الأربعاء، 10 سبتمبر 2025

تايلاند .. أزمات سياسية متلاحقة لا تنتهي


 

بقلم: د. عبدالله المدني*

لاتكاد أزمة سياسية في تايلاند تنتهي إلا وتنشأ محلها ازمة سياسية جديدة، وكأنما حكم على هذه المملكة الدستورية ألا تعيش استقرارا سياسيا طويلا. فخلال الأعوام القليلة الماضية وقعت عدة انقلابات عسكرية وتغيرت عدة حكومات وظهرت وجوه قيادية جديدة واختفت أخرى، بينما ظل شخص واحد يدير اللعبة من وراء الكواليس ويناكف الجيش وقادته والنظام الملكي والحرس القديم، تارة من داخل البلاد وتارة أخرى من منافيه القريبة او البعيدة. هذا الشخص هو رئيس الوزراء الأسبق ورجل الأمن والشرطة القديم المليونير تاكسين شيناواترا، الذي يريد تغيير ما لا يمكن تغييره وهو النظام الملكي ودور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية.

في نهاية شهر أغسطس المنصرم اصدرت المحكمة الدستورية في بانكوك حكما بإعفاء رئيسة الحكومة "بايتونغتارن شيناواترا" من منصبها، بعد عام فقط من تنصيبها، بتهمة انتهاك كرامة البلاد والمعايير الاخلاقية في مكالمة هاتفية مسربة اجرتها في يونيو الفائت مع الزعيم الكمبودي المخضرم هون سين، لتصبح السيدة شيناواترا خامس رئيس حكومة يعزل من منصبه. 

وملخص القصة أن بايتونغتارن حاولت تهدئة التوترات والنزاعات الحدودية مع الجارة الكمبودية بإجراء مكالمة تصالحية مع نظيرها الكمبودي. في تلك المكالمة انتقدت قادة جيشها كسبب في اندلاع النزاع، لكنها انتقدت فنوم بنه أيضا لدورها في تأجيج الخلافات عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي. اعتبر هون سين ذلك الانتقاد بمثابة اهانة لنظامه الذي سبق وأن قدم المأوى والحماية لوالد رئيسة الحكومة (تاكسين شيناواترا)، وقام بتسريب المكالمة. هنا تحركت المحكمة الدستورية التايلاندية، بضغط من القادة العسكريين، في يوليو الفائت لمساءلة بايتونغتارن على تصرفها المحرج، كما برزت في الوقت نفسه دعوات برلمانية لعزلها، بل وانسحب حزب "بومجاي تاي" (الفخر التايلاندي) وهو أكبر شريك لحزبها (حزب بيوا تاي او "من أجل التايلانديين") من الائتلاف الحاكم، تاركا لها أغلبية ضئيلة في البرلمان.

جاء حكم المحكمة ضدها، والذي اتخذ بأغلبية سبعة قضاة من أصل تسعة، إلى تعزيز اعتقاد سائد مفاده أن السلطة القضائية في بانكوك تفرض رقابة شديدة على الأحزاب السياسية وقادتها المنتخبين، وتصدر دوما أحكاما قاسية ضد كل من يهدد النظام الملكي والقوى المحافظة المؤيدة له، بدليل أن المحكمة ذاتها حظرت في وقت سابق عمل 111 حزبا سياسيا، وعزلت جميع رؤساء الحكومات الذين مثلوا أمامها باستثناء الجنرال "برايوت تشان أوتشا" الذي قاد انقلاب 2008، ومن بينهم خمسة مرتبطون بتاكسين شيناواترا. ففي عام 2008 عزلت "ساماك سوندرافيج" بتهمة تقديم برنامج طبخ تلفزيوني وتقاضي أجر مقابل ذلك، ثم عزلت بعد أشهر خليفته "سومتشاي وونغساوات" بتهمة تزوير الانتخابات. وفي عام 2014 عزلت "ينجلوك شيناواترا" شقيقة تاكسين بتهمة إساءة استخدام سلطاتها عبر تعيينات غير قانونية. وفي العام الماضي عزلت "سريتا تافيسين" بتهمة تعيين وزير في الحكومة كان مدانا بالسجن. هذا ناهيك عن إصدار المحكمة حكما في عام 2019 بحل حزب " تاي راكسا تشارت" المرتبط بتاكسين بتهمة معاداة الملكية وترشيحه أميرة لمنصب رئيسة الوزراء، وحكما آخر في عام 2020 بحل حزب المستقبل الفائز في انتخابات 2019 بتهمة الحصول على قرض غير قانوني، وحكما ثالثا  في عام 2023 بحل "حزب التقدم إلى الأمام" بتهمة قيادة حملة لتعديل قانون العيب في الذات الملكية. 

