الثلاثاء، 29 أبريل 2025

بوادر مشجعة لقمة أمريكية ــ صينية

 


 

بقلم : د. عبدالله المدني

تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول الصين، منذ وصوله إلى البيت الأبيض للمرة الثانية، كثيرة، وأحيانا متناقضة ومحيرة للمراقبين، لكن الرجل يعي ما يقول، بل هو يتعمد ذلك ضمن سياسة الضغط وترك الخصم في حيرة وقلق وانتظار.

فمن تصريحات هدد فيها الصين بإجراءات انتقامية في صورة رفع الرسوم الجمركية على بضائعها الواردة الى الولايات المتحدة، إلى ترجمة تهديداته إلى واقع أغضب بكين وجعلها ترد برفع الرسوم على البضائع الأمريكية، بل وتدعو الأوروبيين للإنضمام إليها "لمقاومة سياسات الارهاب والإكراه التجارية الأمريكية". ومن تصريح حول انفتاح  بلاده على خصومها التقليديين كالصين، إلى تصريح قال فيه أن الصين تنهب الولايات المتحدة ولابد من إيقافها ومعاقبتها، لكنه معجب بالرئيس شي جينبينغ لأنه "رجل قوي ومتمكن ويحظى بالإحترام في بلاده". ومن تصريح أطلقه حول زيارة مرتقبة لنظيره الصيني شي جينبينغ إلى واشنطن في المستقبل غير البعيد، إلى تصريح قال فيه أنه لن يجتمع مع الأخير قبل الأول من مارس، وهو موعد انتهاء مهلة حددها ترامب للصين والولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق بشأن التجارة.

وفي آخر تصريح للرئيس الأمريكي، قال، ردا على سؤال حول الأزمة المحتدمة بين أكبر اقتصادين في العالم: "سنعقد صفقة، واعتقد أننا سنعقد صفقة جيدة جدا مع الصين". واعرب في تصريح آخر عن تفاؤله في التوصل لاتفاق مع الصين في غضون 3ـ 4 أسابيع. وفي الوقت نفسه خرجت تصريحات من بكين تفيد بأن القيادة الصينية منفتحة على الحوار مع واشنطن حول التجارة والرسوم وغيرها، وأن الرئيس شي جينبينغ مستعد للجلوس مع ترامب بشروط مسبقة وواضحة. وكما جرت العادة شملت التصريحات تكرار الحديث عن أن الاقتصاد الصيني منيع ولم يتأثر بإجراءات ترامب، وهو حديث ينطوي على مبالغة فجة لأن الاقتصاد الصيني العملاق جزء من الاقتصاد العالمي، والأخير تقوده وتهيمن على أدواته الولايات المتحدة. أما عن شروط الصين للحوار، فقد قالت وسائل الإعلام أن بكين تريد من واشنطن أن تخفف حدة خطابها وتحريضها، وتوضح ما تسعى إليه بدقة، وتسمية شخصص محدد لقيادة المفاوضات، بعد أن عينت الصين مؤخرا ممثلا تجاريا جديدا.

وهكذا يبدو أن كلا الجانبين استشعرا خطورة الحرب التجارية الدائرة بينهما، وتأثيراتها المدمرة على العالم، واحتمال أن تنجرف الأمور إلى أبعد من كساد عالمي مشابه لكساد الثلاثينات (مثلا أعلن رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، في تصريح أطلقه من شيكاغو، أن التعريفات الجمركية المرتفعة تشكل صدمة ركود تضخمي، وترفع من الأسعار، وتُفقد الوظائف، وتبطيء النمو، وتفشل أي استراتيجية انقاذ من قبل البنوك المركزية)، فأقدما على خطوات وتصريحات قد تقود إلى "صفقة" ما. لكن الصفقة المحتملة قد يفسدها تقلبات ترامب ونوبات الغضب التي تصيبه والتي رأيناها في قراره برفع الضرائب على السلع الصينية بسرعة من 10% إلى 145%. أو قد يحول دونها التيار المتشدد في إدارته.

