الأحد، 30 مارس 2025

أستراليا: المعالجة السطحية وازمة العمال والائتلاف


كتب عباس علي مراد 

قدمت الحكومة الفيدرالية لأسترالية ميزانيتها المبكرة الاسبوع الماضي، التي أتت على شكل بيان انتخابي اولي، يحمل بعض المسكنات والوعود بعيداً عن اية حلول جذرية للمشاكل التي تواجه أستراليا خصوصاً قضايا الاسكان وغلاء المعيشة.

وفي نفس السياق جاء رد المعارضة الفيدرالية على الميزانية بدون سقف تغييري، وحتى ان الميزانية ورد المعارضة أي رؤيتها المستقبلية، يتماهيان في طروحاتهما لقضايا أساسية مثل الصحة، حيث تبنت المعارضة مقترحات الحكومة لتعزيز القطاع الصحي العام ودعم (الميديكير) بمبلغ يتجاوز 8 مليارات دولار، بالاضافة لدعم قطاع ذوي الاحتياجات الخاصة ورعاية الاطفال.

برز الاختلاف بين المعارضة والحكومة في مسألة التخفيضات الضريبية التي أقرتها الحكومة، والتي وصفتها المعارضة بأنها رشوة انتخابية ووعدت بإلغائها في حال فوزها بالانتخابات، رغم ان الائتلاف المعارض معروف تاريخياً بانه حزب التخفيضات الضريبة، بالاضافة الى نية الائتلاف للتخلي عن خدمة 41 الف موظف من القطاع العام لتوفير مبلغ 7 مليارات دولار في العام.

لكن المعارضة التي وصفت التخفيضات بانها رشوة انتخابية، لم تتأخر في تقديم رشوة انتخابية من جانبها، حيث وعد زعيم المعارضة بيتر داتون بتخفيض الضريبة على المحروقات ولسنة واحدة بنسبة 50 %، وبررت المعارضة خطوتها بان لها تأثير مباشر على كلفة المعيشة تساوي 14 دولاراً في الأسبوع وبصورة مباشرة،  بعكس التقديمات الضريبية التي وعدت بها الحكومة والتي سيبدأ العمل بها بداية السنة المالية 2026-2027 وعلى مراحل، المرحلة الاولى تساوي 5 دولارت و10 دولارات في المرحلة الثانية حتى تصل في المرحلة الأخيرة ل15 دولار في الأسبوع وبكلفة 17 مليار دولار. 

في اليوم التالي لرد المعارضة، ذهب رئيس الوزراء انتوني البانيزي لمقر الحاكم العام وطلب تحديد يوم الانتخابات في 3 أيار القادم، ليصبح الموعد الرسمي لإجراء الانتخابات الفيدرالية القادمة بعد ان وافقت الحاكم العام سام موستين على طلب رئيس الوزرا  لتبدا حملة انتخابية رسمية تستمر لخمسة أسابيع. 

رئيس الوزراء بخطوته تلك وجه ضربة أعلامية وبكيدية ولأسباب سياسية للمعارضة، وحرمها من الحصول على التغطية الاعلامية لردها على الميزانية، حيث ركز الاعلام على الحدث الأهم وهو الانتخابات، وبدأت التحليلات تركز على المسار السياسي للحملة الانتخابية.

يبدو ان الحزبين الكبيرين يريدان ان تكون المعركة الانتخابية على ارضية إقتصادية غلاء المعيشة، الاسكان، الطاقة، الهجرة والسياسة الدفاعية والانفاق العسكري، الذي تعهدت الحكومة برفعه الى نسبة 2،3 % من الدخل القومي، بينما وعدت المعارضة بالاعلان عن ارقامها خلال الحملة الانتخابية…

المستشار السياسي في مؤسسة ريدبريدج كوس ساماراس، وصف المنافسة بين تخفيضات الضرائب التي قدمها حزب العمال، والإعفاءات من ضريبة المحروقات التي قدمها الائتلاف ب"معركة الضمادات" اي انها سطحية.  


إذن، انها البداية وهناك تساوي في استطلاعات الرأي 50% لكلا الحزبين مع الاصوات التفضيلية حالياً،  ومن الان حتى يوم الحسم الانتخابي سوف نسمع الكثير من قبل السياسيين وعن مشاريعهم التي لم يفصحوا عنها، والمزيد من أستطلاعات الرأي، والجدير ذكره، ان نسبة كبيرة من الناخبين غير الملتزمين تساوي أربعة من كل عشرة ناخبين، مما سيطفي على الحملة الانتخابية أهمية خاصة لمحاولة كسب هؤلاء الناخبين.

تحتفظ الحكومة الحالية باكثرية 77 مقعداً من أصل 151 عدد أعضاء مجلس النواب و53 للائتلاف المعارض (أحرار- وطني) والاحزاب الصغيرة 6 مقاعد والمستقلين 13 مقعداً وهناك مقعدين شاغرين.

 وبعد تعديل حدود المناطق الانتخابية الدورية التي تجريها مفوضية الانتخابات الاسترالية سوف يتم تخفيض عدد المقاعد في المجلس القادم الى 150 مقعداً بعد إلغاء مقعد شمال مدينة سدني. 

السيناريوهات المتقوعة، ومنها عدم فوز أي من الحزبين الكبيرين بأغلبية مطلقة، حيث سيكون هناك مجلس نواب معلق  وحكومة أقلية، وحسب الاعداد الحالية فأذا خسر العمال 3 مقاعد يخسرون الاكثرية، ويضطرون عندها للتحالف  مع الاحزاب الصغيرة او المستقلين لتشكيل الحكومة، بينما يحتاج الائتلاف لكسب 20 مقعداً لتشكيل حكومة بدون حاجة للتحالف مع الاحزاب الصغيرة او المستقلين. 

وتعليقاً على ذلك يقول رودني سميث أستاذ السياسة الأسترالية في حامعة سدني،ان تراجع دعم الاحزاب الرئيسية في نيو سوث ويلز وعلى الصعيد الوطني، سيستمر في هذه الانتخابات، ويضيف هذا ما سيجعل مهمة الحزبين الكبيرين صعبة لاقناع الناخبين، الذين لا يحبذون اي من الحزبين من أجل الحصول على الاكثرية المطلقة لتشكيل الحكومة.

يشار الى نسبة التصويت للحزبين انخفضت بنسبة 20% عن انتحابات عام 2004 عندما حصل الائتلاف وحزب العمال على 82% من الأصوات التفضيلية الاولى، بينما يظهر أحدث إستطلاع أجرته مؤسسة (أر بي أم) ان هذه النسبة تساوي 62% فقط حالياً.

أخيراً، وبما ان الحملة الانتخابية في بدايتها، لا نعرف ان كان أي من الحزبين سيخرج أي من الارانب السياسية من كمه لجذب الناخبين، ام ان يخطئ اي سياسي بتصريح او تعليق يودي بحزبه في غياهب الخسارة الانتخابية.

سدني


الثلاثاء، 25 مارس 2025

جدال في كوريا الجنوبية حول اليمين واليسار


 بقلم: د. عبدالله المدني*

مع اقتراب موعد انتخابات رئاسية مبكرة محتملة في كوريا الجنوبية، في حال إدانة رئيسها الموقوف عن العمل "يون سوك يول"، تسود البلاد موجة من النقاشات بين أحزابها السياسية حول الهوية السياسية والايديولوجية لكل منها، في بيئة اعتادت منذ الإستقلال في 15 أغسطس 1948 على ترجيح اليمين على اليسار، بل ظلت تنظر إلى القوى اليسارية والتقدمية والعمالية بعين الشك والريبة وتتهمها بالعمالة أو الانحياز للنظام الشيوعي في كوريا الشمالية. 

وبعبارة أخرى فإن القيود التاريخية في كوريا الجنوبية على "اليسار" و"التقدمية"، بعد الحرب العالمية الثانية وطوال حقبة الحرب الباردة، في صورة قمع ومطاردة قادتها وأنصارها بموجب قانون الأمن الوطني، مفابل التركيز على التنمية الاقتصادية وفق المفاهيم الرأسمالية، لم تترك مجالا لنمو أحزاب اليسار، بل أن التقارب الأيديولوجي بينها وبين النظام الماركسي اللينيني الحاكم في كوريا الشمالية جعلها أهدافا سهلة للقمع.

وبسقوط الديكتاتورية وتدشين الديمقراطية التعددية في عقد التسعينات من القرن العشرين، لبس اليساريون ثوب الديمقراطية، وأطلقوا أحزابهم السياسية تحت مسميات مختلفة، وراحوا يشاركون في الانتخابات على قدم المساواة مع القوى اليمينية والمحافظة (أول حزب تقدمي حقيقي حصل على مقاعد برلمانية كان في انتخابات عام 2004)، بل راحت السلطة في سيئول تتداول بينهما، فكلما سقط رئيس يميني حل مكانه رئيس ذو توجهات يسارية، والعكس صحيح، وهكذا.

