الأربعاء، 26 نوفمبر 2025

تايوان، أولى قنابل زعيمة اليابان الجديدة

  


بقلم: د. عبدالله المدني*

قلنا في مقال سابق هذا الشهر أن اليابان قد تغير سياسات الخارجية الهادئة وتتبنى مواقف أكثر تصادمية في أعقاب وصول السيدة المحافظة ساناي تاكائيتشي إلى سدة الزعامة في طوكيو مؤخرا، وابرامها تحالفا برلمانيا مع حزب تجديد اليابان (نيبون إيشين نو كاي) ذي التوجهات اليمينية القومية.

وها هي تاكائيتشي تفجر أولى قنابلها في وجه الصين، وتتسبب في تصعيد خطير في علاقات البلدين البينية المتأزمة أصلا بسبب رواسب تاريخية وخلافات حول السيادة على الأراضي والمياه، دعك من تنافسهما اقتصاديا وجيوسياسيا.

ففي السابع من نوفمبر الجاري صرحت تاكائيتشي داخل برلمان بلادها بأن "أي هجوم صيني على تايوان لضمها بالقوة إلى السيادة الصينية سوف يعتبر تهديدا لبقاء اليابان، ما قد يبرر ردا عسكريا". هذا التصريح غير المسبوق لزعيم ياباني، وبهذا القدر من الوضوح، أشعل غضب بكين التي تعتبر تايوان من أكثر القضايا حساسية في علاقاتها الخارجية، بل تعتبر تايوان جزءا من أراضيها وتكرر إصرارها على إعادتها إلى سيادتها بالقوة إنْ لزم الأمر. 

وجاء الغضب الصيني في صورة تحذير من وزارة الدفاع الصينية بأن اليابان سوف تتلقى هزيمة ساحقة إذا ما تدخلت عسكريا في مضيق تايوان. تلى ذلك احتجاجات رسمية متبادلة بين البلدين واستدعاء للسفراء، ومنشور لقنصل الصين في أوساكا على منصة (x) قال فيه: "العنق الذي يتدخل في ما لا يعنيه يجب أن يُقطع"، ومطالبة وزارة الخارجية الصينية لزعيمة اليابان بأن تعتذر وتتراجع عن تصريحاتها وإلا ستتحمل اليابان جميع العواقب، ورد الخارجية اليابانية بأن الأمر لا يستوجب الإعتذار والتراجع، ناهيك عن إصرار تاكائيتشي على موقفها، بحجة أن أمن اليابان مرتبط بالسلام والإستقرار في مضيق تايوان. 

ومع تزايد التوتر والتصعيد، قامت بكين بتحذير رعاياها من السفر إلى اليابان في الوقت الراهن، كما نصحت طلبتها الدارسين في الجامعات والمعاهد اليابانية بتوخي الحذر، مشيرة إلى وجود مخاطر تهدد أمنهم وسلامتهم في اليابان بعد "تصريحات تاكائيتشي الإستفزازية حول تايوان". وفي السياق نفسه نشرت صحيفة الجيش الأحمر الصيني مقالا ورد فيه أن حديث تاكائيتشي عن تايوان قد "أظهر الطموح المتوحش لطوكيو للتدخل في شؤون الدول الأخرى بوسائل عسكرية".

وبلغ التوتر ذروته في التاسع من نوفمبر الجاري حينما قامت بكين بعمل إستفزازي تمثل في إرسالها تشكيلا من سفن خفر السواحل الصينية لعبور مياه محاذية لجزر سينكاكو الواقعة منذ عام 1972 تحت السيادة اليابانية والتي تطالب بها الصين وتطلق عليها إسم "دياويو". هذا علما بأن مثل هذه التحركات الصينية في المياه المشاطئة لليابان وعمليات التوغل واستعراض القوة من قبل الجيش الأحمر تكررت كثيرا في السنوات الماضية وخلقت إجواء من الشك والحذر عند القادة اليابانيين المتعاقبين، إلى درجة أن اليابان حذرت في كتابها الدفاعي الأبيض السنوي هذا العام من تكثيف الأنشطة العسكرية الصينية حول أراضيها، قائلة أنها تشكل خطرا جسيما على الأمن القومي لأرخبيل اليابان، ومشيرة إلى أن سفنا صينية أبحرت 355 مرة خلال عام 2024 قرب جزر سينكاكو.