وطبقا للعديد من المراقبين، فإن الجانبين سيسعيان في أي مفاوضات بينهما، إذا سارت الأمور على ما يرام، إلى صفقة تحفظ ماء وجه كليهما. وهنا يمكن لليابان أن تقدم بعض الرؤى من تجربتها الناجحة مع ترامب في فترة رئاسته الأولى، حينما نجح رئيس الحكومة اليابانية الراحل "شينزو أبي" في الخروج من محادثاته التجارية الثنائية مع ترامب حول صناعة السيارات بالتعادل (لا غالب ولا مغلوب). وعلى الرغم من أن تلك الصفقة الأمريكية ـ اليابانية لم تصمد، ونقضها ترامب في فترة رئاسته الحالية، إلا أن الزعيم الياباني الحالي " شيغيرو إيشيبا" يحاول انقاذها بأقل الخسائر، ويسعى ممثلوه التجاريون إلى إحراز اتفاقية جديدة مخففة لا تتضمن تنازلات كثيرة.

والحقيقة أن الرئيس شي جينبيغ، سيكون في موقف أفضل، في أي مفاوضات مع نظيره الأمريكي. فترامب مثلا يخوض حاليا مواجهة مع البنك الإحتياطي الفيدرالي، وهو ما يضعف موقفه. كما أن الدعاية الصينية نجحت في تصويره كزعيم يسعى إلى تدمير العالم وغرقه في فوضى، مقابل تصوير شي جينبينغ كزعيم يدافع عن التجارة العالمية القائمة على القواعد والمعاهدات القانونية. إلى ذلك، نجد أن ترامب خائف على انخفاض شعبيته، بعد أن تسببت سياساته في تقلبات حادة في سوق الأسهم الأمريكية، وهو أمر لا يواجهه الرئيس الصيني. وأخيرا فإن ما يضعف موقف ترامب أيضا هو هروب رؤوس أموال هائلة من الولايات المتحدة بسبب خوف المستثمرين مما هو قادم، بينما النظام الشيوعي الصارم في الصين يمنع حدوث ذلك.



 د. عبدالله المدني

أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: أبريل 2025م 



الجمعة، 25 أبريل 2025

بيان: التواصل حقّ والوفد السوريّ المذهبيّ الدرزيّ مصادق عليه سوريًّا


 الحركة التقدّميّة للتواصل – درب المعلّم


يصل إلى البلاد اليوم 25 نيسان 2025 وفد سوريّ درزيّ يضمّ المئات من رجال دين من مناطق مختلفة في سورْيَة، للمشاركة في زيارة النبيّ شعيب (ع) التقليديّة. الحركة التقدّمية للتواصل تتمنّى للوفد والزائرين "زيارة مقبولة"، وتُبيّن:

أوّلًا: إنّ زيارة الوفد تتمّ بالتنسيق التامّ بين السلطة السوريّة الجديدة بواسطة وزير الخارجيّة السوريّ السيّد أسعد الشيباني، والسلطات الإسرائيليّة بواسطة الشيخ موفّق طريف الرئيس الروحي لدروز البلاد. وهذا طبقًا لمعلومات متوفّرة موثوقة. 

ثانيًا: تبارك الحركة كلّ تواصل يتمّ وترى فيه تكملة واستمرارًا لمشروعها، وهي التي نقشت على علمها منذ انطلاقتها عام 2000 تحت اسم "الحركة الوطنيّة للتواصل"، العمل على تحقيق التواصل وأطلقت المشروع؛ الحقّ في التواصل للجميع؛ متديّنين وغير متديّنين؛ رجالًا ونساءً، ونفّذته على مدى سنوات إلى أن أوقفته المؤسّسة الإسرائيليّة. 

ثالثًا: حقّ هو لدروز سورْيَة أن يزوروا أماكنهم المقدّسة في البلاد وعينيّا أهمّ مكان لدى الدروز؛ مقام النبيّ شعيب (ع). خصوصًا وأنّ هذه الزيارة تقليديّا واحدة من أربع زيارات دينيّة لمواقع مقدّسة كانت تجري قبل أن تنقطع العام 1948؛ اثنتان في لبنان وواحدة في سورْيَة وأخرى في فلسطين – حطّين. 

رابعًا: الحركة تتساءل تساؤل العارف؛ لماذا حين كان التواصل الأهليّ والمذهبي والجمعيّ في الاتّجاه المعاكس، من البلاد إلى الأهل والأماكن المقدّسة في سوريّة ولبنان، منعته المؤسّسة الإسرائيليّة بكلّ السّبُل وقاضت وحاكمت القيّمين عليه؟!     