وعلى الرغم من نجاح ممثلي اليسار في الوصول إلى السلطة أكثر من مرة، إلا أن طائفة واسعة من الكوريين الجنوبيين لم تستطع نسيان ماضيهم وسلوكهم المتطرف ومغامراتهم مع كوريا الشمالية، على الرغم من محاولاتهم الدؤوبة تبرأة أنفسهم عبر الإدعاء بأن ما بدر منهم لم يكن سوى تصرفات شبابية طائشة. ولهذا كثيرا ما تخفى اليساريون وراء أسماء وعناوين وتصنيفات لا تمثل توجهاتهم الحقيقية على أمل الوصول إلى السلطة، على نحو ما يفعله الإخوان المسلمون في البلاد العربية والإسلامية مثلا.

واليوم، ونحن في منتصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، لا يزال اليسار الكوري يواجه انعدام الثقة على نطاق واسع، ونجد أن حزب المعارضة الرئيسي (الحزب الديمقراطي)، والذي تأسس في مارس 2014 تحت إسم "تحالف السياسة الجديدة من أجل الديمقراطية"، والمصنف عموما كحزب يساري تقدمي يحاول أن يميز نفسه عن اليساريين التقدميين الملتزمين ويلبس عباءة الأحزاب الليبرالية اليمينية أو الوسطية، بدليل أن زعيمه "لي جاي ميونغ"، عامل المصنع والناشط الحقوقي السابق، خرج على إحدى القنوات المؤيدة له في 19 فبراير المنصرم ليقول علانية "أن الحزي الديمقراطي ليس تقدميا"، مضيفا: "في الواقع، نحن نتمسك بموقف يتعلق بيمين الوسط"، (الحقيقة أنه حزب يتحرك من يسار الوسط إلى يمين الوسط).

أثار حديث ميونغ المفاجيء حول تحوله إلى اليمين موجة من الانتقادات من أكثر من طرف. فقد ندد به المتحدث باسم الحزب اليميني الحاكم (حزب سلطة الشعب)، واصفا ميونغ بأنه يذرف دموع التماسيح، وما تقليده لنا إلا محاولة لجذب الناخبين المترددين لأنه يعرف جيدا أنه لا يوجد مستقبل كبير للكتلة التقدمية. 

ومن جانب آخر صرح النائب المخضرم عن الحزب الديمقراطي في البرلمان "لي إن يونغ" قائلا: "لا أدري أي جزء في هوية حزبنا، الذي تأسس كتراكم للنضال السياسي من أجل تحقيق القيم التقدمية، يمكن أن أسميه  يمينا محافظا".

والحقيقة، أن متابعتنا المستمرة والطويلة للشأن الكوري الجنوبي، تجلعنا نتبنى رأيا مفاده أن هوية معظم الأحزاب السياسية في هذه البلاد غير واضحة بدقة، بل أنها متقلبة ومتغيرة وفقا للظروف والمصالح الإنتخابية. فمثلا تحت قيادة الرئيس اليساري الأسبق "كيم داي جونغ"، قبلت سيئول برامج الإصلاح الهيكلي لصندوق النقد الدولي، وهو قرار سياسي لا يمكن  لزعيم حزب تقدمي يساري حقيقي أن يتخذه.

وفي السياق نفسه، يجب ألا ننسى أن بعض المطالب والشعارات التي كانت تحدد هوية أصحابها على أنهم يساريون وتقدميون، مثل المطالبة بتحسين الأجور وتحديد ساعات العمل وتوفير الرعاية الصحية الشاملة وفرض نظام ضريبة الثروة، أصبحت اليوم مطالب وشعارات عالمية غير مقتصرة على اليساريين ومن يسمون أنفسهم بالتقدميين.

ووسط النقاشات المحتدمة اليوم على الساحة الكورية الجنوبية، ارتفعت أصوات تطالب بتغيير النظام الانتخابي الحالي إلى نظام جديد يضمن انبثاق مجلس تشريعي يعكس التوزيع الأيديولوجي للناخبين بصورة أفضل. ويبرر أصحاب هذه الأصوات مطلبهم بالقول أن معظم المشرعين محامون سابقون وأكاديميون وصحفيون ومديرون تنفيذيون للتكتلات الإقتصادية الكبيرة، وليس بينهم ممثلين للطبقة العاملة في بلد يضم أكثر من 20 مليون عامل ونحو مليون مزارع.



 د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: مارس 2025م


أبناء شعبنا من كافّة المكوّنات يشاركون في الاحتفاء بذكرى الراحلين العروبيّين الكبيرين سلطان الأطرش وكمال جنبلاط






جنبلاط: “أتمنى أن نعود إلى قراءة التاريخ، وأن نعمل معًا على الانتباه للمشاريع التي تُحاك ضدكم وضدنا. ومن الضروري التواصل إذا كان لا بد من ذلك، وأنا مع التواصل، لكن ليس على قاعدة الهوية الدرزية، فأنا أرفضها. يجب أن يكون التواصل على قاعدة الوطنية والقومية.”

قدس الأبّ رائد ساحليّة: "قصتي مع جنبلاط كانت أمام تمثال جميل له في قرية حرفيش الذي توقفت أمامه، فقرأت عنه وإذا به أديب وكاتب وفيلسوف وله العديد من الكتب، وهو الذي وضع وصفة سحرية لحل مشاكل الوطن العربي وكان يسميها العروبية العلمانية الديمقراطية ولو أن العرب ذوّتوا هذه الوصفة لحلت مشاكلهم."

حنّا سويد: "أين نحن من إقدام الشيخ الجليل سلطان باشا الأطرش ومن قيادة المعلم كمال جنبلاط. وأنا أرى أن كل من جاء إلى هذا الاجتماع إنما أتى خصيصا لهذه المنزلة الرائعة والانتماء القوي جدا بالعروبة وبالصفات العربية الأصيلة لهذين القائدين."

مجد أبو صالح: "نحن عندما نحيي ذكرى رجال من أمثال من المحتفى بهما إنما نكرم أنفسنا فهم مكرمون بعملهم بتضحياتهم مكرمون بفكرهم إنما نحن نكرم أنفسنا ونتخذ من مسلكهما قدوة ونبراسا لنا في زمن عزت فيه المواقف الإنسانية عزت فيه القيم الأخلاقية، فكم نحن اليوم بأمس الحاجة اليوم إلى هؤلاء الرجال إلى قيم هؤلاء الرجال."

نظمت الحركة التقدمية للتواصل – درب المعلم، أمسية لإحياء ذكرى القائدين المرحومين سلطان الأطرش وكمال جنبلاط، وذلك مساء السبت 22.3.2025 في قصر الثقافة في الرامة الجليلية، بحضور ما يربو على المائتين من المشاركين من كافّة مكوّنات شعبنا في الداخل.

افتتح الأمسية العريف الفنان ماهر فراج؛ عضو الحركة، بمقدمة شكرٍ للمجلس المحلّي الذي استضاف الأمسية في هذا الصرح الثقافي؛ برئيسه السيد شوقي أبو لطيف وبقيّة الكادر في المجلس والمركز. وأضاف مقتبسًا من وصيّة الأطرش:

"إخواني وأبناء العرب... اعلموا أن الإيمان أقوى من كل سلاح، وأن كأس الحنظل بالعز أشهى من ماء الحياة مع الذل، وأن الإيمان يشحذ بالصبر ويحفظ بالعدل ويعزز باليقين ويقوى بالجهاد..."

وعن جنبلاط قال: "عايش في أعماقه الثالوث المقدس؛ الوطن والشعب والإنسان، فبورك فكره الجليل وبوركتم يا من تمضون في دربه الأصيل. وهو الذي يمثل النموذج الأمثل للإنسان الإنسان فهو الضمير الوطني والقومي الحيّ..."

ثم دعا القائم بأعمال رئيس مجلس الرامة المحلي السيد مازن منصور ومما جاء في كلمته: "أنتهز هذه الفرصة لأشكر أخي وصديقي رئيس المجلس شوقي أبو لطيف الذي بفضله حظينا بهذا المركز الرائع، ومن ثم يسعدني أن أكون بينكم إخواني في حركة التواصل التي عملت وما زالت للتواصل رغم الحدود، وأن أكون بينكم في إحياء ذكرى القائدين سلطان باشا وكمال جنبلاط، وأهلا وسهلا بكم."