والمعروف أن طوكيو إلتزمت خلال العقود الماضية بسياسات مشابهة لسياسات الولايات المتحدة حول تايوان التي تبعد مسافة مائة كيلومتر فقط عن أقرب جزيرة يابانية، بمعنى أنها إلتزمت بمبدأ الصين الواحدة وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع تايبيه، لكنها لم توقف تعاملها وتعاونها مع حكومة تايوان التي تعتبرها بكين سلطة متمردة. 

والحقيقة أن لتايوان خصوصية عند اليابانيين، ليس بسبب قربها الجغرافي من أرخبيلهم، أو تشابه نظامها الديمقراطي التعددي مع نظامهم السياسي، او كونهما حليفتين للولايات المتحدة، أو لأسباب اقتصادية وتجارية (اليابان ثالث أكبر شريك تجاري لتايوان)، وإنما ايضا لأسباب تاريخية. فاليابان احتلت الصين خلال الحرب العالمية الثانية وتحديدا ما بين عامي 1931 و1945، وهي متهمة من قبل بكين بإرتكاب مجازر أودت بحياة مئات الآلاف إبان الإحتلال، وساساتها متهمون بعدم تقديم الإعتذار الكافي، خصوصا مع زياراتهم المتكررة لمقبرة "يا سكوني"، حيث يرقد قادتهم الحربيين. اما تايوان فقد ظلت تحت السيطرة اليابانية منذ عام 1895، حينما تنازلت عنها سلالة تشينغ الصينية لليابان بموجب معاهدة شيمونوسكي، وحتى هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية سنة 1945، وخلال فترة الحكم الياباني الطويلة، ترك اليابانيون بصمات رائعة على البنية التحتية والتنمية الاقتصادية والتعليم والثقافة الشعبية، إلى درجة أن تايوانيين كثر ينظرون اليوم نظرة إيجابية إلى فترة الحكم الياباني، ويرون الاحتلال الياباني بمنظور مختلف عن منظور سكان البر الصيني,



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

التاريخ: نوفمبر 2025م


الثلاثاء، 18 نوفمبر 2025

هل تستطيع الهند التوازن في علاقاتها بواشنطن وموسكو؟

  


بقلم: د. عبدالله المدني*

مما لا جدال فيه أن الهند تجد نفسها اليوم في موقف صعب فيما يتعلق بعلاقاتها البينية مع كل من الولايات المتحدة وروسيا. فالأولى شريكتها التجارية والسياسية الأهم في آسيا، ومصدر الأسلحة والتكنولوجيا المتطورة الحديثة، وحليفتها في مجموعة "قواد" الأمنية، والقوة المتحكمة بنظام المدفوعات العالمي، أما الثانية فهي حليفتها الاستراتيجية طوال حفبة الحرب الباردة، وشريكتها في مجموعة "بريكس"، ومصدر نحو 45% من معداتها العسكرية من الغواصات والمقاتلات وأنظمة الصواريخ، ناهيك عن أن القوات المسلحة الهندية مرتبطة بالصيانة وقطع الغيار الروسية، أضف إلى ذلك حاجة الهند إلى النفط الروسي الرخيص. وعليه فإن الإختيار بينهما أمر في غاية الصعوبة ويشكل معضلة لصانع القرار السياسي في نيودلهي.

ويقال أن رئيس الحكومة الهندية ناريندرا مودي يحاول جاهدا التوفيق بين أهداف متعددة ومتصادمة مثل: تخفيف الرسوم الجمركية الأمريكية على السلع الهندية، والحصول على النفط الروسي منخفض السعر، واستمرار شراكة بلاده الدفاعية مع روسيا، وتزويد جيشه بأسلحة وتكنولوجيات أمريكية متطورة، والحفاظ على الوجه المستقل لسياسة بلاده الخارجية أمام الناخبين الهنود. فهل سينجح؟

بدأت معاناة الهند في أعقاب قيام إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 22 أكتوبر 2025 بفرض عقوبات شاملة على أكبر شركتين روسيتين للنفط وهما "روس نفط" و"لوك أويل"، ومعاقبة أي شركة أو مصرف أو مؤسسة تأمين أجنبية يتعامل معهما، تحت طائلة عزل المخالفين عن الأسواق الأمريكية والنظام المصرفي العالمي. 

