انجاز صيني بحت؟ أم أنه اعتمد جزئيا أو كليا على تكنولوجيات ومكونات أجنبية؟

في 29 يناير الفائت، وفي جلسة استجوابه أمام مجلس الكونغرس الأمريكي للبت في تعيينه وزيرا للتجارة في إدارة ترامب الجديدة، قال هوارد لوبتيك أن شركة "ديب سيك" لم تكن لتنجح في انجازها لولا شرائها كمية كبيرة من رقائق Nvidia (شركة متعددة الجنسيات مقرها كاليفورنيا وتعد الابرز في تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي) قبل أن تحظر الولايات المتحدة صادرات الرقائق إلى الصين في أكتوبر 2022، وأن الشركة الصينية سرقت البيانات من منصة Meta المفتوحة، وأضاف أن الصينيين نجحوا في الالتفاف حول ضوابط التصدير الأمريكية من خلال الإستعانة بدولة ثالثة. وفي هذا السياق نتذكر أن صحيفة "وول ستريت جورنال" نشرت في يوليو 2024 ما مفاده أن مؤسسات سنغافورية تعمل لصالح الصين اشترت كميات من شرائح الذكاء الاصطناعي المتطورة من Nvidia  ودفعت أموالا لطلاب صينيين من أجل مساعدتها.

وفي السياق نفسه، لابد من الإشارة إلى ما قاله مستشار البيت الأبيض لشؤون الذكاء الإصطناعي والعملات المشفرة ديفيد ساكس لشبكة فوكس نيوز من أن "ديب سيك" استخدمت طريقة تسمى "التقطير  المعرفي" أو knowledge distillation لإستخراج البيانات من نماذج OpenAI لصالحها، علما بأن "التقطير المعرفي" تقنية يتم فيها استخدام مخرجات نموذج الذكاء الإصطناعي الأكبر لتدريب نموج أصغر وتحسينة، وهي تقنية شائعة في تدريب الذكاء الإصطناعي وتتطلب قوة حاسوبية أقل بكثير مما استخدمته شركة OpenAI لتدريب ChatGPT. ومن جهتها أكدت OpenAI ما قاله ديفيد ساكس حول عملية التقطير المعرفي، وانتقدت شركة "ديب ستيك" لإنتهاكها حقوق الملكية الفكرية. 

والغريب هنا أن كاتب عمود صيني مقيم في بكين ومعروف كخبير في مجال تكنولوجيا المعلومات هو "وانغ تشي يوان" قال أنه من الواضح بعد فحص بعض الخصائص أن برنامج DeepSeek V- 3 الذي تم إصداره في 26 ديسمبر 2024 أستخدمت فيه تقنية التقطير عند التدريب. لم يكتف الخبير الصيني بذلك فحسب وانما أخبرنا أيضا بأن ورقة أكاديمية نشرتها مجموعة من الباحثين الصينيين في 25 نوفمبر الماضي بينت بالتفصيل عملية التقطير وفعاليتها، مضيفا أن نموذج الذكاء الإصطناعي المصنوع من البيانات المقطرة مثل "ديب سيك" قادر على الإجابة على أسئلة او حل مشكلات من تلك الشائعة في مرحلة الدراسة الثانوية مثلا، لكنه غير قادر على الإجابة على الأسئلة الصعبة والمعقدة على نحو ما يفعله ChatGPT.

ونختتم بالقول أن الانجاز الصيني لا يمثل خطرا على موقع الولايات المتحدة التنافسي في الذكاء الإصطناعي، وإنْ قيل خلاف ذلك. إذ تبقى الأخيرة متفوقة بمراحل بسبب امكانياتها المالية والاقتصادية الهائلة، وقدراتها الفريدة في استقطاب المواهب العالمية، ونظامها الجامعي المتقدم، ومراكزها البحثية المذهلة، وقدرتها على بناء تحالفات قوية وسريعة حول الذكاء الإصطناعي ومنصات التكنولوجيا المستقبلية، ناهيك عن تصدر شركاتها عملية تطوير نماذج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي المتقدمة.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: فبراير 2025م


الجمعة، 14 فبراير 2025

من دكا الى لندن .. قصص الفساد لا تنتهي

 