ثم تحدث الدكتور حنا سويد مكان رئيس اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية السيد مازن غنايم الذي تعذّر حضوره لسبب عائليّ طارئ، فقال: "لقد فرحت جدا عندما دعيت لهذا الاحتفال، وفرحت أيضا عندما دخلت هذا المبنى – الصرح... وشكرا لمنظمي هذا الاحتفال لأهميّته ورمزيّته الكبيرة، فنحن أمام قائدين عملاقين، الشيخ القائد سلطان باشا الأطرش، ومن هو العربي الذي لا يعرف سلطان باشا الأطرش والمعلم كمال جنبلاط الذي كبر جيلنا على سمعته وعلى كتبه وأدبه وسياسته وقيادته في كافة المجالات. في الحقيقة نحن أمام عملاقين عروبيين بكل معنى الكلمة، والعروبي هو ليس فقط العربي! بل الذي يؤمن: 

ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل    عفاف وإقدام وحزم ونائل

فأيننا من إقدام الشيخ الجليل سلطان باشا الأطرش ومن قيادة المعلم كمال جنبلاط. وأنا أرى أن كل من جاء إلى هذا الاجتماع إنما أتى خصيصا لهذه المنزلة الرائعة والانتماء القوي جدا بالعروبة وبالصفات العربية الأصيلة لهذين القائدين. والمعلّم كمال جنبلاط لا حاجة لأستفيض في شرح شمولية انتمائه بحكم كونه أحد الأقلاء الذين حصلوا على جوائز عالمية ككونه شخصية اشتراكية وله شهرة عالمية في قيادة قوى التحرر الوطني في العالم برمته، وهذا يدل على قوة انتمائه العروبي وانتمائه الإنساني أيضا للإنسانية التي تسعى دائما من للنضال أجل العدالة الاجتماعية ومن أجل الاشتراكية ومن أجل المساواة، وحري بنا نحن في هذا الوطن حيث نشكل كل واحد منا جزءًا من هذه الفسيفساء أن نحافظ على هذا التواصل، والحركة التقديمة للتواصل يجب أن تكون حقيقة ليس فقط حركة للتواصل بين أبناء الطائفة المعروفية الموحدين الدروز وإنما بين مركبات المجتمع العربي شاملة في هذه البلاد. فهناك رهان كبير على التفسيخ وعلى التفرقة بين الطوائف. فنحن عروبيون نحن نتواصل مع بعضنا البعض، نحن شعب واحد نحن أمة واحدة نحن تاريخ واحد وثقافة واحدة وحضارة واحدة نمد بعضنا بعضا ونقوي بعضنا البعض. هذه رسالة هامة، وهذه الأمسية تجسد هذا التواصل تجسد ما بين مركبات اللوحة التي نفتخر بانتمائنا لها، اللوحة العروبية الوطنية الفلسطينية في هذه البلاد.

ثم تحدث ممثل الجولان الدكتور مجد أبو صالح ومما جاء في كلمته: "لا أدري ماذا أقول في حضرة عملاقين! أأتحدث عن الرجولة وهما رمز لها؟ أأتحدث عن المفاهيم الإنسانية والأخلاقية السامية وهما يتحليان بها، ونحن عندما نحيي ذكرى رجال من أمثال من المحتفى بهما إنما نكرم أنفسنا فهم مكرمون بعملهم بتضحياتهم مكرمون بفكرهم إنما نحن نكرم أنفسنا ونتخذ من مسلكهما قدوة ونبراسا لنا في زمن عزت فيه المواقف الإنسانية عزت فيه القيم الأخلاقية، فكم نحن اليوم بأمس الحاجة اليوم إلى هؤلاء الرجال إلى قيم هؤلاء الرجال. وأنا كوني ابن الجولان السوري المحتل المعتز والمعتد بهويته السورية أطمح اليوم لأن يكون بلدي في مصاف الدول التي تحترم مواطنها تحترم إنسانها لإنسانيته أطمح لأن تكون المواطنة بغض النظر عن الدين أو المذهب فهذا مرض للأسف ابتلينا به نحن في شرقنا وهذا المرض بدأ ينخر فينا ويستغل من قبل أعدائنا كي يفتتوا شملنا ويقسموا دولنا. فنحن كمواطنين سوريين وأنا أؤمن أنني أمثل ضمير المواطن السوري أؤمن لا حياة لسوريا إلا موحدة وبوجود هذا الفسيفساء الرائع يشكل الذي شكل لوحة وطنية من أجمل اللوحات ومن منا يسعى إلى إنهائه فقط أعداء هذا الوطن.

ثم ذكر بعض المواقف التاريخية ومحاولات التقسيم تحت عنوان طائفي من قبل الفرنسيين وإسرائيل في الجولان، والتي أفشلها القادة الدروز في الجبل والجولان.

ثم تحدث عبر الزوم الأستاذ وليد جنبلاط؛ الرئيس السابق للحزب التقدّمي الاشتراكي- لبنان، ومما قال: " “أميّز دائمًا بين انتمائنا القومي وانتمائنا المذهبي. الانتماء المذهبي هو معتقد خاص، ونحن فرقة من الفرق الإسلامية المتعددة، لكننا لسنا قومية. وفي اللحظة التي نصبح فيها قومية، ينتهي كل تراثنا عبر القرون. إذا عدنا إلى أحد أعوان وقادة صلاح الدين الأيوبي في معركة اليرموك، إذا لم أكن مخطئًا، كان من آل تقي الدين. يجب علينا أن نفرّق بين الانتماء القومي والانتماء المذهبي. نحن مذهب من المذاهب الإسلامية العريضة والمتعددة، لكن قوميتنا هي القومية العربية الإنسانية التي تعود إلى ما قبل إنشاء تلك الكيانات المصطنعة التي أوجدها اتفاق سايكس - بيكو، والتي جعلتنا نتقوقع ضمن هويات قطرية.”

وأضاف: “لذلك، التحق سلطان باشا الأطرش وكمال جنبلاط وشكيب وعادل أرسلان ورشيد وأمين طليع وغيرهم من الشخصيات بمشاريع الوحدة الكبرى في سوريا ولبنان. كما تعلمون، كان سلطان باشا الأطرش قد انضم إلى الوطنيين السوريين رفضًا لمشروع تقسيم سوريا الذي طرحه الانتداب الفرنسي، وكانت الثورة العربية السورية. أما كمال جنبلاط في لبنان، فقد رفض من جملة ما رفضه، هيمنة الانعزال اللبناني، وأصرّ على الهوية العربية، ورفض مشروع تحالف الأقليات الذي كان يرغب به حافظ الأسد ثم بشار الأسد. نعم، رفضه وكان متمسكًا بالهوية العربية الإنسانية والوحدة العربية المبنية على الديمقراطية والحريات، وليس وحدة الأنظمة العربية المبنية على أجهزة المخابرات والدكتاتورية والقمع.”

وتابع: “لذلك في عام 1976، قال كمال جنبلاط لحافظ الأسد، الذي عرض عليه الانضمام إلى الوحدة مع سوريا، أنه لن يقبل السجن العربي الكبير، وهذا من الأمور التي جعلت النظام السوري يقوم بقتله.”

وأشار جنبلاط إلى “التمسك بالتراث الديني، لكن في اللحظة التي نحوّل فيها الدين إلى قومية، نلتقي فورًا بالمشروع الصهيوني الذي أرفضه جملة وتفصيلًا ونقع في الفخ.”

وأردف قائلاً: “أعلم وضعكم في فلسطين المحتلة، ولكن أتمنى لكم قراءة كتاب قيس فرو من الجليل بعنوان ‘من المحراث الفلسطيني إلى البندقية الإسرائيلية’. وفي الوقت نفسه، هناك كتاب آخر لشخص من المخابرات الصهيونية، سأبعث عنوانه للأستاذ سعيد نفاع، اسمه ‘المتاهة اللبنانية’. من المفيد قراءة هذه المراجع، وهناك الكثير غيرها. في هذين الكتابين كان هناك مشروع صهيوني أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، أرسلوا رسولًا إلى لبنان إلى الزعامات اللبنانية، وكان سلطان باشا الأطرش قد رفض مقابلتهم لأن المشروع كان موجهًا أساسًا إلى سوريا.”

وتابع جنبلاط: “تهجير دروز فلسطين، وكان عددهم آنذاك عشرة آلاف، إلى سوريا وإلى جبل العرب، لأن القانون الذي أقره الكنيست الإسرائيلي بيهودية الدولة لا يعترف بوجود مكان للعربي سواء كان فلسطينيًا أو في غزة أو الضفة أو الجليل.”

وقال جنبلاط: “انطلقوا من الولاء العربي، بينما يعمل الصهاينة منذ وعد بلفور إلى اليوم، ومضى مئة عام على ذلك. كانوا تحت الانتداب البريطاني في ذلك الوقت، وكان مشروعًا وطنيًا قوميًّا لكن على مساحة صغيرة من فلسطين، واليوم أين نحن؟! اليوم هناك إمبراطورية بني صهيون ولن يبقى فلسطيني في غزة. كل المشاريع السابقة التي نادوا بها مثل مشروع الدولتين، قولوا لي أين الدولتين وأين ستكون الدولة الثانية؟ الدولة الثانية لن تقوم، لأن الدولة الثانية هي إزالة الوجود العربي الفلسطيني والمسيحي والإسلامي في القدس وسامراء، ووضعهم في شرق الأردن.”

وتابع: “أما دروز الجليل، ليتني أستطيع أن نلتقي مجددًا في قبرص لنتناقش. برأيي، سيأتي بعد ذلك المشروع الأساسي لتهويد كل أرض فلسطين تحت شعار وعقيدة الصهيونية التي تخالف الدين اليهودي وكبار الفلاسفة والعلماء الذين رفضوا نظرية الصهيونية، أولهم وأكبرهم ألبرت أينشتاين الذي رفض وحذر منها.”