وبقرار المحكمة الأخير، دخلت تايلاند مرحلة جديدة من عدم الإستقرار السياسي وسط فوضى برلمانية، وتراجع شعبية عائلة شيناواترا، ووجود قائمة محدودة من الشخصيات التي يمكن ان تتولى قيادة البلاد، الأمر الذي من شأنه أن يعقد مسألة إجراء انتخابات مبكرة قبل موعدها القانوني في منتصف عام 2027، كما ينص الدستور في مثل هذه الأحوال.

لكن يبدو أن شيناواترا الأب، الذي بالغ في تفاؤله بشأن تبرئة إبنته السياسية المبتدئة عديمة الخبرة، يعتزم البقاء في الحلبة السياسية وعدم الإستسلام، طارحا أسماء جديدة من أتباعه وحلفائه لخلافة إبنته، مثل السياسي العجوز المعتل صحيا "تشايكاسيم نيتيسيري"، أو إبنته الأخرى المنعزلة عن الأضواء " بينتونغتا" كي يقود أحدهما إئتلاف "بيوا تاي" المتذبذب ويواصل قيادة الأمة.

وصفت صحيفة "نيويورك تايمز" ما حدث بالمفارقة الدائمة في السياسة التايلاندي، مضيفة أن هذه البلاد تبدو ظاهريا "ملكية دستورية تجري إنتخابات دورية وتنافسية بمشاركة عالية من الناخبين من جيل الشباب الناشط سياسيا، لكنها عمليا تبدو مدينة بالفضل لمؤسسة غير منتخبة تضم الجيش والقضاء والعائلة المالكة والساسة المحافظين القدامى". وهذا صحيح بدليل أن تايلاند شهدت أكثر من 12 انقلابا على يد المؤسسة العسكرية، وبدعم من البلاط الملكي والحرس السياسي القديم، منذ انتهاء الملكية المطلقة عام 1932.

ونختتم بالقول أن هذه التطورات تلقي بظلال من الشك على استدامة اتفاق مصالحة يُعتقد أن شيناواترا الأب أبرمه مع البلاط الملكي للسماح له بالعودة إلى تايلاند من منفاه الاختياري بعد 15 عاما قضاها هاربا من حكم جنائي، مقابل خضوعه للتاج الملكي، والجدير بالذكر أنه بموجب اتفاق المصالحة هذا تم تخفيض الحكم عليه بالسجن من ثماني سنوات إلى سنة واحدة جراء عفو ملكي.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: سبتمبر 2025م







الأحد، 7 سبتمبر 2025

الانتماء العربيّ للدروز أكبر من كلّ المقامات الطارئة الآنيّة



 الحركة التقدّمية للتواصل- درب المعلّم 


(موقف)

خرج علينا الشيخ حكمت الهجري بالأمس ببيان إلى وسائل الإعلام، بغضّ النظر عن كاتبه وأين كُتب، باسم: "الشعب الدرزيّ"، والذي يريد له حقّ تقرير المصير بِـ "دولة درزيّة"، ويشكر الرئيس الأميركي السيّد ترامب ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو. الحركة تبيّن:

أوّلًا: الانتماء العربي للدروز يستمدّونه حسب "حكمتهم – المرجعيّة المذهبيّة" من عمق التاريخ العربيّ الإسلاميّ؛ من أبي ذر الغفاري، والمقداد ابن الأسود الكندي، وعمّار بن ياسر القحطاني، ومحمّد بن حامد التميميّ، ومحمّد بن وهب القرشيّ، وبهاء الدين الطائيّ – كبرى القبائل العربيّة - وليس من أيّ مقام مذهبيّ طارئ آنيّ. هؤلاء وانتماؤهم العربيّ أكبر من كلّ المقامات الطارئة الآنيّة كان من كان وراءها من دهاقنة العصر.