بقلم: د.عبدالله المدني

التحقيقات التي تجريها سلطات مكافحة الفساد في بنغلاديش منذ سقوط زعيمتها السابقة الشيخة حسينة واجد وفرارها إلى الهند في أغسطس 2024، وصل رذاذها إلى العاصمة البريطانية مؤخرا في صورة تقارير ومزاعم أشارت إلى أن الوزيرة البريطانية المسؤولة عن مكافحة الفساد في الحكومة البريطانية العمالية برئاسة "كير ستارمر" السيدة "تيوليب صدّيق" متورطة في علاقات وروابط مشبوهة مع الحكومة البنغلاديشية المخلوعة بقيادة خالتها الشيخة حسينة واجد، بدليل العثور على مواد تدينها بالفساد وُجدتْ في المقر الرسمي لحسينة في دكا بعد الاطاحة بها. وقد شملت تلك الأدلة التورط في صفقات عقارية مشبوهة في بريطانيا، ولعب دور في اختلاس وغسيل أموال عبر صفقة نووية مع الروس والهنود بقيمة 12.65 مليار دولار (طبقا لبنغلاديش نيوز 24). وبسبب ما جمعته من أدلة ضدها رفعت حكومة بنغلاديش المؤقتة بزعامة البروفسور محمد يونس دعوى جنائية ضد صدّيق بتهمة تورطها في الفساد والاختلاس وهذا أدى بدوره إلى فضيحة سياسية في لندن، وتحرك السلطات لإجلاء الحقيقة.

طبقا لكبريات الصحف البريطانية، تبين أن صدّيق تملكت في عام 2004 شقة مكونة من غرفتي نوم بالقرب من منطقة "كينغ كروس" في لندن دون أن تدفع ثمنها، وأن هذه الشقة قدمتْ لها بعد أن تمّ شراؤها في عام 2001 بمبلغ 195 ألف جنيه استرليني من قبل مطور عقاري له صلات وعلاقات بشخصيات نافذة في "حزب رابطة عوامي" البنغلاديشي بقيادة خالتها الشيخة حسينة واجد المتهمة اليوم مع حزبها، من قبل النظام الجديد في دكا، بجرائم كثيرة تتراوح بين الإختلاس من النظام المصرفي البنغلاديشي والقتل والإختفاء القسري والاحتيال المالي .

وزعمت صحف بريطانية أخرى أن تحرياتها دلت على أن صدّيق سكنتْ في أكثر من شقة في لندن منها واحدة في هامبستيد تمّ نقل ملكيتها إلى شقيقتها من قبل المحامي البارز "معين غني" الذي يمثل حكومة بنغلاديش السابقة بقيادة حزب رابطة عوامي.

وبطبيعة الحال نفت الوزيرة صدّيق ما أثير حولها من لغط ، قائلة: " في الأسابيع الأخيرة، كنتُ موضوع تقارير إعلامية معظمها غير دقيقة حول شؤوني المالية وعلاقات عائلتي بالحكومة البنغلاديشية السابقة".

وفي خطوة من جانبها لتبييض صفحتها ودفع شكوك الفساد بعيدا عنها، لاسيما وأنها وزيرة مسؤولة عن مكافحة الفساد، أحالت نفسها إلى مستشار الحكومة لشؤون المعايير الوزارية السير "لوري ماغنوس". ولقيت هذه الخطوة الترحيب من رئيس الوزراء ستارمر الذي صرح بأن وزيرته اتخذت القرار الصحيح، وأفتخر في الوقت نفسه بالقانون الوزاري الجديد الذي سنته حكومة حزب العمال الحالية حول السماح للوزراء باللجوء إلى مستشار المعايير الوزارية من أجل إثبات أو نفي ما يحوم حولهم.

ويبدو أن صدّيق تعرضت لضغوط، خصوصا بعد أن تبين وجودها في موسكو في عام 2013 في نفس الوقت الذي كانت فيها الشيخة حسينة واجد تجري محادثات حول صفقة نووية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (إدعت أن ذلك كان مصادفة بحتة وأنها كانت في موسكو آنذاك كسائحة)، بل أن هذه الضغوط زادت عليها وعلى حزبها من قبل حزب المحافظين المعارض في اعقاب صدور نتائج التحقيقات التي لم تدنها صراحة وانما اكتفت بالقول أن المسائل الخاصة بعقاراتها لا يمكن التاكد منها بسبب نقص الوثائق والأدلة. وعليه تقدمت باستقالتها في 16 يناير، من خلال رسالة قالت فيها: "ولائي كان وسيظل دائمًا لحكومة حزب العمال وبرنامج التجديد والتحول الوطني الذي شرعتْ فيه، لكن من الواضح أن بقائي في هذا المنصب سيشكل عائقًا أمام تحقيق الأهداف التي نعمل من أجلها".