وأضاف: “قولوا لي عن العقيدة الصهيونية، وأعطوني اسم عالم إسرائيلي كبير اليوم، وهم اليهود الذين قدموا للبشرية كبار العلماء ورجال العلم الذين يتحدث العالم عنهم، إلا في صناعة السلاح والقنابل والشعارات العشوائية والشعبية مثل بيغن وسموتريتش وغيرهم.”

وختم بالقول: “أتمنى أن نعود إلى قراءة التاريخ، وأن نعمل معًا على الانتباه للمشاريع التي تُحاك ضدكم وضدنا. ومن الضروري التواصل إذا كان لا بد من ذلك، وأنا مع التواصل، لكن ليس على قاعدة الهوية الدرزية، فأنا أرفضها. يجب أن يكون التواصل على قاعدة الوطنية والقومية.”

بعد ذلك تحدث قدس الأب رائد ساحليّة فذكر العلاقة بين قرية الرامة وآل الأطرش، وقصة إطلاق سراح أحد الشخصيات من قرية سلطان باشا، بعد الحكم عليه بالإعدام وكيف نجح السيد إبراهيم ناصر حنا بإطلاق سراحه بعد عدة محاولات وكيف سمع بذلك سلطان باشا فألف وفدا وجاء ليتعرف على السيد إبراهيم ويشكره على مروءته. ثم ذكر قصة فرس سلطان الأصيلة التي سُرقت وبيعت للخوري يعقوب بمئة دينار، وكيف أعادها الخوري يعقوب لسلطان باشا الأطرش، فألبسه سلطان باشا عباءة التي احتفظ بها الأب يعقوب حتى مماته في بيروت. أذكر هذه القصص لكي أؤكد على الأخوة بيننا. وقصتي مع جنبلاط كانت أمام تمثال جميل له في قرية حرفيش الذي توقفت أمامه فقرأت عنه وإذا به أديب وكاتب وفيلسوف والعديد من الكتب وهو الذي وضع وصفة سحرية لحل مشاكل الوطن العربي وكان يسميها العروبية العلمانية الديمقراطية ولو أن العرب ذوتوا هذه الوصفة لحلت مشاكلهم.

رافق فقرات الاحتفاء نشيد أعدّ خصّيصا للمناسبة، من كلمات الشاعر راضي مشيلح وألحان الموسيقي عماد فرو وغناء الفنان صافي كيوف. مطلعه:

سلطان رمز الثائرين --- وكاتب النصر المبين

من منّا ينساك كمال --- معروف يا سيد الرجال

بعد النشيد قدم الشاعر تركي عامر قصيدة مطولة عن القائدين، ومنها:

يا ريح يحيي بصيص الروح إيقاد --- في القلب لا يُطفئ الجذوات إخماد

لسوف نبقى كما كنّا هنا عربًا --- لن تقطع الوصل بين الأهل أبعاد

ذكرى كمال وسلطان تجمعنا --- ولن يفرّق هذا الجمع أوغاد

في هذه الأرض روّينا عروبتنا --- ونحن إن أقفرت يومًا لها زاد

من الكمال ورثنا درب فلسفة، --- منها تعلّم نسّاك وزهّاد

 سلطان يبقى أبا الثوّار قاطبة، --- يا ديرتي نحن للسلطان أحفاد

الختام كان لسكرتير الحركة التقدمية للتواصل -درب المعلم؛ الأستاذ عماد دغش الذي قال:

"من هذا البلد الطيب الرابض على سفح جبل حيدر الأشم صدح صوت شاعرنا الكبير سميح القاسم: فجر شعورك واهتف عاش لبنان / وعاش شعب به لبنان يزدان." وأضاف:

"في شهر آذار، الشهر الفضيل وذكرى يوم الأرض الخالد، وعيد يوم الأم وهذه الأمسية ذكرى سلطان باشا الأطرش والمعلم كمال جنبلاط نهنئ أمهاتنا، وزوجاتنا وبناتنا بدعوى كل عام وأنتن بألف خير."، وأردف:

"التواصل لا يقتصر على أبناء المذهب التوحيدي أينما كانوا، وإنما بين جميع مركبات شعبنا العربي. ثلاثة كمالات: كمال كنج وكمال أبو لطيف وكمال جنبلاط أفشلوا مخطط تفتيت المنطقة لدويلات مذهبية، وساندهم سلطان باشا الأطرش وجمال عبد الناصر. هذا الخط الوطني يتلازم حتميا مع التقدمي والديمقراطي والحرية. أدعو الجميع للانتساب لهذا الحراك الحر الديمقراطي، كذلك أهيب بجميع المتنورين أن نلتف حول الفكر التقدمي والديمقراطي الوطني الحر."

للتواصل:

سعيد نفّاع 7208450-050 الناطق الرسمي

فهيم أبو ركن 7595427-054 محرّر الخبر \ عضو الحركة


الاثنين، 24 مارس 2025

أيـــن قناة الجزيـــرة في ظل الاحتجاجات التركية المتصاعدة



       

صبحة بغورة تكتب :


خاب أمل الرأي العام العربي والإسلامي في معرفة حقائق ما يجري من أحداث في تركيا على شاشة قناة "الجزيرة " القطرية بعدما بثت القناة بيانا عاجلا على خلفية حمراء ملء الشاشة تقول فيه:

" نعتذر عن عدم تغطية الأحداث في تركيا بسبب شهر رمضان وصيام فريق الإعداد والتصوير"

ــ منذ متى كان الشهر الفضيل الذي شن فيه المصريون حربهم ضد الكيان المحتل في رمضان عام 1973ظرفا معطلا ومقيدا للعمل الإعلامي ؟؟

ــ ومن سيقبل، بل ومن سيصدق هذا الاعتذار الوهمي في وقت يقوم فيه فريق إعداد القناة ومصوروها بعملهم كما ينبغي وعلى أكمل وجه مشكورين في قلب قطاع غزة المدمر وفي وسط السودان المحترق  واضطرابات سوريا ولبنان واليمن وحتى في داخل الكيان المحتل وكل المناطق الأخرى الملتهبة في كل العالم  !! إنه بيان ساذج يدل على العشوائية الإعلامية في التعامل مع قضايا تتجاوز بكثير مستوى وعي المسؤولين في القناة التي اختارت لنفسها اسما يعزلها عن باقي تضاريس الأرض وأيضا عن الفكر المستنير.

موقف الجزيرة المشبوه لا يشوبه الغموض أبدابل بالعكس، والقناة تفصح بموقفها هذا أنها لا تكيل بمكيالين فقط  بل بعدة مكاييل على حسب حجم وطبيعة مصالحها الضيقة ، ومعنى هرولتها بنشر هذا الاعتذار نحو التغطية السريعة على موقفها البائس وسياستها الإعلامية التعيسةأنها أوقعت نفسها  ضحية فخ التوتر ثم التعثر في أذيال الخيبة  والانزلاق الطوعي في دائرة الكذب ، ثم سلوك الاستمرار في الطريق المنحرف عن المصداقية والبُعيد عن أسلوب الاحترافية وذلك منذ أن وجهت للرأي العام العربي خلال سنوات اشتداد الإرهاب المسلح السؤال الخبيث تحت بند استطلاع الرأي "من يقتل من في ... " الحقيقة أن المصالح تكون أقوى عندما تتضافر برابطة مؤامراتية،إن اعتقال رئيس بلدية اسطنبول لمجرد أنه معارض لأردوغان هو إجراء قمعي منافي للديمقراطية ولحرية الرأي والتعبيرفي عصرنا الحديث فمجرد المعارضة ليست تهمة في حد ذاتها تسلط عليها الأنظمة الديمقراطية العقوبات ، والشعب التركي الواعي يدرك جيدا أن لا حياة له بدون الحريات الأساسية ويعلم أهمية الحفاظ على حقوق الإنسان وضرورة حمايتها في بناء مستقبل الدول لذلك قام بمظاهرات التنديد الواسعة بقمع الحريات،   وقبلها احتكرت فئة الحق بالحياة في الجزائر عام 1992 فكانت البداية لعشرية حمراء وسوداء .. حينها لم يمنع قناة الجزيرة أي مانع لبث تطورات الأحداث والتواجد بالقرب من تفاصيلها خلال كل أيام الفصول الأربعة وفي الأعياد،وفي تخصيص برامج و قنوات "مباشر ..." لضمان أن تبق التغطية المسيئة مستمرة ودوام توجيه الاتهامات المبنية على سوء الظن وعدم التقدير السليم وشن حملات التشهير وإشاعة الفتن والتسويف الإعلامي التي كشفت كلها حقيقة أهدافهاأمام المجتمع الدولي فكانت شاهدة على تآمرهم وعلى مدى قوة تحكّم عقدة النقص في توجيه تصرفات الشخصيات الضعيفة الشامتة في الأشقاء.