ثانيًا: حقّ تقرير المصير وحسب ميثاق الأمم المتّحدة؛ الفصل الأوّل المادة 1.2، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة والقانون الدوليّ، هو من حقّ الشعوب وليس الطوائف، ومشروط بسلامة الدول القائمة. وما بالك والشرع يحظى بالدعم الدولي الجارف (!)... فهل الشيخ الهجري وبجرّة قلمٍ يعتقد أنّه قادر أن يغيّر كلّ هذه المبادئ بمجرّد أن كرّر في بيانه مرّات أن هنالك شعبًا درزيًّا؟!

ثالثًا: أين اختفى شعار الهجري بالدولة العلمانيّة الديموقراطيّة، أم أنّ "الدولة الدرزيّة" ستكون كذلك ويتنحّى حضرته عن سدّة حكمها عندما تقوم؟!    

رابعًا: العرب الدروز في البلاد خاضوا معركة شرسة ضدّ كل محاولات المؤسّسة الإسرائيليّة؛ آباء نتانياهو الروحيّين، على انتمائهم العربيّ ونجحوا رغم التجنيد الإجباري والمحاولات المحمومة في أوائل النصف الأول من الخمسينيّة الثانية للقرن الفائت. ويجدر الذكر أنّ المرحوم الشيخ أمين طريف رفض التطاول على عروبة الدروز حتّى يوم اعترفت إسرائيل بهم طائفة مستقلّة عام 1957. وجدير أيضًا بالذكر أنّ الشيخ موفّق طريف ورغم تماهيه الكلّي مع السياسة الإسرائيليّة صرّح في كلّ الفضائيّات: "الدروز في سوريا وفي لبنان وفي كلّ مكان يعتزّون بعروبتهم".

خامسًا: دارت الأيّام وجاء قانون القوميّة عام 2018 ليقضي على أيّ حلم لأيّ مراهن من الدروز على "الأسرلة" والشراكة في تقرير المصير... فهل يعتقد الشيخ الهجري أنّ نتانياهو المنبوذ من غالبيّة أبناء شعبه، سيوفّر له تقرير المصير لنصف دروز سوريّا (قرابة ثلث دروز العالم) وهو الذي سلب من دروز إسرائيل حقّ المواطنة ولم يوفّر لهم حتّى المساواة؟!

سادسًا: حسب الإحصائيّات المعتمدة حتّى 31 آب 2025 سقط في الجبل 1395 ضحيّة، واختطفت 293 امرأة؛ أفرج عن بعضهن وقتل بعضهن وبقي 235 امرأة مجهولات المصير، وتشرّد حسب بيان مجلس الأمن 192 ألف إنسان منهم حواليّ الربع من البدو والباقي من الدروز، وأحرق نصف السويداء و36 قرية ما يساوي قرابة ال- %40 من الجبل، والحصار ما زال قائمًا. ويطالب الشيخ الهجري في بيانه؛ تحرير الرهائن ورفع الاحتلال ورفع الحصار... فممّن يا ترى؟!

ترامب ونتانياهو المجزول لهما الشكر يفاوضان حماس (الإرهابيّة حسب تصنيفهما) على 20 رهينة حيّة من الرجال، و28 من الأموات، ألا يحقّ لا بل ألا يجب على الشيخ الهجري أن يفاوض نظام دولته (الإرهابي حسب تصنيفه) على 235 امرأة، و150 ألف مهجّر وقراهم المحروقة، بدل أحلام اليقظة على تقرير مصير ودولة؟!  