 ولماذا لم تحترم حينها رغبة وموقف الشيخ موفّق طريف وتبدو وكأنّها تفعل اليوم ذلك، إذ كان العمل على المشروع وبداية من العام 2003 بالتنسيق التامّ بين حركة التواصل والشيخ موفّق أمام كل أذرع المؤسّسة الإسرائيليّة؛ القضائيّة والتشريعيّة والتنفيذيّة؟! 

خامسًا: الحركة التقدّمية للتواصل- درب المعلّم ترى أنّ هذه الخطوة تكتنفها العوامل السياسيّة، وتحذّر من أن يقع القيّمون عليها، ومهما تنوّعت أدوارهم وحسُنت نواياهم، فريسة لهذا الاستغلال خدمة لمصالح سياسيّة محليّة وإقليميّة، خصوصًا على ضوء الحرب العبثّية التي تخوضها الحكومة الإسرائيليّة المتطرّفة كذلك ضدّ سوريّة.

وأخيرًا: الحركة تحذّر من الانزلاق في التحريض الطائفيّ على العرب الدروز عامّة بوفد وبغير وفد، والتحريض الداخلي على بعض الرموز العربيّة الدرزيّة والذي يستشري على وسائل التواصل الاجتماعيّ.

اللجنة التنفيذيّة

للتواصل: عماد دغش – 4030870-050 سكرتير الحركة.

سعيد نفّاع – 7208450-050 الناطق الرسمي.    


الثلاثاء، 22 أبريل 2025

جولة "هيغسيت" الأخيرة في آسيا .. دواعيها ونتائجها


 بقلم: د. عبدالله المدني*

زيارات وزراء الدفاع الأمريكيين للدول الآسيوية الحليفة أمر روتيني لم ينقطع قط، خصوصا مع بدء عهد رئيس أمريكي جديد. غير أن جولة الوزير الحالي "بيت هيغسيت" الآسيوية الأخيرة التي بدأت أواخر مارس الماضي وانتهت في أبريل الحالي، وهي الزيارة الأولى منذ تسلمه حقيبة الدفاع، حظيت باهتمام كبير من المراقبين ووسائل الإعلام العالمية. والسبب هو أن الزيارة تمت في وقت يشهد فيه العالم متغيرات وتطورات أمنية وعسكرية وسياسية واقتصادية كثيرة، ناهيك عما بحيط بسياسات واشنطن إزاء حلفائها من غموض وتذبذب منذ وصول ترمب إلى البيت الأبيض للمرة الثانية، وإطلاق الأخير لتصريحات غريبة تجاه بنما وأوكرانيا والمكسيك وكندا وغرينلاند.

وبعبارة أخرى هناك حالة قلق مبررة من قبل حلفاء واشنطن الآسيويين، ومخاوف من عدم وفاء الولايات المتحدة لإلتزاماتها الأمنية التاريخية إزاءهم، أو إجبارهم على تحمل نفقات حمايتهم، أو دفعهم إلى صدام مكلف لا يردونه مع جارتهم الصينية، خصوصا إذا ما استدعينا تصريح ترامب خلال ولايته الأولى من أنه ينبغي على الحليف الياباني (مثلا) دفع المزيد لإستضافة القوات الأمريكية على أراضيها، ومطالبته برفع انفاقها العسكري، وتحذير السفير الفلبيني في واشنطن الذي قال فيه: "يبدو أن التواجد العسكري الأمريكي في منطقة الإندوباسفيك لن يستمر إلى الأبد".