والمعروف للقاصي والداني أنه منذ بدء الحرب الأوكرانية ــ الروسية برزت الهند كواحدة من أكبر مستوردي النفط الروسي، حيث ارتفعت وارداتها من الخام الروسي من أقل من 100  ألف برميل يوميا في أوائل العام 2022 إلى نحو 1.8 مليون برميل يوميا خلال العام الجاري.

إن جاذبية النفط الروسي الرخيص بالنسبة للهند تتجلى في حقيقة أن سعر البرميل الخام منه يقل بعشرة أو عشرين دولارا من أسعار النفط العالمية، وهو ما يوفر للخزينة الهندية مليارات الدولارات سنويا، ويساعد في الوقت نفسه على استقرار أسعار الوقود محليا، وأسعار الروبية الهندية. وعليه حققت شركات التكرير الهندية مثل "ريلاينس إندوستري" و"نايارا إنرجي" أرباحا مجزية من استيراد الخام الروسي وتكريره محليا، بل وإعادة تصدير بعضه مكررا إلى أوروبا. غير أن العقوبات الأمريكية المذكورة لم تترك أمام الهنود وغيرهم مجالا سوى إعادة النظر في تعاملاتهم الروسية.

من ناحية أخرى، تفاقمت معاناة الهند بعد تحذيرات ترامب من أنه سيفرض رسوما جمركية باهضة على الهند حتى تتوقف وارداتها النفطية من روسيا تماما. ومما لاشك فيه أن فرض رسوم جمركية بنسبة 50% (كما هدد ترامب) على صادرات الهند إلى الأسواق الأمريكية سيلحق ضررا بالغا بالمصدرين والمصنعين الهنود، وبالميزان التجاري بين البلدين (تشير البيانات الرسمية الخاصة بشهر سبتمبر الفائت إلى انخفاض فعلي في صادرات الهند إلى الولايات المتحدة بنسبة 20%).

وعلى الرغم من كل ما يتردد حول قرار هندي بالخضوع للإملاءات الأمريكية حول النفط والتجارة، بما فيها مزاعم ترامب بهذا الشأن، فإنه لم يصدر بيان رسمي من حكومة مودي يؤكد ذلك حتى الآن، بل أن وزير التجارة الهندي "بيوش جويال" خاطب مؤخرا مؤتمرا في العاصمة الألمانية بنبرة تحدي قائلا أن بلاده "لن ترضخ أو تبرم أي صفقة مع واشنطن تحت التهديد والوعيد". غير أن المراقبين فسروا موقف الوزير الهندي بأنه يدغدغ عواطف مواطنيه، ومنهم نسبة كبيرة من المتعاطفين مع موسكو والحانقين على واشنطن، وأن نيودلهي سوف ترضخ في نهاية المطاف لأن ليس أمامها خيار آخر، مشيرين إلى أن واشنطن ونيودلهي قريبتان من التوصل إلى إتفاق يقضي بخفض الرسوم الجمركية الأمريكية إلى 15% مقابل قيام نيودلهي بخفض وارداتها من النفط الروسي تدريجيا واستبداله بنفط شرق أوسطي. هذا علما بأن هذا الاستبدال المتوقع سوف يضيف ما بين مليار و1.5 مليار دولار شهريا إلى فاتورة واردات الهند النفطية، وقد يُضعف الروبية ويفاقم عجز ميزانيتها.