أخيرًا: أولئك كلّهم؛ دماء الشهداء وعرض المخطوفات وحارات السويداء وبيوت القرى ال-36 والحصار، كانوا المهر المعجّل والمؤجّل للزواج الثلاثيّ غير الشرعيّ الذي تمّ في باكو1 وباريس وباكو2، بين ترامب (المشكور) وإشبينه براك، ونتانياهو (المشكور) وإشبينه ديرمر، والشرع (الإرهابي المطالب برفع الاحتلال وإطلاق الرهينات والتعويض ورفع الحواجز) وإشبينه الشيباني، وأمّا قبض هذا المهر فتمّ بأيادي الوحوش من ذوات الحافرين التي انطلقت جحافل من الشام إلى السويداء في ليلة ما فيها "ضو قمر!" لذلك تعذّر الأمر على مسيّرات نتانياهو أن تراها! 

المذابح تمّت في اليوم الأوّل والثاني ولم يحرّك لا نتانياهو ولا سيّده في البيت الأبيض ساكنًا إلّا بعد سال الدم من صدور رجال الجبل وبطون نسائِه، فكلّ من يتعامى عن "عرس زواج المتعة" في باكو وباريس، وكلّ من يتعامى عن شكل قبض "المهر"، وكلّ من يتعامى عن بيان الهجريّ بالترحيب بدخول الجيش ثمّ التراجع عنه تحت الضغط (!) كقوله... فإمّا هو جاهل أو شريك بائن أو مستتر!

 اللجنة التنفيذيّة؛ عماد دغش 4030870-050، مازن فرّاج 7799180-050، عماد فرّو 8249826-050، صلاح حلبي 3281222-054، فوّاز سويد 5737702-050، سامي مهنّا 2234519-954، عبد الله خير الدين 7346636-052، عبد الله شاهين 7079791-052، يامن زيدان 3060522-052، فوّاز حسين (عامر) 6826480-052 وسعيد نفّاع 7208450-050.   

               

         


الأربعاء، 3 سبتمبر 2025

سيئول الحائرة ما بين تهديدات الشمال وضغوط واشنطن


 

بقلم: د. عبدالله المدني

يبدو الرئيس الكوري الجنوبي المنتخب حديثا، والمعروف بتوجهاته اليسارية القديمة  "لي جاي ميونغ" في حيرة من أمره. فمنذ انتخابه على خلفية عزل سلفه "يون سوك يول" تحاشى الإعلان عن سياساته الخارجية علنا، في عمل وصفه معارضوه بأنه مقلق في وقت تتعرض فيه كوريا الجنوبية لضغوط امنية واقتصادية خارجية عدة. وقد بدت حيرة الزعيم الكوري واضحة مؤخرا وهو يتوجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية لعقد قمة مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب. فقبيل سفره أعلن عن صعوبة رضوخ بلاده لمطالب واشنطن بمنح القوات الامريكية المتواجدة في كوريا الجنوبية مزيدا من المرونة في تعديل مواقعها وتدريباتها وتحركاتها دون قيود، متذرعا بالمسائل السيادية.

فعل ذلك، وهو يعلم جيدا أن مناكفة واشنطن في هذه المسألة قد يدخل بلاده في متاهات، كي لا نقول تخلي واشنطن عن إلتزاماتها التاريخية الطويلة بحماية كوريا الجنوبية من تغول النظام الشيوعي العنيد في بيونغيانغ. لكنه آثر أن يفجر الموضوع، رغبة منه في كسب شيء من رضا الجار الشمالي المشاغب، وتماشيا مع توجهاته اليسارية الدفينة بالتقرب من نظام بيونغيانغ بدلا من التصعيد ضده، والذي كان سائدا في عهد سلفه اليميني المعزول. غير أن رد كوريا الشمالية جاء في صورة مزيد من التهديدات واستعراضات القوة والمناورات العسكرية.