والحقيقة أن جولة هيغسيت الآسيوية استمدت أهميتها أيضا من تزامنها أولا مع سلسلة مناورات عسكرية صينية في المنطقة الممتدة من مضيق تايوان إلى بحر تاسمانيا المحاذي لأستراليا ونيوزيلندا، ومن تزامنها ثانيا مع اجتماع عقده وزراء دفاع دول "تحالف كواد" الرباعي (اليابان واستراليا والولايات المتحدة والهند)، وهو إجتماع صدر عنه بيان أشار إلى أن الوجود الصيني في "بحر الصين الجنوبي" وقيام بكين بإنشاء جزر صناعية في المنطقة يثير القلق ويهدد حرية الملاحة والتجارة العالمية، وتزامنها ثالثا مع انطلاق أكبر مناورات عسكرية مشتركة بين مانيلا وواشنطن وهو المناورات السنوية المعروف باسم "باليكاتان" والهادفة إلى تعزيز العمليات المشتركة والقدرات القتالية من أجل سلامة الأراضي الفلبينية، وتزامنها رابعا مع إطلاق اليابان لهيئة جديدة مكلفة بالتنسيق المتقدم بين أفرع قوات الدفاع الذاتي اليابانية بهدف تعزيز قدرة البلاد على الاستجابة للطوايء الإقليمية والتعاون مع القوات الامريكية المرابطة هناك وعددها نحو 55 ألف عنصر. علاوة على ما سبق جاءت زيارة هيغسيت استباقا لجولة الرئيس الصيني شي جينبينغ الحالية في دول جنوب شرق آسيا لتعزيز مكانة بلاده كأكبر شريك تجاري لدول آسيان على مدى الـ 16 عاما الماضية. 

شملت جولة هيغسيت اليابان والفلبين وغوام، ولم تشمل كوريا الجنوبية للمرة الأولى (ربما بسبب ظروفها السياسية المضطربة منذ إعلان الأحكام العرفية في ديسمبر الماضي). أما غوام فقد أضيفت إلى الجولة بسبب أهميتها الاستراتيجية في الردع، واحتضانها لقاعدة أندرسن البحرية، أحد أهم القواعد الأمريكية العسكرية في المحيط الهادي. وطبقا لما نشر عن أهداف الزيارة، فإنها جاءت لطمأنة الحلفاء وتبديد قلقهم وتعزيز الأمن الإقليمي والتأكيد على استراتيجية واشنطن حول احتواء التمدد الصيني وتحجيمه. فماذا فعل الوزير الزائر يا ترى؟

في مانيلا، أكد هيغسيت استمرار واشنطن في تقديم الدعم العسكري والمالي السنوي بقيمة 500 مليون دولار، والتزامها ببنود معاهدة الدفاع المشترك لعام 1951، وموافقتها على نشر نظام صواريخ Nmesis المضادة للسفن في الفلبين. كما وقع الجانبان على اتفاقيات تشمل إجراء تدريبات ثنائية لقوات العمليات الخاصة، وإعادة بلورة خطط الردع في منطقة إندوباسيفيك، والتعاون الصناعي في مجالات مثل الأنظمة غير المأهولة، ومكونات الذخائر والمواد المتفجرة، والمعادن الحيوية، والدعم اللوجستي، وصيانة وإصلاح السفن والطائرات، وإنتاج قطع الغيار والمكونات الخاصة بالأنظمة العسكرية، وتكنولوجيا المعلومات والأمن السيبراني.

وفي طوكيو أكد هيغسيت على ضرورة تسريع اليابان قوتها العسكرية وتطوير التنسيق بين قوات البلدين في ضوء تنامي نفوذ الصين، وخطر نشوء حالة طواريء في تايوان. وتم الاتفاق على تسريع الانتاج المشترك لصواريخ الدفاع الجوي المتطورة، وتوفير قدر أكبر من التسهيلات للقوات الأمريكية للوصول إلى المناطق اليابانية المطلة على بحر الصين الشرقي بالقرب من تايوان. وعلى حين أكد هيغسيت على إلتزام واشنطن بسحق أي عدوان صيني في المحيطين الهندي والباسيفيكي، فإن اليابانيين أكدوا له بدورهم استعدادهم ليكونوا في الخطوط الأمامية لأي طاريء.

ولا يستبعد أن الضيف الأمريكي سمع من مضيفيه عتبهم وتوجساتهم العديدة، وعلى رأسها قضية رسوم "يوم التحرير" التي أعلنها ترامب في 2 أبريل الجاري، والتي وجهت ضربة اقتصادية قاصمة لجميع الدول الآسيوية بما فيها الدول الحليفة، ومخاوفهم من سياسة دفع المنطقة نحو عدم الاستقرار بدلا من استعادة التوازن.