وأخيرا، هناك من يقول أن نيودلهي سوف تحذو حذو بكين، لجهة التحايل على العقوبات الأمريكية والنظام المصرفي العالمي، فتستمر في شراء النفط الروسي الرخيص دون مبالاة بالتهديدات الامريكية، وتسوي مدفوعاتها عبر وسطاء غامضين، وهذا حل بديل لكنه محفوف بالمخاطر ويعقد العلاقات الأمريكية ــ الهندية، خصوصا وأنها تشهد توترا غير مسبوق، ليس على خلفية النفط والتجارة فحسب، وإنما أيضا على خلفية عزم نيودلهي على توقيع صفقة بقيمة 1.2 مليار دولار مع موسكو لشراء أنظمة دفاع جوي إضافية من طراز "إس 400"، وهو ما تعتبره واشنطن عونا ماليا يساعد روسيا على استمرار حربها في أوكرانيا.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: نوفمبر 2025م

 



الثلاثاء، 11 نوفمبر 2025

قراءة في نتائج قمة ترامب ــ جينبينغ


 

بقلم: د. عبدالله المدني*

حظيت قمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جينبينغ، مؤخرا في مدينة بوسان الكورية الجنوبية، بمتابعة واهتمام كبيرين في مختلف عواصم الدنيا، بسبب تأثير نتائجها على العالم بأسره، انطلاقا مما يشكله البلدان من ثقل سياسي واقتصادي وصناعي وعسكري.

والمعروف أن الخلافات المتصاعدة بين البلدين القطبين في السنوات الأخيرة لم تقتصر على الأمور التجارية، وإنْ كانت التجارة عنوانها الأبرز، وإنما امتدت إلى مسائل أخرى عديدة شملت التكنولوجيا والأمن الإقليمي والتوترات الجيوسياسية والعسكرية وحقوق الإنسان، بل والتنافس على قيادة العالم أيضا. ولهذا فإن لقاء القمة الذي عقد على هامش الإجتماع الثاني والثلاثين لمنتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهاديء (أبيك)، جاء في أجواء سادها الحذر والترقب الشديدين، مع بعض التفاؤل الذي أحدثه تصريح لوزير الخزانة الأمريكي "سكوت بيسنت" قبيل عقد القمة حول توصله لإتفاق أولي مع الصين لتهدئة التوترات التجارية الناجمة عن الرسوم الجمركية المتبادلة بين البلدين، وبعض التشاؤم الذي خيم على الأجواء نتيجة لأوامر من ترامب للبنتاغون باستئناف التجارب النووية، وإحياء واشنطن لصفقة أوكوس مع أستراليا لنشر غواصات نووية في المحيط الهاديء، وتعهدها بتسليم كوريا الجنوبية غواصات نووية

وبعد لقاء القمة، وهو الأول بين ترامب وجينبينغ منذ 2019، والذي استغرق نحو ساعتين وسط كيل كل جانب المديح للطرف الآخر والاعراب عن استعداده للتعاون مع نظيره للإرتقاء بالعلاقات البينية خدمة للسلام العالمي والمصالح المشتركة، أعلن الزعيم الصيني عن توصل بلاده إلى توافق مع الولايات المتحدة بشأن القضايا التجارية، بينما أعلن ترامب عن التوصل إلى إتفاق بشأن المعادن النادرة وفول الصويا وبعض الرسوم الجمركية. وبمعنى آخر خرج الزعيمان من قمتهما بهدنة مؤقتة مطولة وليس اتفاقا شاملا.

في التفاصيل، يمكن القول أن البلدين قدما بعض التنازلات من أجل تهدئة التوتر والحرب التجارية بينهما، والتي أثرت على اقتصادات العالم، لكنهما لم يتوصلا إلى حلول للعديد من القضايا الخلافية الأخرى، ما يعني أن هناك حاجة ملحة للمزيد من الإتصالات من أجل اتفاقيات أكثر صلابة، وخاصة لجهة إيجاد أطر قانونية للإستثمار المتبادل والذكاء الإصطناعي وأشباه الموصلات وتطبيقات تيك توك والمعادن الحساسة. والمعروف أنه في مارس 2025، صعّدت الولايات المتحدة خطواتها بإدراج نحو 80 شركة ومنظمة، من بينها 50 شركة صينية، على قائمة الشركات المحظور تعاملها مع الشركات الأمريكية، فردت الصين بفرض قيود على تصدير عناصر معدنية نادرة تدخل في صناعة أشباه الموصلات مثل الغاليوم والجرمانيوم، كما شرعت في 2024 بملاحقة قانونية لشركة نيفيديا الأمريكية بتهمة خرق قانون مكافحة الإحتكار، علما بأن الصين تسيطر على نحو 60% من إنتاج المعادن النادرة في العالم، وتتحكم بما بين 85 و90% من عمليات معالجتها..