خسارةأن يُحرم المجتمع العربي من المتابعة عن قرب لتطورات الاحتجاجات المطالبة باحترام الحريات السياسية في تركيا.

خسارة أن تكون تلك سياسة قناة تدّعي بهتانا احترامها للرأي والرأي الآخر، أم أن الرأي الاخرعندها ليس محل احترام عندما يتعلق بحليف!!

خسارة أن تبق القناة مرتبطة بمستوى الثقافة السياسية المتواضع لمسؤوليها،وأن يكون نشاطها خاضعا لتقديراتهم الخاطئة ، وأن تكون تحليلاتهم وتعليقاتهم مرهونة بسطحية تفكيرهم .

خسارة أن تكون مسألة عدم تغطية القناة للأحداث في تركيا فصلا جديدا من التعاطي الإعلامي السيء ومن هشاشة رأي مسؤوليها وسوء تدبيرهم .

 خسارة لأن الأمل كان كبيرا في أن نرى لدى المسؤولين بالقناة وعيا أفضل ونضوجا أكثر واحتراما أكبرللمشاهد العربي  والتزاما أشد بتلبية تطلعاته بدون حسابات تحصر مشاهداته فيما تريده القناة وتقيد رغباته عن ما تريد إخفاءه من خلال أساليب التمويه وسياسات التعتيم والقفزعلى الحقائق والكذب بالحذف في زمن الانترنت !!

لذلك كله بات الكثيرون يتساءلون، أين الجزيرة ؟ هل هي مع الأنظمة أم في صف الشعوب ؟

الخميس، 20 مارس 2025

الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم: لترسيم الحدود البرية والبحرية وبسط سلطة الدولة وحدها على الحدود


إِنَّ الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، وإذ تتطلع والمغتربين لإحلال الاستقرار الداخلي وعلى الحدود كافةً بانتظار صيفٍ واعِدٍ، علنا نستعيد الثقة فنساهم مجدداً بالاستثمار، وفي ظلِّ عهدٍ جديد على رأسه فخامة الرئيس جوزاف عون الذي نؤيّد بشدة خطاب قسمه، وفي ظِلِّ حكومة واضحة الأهداف في بيانها الوزاري لتطبيق القرارات الدولية وبسط سلطة الدولة، هالها ما يحصل على الحدود الجنوبية والحدود الشمالية الشرقية للبلاد. وعليه، نعلن ما يلي:

- نحن نرفض أن تستمرَّ إسرائيل باحتلال التلال الخمس في الجنوب، وأن تستمر بالقصف اليومي وبالتدمير والاغتيالات.

- إنَّنا نتوجس مما يحصل على الحدود الشرقية، والشمالية الشرقية للبلاد، من اشتباكات بين مسلحين من لبنان، طوراً نسميهم مهربين، وطوراً عشائر، وأحياناً حزب الله، من جهة، والجيش السوري والتنظيمات التابعة له من جهة أخرى، لذلك:

- إنَّ الجيش اللبناني وحده المسؤول عن ضبط الحدود، لا شريك له، ونحن نرفض أن يستعمل السلاح ليكون ذريعةً لعدم تسليمه تطبيقاً للقرارات الدولية، بدءاً من اتفاقية الهدنة، مروراً بكل القرارات خاصةً القرارين ١٥٥٩ و١٧٠١.


- إنَّ الدبلوماسية اللبنانية، والتي استعادت دورها واستقلاليتها، قادرة، بإدارة سيّد العهد والحكومة الجديدة، على لعب الدور الأساسي، والذي تأخر لعقود، لترسيم الحدود البحرية والبرية مع سوريا وإسرائيل.

- لن نرضى أن يبقى البعض ألعوبةً بيد القوى الإقليمية، فلن تكون أرض لبنان، ولن يكون سلامه، وشعبه وُقوداً لحرب الآخرين، كفى متاجرةً بدمائنا، وكفى دماراً.

- الكل يعلم أنه لا أموال ستعقد للبنان في سبيل الإعمار ما لم تنفذ القرارات الدولية كافةً، هذا ما نلمسه من دول القرار، وهذا ما يجب أن يعلمه الحالمون بعودة سطوتهم على قراري الحرب والسلم، فما حصل في ٢٠٠٦ لن يتكرر.

الأربعاء، 19 مارس 2025

ماذا وراء اعتقال الفلبين لرئيسها السابق؟



  

بقلم: د. عبدالله المدني*

في مايو 2016 انتخب الفلبينيون بنسبة 39% المحامي وعضو مجلس النواب وعمدة مدينة دافاو الجنوبية "رودريغو دوتيرتي" ليكون الرئيس السادس عشر لبلادهم لمدة ست سنوات انتهت في يونيو 2022، فكان الرئيس الأكبر سنا، والأول المنتمي إلى جزيرة "ماندناو" الجنوبية المضطربة، والأكثر إثارة للجدل في تاريخ الفلبين.

فخلال حملاته الانتخابية للرئاسة سنة 2016، وعد الناخبين علنا بانه سوف يتخلص من مائة ألف شخص من المجرمين والمدمنين ومروجي المخدرات حال تسلمه السلطة، وسوف يلقي بجثثهم في خليج مانيلا كي تتغذى عليها الأسماك فتسمن. وفوق هذا، اعترف لجمهوره أنه قام شخصيا بقتل عدد من المشتبه بهم وهو يقود دراجته النارية، إبان عمله عمدة لمدينة دافاو.

وما أن تسلم السلطة، حتى بادر إلى عقد مؤتمر صحفي، تعهد فيه بالقضاء على تجار ومدمني المخدرات، بل حث فيه الناس على قتلهم، لأن قتلهم على يد أسرهم أمر صعب على حد قوله.

وهكذا راحت غرائبه تتوالى، ففي سبتمبر 2016، قارن دوتيرتي نفسه بالزعيم النازي هتلر، وقارن مدمني المخدرات باليهود، قائلا: "هتلر قتل ثلاثة ملايين يهودي، وهنا في الفلبين ثلاثة ملايين مدمن مخدرات سأكون سعيدا بقتلهم". ثم قام لاحقا بالإعلان عن حماية أي شرطي أو ضابط من المساءلة القانونية إذا ما قتل مدمنا خارج نطاق القضاء. وقد جاء ذلك ردا على تقرير لمنظمة العفو الدولية في عام 2017، أفاد بأن الشرطة الفلبينية تطلق النار على أشخاص عزل بعد مداهمة منازلهم بسبب الاشتباه بهم في قضايا المخدرات، وأن دوتيرتي يحثهم ويحميهم ويقدم لهم مكافآت مجزية على تلك الأعمال.

على إثر هذا التقرير بدأت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي منذ عام 2017 التحقيق في أعمال دوتيرتي، واتهمته بارتكاب جرائم ضد الانسانية خلال فترة رئاسته، بل حتى قبل ذلك حينما كان عمدة لمدينة دافاو، ثم أصدرت مذكرة اعتقال بحقه بعد أن انتهت ولايته الرئاسية سنة 2022. والمعروف أن دوتيرتي حاول، دون نجاح، وقف التحقيق الدولي في أعماله من خلال الإعلان في عام 2019 عن انسحاب الفلبين من المحكمة (ردت المحكمة أن الانسحاب لا يؤثر على ولايتها القضائية لأن الجرائم ارتكبت إبان عضوية الفلبين في المحكمة).

وحينما تولى الرئيس الحالي فرديناند ماركوس الإبن سلطاته الدستورية في 2022، لم يعر أي اهتمام بتنفيذ قرار المحكمة، وتمسك بقرار دوتيرتي بالانسحاب منها. وقيل وقتها أن الرئيس الجديد يرد الجميل لسلفه نظير دعمه السياسي له إبان الانتخابات الرئاسية. وحتى يناير المنصرم من هذا العام، إلتزم ماركوس بهذا الموقف بعناد، بدليل قوله أنه لن "يحرك ساكنا لمساعدة المحكمة الجنائية الدولية".

لكن ما حدث يومي الثلاثاء والأربعاء (11 و 12 مارس 2025)، يعطي مؤشرا على أن السياسة والمصالح الشخصية أفسدت العلاقة بين الرئيس الحالي والرئيس السابق وأنهت تحالفهما، ما أدى إلى قيام الأول بالتضحية بالثاني.

ففي يوم الثلاثاء أعلنت الفلبين أن الشرطة احتجزت دوتيرتي إثر وصوله إلى مطار مانيلا الدولي قادما مع اسرته من هونغ كونغ، وذلك بناء على مذكرة توقيف صادرة بحقه من المحكمة الجنائية الدولية، وأضافت الرئاسة الفلبينية أن دوتيرتي (80 عاما) أصبح "إعتبارا من الآن في قبضة السلطات" داخل قاعدة جوية في مانيلا. وفي اليوم التالي، قررت مانيلا ترحيله إلى لاهاي ليواجه هناك الاتهامات الصادرة بحقه. وبهذا بات دوتيرتي أول رئيس سابق في آسيا سيمثل أمام المحكمة الجنائية الدولية، ورئيس الدولة الثاني الذي يقف أمامها من بعد رئيس ساحل العاج السابق "لوران غباغبو". وعلى حين أن المحكمة برأت الرئيس العاجي سنة 2019، فإنه من المستبعد أن يحظى دوتيرتي بنفس الحكم لكثرة الأدلة ضده، ومنها اعترافاته العلنية بالقتل، والتي كان آخرها قوله في العام الماضي أمام جلسة استماع برلمانية بأن إدارته قدمت أموالا وحوافز لضباط الشرطة من أجل قتل مروجي ومدمني المخدرات.