شكل هذا الحدث أول هزة لحكومة العمال منذ استلامها السلطة في يوليو 2024، وأحدث ارتباكا في عملها، ما دفع ستارمر إلى المسارعة بتعيين بديل لصدّيق، حيث منح حقيبها لـ "إيما رينولدز" وزيرة الدولة في وزارة العمل والمعاشات التقاعدية. 


لكن من هي توليب صدّيق؟

في عام 1975 أقدمت مجموعة من الضباط في دكا على انقلاب دموي راح ضحيته مؤسس دولة بنغلاديش الشيخ مجيب الرحمن وكافة أفراد أسرته، باستثناء إبنتيه (حسينة وريحانة) اللتين كانتا آنذاك في رحلة إلى ألمانيا الغربية. عاشت الشقيقتان سنوات طويلة في المنفى الأوروبي ثم المنفى الهندي إلى أن عادت حسينة إلى السلطة في دكا على رأس حزب والدها المغدور بُعيد انتخابات عام 1996. أما ريحانة فقد منحت حق اللجوء السياسي في بريطانيا في شبابها والتقت هناك بمواطنها شفيق أحمد صدّيق الذي كان يعد وقتها رسالته لنيل الدكتوراه والذي اصبح لاحقا بروفسورا في جامعة دكا، فتزوجته عام 1980 وانجبت له ابنتهما الأولى تيوليب في عام 1982 التي تزوجت من بريطاني وتخرجت من كينغز كولدج في لندن قبل أن تشق طريقها في عالم السياسة من خلال حزب العمال.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: يناير 2025م

 


كيف تنظر الإدارة الأمريكية إلى مصر؟


رغم التوترات السياسية الحالية بين مصر وأمريكا على خلفية ما تعرفه القضية الفلسطينية من تطورات تنذر بتصفية جميع الأراضي المحتلة من الوجود الفلسطيني، وافقت وزارة الخارجية الأمريكية على صفقة عسكرية محتملة لمصر.  

صبحة بغورة تكتب :

            

في ظل تفاقم أوجاع غزة وتزايد هموم العرب، بعد بلوغ تعقيدات القضية الفلسطينية حد الخطورة القصوى حتى بات الجميع في مواجهة هواجس السؤال الحائر إلى أين تتجه الأزمة وقد أصبحت كارثة     تهدد بشرخ الشعوب ،برز من لا يزال مفهوم الغباء يسيطر على تفكيره ويوجه سلوكه بلجوئه إلى تكرار نفس الأمر وينتظر نتيجة مختلفة ! قد يلتمس له البعض شيئا من العذر حيث لا ثقافة سياسية له بعدما سبق أن كرّس حياته كلها كسمسار حتى أصبح امبراطور عقارات ، لذا فلا غرابه أن يتصرف بمنطق الكاوبوي 2025 مال وقوة.. وسياسة عرجاء تجاوزت كل الحدود والآداب وصارت وسيلة لتمزيق الروابط الدينية ولهدم الثوابت الأخلاقية لشعوب تمتلك عقيدة الدفاع عن أرضها. 

لقد تراجعت المواقف تباعا تراجعا مخزيا واختفت لغة التهديد والوعيد في الخطاب الرسمي عندما لجأت الأمم في آسيا وأمريكا اللاتينية إلى مبدأ المعاملة بالمثل بل وأكثر، واليوم الأنظار اللئيمة هي صوب الشرق الأوسط ، وتحديدا مصر، فموقفها الثابت المتمثل في دعم صمود الشعب الفلسطيني وتثبيت أقدامه على أرضه أمام مؤامرات الكيان المحتل من خلال مواصلة إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية و العلاجية ، ورفض تهجيره ، والتمسك بحل الدولتين، قد انعكس عليها عداوة شديدة تنذر باندلاع الحرب مع الكيان المدعوم من الولايات المتحدة ، ولكن يبدو أن عدم التراجع وإظهار قدر كبير من التماسك الشعبي والقوة العسكرية على أرض الفيروز سيناء سيدفع من لا ثقافة سياسية له إلى الانزواء بعيدا للبحث عن حل آخر، والحقيقة أنه لا حل آخر سوي حل الدولتين.