من نتائج القمة، إلتزام واشنطن بتخفيض رسومها الجمركية على الصادرات الصينية إلى النصف تقريبا، وتعهدها بتأجيل العقوبات التي فرضتها على عدد كبير من الشركات الصينية لمدة عام، وإلتزام بكين في المقابل بشراء 12 مليون طن متري من فول الصويا هذا العام من الولايات المتحدة، و25 مليون طن كحد أدنى سنويًا خلال السنوات الثلاث المقبلة، فضلا عن كميات من الذرة الرفيعة ومنتجات زراعية أخرى، وتعهدها بتعليق القيود التي فرضتها في 9 أكتوبرعلى صادراتها من بعض المعادن النادرة، وبشراء المزيد من النفط والغاز الأمريكي من ألاسكا (طبقا للبيانات الصينية فإن الصين استوردت آخر كمية من النفط الخام الأمريكي في مايو الماضي، وآخر كمية من الغاز المسال الأمريكي في فبراير الفائت، وهو الشهر الذي فرضت فيه رسوما جمركية انتقامية تراوحت ما بين 10% و15% على منتجات الطاقة الأمريكية).

وأخيرا لا بد من الإشارة إلى أنه، على الرغم مما يردده الصينيون من أن اعتماد بلادهم على الأسواق الأمريكية بات أقل من السابق وأن الدول الآسيوية ودول الإتحاد الأوروبي أصبحت هي شريكهم التجاري الأساسي  بعد الحرب الترامبية عليهم وتطبيقهم لما عرف باستراتيجية (Chimna + One)  إلا أن الأسواق الأمريكية تظل هي الأكثر جاذبية لهم (بلغت قيمة الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة قبل حربهما التجارية نحو 550 مليار دولار سنويا).

بقي أن نقول أن الجانبين الصيني والأمريكي تحاشيا التطرق إلى خلافاتهما السياسية الكثيرة من أجل إنجاح سعيهما إلى إتفاق تجاري، وإنْ حاول جينبينع استخدام تايوان كورقة ضغط.  فهما لم يتطرقا مثلا إلى ملفات مثل: تايوان ومبيعات الأسلحة الأمريكية لها، وتحركات بكين العسكرية في بحر الصين الجنوبي، وأمن المحيطين الهاديء والهندي، والتصاعد المخيف للترسانة الصينية الصاروخية، والتحالف الأمريكي مع اليابان والهند وإستراليا للتصدي لنفوذ الصين.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: أكتوبر 2025م

 




الأحد، 9 نوفمبر 2025

بيان صادر عن المجلس القاري لأستراليا ونيوزيلندا في الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم بمناسبة عيد الاستقلال اللبناني – 22 تشرين الثاني 2025



في الذكرى الثانية والثمانين لاستقلال لبنان، نقف اليوم أمام لحظة تأمل وصدق مع الذات، نستعيد فيها معاني السيادة والحرية التي ناضل لأجلها أجدادنا، ونتساءل بجرأة ومسؤولية: أي استقلال نحتفل به اليوم، وأي وطن نريد أن نورثه لأبنائنا؟

لقد مرّ لبنان في السنوات الأخيرة بأزمات متلاحقة، من انهيار اقتصادي غير مسبوق، إلى فراغ سياسي دام أكثر من عامين، إلى صراعات إقليمية انعكست على أمنه واستقراره. واليوم، ومع انتخاب الرئيس العماد جوزف عون وتشكيل حكومة برئاسة القاضي نواف سلام، تلوح في الأفق بوادر أمل مشروطة بصدق الإرادة السياسية وجرأة الإصلاح.