والمتابع للشأن الفلبيني لا يجد عناء كبيرا لجهة تفسير قرار ماركوس بتوقيف دوتيرتي وترحيله اليوم وليس قبلا. فالرجلان اللذين كانا حليفين، انفرط تحالفهما مؤخرا على خلفية ملفات داخلية وخارجية، ومنها الموقف من الصين والولايات المتحدة الأمريكية والتفاضل بينهما، كما قيل.

ففي ديسمبر 2024، أقصى ماركوس دوتيرتي وإبنته "سارة"، التي تشغل منصب نائب رئيس الجمهورية، من عضوية مجلس الأمن القومي (أعلى سلطة قرار في مجال الأمن القومي). صمت دوتيرتي وقبل قرار إقصائه على مضض، لكنه دفع بإبنته للرد فقامت الأخيرة بفتح النار على  ماركوس، بل هددته بالقتل، قائلة أنها أمرت أحد القتلة باغتيال ماركوس وزوجته إنْ تعرضت هي أو والدها للقتل. أما ردة فعل ماركوس فكانت غاضبة وتجلت في وصف دوتيرتي بـ "المدمن على المخدرات".



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: مارس 2025م



الجمعة، 14 مارس 2025

بيان: الوفد الدرزيّ الحَضَري بين التواصل الشرعيّ وغير الشرعيّ ودقّ الأسافين


الحركة التقدّميّة للتواصل – درب المعلّم

تطبّل وسائل الإعلام الإسرائيليّة ومنذ أسبوع عن وفد مذهبيّ من قرية حضر (المحتلّة حديثًا)، سيزور البلاد. وممّا يرشح فالزيارة ستكون يوم الجمعة 14 آذار 2025م. لمقام النبي شعيب (ع)، وأماكن أخرى.

الحركة ترى أنّ:

أوّلًا: التواصل مشروع إنسانيّ؛ قوميًّا ووطنيّا ودينيّا ومذهبيّا وأهليّا- اجتماعيّا. وكم بالحري حين يكون بين أبناء الأمّة الواحدة بمكوّناتها التي تقطّعت أوصالها بعد العام 1948م. من هذا الباب أُطلِق المشروع بعد نصف قرن من الانقطاع القسريّ وعملنا في الحركة على إيصال من انقطع بما استطعنا إلى ذلك سبيلا، ومن كان ألدّ أعدائه هو إسرائيل وأذرعها المختلفةِ المرجعيّات والانتماءات. 

ثانيًا: بالمبدأ، وحتّى لا نكيل بمكيالين، يحقّ لأهل حضر التواصل مع ذويهم وزيارة أماكن مقدّسة في البلاد. مع العلم أنّا لا نعرف ممّن يتشكلّ هذا الوفد وما ومَن هي مرجعيّاته وإن كان تمثيليّا أو مجرّد تجمّع صُدفيّ، ومع هذا وبغضّ النظر:

أ‌- هذا الوفد هو استغلال سياسيّ رخيص لمحتلّ (حضر) على يد محتّل (إسرائيل) احتلّت البلدة كما غيرها مُقطّعةً بأهلها السبُل لموطنها وأهلها في الوطن.

ب‌- هذا الوفد ما كان ليتشكّل أو يحضر لولا الضائقة المعيشيّة التي يعاني منها أهل حضر بعد الاحتلال. وهو جزء أو المقدّمة لاستقدام أيادي العمل الرخيصة لحاجة إسرائيل لها في بناء ما هدّمته الحرب.

ثالثًا: كيف يصير التواصل وزيارة الأماكن المقدّسة (مقام النبي شعيب- ع) هنا شرعيٌ في نظر المؤسّسة الإسرائيليّة؟! والتواصل في الاتّجاه المعاكس وزيارة (مقام عين الزمان-ع) غير شرعيّ تمنعه وتُحاكم مُطلقي المشروع؟! فهل تتجزّأ المشاعر الإنسانيّة والإيمانيّة؟!

رابعًا: هذا الوفد، بشكله وتوقيته، هو حلقة في اللعبة الإسرائيليّة التي تلعبها إسرائيل في سوريّا لدقّ الأسافين بين مكوّنات الشعب السوريّ وبين الدروز أنفسهم؛ سوريّا وإقليميّا، خدمة لمخطّطاتها ومخطّطات من وراءها في المنطقة، مستغلّة الواقع المعقّد في سوريّا والمنطقة.

خامسًا: نهيب بالأهل في سوريّا من كلّ المكوّنات أن لا يقعوا فريسة لهذه الخطوات المشبوهة، والدروز منهم ألّا يقعوا في الشرك الذي تنصبه إسرائيل، فلن يكون مصيرهم أفضل من أهالي الجنوب اللبناني عام ال-2000 عندما تتطلّب ذلك المصلحة الإسرائيليّة.

اللجنة التنفيذيّة عنها؛

عماد دغش 4030870-050 سكرتير الحركة

سعيد نفّاع 7208450-050 الناطق الرسمي

             


الأربعاء، 12 مارس 2025

تحقيق الاكتفاء الذاتي في الطعام .. قضية تقلق الصين



بقلم: د. عبدالله المدني*

في ثمانينات القرن الماضي، أثناء دراستي العليا في الولايات المتحدة، قدمت ورقة بحثية بعنوان "من سيطعم الصين في القرن المقبل؟"، توقعت فيها حدوث مجاعة في الصين في القرن 21 بسبب الزيادة السكانية الهائلة من جهة، وتقلص المساحات الزراعية لصالح التوسع الصناعي الهائل من جهة أخرى.

لم تصدق توقعاتي، بطبيعة الحال، لأن القيادة الصينية تنبهت مبكرا للقضية واتخذت من الإجراءات ما حال دون حدوث المجاعة، وقد ساعدها في ذلك نمط نظامها الشمولي، وعلاقاتها الجيدة مع موردي الطعام العالميين، وهما عاملان ساهما كثيرا في بقاء البلاد ضمن كبار منتجي ومصدري الطعام عالميا، وتحقيق أكبر نظام للإحتياطات الغذائية.

 اليوم تعود القضية نفسها إلى الواجهة، لكن وسط بيئة عالمية متزايدة التعقيد، ومناخ جيوسياسي وجيوإقتصادي هش، وتغير المناخ، واضطرابات تجارية، وتوترات منهجية مع الولايات المتحدة، وسوق غذاء غير مستقر، ما جعل مرونة الإمدادات الغذائية بالنسبة للصين أكثر أهمية من أي وقت مضى، بحسب الباحثة والمحللة الاستراتيجية جنيفييف دونيلون. وليس أدل على ذلك من إطلاق بكين مؤخرا "الوثيقة المركزية الأولى 2025" التي تتضمن إلتزاما بضمان الأمن الغذائي للمليار ونصف المليار من الصينيين، وذلك من منطلق تحول الأمن الغذائي العالمي إلى مصدر قلق متزايد، ناهيك عن أنه يشكل أهمية محورية للإستقرار المحلي.

تسعى الصين اليوم، بموجب استراتيجياتها الجديدة، وتعليمات زعيمها "شي جينبينغ" بأن "طعام الشعب الصيني لابد أن يصنعه الصينيون ويظل في أيديهم"، إلى تحقيق الإكتفاء الذاتي الزراعي وتقليل الإعتماد على المصادر الأجنبية كهدف وطني له الألوية على غيره من الأهداف، وذلك من خلال جملة من التدابير تشمل تعزيز الانتاج المحلي وتأمين الاستثمارات الزراعية خارج البلاد، وتطوير الصناعات الغذائية المحلية، والاهتمام بالأرياف وهياكلها وإداراتها، ومواردها، وتقديم القروض والحوافز للمزارعين، واستخدام التكنولوجيات الحيوية والذكاء الإصطناعي في الانتاج، وزراعة أصناف جديدة من البذور الهجينة والمعدلة وراثيا.