بالنظر إلى الواقع السياسي في منطقة المشرق العربي نجد أن المكانة الإقليمية لمصر ونفودها السياسي وقوتها العسكرية أكسبتها ميزة جيوـ سياسية هامة استدعت على ما يبدو تصحيح نظرة الإدارة الأمريكية إليها حيث اتضح لها أن مصر دعامة رئيسية للاستقرار الإقليمي خاصة بعد تأكيد التزامها بمعاهدة السلام مع اسرائيل، وبروز دورها الهام في تهدئة النزاعات بالمنطقة ،لذلك أصبحت القناعة تتلخص في ضرورة الحفاظ على جيش مصري قوي يمكن ـ حسب ما تعتقد الإدارة الأمريكية ـ أن يخدم مصالحها ،حيث يغلب الظن أن ذلك يضمن وجود طرف قادر على تحقيق التوازن العسكري أمام قوة إقليمية أخرى خاصة إيران، ووجوده يمنع حدوث أي فراغ استراتيجي قد تستغله أطراف غير مرغوبة. 

ورغم علاقات الشد والجذب بين القاهرة وأمريكا فقد وافقت وزارة الخارجية الأمريكية على صفقة عسكرية محتملة لمصر بقيمة 625 مليون دولار تتضمن أنظمة قتالية متطورة تهدف إلى تحديث السفن الهجومية السريعة، وتشمل أيضا تطوير أنظمة القتال وتحديث رادارات المراقبة الجوية والسطحية ، وتعزيز أنظمة الحرب الإلكترونية، وتحسين أنظمة الاستشعار وهي خطوة جديرة بالتأمل لأنها تعكس في وقتنا الحرج إرادة استمرار التعاون العسكري بين البلدين..

يحدث هذا في وقت صرّح فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن تصفية غزة من أهلها الفلسطينيين ليس بالأمر العاجل حاليا، فيما يرى مجموعة المستشارين بالبيت الأبيض أن إرسال جنود أمريكيين إلى قطاع غزة خطأ لأنه ينطوي على حرج شديد لأمريكا أمام مجموعة الدول العربية وكافة دول العالم ، وأنه قد يكون من الأفضل انتظار استلامه من إسرائيل بعد انتهاء مهامها  القتالية فيه، ثم تطلق يد السعودية والدول الخليجية الغنية في عملية إعادة الإعمار، هذا بينما كان الكيان المحتل يمني النفس في الاستقواء برؤية دعم امريكي عسكري مباشر في كافة مراحل عملية تهجير الفلسطينيين من أرضهم ، بما في ذلك المواجهة العسكرية المحتملة  مع الجيش المصري ، ولكن من جهة أخري يعتبر البنتاغون أن مصر حليف رئيسي قوي في المنطقة . وعلينا ألآن أن ننتظر ما تحمله الأيام لتقييم مكانة مصر بين الإدارة الأمريكية والبنتاغون. .

 أيهما يستغفل الآخر


الثلاثاء، 11 فبراير 2025

كتاب مفتوح الى فخامة الرئيس جوزاف عون

 


فخامة الرئيس العماد جوزاف عون المحترم…


اكتب لكم كمواطن لبناني يعيش في الغربة كان يطمح أن يعيش حياته في ربوع بلاده، لكن الظروف الداخلية القاسية التي سببتها الحروب الأهلية والفساد، افسدت علينا احلامنا، بالإضافة الى ذلك جاء الإحتلال الإسرائيلي الغاشم الذي فصل جنوبنا وأهله عن باقي أجزاء الوطن لتزداد المعاناة، الى ان كانت الهجرة او بالأحرى التهجير الخيار المر للخروج بحثاً عن مستقبل خارج لبنانناً الحبيب.


فخامة الرئيس، 

لبنان بلد لا يشبه الا نفسه، واللبنانيون شعب (شعوب) يختلف عن غيره من كل الشعوب، السياسيون في لبنان يشبهون السياسيين في العالم بالأسم أما الاداء فحدث ولا حرج.

 

فخامة الرئيس، 

لا شك عندي أنكم على دراية بهذه التفاصيل، لا بل أكثر من ذلك لانكم من خلال دوركم في قيادة الجيش وما قبلها عايشتم تفاصيل الحياة اليومية للبنانيين، وإداء الطبقة السياسية التي وصل بها الأمر لنهب جنى عمر اللبنانيين.