د. عبدالله المدني

أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: أبريل 2025م 

 


الثلاثاء، 15 أبريل 2025

زلزال تايلاند يهز سمعة الصين الهندسية


 

بقلم: د. عبدالله المدني*

في عام 2013 أطلقت الصين رسميا مبادرة "حزام واحد، طريق واحد"، والتي تغير إسمها في عام 2015 إلى "مبادرة الحزام والطريق". وتمّ الترويج لها على أنها "طريق حرير جديد" مستوحى من الترابط المادي والاقتصادي والثقافي لطريق الحرير القديم. 

كان الهدف المعلن من المبادرة هو مساعدة الدول الأقل دخلا ونموا على استكمال مشاريع البنية التحتية وتحسين التجارة والتواصل بين الشعوب، مع اهتمام ضئيل بمشاريع القطاع الاجتماعي كالصحة والتعليم، بينما كان الهدف غير المعلن هو التمدد وخلق نفوذ للصين في دول العالم الفقيرة عبر تصدير الطاقة الانتاجية الفائضة للعديد من الشركات الصينية بعد الأزمة المالية العالمية سنة 2008، وما تلاها من حزم تحفيزية حكومية لتلك الشركات. 

وبمرور الوقت تبين للدول المنخرطة في المبادرة الصينية صدق ما كانت تحذر منه الدوائر الغربية من أن الصينيين بمبادرتهم يسعون إلى تكبيلها بقيود وفرض نفوذهم عليها واستخدام أصولهم فيها كأدوات ضغط. ومنذ عام 2017 ظهر مصطلح "دبلوماسية فخ الديون" لوصف صفقة حصلت بموجبها بكين على عقد إيجار لمدة 99 عاما لميناء هامبانتوتا السريلانكي بعد أن فشلت الحكومة السريلانكية في سداد ديونها المستحقة للحكومة والشركات الصينية والناجمة عن انخراطها في مبادرة الحزام والطريق.

وسرعان ما تبين أيضا أن الشركات المكلفة بتنفيذ مشاريع مبادرة الحزام والطريق في الدول المنخرطة، جلها الأعظم من الشركات المملوكة للدولة التي تتماشى أهدافها مع أهداف الدولة الصينية وتأتمر بأوامرها، والقليل منها شركات خاصة من تلك التي تحاول جاهدة أن تجاري نظيراتها في القطاع العام كي تكسب ثقة الدولة، وبالتالي فهي واقعة تحت ضغوط قد يفسد اتقانها لعملها. 

والحقيقة أن المصاعب التي واجهتها وتواجهها المبادرة الصينية لا تعود إلى "فخ الديون" أو إلى "الإقراض الجائر" فحسب، وإنما أيضا إلى عوامل أخرى مثل ضعف إدارة المخاطر، وغياب الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة للمشاريع، وسوء التماسك والتواصل من جانب الشركات والمصارف الصينية المملوكة للدولة والشركات الخاصة والحكومات المحلية المعنية. 

وقد بدا العامل الأخير جليا في أواخر عام 2018 حينما توقفت الجهات الرئيسية المعنية بتنفيذ مبادرة الحزام والطريق (وهي مجلس الدولة ووزارة التجارة و اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح) عن اشتراط موافقتها على طلبات الشركات الصينية للإنخراط في المشاريع الخارجية، وهذا سهل بدوره انخراطها في أنشطة إنشائية وأعمال استثمارية خارج الصين، وقلل من مستويات الرقابة على أنشطتها ودرجة الجودة والاتقان في أعمالها. 

غير أن الفترة 2015 ــ 2022 شهدت انخفاضا في عدد وقيمة المشاريع الأجنبية الجديدة المبرمة في دول "مبادرة الحزام والطريق". حيث أشارت الارقام والبيانات المتوفرة أن الشركات الصينية غيرت من تفضيلاتها لجهة الانخراط في مبادرة الحزام والطريق لأسباب من بينها العزوف عن المخاطرة، أو عدم القدرة على تنفيذ مشاريع البنية التحية الضخمة، او لأن تلك المشاريع غير قابلة للتمويل، او لعدم عثورها على شركاء راغبين من الدول المضيفة، أو بسبب أمور تتعلق بالفساد والديون. ناهيك عن عامل آخر هو أن انخراط عدد كبير من الشركات الصينية في مشاريع البنية التحتية الخارجية للمبادرة تم دون تفكير او تخطيط لجهة كيفية ربط أجزاء البنية التحتية المختلفة معا من أجل أن تعمل بفعالية، وقد أدى هذا التشرذم إلى إغراق العديد من الشركات الصينية وشركاء المبادرة في ديون بمليارات الدولارات، وبالتالي انتفاء حرصها وتراجع حماسها لتنفيذ ما هو مطلوب منها بدقة.