وفي هذا السياق نجد أن بكين أولت، في وثيقتها المشار إليها، اهتماما خاصا بانتاج الحبوب (القمح والأرز) باعتباره يشكل أهمية مركزية في السياسات الغذائية الصينية، ومادة أساسية في طعام الفرد الصيني، بدليل أن الصين استوردت العام الماضي وحده أكثر من 157 مليون طن متري من الحبوب وفول الصويا. وعلى الرغم من ارتفاع مستويات انتاج الحبوب محليا إلى مستويات قياسية في السنوات الأخيرة (مثلا وصل في عام 2024 إلى نحو 707 مليون طن متري) ، وعلى الرغم من تطور عادات الفرد الصيني الغذائية بفعل تحسن دخله، وقيامه باستهلاك اللحوم والبيض والألبان أيضا، فإن حاجة البلاد إلى زيادة انتاج الحبوب مستمرة في النمو كثيرا. ومن هنا، ركزت الوثيقة على ضرورة تأمين استقرار مناطق زراعة الحبوب في الحزام الاقتصادي لتهر يانغستي، وتحسين انتاجية وجودة وتخزين المحاصيل، وتحفيز انتاج الحبوب وفول الصويا والبذور الزيتية، والتنسيق بين المقاطعات الزراعية لتحسين التوزيع، وضمان استقرار الأسعار، املا في زيادة انتاج الحبوب سنويا بمقدار 50 مليون طن متري بحلول عام 2030، مع تخصيص أكثر من 117 مليون هكتار من الأراضي الريفية لزراعة الحبوب. 

غير أن مساعي الصين هذه يواجهها بعض التحيات المحلية والخارجية، منها الظروف المناخية القاسية، والقيود المتعلقة بالمياه والتربة الصالحتين، والضغوط الديموغرافية والبيئية التي تتطلب استثمارات ضخمة وتحولات في التكنولوجيا والبنية التحتية، ناهيك عن أن النموذج الزراعي الصيني يعتمد على المزارع العائلية الصغيرة التي يصعب تحديثها من حيث التقنيات الزراعية وتوحيد الممارسات، بل يواجه أصحابها، ممن يملكون نحو 70% من أراضي الصين الزراعية، صعوبات في توفير أموال للتشغيل والتحديث والاستثمار. وهناك تحد آخر يتمثل في أن زراعة بعض المنتجات في الصين أكثر لجهة التكلفة وأقل لجهة العائد مقارنة ببلدان أخرى (مثلا انتاجية هكتار واحد من فول الصويا في الصين تبلغ نصف انتاجية هكتار منه في دول الأمريكيتين، وكذا بالنسبة للذرة). ولا ننسى هنا الإشارة إلى التحدي الديموغرافي والمتمثل في الشيخوخة وانخفاض معدلات الخصوبة وبالتالي تقلص حجم العمالة في القطاع الزراعي وأيضا في القطاعات المساندة (مثل قطاع النقل والخدمات اللوجستية الضرورية لسلاسل التوريد الزراعية). ففي عام 2022 مثلا كان نحو 24% من القوى العاملة يعملون في الزراعة وصيد الأسماك والصناعات ذات العلاقة، ويتوقع أن تنخفض هذه النسبة إلى 3% بحلول عام 2050 لأسباب مختلفة مثل انصراف العاملين في الزراعة الى قطاعات أكثر دخلا في المدن، أو انخفاض عدد السكان في سن العمل.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: مارس 2025م

الأربعاء، 5 مارس 2025

ماذا دار في قمة ترامب ــ مودي الأخيرة


 د. عبدالله المدني*

تمثل الهند بثقلها الاقتصادي والصناعي والديموغرافي ونظام الديمقراطي الراسخ وموقعها الإستراتيجي الهام أهمية بالغة للقوى العالمية المتنافسة. وتساءل الكثيرون مؤخرا عن الشكل الذي ستتخذه العلاقات الهندية ــ الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، خصوصا في ظل سياساته وقراراته المتعلقة بـ "السيادية" و"الحمائية" و"الهجرة" ومبدأ "أمريكا أولا" من جهة وتمسك الهند من جهة أخرى بسياساتها المتمثلة في "الإستقلال الاستراتيجي" و"تعددية روابطها الدولية".

غير أن الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الحكومة الهندية "ناريندرا مودي" إلى واشنطن في 12 فبراير واجتماعه بترامب (الذي ارتبط معه بعلاقات ودية ابان ولايته الأولى ما بين 2017 و 2021) مثلت لحظة محورية في علاقات البلدين البينية، وبعثت برسالة مفادها أن التقارب الكبير في المصالح بين البلدين في قطاعات الامن والدفاع والتجارة والاستثمار والتكنولوجيا، ناهيك عن موضوع التصدي المشترك للسياسات الصينية التوسعية في منطقتي المحيطين الهندي والباسيفيكي. مستمر وسوف يتعزز، ولن يتأثر بالسياسات الترامبية الجديدة، لاسيما وأن مودي قدم تعهدات تظهر حسن النية حيال التجارة والرسوم الجمركية والهجرة (مثلا قبلت نيودلهي بإعادة مهاجرين هنود غير شرعيين من الولايات المتحدة على متن طائرة عسكرية امريكية).

ومما قيل حول قمة ترامب ــ مودي الأخيرة أن الزعيمين بحثا خططا لتعاون دفاعي أوسع بما في ذلك مسألة حصول الهند على أنظمة دفاعية أمريكية متقدمة ومقاتلات أمريكية متطورة من طراز F- 35 التي لا توجد الآن إلا في الترسانة الجوية لكل من الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وإسرائيل، علما بأن هذه المقاتلات تتميز بأجهزة استشعار إلكترونية متقدمة، ويمكن استخدامها لتحقيق تفوق هجومي حاسم، على نحو ما ثبت في حربي غزة ولبنان الأخيرتين (وقصف منشآت في إيران واليمن). ومن جهة أخرى تتفوق F- 35 كثيرا على الجيل الخامس من مقاتلات سوخوي الروسية من طراز Su-57 التي يمتلك سلاح الجو الهندي عددا منها.

والمعروف أن نيودلهي سعت وتسعى دوما إلى تعزيز وتجديد ترسانتها الجوية بهدف تحقيق تفوق جوي على غريمتيها، باكستان والصين، لذا اعتمدت بكثافة على روسيا، وتحاول اليوم ضم واشنطن إلى مصادر تسليحها الجوي. غير أن التحديات التي تواجهها تتمثل أولا في التكلفة العالية للطائرة  F-35 مقارنة بتكلفة الطائرة Su-57، وتتمثل ثانيا في الطلب المرتفع جدا على الصيانة والتدريب، وتتمثل ثالثا في رفض الموّرد الأمريكي الاستجابة لطلب الهند المعتاد بحقوق إنتاج مشترك للطائرة في الهند (الروس لا يعارضون ذلك على الإطلاق).

من القضايا الأخرى التي يُعتقد أنها بحثت في القمة، استئناف ترامب لحملة "الضغط الاقصى على إيران، وقراره في 9 فبراير بإلغاء إعفاءات من العقوبات فيما خص "مشروع تشاهبهار" (تشاهبهار ميناء ايراني استثمرت فيه الهند مليارات الدولارات وتقوم الآن بتطويره وتشغيله بموجب إتفاقية وقعت العام الماضي مدتها 10 سنوات). 

يمثل المشروع للهند أهمية قصوى لجهة مساعيها لتقوية نفوذها في أفغانستان وآسيا الوسطى والشرق الأوسط، ولجهة التنافس مع مشروع ميناء جوادر الباكستاني على بعد 75 كيلومترا فقط، والذي استثمرت فيه الصين بكثافة من أجل حماية تجارتها. ذلك أن إلغاء ما تمتعت به الهند من اعفاءات بصفة خاصة سوف يضر بمصالحها الاستراتيجية، ويقوض نفوذها، ويحرمها من موازنة النفوذ الصيني المتزايد في جنوب ووسط آسيا، بل قد يؤثر سلبا على ديناميكيات الشراكة الأمنية الرباعية المعروفة باسم "كواد" والتي تشكلت من استراليا واليابان والهند والولايات المتحدة لتحجيم قوة الصين المتزايدة في البحار والمحيطات. والجدير بالذكر في هذا السياق أن ترامب، الذي قرر انسحاب بلاده من العديد من الالتزامات والهيئات والمنتديات متعددة الأطراف، أكد من خلال وزير خارجيته ماركو روبيو، حرصه على بقاء "كواد" والإلتزام بأهدافها، بل واقتراح قمة للمجموعة في الهند خلال العام الجاري.

وعليه يمكن القول أن المشهد السياسي الحالي، على الرغم من تعقيداته، إلا أنه يمثل فرصة واعدة للهند للانخراط مع الولايات المتحدة، بشروطها الخاصة، في علاقات استراتيجية وتفاهمات سياسية واقتصادية والتزامات دفاعية بعيدة الأثر والمدى. ولعل صمت نيودلهي حتى اليوم عن موضوع إلغاء ما تمتعت به من اعفاءات ضمن العقوبات الأمريكية على النظام الإيراني بسبب برنامج الأخير النووي يدل على الصبر وانتظار ما ستسفر عنه مفاوضات قد تكون جارية وراء الكواليس بين الهنود ونظرائهم الأمريكيين من أجل أن يحتفظ الطرف الأول بالإعفاءات الخاصة باستثماراته الهائلة في تشاهبهار.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: فبراير 2025م

استراليا: اوكس في مهب رياح ترامب


كتب عباس علي مراد

عندما سئل الرئيس الاميركي دونالد ترامب قبل اسبوعين في مؤتمره الصحافي مع رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر عن اتفاقية اوكس الامنية، التي وقعتها استراليا مع المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية في ايلول عام 2021، كان جواب الرئيس الاميركي مفاجئاً وصادماً، فسال الصحافي البريطاني  "ماذا يعني هذا؟".  