فخامة الرئيس،

ان استقرار الاوطان يتأتى من حصول المواطنين على حقوقهم والقيام بواجباتهم، وليس لدي أدنى شك ان اللبنانيين قادرون وينوون العمل بكل ما اتوا من قوة لملاقاتكم وتحقيق الحلم بإعادة بناء الوطن والتأسيس لدولة عادلة.


فخامة الرئيس، 

نعلم انكم لا تملكون العصا السحرية لحل المشاكل التي تراكمت على مر السنين والأعوام، التي كان يرضخ فيها جزء من لبنان لإحتلال اسرائيلي حتى التحرير ايار عام 2000 ، هذا الاحتلال لا يخفي نواياه العدوانية الظاهر منها والمبيت وهذا ما ثبت في العدوان الاسرائيلي الأخير والتدمير الممنهج للبنى التحتية في لبنان، وخصوصا في الجنوب حتى بعد وقف إطلاق النار الذي يخرقه العدو بصلافة بحجة الحفاظ على الاتفاق!


في الداخل كانت الوصاية السورية تدير الطبقة السياسية بطريقة بعيدة كل البعد عن كل المعايير السياسية، بسبب تزلفها وتقديم مصالحها على مصالح الوطن والمواطنيين.


فخامة الرئيس، 

نعلم ان لبنان لا يعيش في جزيرة معزولة، ويتأثر بما يدور في المنطقة، وهناك دول اقليمية وكبرى تتدخل في شؤون لبنان الداخلية وطبعاً بما يخدم مصالحها، ولكن هذا ليس قدراً اذا ما تضافرت جهود اللبنانيين بالعمل على تقديم قضايانا الوطنية ووحدتنا على ما عداها.

 

فخامة الرئيس، 

اليوم وقد تصديتم لتحمل مسؤولية اعلى منصب في البلاد، عيون الناس شاخصة اليكم، ويحدوها الامل ان يكون لبنان على عتبة بداية جديدة. وقد حددتم اولوياتكم في خطاب القسم والتي لن أعيد سردها ها هنا، وكما عاهدتنا في خطاب القسم فإننا نعاهدكم على العمل معكم نحو المستقبل الأفضل.


فخامة الرئيس،

ان الحرية ولبنان صنوان لا يفترقان، ولكن اللبنانيين عانوا الكثير من الخيبات بسبب فساد الطبقة السياسية والإحتلال والوصاية، ولكن كل ذلك لم يقهر اللبنانيين الذين تصدوا للإحتلال وقدموا الغالي والنفيس في سبيل ذلك حتى يبقى لهم مكان تحت الشمس.


فخامة الرئيس،

نعرف ان النظام اللبناني نظام طائفي، والمادة 95 من الدستور قبل وبعد الطائف تدعو الى الغاء الطائفية السياسية، وهذا ما لم ينفذ لان العصبية والخوف من الآخر تضع العوائق بين اللبنانيين، وتأتي على التضامن والانسجام الإجتماعي والإنساني والوطني وهذه واحدة من التحديات الكبرى إن لم نقل الوجودية.


فخامة الرئيس، 

قد تقدم لنا الدول الصديقة والشقيقة المساعدات بما يتناسب مع مصالحها، لكن الكرة تبقى في ملعبنا نحن معشر اللبنانيين من قمة الهرم الى قاعدته لنبعث طائر الفينيق من رماده "فاذا فسد الملح فبماذا يُملَّح"؟


فخامة الرئيس، 

ان التنمية البشرية أساس الإزدهار، ولبنان الغني بأبنائه ذوي الإختصاص في كل المجالات، المقيميين منهم والمغتربين ينتظرون ان تسمح لهم الظروف للمشاركة في إعادة بناء الدولة والوطن. 


فخامة الرئيس،

التعليم ياتي في مقدمة عملية البناء وتأمين المستقبل، ولذلك نرى ان تفعيل دور المؤسسات التربوية والجامعات للنهوض بالأجيال الجديدة، ليدخل لبنان إلى عالم الإقتصاد الرقمي والذكاء الإصطناعي والمنافسة في السوق العالمية، ولا يمكن ان ننسى الصناعة والزراعة والسياحة.