إننا نؤمن أن الاستقلال لا يُقاس فقط بخروج المستعمر، بل بقدرة الدولة على بسط سلطتها على كامل أراضيها، واحتكارها للسلاح، وضمانها لكرامة المواطن وحقوقه. الاستقلال الحقيقي هو في عدالة القضاء، وشفافية الإدارة، وحرية التعبير، وكرامة العيش.

إذا كنا نحتفل هذا العام بعيد الاستقلال، فاحتفالنا يكون بروح نقدية مسؤولة، لا احتفالية شكلية، بل وقفة وطنية صادقة لمراجعة الذات. 

حيث نؤكد ما يلي:

دعمنا الكامل لخيار الدولة المدنية القوية، التي تحتكم إلى الدستور وتنبذ منطق المحاصصة والطائفية.

مطالبتنا الحكومة الجديدة بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والسياسية التي طال انتظارها، وباستعادة ثقة الداخل والخارج على حد سواء.

مناشدتنا جميع القوى السياسية تحييد لبنان عن صراعات المحاور، والالتزام بمسار الدبلوماسية والاستقرار.

وفي هذا الإطار، يعبّر المجلس القاري لأستراليا ونيوزيلندا عن تقديره ودعمه للسلك الدبلوماسي اللبناني في أستراليا، ممثلًا بسعادة القنصل العام في سيدني شربل معكرون وسعادة القنصل العام في ملبورن رامي حميدي، على مبادرتهما إلى إحياء ذكرى الاستقلال بالشكل اللائق والجامع، في التوقيت نفسه الذي اختارت فيه جهات أخرى تحويل المناسبة إلى حفلات ومآدب شكلية.

فإننا نرى في هذه الخطوة الدبلوماسية تأكيدًا على التمسّك بروح الاستقلال ومعناه الوطني الأصيل، البعيد عن أي استغلال سياسي أو انقسام.

في هذا اليوم، نكرّم شهداء الاستقلال، ونجدّد العهد بأن نكون أوفياء لوطنٍ يستحق أن نحلم به، لا أن نهاجر منه.

فالاستقلال الحقيقي لا يُقاس بحجم الاحتفالات، بل بعمق الالتزام الوطني.

عاش لبنان، حراً، سيداً، مستقلاً.

وليبقَ عيد الاستقلال مناسبةً لتجديد الإيمان بلبنان، رسالة حرية وتعدد وعيشٍ مشترك.


انطوان كرم 

رئيس المجلس القاري لاستراليا ونيوزيلندا

الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم

 

الثلاثاء، 4 نوفمبر 2025

اليابان .. إئتلاف حاكم جديد، وتوقعات بتغييرات عميقة

 


د. عبدالله المدني*

قلنا في مقال سابق أن الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم في اليابان فقد أغلبيته البرلمانية بعد أن فض حليفه، "حزب كوميتو" البوذي الصغير، شراكته معه، لكنه سارع إلى الائتلاف مع حزب بديل هو "حزب تجديد اليابان" المعروف باسم "نيبون إيشين نو كاي" (حزب سياسي قومي يميني ولد في عام 2015 من رحم حزب الابتكار الياباني بعد ان انشق عدد من اعضائه وشكلوا حزبا جديدا تحت هذا الاسم وهو ينتمي الى وسط اليمين ويعتبر اليوم ثالث اكبر كتلة معارضة في البرلمان)، وبذلك نجحت السيدة ساناي تاكائيتشي في نيل ثقة البرلمان لقيادة البلاد بإسم الحزب الديمقراطي الليبرالي، وتفادت السقوط.

لكن ما هي التداعيات المستقبلية للائتلاف الجديد على السياستين الداخلية والخارجية لليابان؟ هذا السؤال شغل بال المراقبين في الأيام الماضية انطلاقا من حقيقة ما تتبناه تاكائيتشي من مواقف محافظة، وما يعتنقه حليفها من توجهات قومية يمينية.