كان هذا قبل المشادة الكلامية في البيت الابيض بين الرئيس ترامب ونائبه، والرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي الاسبوع الماضي، والتي بدا فيها الرئيس الاميركي مصرا على التخلي  عن زيلينسكي اذا لم يرض بتوقيع اتفاقية سلام مع روسيا. 

يبدو ان الرئيس الأميركي وكجزء من سياسته الجديدة أميركا اولاً، والتي فتح فيها حرب التعريفات الجمركية على حلفائه واعدائه، لا يعير الكثير لاتفاقية او كس، والتي ستكلف أستراليا  في مراحلها الاولى 368 مليار دولار، والتي قد تصل الى 500 مليار دولار مع كلفة التشغيل.

بموجب اتفاقية  اوكس، ستساعد كل من الولايات المتحدة وبريطانيا أستراليا في تطوير ونشر غواصات تعمل بالطاقة النووية، وانظمة صاروخية وقدرات للتعامل مع الحرب السيبرانية ، إضافة إلى تعزيز الوجود العسكري الغربي في منطقة المحيط الهادئ من اجل. احتواء النفوذ الصيني في المنطقة.

نشير الى ان الاتفاقية وقعت بعد ان الغت حكومة الاحرار برئاسة سكوت موريسن اتفاقية مع فرنسا، كانت ستحصل بموجبها أستراليا على 12 غواصة تعمل بالديزيل بكلفة 50 مليار دولار أميركي، وقعتها حكومة الاحرار برئاسة مالكوم تيرنبول عام 2018، وعندما وصل حزب العمال الى الحكم في عام 2022 تبنت حكومة البانيزي الاتفاقية بحذافيرها، رغم الانتقادات التي تعرضت لها من قبل سياسيين من حزبي الاحرار والعمال، اهمهما رئيسا الوزراء السابقين  بول كيتنغ (عمال) ومالكوم تيرنبول (أحرار)  ومعارضة حزب الخضر للإتفاقية كلياً.


تصريحات ترامب فجرت سيلاً من المواقف السياسية والصحافية، رغم أن رئيس الوزراء انطوني البانيزي وزعيم المعارضة بيتر داتون يصران على ان التحالف الأميركي يشكل عقيدة راسخة لديهما، ولن يخاطر اي منهما على تغيير موقفه ونحن على أبواب انتخابات فيدرالية قد يشكل اي موقف مغاير مادة انتخابية دسمة، ويصر كل منهما على أن صفقة أوكوس ستوفر الأمن للأستراليين عندما تصل الغواصات الأولى في أوائل أربعينيات القرن الحادي والعشرين.

الكاتب الصافي في جريدة سدني مورننغ هيرالد ديفيد كرو كتب في 20 شباط 2025 مقالة  بعنوان: ترامب يعمل على هدم التحالفات القديمة والعواقب وخيمة على أستراليا.

 وقال: "إن بريق تحالف أستراليا مع الولايات المتحدة يتلاشى يوما بعد يوم. وإذا كان بوسع رئيس الولايات المتحدة أن يدير ظهره لتحالف حلف شمال الأطلسي مع أوروبا وكندا، الأساس للأمن الغربي لمدة سبعة عقود، فهو قادر أيضا على التخلي عن اتفاقية أنزوس الأمنية واتفاقية أوكوس بشأن الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية."

 ويضيف كرو،المشكلة الأساسية هنا هي ان "اوكس" تعمل على تضخيم اعتماد أستراليا على أميركا، في حين أن أميركا أقل موثوقية. وهذه حقيقة لا يستطيع أي وزير في الحكومة أو في حكومة الظل أن يعترف بها. ويعرب وزير الدفاع ونائب رئيس الوزراء ريتشارد مارليس عن ثقته الكاملة في المشروع. وكذلك يفعل دوتون، الذي كان وزيراً للدفاع عندما أُعلن عن المشروع.

 أما محرر السياسية والدولية في الهيرالد بيتر هارتشر كتب 4/3/2025  مقالة بعنوانك" من الواضح أن ترامب عميل لبوتن. يجب أن يشعر جميع حلفاء الولايات المتحدة بالقلق." واقتبس هارتشر ما قاله جون بولتون مستشار ترامب السابق للأمن القومي الذي يتنقد ترامب يجب أن يشعر جميع حلفاء الولايات المتحدة بالقلق.

بوب كار وزير خارجية استراليا السابق(عمال) والمختص بالشؤون الأميركية يقول "كنت سأشعر بأمان أكبر لو لم نلغ الاتفاقية  للحصول على الغواصات الفرنسية  المهمة ولكن بأسعار معقولة" ويعتقد  كارأن الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية لن تصل أبدًا.

ويقول مالكوم تيرنبول رئيس الوزراء الأسبق (احرار) والذي لا يؤيد اتفاقية اوكس، "يجب أن يكون هناك تقييم صادق لما نفعله في السيناريو الذي لا نحصل فيه على أي غواصات من فئة فيرجينيا، وربما لا غواصات بريطانية أيضًا". يضيف تيرنبول: "تهيمن على الأخبار في الوقت الحالي الإجراءات التخريبية التي يقوم بها دونالد ترامب والطريقة التي يقلب بها السياسة الخارجية الأمريكية."

يقول الضابط  في البحرية الاسترالية الأميرال البحري بيتر بريجز، وهو قائد غواصات سابق قاد قاعدتين للأسطول، وفريق قدرات الغواصات التابع للبحرية الملكية الأسترالية، إن الولايات المتحدة تتخلف عن الركب في بناء الغواصات، وبالتالي ستكافح لبيع أي منها لأستراليا. ويتوصل بريجز إلى استنتاج مأساوي: يتعين على أستراليا أن تعترف بخطئها مع أوكس ويدعو لشراء غواصات سوفرن الفرنسية التي تعمل بالطاقة النووية من انتاج مجموعة نافال.

 السفير الأسترالي السابق لدى الولايات المتحدة حو هوكي يقول في انتقاد صريح للمنتقدين مثل كار وتيرنبول: "من المرجح أن ننجز فيرجينيا في الموعد المحدد. وذلك لأن أمريكا تركز أكثر على منطقة المحيطين الهندي والهادئ أكثر من المعارك الأخرى."

 وفي نفس السياق يقول آرثر سينودينوس سفير سابق لدى الولايات المتحدة  :"من الآن فصاعدًا، يجب ألا يكون شعارنا أننا بحاجة إليهم، بل أنهم بحاجة إلينا" (اي الولايات المتحدة)  ويدعو سينودينوس الى تطوير العلاقات الاسترالية مع الولايات المتحدة.

المفوض السامي السابق في المملكة المتحدة والمدعي العام الفيدرالي السابق جورج برانديس (أحرار) كتب في 23/2/2025 مقالة في الهيرالد بعنوان:

 هل يستطيع حلف شمال الأطلسي النجاة من ترامب؟

يقول برندس أصبحت أميركا الآن على صفحة مختلفة عن أوروبا، وعن بقية العالم الديمقراطي، بما في ذلك أستراليا، ويستشهد براندس بمقولة السفير الأسترالي الحالي لدى الولايات المتحدة ورئيس الوزراء السابق كيفن راد (عمال)، الذي وصف ترامب بأنه "خائن للغرب". هذه المقولة التي شكلت حرجاً لراد بعد انتخاب ترامب العام الماضي، رغم انه كتبها قبل توليه المنصب و يضيف براندس لكن كما أثبتت أحداث الأسبوعين الماضيين، كان راد على حق.

أما كيف ينظر الأستراليون الى العلاقات مع الولايات المتحدة  الاميركية، فقد أظهر استطلاع رأي جديد أجراه معهد أستراليا أن عدد الأستراليين الذين يرون دونالد ترامب يشكل تهديدًا أكبر للسلام العالمي مقارنة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتن أو او الرئيس الصيني شي جين بينج. 

شمل الاستطلاع 2000 أسترالي، وأسئلة حول رئيس الولايات المتحدة والأمن والتحالف الأمريكي الأسترالي، قبل المشادة الكلامية بين ترامب ونائبه فانس والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في المكتب البيضاوي، قال 49% من الأستراليين إنهم يشعرون بأمان أقل الآن مما كانوا عليه قبل إعادة انتخاب ترامب. وأفاد 17% فقط أنهم يشعرون بأمان أكبر منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. في أوساط الناخبين من حزب العمال والائتلاف والخضر والمستقلين وغيرهم، كانت الإجابة الأكثر شيوعًا هي "أقل أمنًا وعندما قدمت لهم فرصة الاختيار بين الثلاثة، اختار 27% من الأستراليين شي أو بوتن، ورأى 31% أن الرئيس الأمريكي يشكل الخطر الأكبر.


سدني