طبعًا، لا يخلو الأمر من التحديات، والتحديات التي تواجهكم وتواجهنا تنوء بها الجبال ولكنها أمانة، وانتم خير من يؤتمن عليها مع كل الاخيار من اللبنانيين سواء كانوا في السلطة او خارجها. وها هي حكومة عهدكم الأولى ابصرت النور وأصبح فريق العمل متكامل لإعادة بعث الروح في الإدارة اللبنانية لدفع عملية البناء قدماً.


فخامة الرئيس،

لقدعانى لبنان من فراغ مزمن، إضافة إلى ذلك كانت كل المكونات قد اختبرت فائض قوتها على بعضها البعض. فقد عاش لبنان مرحلة مارونية سياسية، ومرحلة سنية سياسية ومرحلة شيعية سياسية ودرزية سياسية، وبسبب الفشل الذريع ها نحن نجد انفسنا وبعد 100 عام ونيف على تاسيس لبنان الكبير و82 سنة على الإستقلال ما زلنا كأننا في المربع الأول.


فخامة الرئيس،

كلنا أمل ان يكون عهدكم بداية لوضع حد لمعاناة الشعب اللبناني، حتى نحمي الوطن من التداعيات التي تعصف بالمنطقة العربية، من إعادة رسم خرائط وتغييرات ديمغرافية لإراحة إسرائيل فقط.


مع تمنياتنا لكم بالتوفيق…

واقبلوا الإحترام…

المواطن اللبناني المغترب عباس مراد



السبت، 8 فبراير 2025

تهنئة بمناسبة تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة


باسمي وباسم أعضاء المجلس القاري لأستراليا ونيوزيلندا في الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، نتقدّم بأحرّ التهاني إلى لبنان وشعبه بمناسبة تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة القاضي نواف سلام. نأمل أن تكون هذه الحكومة على قدر التحديات التي يواجهها الوطن، وأن تعمل بجدّ ومسؤولية لاستعادة ثقة اللبنانيين وتحقيق الإصلاحات الضرورية للنهوض بالبلاد.

إنّ اللبنانيين في الانتشار، كما في الوطن، يتطلّعون إلى حكومة تعكس آمالهم في بناء دولة القانون والمؤسسات، دولة العدالة والشفافية، بعيدًا عن المصالح الضيّقة والتجاذبات السياسية. نأمل أن يكون هذا العهد الجديد خطوة نحو ترسيخ السيادة الوطنية، وتعزيز الاستقلال الحقيقي، وإنقاذ لبنان من أزماته الاقتصادية والاجتماعية.

كلّ التوفيق للحكومة الجديدة في مهامها، وللبنان الأمن والاستقرار والازدهار.


أنطوان كرم

رئيس المجلس القاري لأستراليا ونيوزيلندا 

في الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم



الثلاثاء، 4 فبراير 2025

آسيان في منعطف خطير تحت القيادة الدورية لماليزيا

  



بقلم: د. عبدالله المدني*

في مقال سابق قلنا أن دول جنوب شرق آسيا العشر المتكتلة في رابطة آسيان ليست متشابهة في مواقفها السياسية من الصين، فبعضها يظهر عداء صريحا لبكين ومخططاتهاالتوسعية في منطقتي المحيط الهاديء والمحيط الهندي، والبعض الآخر يجاهر ويتباهي بعلاقات الود والتعاون معها، والبعض الثالث حائر لجهة اتخاذ موقف حاسم، خصوصا وأن أي ميل من جانبه نحو الصين سيفسر على أنه عداء للولايات المتحدة والعكس بالعكس.

وفي منطقة مشحونة بالمشاكل الجيوسياسية والأزمات المتراكمة والنزاعات التاريخية حول الأراضي والحدود البحرية كمنطقة جنوب شرق آسيا، وفي حقبة يسودها عدم اليقين كالحقبة الراهنة، فإن أفضل وسيلة تلجأ إليها التكتلات الإقليمية هو التحوط وإلتزام نوع من الحياد. وهذا، في اعتقادنا، ما حاول تكتل آسيان ممارسته من أجل ألا تثير غضب أي من القوتين العظميين المتنافستين في المنطقة.