ويبدو أن المبادرة الصينية، ومعها سمعة الصين الانشائية والهندسية، تقف اليوم على المحك وسط تشكيك متفاقم، في اعقاب الهزة الارضية التي تعرضت لها تايلاند وميانمار مؤخرا بقوة 7.7 على مقياس ريختر. حيث كشف الزلزال عن خرافة المعجزات الصينية في البناء والتشييد المحكم، بعد أن انهارت ناطحة سحاب من 30 طابقا كان مهندسون صينيون يبنونه في بانكوك، في لمح البصر، علما بأنه المبنى الوحيد الذي انهار في العاصمة. وطبقا للصحافة التايلاندية، فإن الكارثة، التي سحقت حوالي 87 عاملا و 72 مفقودا، كشفت عن استخدام الصينيين لقضبان تسليح فولاذية دون المستوى المطلوب، حيث أفادت التقارير أن معهد الحديد والصلب في بانكوك وجد أن التركيب الكيميائي والكتلة وقوة تحمل قضبان التسليح الصينية المنشأ قد فشل في اختباراتها.

ولعل ما أثار المحققين التايلانديين أكثر هو قيام أربعة صينيين، بعد يومين من الزلزال، بجمع أكبر قدر ممكن من الوثائق والخرائط الهندسية المتعلقة بالمبنى المنهار، والهرب من مكاتبهم، قبل أن يلقى القبض عليهم وتتدخل السفارة الصينية للإفراج عنهم.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: إبريل 2025م

الاثنين، 14 أبريل 2025

استراليا بين مطرقة أميركا وسندان الصين



تقرير عباس علي مراد

قبل أسبوعين أعلن الرئيس الاميركي دونالد ترامب حربه الإقتصادية على العالم، من خلال فرضه رسوم جمركية كان حدها الأدنى 10%ن واقصاها 145 % التي فرضها على الصين.


وكما اصبح معروفاً، عاد ترامب وجمد قراره لتسعين يوماًن ليعطي فرصة لدول العالم من اجل التفاوض مع الولايات المتحدة من أجل الوصول الى حل يرضي الجميع، لانه حسبما قال ان الولايات المتحدة لم تعد على استعداد لتحمل الخسارة!


 الصين التي تم استثناءها من قرار التجميد ردت بفرض رسوم مماثلة، وأبدت استعدادها 

للإسمتراربالمواجهة، وعدم الرضوخ لإبتزاز الإدارة الأميركية مهما كانت كلفة تلك المواجهة.


أستراليا التي تحتفظ بعلاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة، التي تأتي بالمرتبة الأولى بالاستثمار المالي في الاقتصاد الاسترالي،  ويميل الميزان التجاري بين البلدين لصالح الولايات المتحدة، وتبلغ صادرات أستراليا من السلع إلى الولايات المتحدة أقل من 5%، وبلغت قيمة التجارة الثنائية بين أستراليا والولايات المتحدة 98.7 مليار دولار في عام 2023 .


في نفس الوقت تحتفظ أستراليا بأهم واوسع علاقات تجارية مع الصين تبلغ قيمتها  325،5 مليار دولار  في الاتحاهين، ويميل الميزان بفارق كبير لصالح أستراليا التي تصدر العديد من المواد الاولية والزراعية الى الصين. 


استراليا والتي هي على موعد مع الانتخابات الفيدرالية في 3 ايار القادم، كانت لها مقاربة حذرة لرسوم ترامب، فمارست سياسة التقية السياسية، وايدت المعارضة الفيدرالية هذه المقاربة، رغم ان زعيم المعارضة بيتر داتون اتهم رئيس الوزراء انطوني البانيزي بالضعف ، لانه لم يستطيع إقناع ترامب بإعفاء أستراليا من الرسوم والبالغة 10%، وادعى داتون انه الاقدر على إدارة العلاقات مع الولايات المتحدة في حال فوزه بالانتخابات القادمة. 