وهكذا، وجدناه في قمته مع ترامب، كسيرا حائرا، يتخلى عن تصريحاته السابقة بشأن التواجد الأمريكي على أرض بلاده، ويركز بدلا من ذلك على مسألتين أساسيتين: أولها أن كوريا الجنوبية معرضة لتهديدات غير مسبوقة في ظل مواصلة بيونغيانغ لبرامجها الصاروخية والنووية المثيرة للجدل بوتيرة اسرع من أي وقت سابق. حيث قال ميونغ أمام مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن أن أن كوريا الشمالية طورت صاروخا باليستيا عابرا للقارات وقادرا على بلوغ الأراضي الأمريكية، وهي تواصل تطوير قدراتها لإنتاج ما يقرب من 10 إلى 20 قنبلة نووية سنويا (يتطابق هذا الكلام تقريبا مع ما قاله معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، ومفاده أن ترسانة بيونغيانغ النووية تقدر بخمسين رأسا نوويا، وأن لديها ما يكفي من المواد الانشطارية لإنتاج ما يصل إلى 40 أخرى).

لكن الرئيس الكوري الزائر، حاول بالتزامن، الدفاع عن نفسه وتبرير خططه للتقارب مع بيونغيانغ بقوله أن سياسات التشدد والأعمال الإستفزازية التي انتهجها سلفه، وسياسة فرض العقوبات التي تبناها المجتمع الدولي فشلت جميعها في ردع كوريا الشمالية، بل دفعتها إلى المزيد من التعنت فيما يتعلق بتطوير قدراتها العسكرية ومواصلة إطلاق التهديدات، وبالتالي لا بد من انتهاج وسائل أخرى.

المسألة الأخرى التي أثارها الضيف الكوري وناقشها في واشنطن تمثلت في تعريفات ترامب الجمركية، وهي مسألة جرت حولها مفاوضات شاقة ومعقدة على مدى أشهر طويلة، وأثمرت أخيرا عن اتفاقية تجارية بين البلدين تقوم واشنطن بموجبها بفرض تعرفة جمركية على الواردات من كوريا الجنوبية بنسبة 15 بالمائة، بدلا من 25 بالمائة التي هدد بها ترامب سابقا. ومقابل ذلك تعهدت سيئول باستثمار 350 مليار دولار في مشاريع امريكية (بما فيها استثمار مبلغ 200 مليار دولار في مشاريع انتاج أشباه الموصلات، ومبلغ 150 مليار دولار في مشروع مشترك لبناء السفن)، وشراء طاقة (غاز طبيعي مسال وغاز بترول مسار وكمية من الفحم) من الولايات المتحدة بمبلغ 100 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث والنصف المقبلة.

أما الرئيس ترامب، الذي يعرف جيدا أوضاع كوريا الجنوبية المنقسمة على نفسها سياسيا وخياراتها المحدودة، وخلفية رئيسها الجديد الحائر ما بين ضغوط كوريا الشمالية وتهديداتها من جهة، وضغوط أنصاره اليساريين حول علاقات التحالف الأمريكية ــ الكورية الجنوبية، من جهة ثانية، وضغوط النفوذ الصيني الاقتصادي من جهة ثالثة، فقد رأيناه ينتقد ضيفه ــ قبل الالتقاء به ــ من خلال تغريدة كتبها على منصة "تروث سوشيال"، قائلا: "ما يحدث في كوريا الجنوبية يبدو وكأنه تطهير أو ثورة .. لا يمكننا أن نشهد ذلك ونواصل أعمالنا هناك"، وذلك في إشارة إلى صعود ميونغ ذو الخلفية اليسارية وتودده لزعماء بيونغيانغ، وما أثير حول مداهمة أتباعه لبعض الكنائس.

لكن ترامب نفسه عاد بعد اجتماعه بضيفه وكال له المديج وأعلن عن تسوية خلافاتهما. إذ يبدو أن ميونغ قبل ورضخ لوجهة نظر مضيفه القائلة أن إلتزامات واشنطن الأمنية في الشرق الأقصى مرتبطة بعلاقات تجارية واقتصادية متينة تصب في صالح الولايات المتحدة. وبعبارة أخرى فإن سيئول وافقت على نهج ترامب حول دمج المجالين الأمني والاقتصادي في أي علاقات ثنائية، على الرغم من شعورها بنوع من القلق حيال انتقال علاقتها بواشنطن من الشراكة القائمة على الثقة إلى مجال للمساومة على إلتزامات متبادلة.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: سبتمبر 2025م