غير أن إلتزام الحياد قد لا يجدي في بعض الحالات، بل قد يفسر على أنه موقف سلبي وانتهازي مائع، خصوصا كما في حالة التنافس والعداء الأمريكي ــ الصيني الراهن، والمتوقع أن يشهد مزيدا من التدهور والتفاقم في ظل الولاية الثانية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وعليه، يمكن القول أن سنة 2025 ستكون سنة حاسمة بالنسبة لرابطة آسيان ومكانتها السياسية والاقتصادية والأمنية، إذ عليها أن تحسم خياراتها وتنبذ سياسة وضع قدم مع بكين وقدم أخرى مع واشنطن، وهي طريقة لا تلقى، بطبيعة الحال، قبولا من الإدارة الأمريكية الجديدة المليئة بالصقور المناوئين للصين، كوزير الخارجية الجديد "ماركو روبيو" ووزير الدفاع "بيت هيغسيت" ووكيل وزارة الدفاع للسياسة "إلبريدج كولبي"، وجميعهم سيحاولون ممارسة ضغوط على الدول الإقليمية لحملها على الالتزام بالموقف الأمريكي تجاه الصين أو المخاطرة بإثارة غضب البيت الأبيض.

أحد المشاكل التي قد تثير خلافات مريرة داخل آسيان، وقد تؤدي بالنتيجة إلى احباط خططها الطموحة حول إطلاق "السوق الاقليمية المشتركة" في عام 2025 كمرساة للإستقرار الإقليمي والتنمية طوال القرن 21 هو قرب ذهاب القيادة الدورية لتكتل آسيان هذا العام إلى ماليزيا المعروفة بمواقف وسياسات زعيمها أنور إبراهيم المنحازة بوضوح لبكين، وبالتالي فإنه ليس في وارد إبراهيم أن يغضب الصينيين، هو الذي تفادى مجرد توجيه انتقاد بسيط للصين لإنتهاك قواتها البحرية سيادة الفلبين. وبدلا من التضامن مع دولة جارة وشريكة مؤسسة لآسيان، راح ابراهيم يكرر أن بلاده محايدة فيما يتعلق بالنزاعات الملتهبة في المحيط الهاديء بين واشنطن وبكين، وأن ماليزيا تعول على الدبلوماسية لنزع فتيل تلك النزاعات. هذا على الرغم من أنه طوال العام الماضي وجه انتقادات متكررة لواشنطن والغرب، بينما تجنب انتقاد الصين التي وصفها بـ "الجار الودود الذي لا مشاكل لنا معها، والشريك الذي لا غنى عنه للتنمية الاقليمية". ولسنا هنا بحاجة إلى عناء كبير لنعرف أسباب هذا المديح للصينيين. ذلك أن ماليزيا هي المستفيدة الرئيسية من تدفق الإستثمارات الصينية الاقليمية. 

ولعل أكثر ما يقلق بعض دول آسيان، التي ترتبط بعلاقات تحالف تاريخية مع واشنطن مثل الفلبين وتايلاند، أو شراكة اقتصادية وثيقة معها مثل فيتنام، أو روابط عسكرية متنامية معها منذ بعض الوقت مثل أندونيسيا، هو حقيقة أن الرئاسة الدورية لمنظومة آسيان تتمتع بنفوذ هائل من حيث تشكيل أجندتها وأولوياتها واتجاه سياستها الخارجية، على الرغم من أن هذه المنظومة الاقليمية التي تأسست سنة 1967م تعمل وفق أسلوب الإجماع عند اتخاذ القرار. فمثلا زعيم البلد الذي يتراس آسيان بامكانه أن يصدر بيانا مستقلا باسم التكتل كلما كان هناك خلاف أو طريق مسدود حول قضية إقليمية حساسة، كما رأينا في قضية الحرب الأهلية الدائرة في ميانمار، وبالتالي ليس من المستبعد أن تختلف الدول الأعضاء قريبا حول شكل العلاقة بينها وبين كل من واشنطن وبكين، فيصدر أنور إبراهيم بيانا مستقلا باسم آسيان فيه تجاوز لوجهة نظر بعض الأعضاء، وتضمين لما تراه حكومته أنه الأصوب وهو الانحياز للصين.

والغريب هنا أن بعض رجال الأعمال والمسؤولين والأكاديمين في ماليزيا يعتقدون أنه كلما زادت شقة الخلافات وكلما اشتدت حدة التنافس والصراع بين الولايات المتحدة والصين، كلما كان ذلك أفضل بالنسبة لآسيان، كونه يخلق فرصة للمنظومة لجذب أقصى قدر من الاهتمام والاستثمار من قبل القوتين العظميين المتنافستين.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: يناير 2025م