الصين، وعبر سفيرها في كامبرا دعت أستراليا الى التعاون من اجل الحفاظ على نظام التجارة العالمي والوقوف بوجه الاجراءات الاميركية، لكن تلك الدعوة لم تلقى الترحيب، وقوبلت بفتور وحذر رغم ان 

زعيم المعارضة بيتر داتون قال: "ينبغي أن تكون لأستراليا علاقة تجارية قوية مع الصين، بما يخدم مصالحنا المشتركة".


رئيس الوزراء انطوني البانيزي وعندما سُئل عما إذا كان سيتعاون مع الصين قال: "نحن لنا موقفنا الخاص بنا .. وموقف أستراليا هو أن التجارة الحرة والعادلة أمرٌ جيد". وبشأن تعزيز العلاقات التجارية مع الصين، قال ألبانيز: "سنسعى لزيادة تجارتنا مع جميع الدول".  


لكن نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع ريتشارد مارلز رفض رفضًا قاطعًا عرض السفير الصيني لدى أستراليا شياو تشيان "بالتعاون" مع أستراليا للرد على رسوم ترامب الجمركية ، وأضاف: "لن نتعاون مع الصين، هذا ما لن يجصل لا أعتقد أننا سنتعاون مع الصين"، وقال إن أستراليا بدلا من ذلك تحاول تنويع شركائها التجاريين، بما في ذلك توسيع العلاقات التجارية مع دول مثل إندونيسيا والهند.


وزير التجارة  الاسترالي دون فاريل ورغم ان الحكومة حكومة تصريف أعمال، اتصل بنظيره في الاتحاد الاوروبي وقال بعد الاتصال: انه  تم الاتفاق على اعادة  فتح المحادثات  حول اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي، التي توقفت بسبب بعض الشروط الاوروبية التي رفضتها استراليا أنذاك.


  فاريل وصوف الاتصال بأنه كان "ودياً وبناءً" وأضاف: "اتفقنا على استئناف المحادثات وجهًا لوجه في أقرب وقت ممكن بعد الانتخابات"، وتبلغ نسبة الصادرات الاسترالية للاتحاد الأوروبي 20% من صادرات البلاد، أي ان الاتحاد الاوروبي ثالث أكبر مستورد من أستراليا بعد الصين واليابان.


 كذلك تحدث وزير التجارة دون فاريل مع نظرائه في اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة والهند بشأن الرد على الرسوم الجمركية الأمريكية.

   

نشير الى ان الصين كانت قد فرضت رسوم جمركية وصلت الى 80% على بعض الصادرات الاسترالية 

في العام 2020، بعد ان اتهم رئيس الوزراء الاسترالي آنذاك سكوت موريسن(احرار) الصين بأنها مصدر فيروس كوفيد 19،  وطالب باقامة لجنة تحقيق دولية حول الموضوع، عادت الصين والغت تلك الرسوم كلياً عام 2024 بعد مباحثات شاقة مع حكومة العمال، وكلفت  تلك الرسوم الاقتصاد الاسترالي 20 مليار دولار سنوياً.


رغم معارضة الحكومة مد اليد للصين، هناك مسؤولين أستراليين حاليين وسابقين دعو الى تعزيز العلاقات مع الصين والدول الاسيوية، ويعتقدون ان النمو الاقتصادي الاسترالي يعتمد على العلاقات مع اسيا، منهم وزير التجارة الليبرالي السابق أندرو روبن الذي قال: بأنه ينبغي على أستراليا الرد على ترامب بالسعي إلى علاقات أوثق مع آسيا، بينما قال وزير التجارة العمالي السابق كريج إيمرسون والذي يشغل حالياً  منصب الرئيس التنفيذي لمركز دراسات التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في جامعة (آر- أم- آي- تي)  إن هذا سيتماشى ويتوافق مع سنوات من السياسة الأسترالية، واضاف إن ازدهارنا الاقتصادي المستقبلي هو في آسيا.


أما وزير التجارة  دون فاريل فقال: أن "استقرار العلاقات مع الصين سيكون أولوية إذا فاز حزب العمال في الانتخابات القادمة ، واضاف إنه يريد رؤية نظيره الصيني في شنغهاي في تشرين الثاني (نوفمبر) القادم، واكد فاريل "أننا ملتزمون بإدارة خلافاتنا مع الصين بحكمة مع وضع مصلحتنا الوطنية دائمًا في المقام الأول".


أستراليا، التي تخشى ان تكون ضحية الكباش الاقتصادي بين شريكيها الاستراتيجي الاول، والشريك التجاري الأول، تخشى تراجع نمو الاقتصاد الصيني من جهة حيث ستتراجع الصادرات الاسترالية للصين مما سيؤثر سلباً على الأقتصاد الاسترالي وميزانية الحكومة الاسترالية. 


أستراليا، وكرد اولي على الرسوم الجمركية أقامت صندوقًا بقيمة مليار دولار لمساعدة المصنعين المحليين المتضررين من الرسوم الجمركية الأمريكية حسبما قال وزير الصناعة إد هيوسك.


 أيضاً، هناك تخوف من عدم وفاء الولايات المتحدة بالتزاماتها لحماية أستراليا، وارتفعت الاصوات التي تطالب باعادة النظر من قبل صحافيين وحزبيين وآكادميين وعسكريين وسياسيين حاليين وسابقين، لاعادة النظر باتفاقية اوكس لشراء الغواصات النووية من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وبالاعتماد على القدرات الاسترالية الذاتية لحماية البلاد.


من ابرز تلك الشخصيات رئيس الوزراء الأسبق بول كيتنغ (عمال)  الذي كان وما زال يدعو الى تطوير العلاقات الاسيوية الاسترالية، لعدة أسباب الموقع الجغرافي لاستراليا والتنوع الديمغرافي الذي تتكون منه أستراليا، خصوصاً بعد الغاء سياسة أستراليا البيضاء، وعلى الرغم من اعتراف كيتنغ باهمية العلاقة مع الولايات المتحدة، لكنه يحذر دائماً من الاعتماد الكلي على الولايات المتحدة وعارض وما يزال صفقة أوكس التي ستكلف أستراليا في مراحلها الاولى 368 مليار دولار.


 مالكوم تيرنبول رئيس الوزراء السابق (أحرار) يوافق كيتنغ الرأي ويطالب بإعادة إحياء الاتفاق مع فرنسا لبناء أسطول الغواصات الاسترالي الذي وقعت عليه حكومته في عام 2016، والذي الغته حكومة سكوت موريسن(أحرار) عام 2021 عندما استبدلتها باتفاقية أوكس.  


كذلك فان حزب الخضر يدعوا الى الغاء اتفاقية أوكس وتطوير صناعات دفاعية محلية وتوفير بلايين الدولارات لتطوير البنى التحتية الاقتصادية في البلاد، وهناك مجموعة داخل حزب العمال تعرف ب"العمال ضد الحرب" تدعو الى الغاء الصفقة وتعمل داخل الصفوف والفروع الحزبية وفي المجتمع من اجل تحقيق ذلك الهدف.


إذن، أستراليا  وحتى تنجلي غبار المعركة الاقصادية والتغيرات العالمية المتسارعة، واقعة بين مطرقة دونالد ترامب وسندان شي جينغ بينغ.


أخيراً، فهل تستطيع استراليا الخروج من هذه المعمعة بنفس المقاربة الحالية، أم انها ستضطر لغيير المقاربة في المستقبل، خصوصاً بعد الانتخابات حيث لا تخشى الحكومة ردة فعل الناخبين؟  

**  

الشريك التجاري الاول الصين ثم اليابان ثم الاتحاد الاوروبي ثم الوللايات المتحدة

إن ازدهارنا الاقتصادي المستقبلي يكمن في المنطقة الآسيوية.

أقل من 5% من صادرات أستراليا من السلع تذهب إلى الولايات المتحدة، مقارنةً بنحو 20% للاتحاد الأوروبي.

.Australia’s two-way trade with China has grown from $145.8 billion to $325.5 billion since the two countries struck a free trade agreement a decade ago. Australia’s two-way trade with the US was worth $98.7 billion in 2023.

Less than 5 per cent of Australia’s goods exports go to the United States, compared to about 20 per cent for the EU.