لاشك أن اليابان تمر اليوم، بمنعطف صعب وحاسم في تطورها السياسي هو الأخطر من نوعه منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. ذلك أن الإئتلاف الجديد لا يشير الى مجرد تغيير في شكل الحكومة فقط، وإنما ينبيء بتغيرات إيديولوجية وسياسية عميقة، وانحرافات عن السياسات البرغماتية والمواقف التوافقية التي صبغت سياسات اليابان لسنوات في ظل الإئتلاف السابق بين الحزب الديمقراطي الليبرالي وحزب كوميتو. 

وبعبارة أخرى، قد نشهد عصرا يابانيا جديدا من القومية المتصاعدة والمواقف الأمنية الحاسمة والتصرفات المستقلة. وهذا سوف يؤثر لا محالة على البيئة الجيوسياسية للمحيطين الهندي والهاديء وشرق آسيا المعقدة أصلا، وعلى مجمل سياسات طوكيو الاقليمية والدولية وعلاقاتها مع بعض القوى الآسيوية الحليفة كالهند مثلا. وفي هذا السياق، دعونا لا ننسى أن زعيمة اليابان الجديدة عرف عنها دفاعها عن قضية مراجعة دستور بلادها، ولاسيما المادة التاسعة منه والتي تقيد دور اليابان العسكري. ومثل هذا التوجه يتباه أيضا حليفها الجديد، حزب تجديد اليابان، الذي يدعو إلى تحول اليابان من قوة مسالمة مقيدة عسكريا إلى قوة فاعلة قادرة على التصرف الاستراتيجي المستقل.  ومن نافلة القول أن تفعيل هذا التوجه سوف يفاقم الحساسيات الاقليمية، لاسيما مع الصين وكوريا الجنوبية اللتين تطغى على علاقاتهما باليابان توترات من حين إلى آخر بسبب أحداث تاريخية، ويعزز من ناحية أخرى علاقات طوكيو مع نيودلهي وكانبرا وواشنطن. وهذا سيؤدي بدوره إلى تقوية التحالف العسكري المضاد بين بكين وموسكو وبيونغيانغ.

من جانب آخر، يتفق طرفا الإئتلاف الجديد على مجموعة من السياسات الاجتماعية المحافظة والقيم التقليدية الخاصة بالأسرة وأدوار الجنسين وزواج المثليين ودور الإناث في المؤسسة الأمبراطورية. فتاكائيتشي ضد منح إناث الأسرة الامبراطورية حقوقا كاملة، وتعارض زواج المثليين، وتروج لتفسير أكثر تقليدية لأدوار الجنسين في المجتمع. وحليفها الجديد يدعو من أجل التماسك الأسري والحفاظ على الهوية القومية، وسلامة المجتمع إلى فرض قيود مشددة على الهجرة والعمالة الأجنبية.

أما على الصعيد الاقتصادي، فهناك بعض التنافر والاختلاف بين طرفي الائتلاف الحاكم، فإستراتيجية تاكائيتشي تقوم على مزيج من تدخل الدولة والإعفاءات الضريبية لتحفيز الاستهلاك وتخفيف التضخم من أجل تنشيط النمو الاقتصادي المحلي، بينما يروج حليفها لسياسات إصلاحية مؤسساتية مثل تقييد الاقتراض، وتقليل النفقات الحكومية، وضمان الشفافية. وهكذا فإن الحكومة الجديدة التي شكلتها تاكائيتشي تواجه مهمة دقيقة لمعالجة هذا التنافر، وأيضا لتحقيق التوازن بين الضرورات الاقتصادية الشعبوية والانضباط المالي المحافظ. ولأن تاكائيتشي تسعى للنجاح من أجل ترسيخ صورتها كأول إمرأة تتزعم اليابان، فقد تقدم على تنازلات تكتيكية لصالح شريكها في الحكم كي تحافظ على الأئتلاف الحاكم في الأشهر المقبلة.

نخالة القول هي أن تحالف الحزب الديمقراطي الليبرالي مع حزب تجديد اليابان تجربة جريئة في السياسة اليابانية تستحق التأمل والدراسة، إلا أن دوامه واستمراريته محل شك، لأنه تحالف هش وانتهازي وتكتيكي، وليس شراكة مؤسسية راسخة كالإئتلاف الحاكم سابقا، وبالتالي فهو مهدد بالسقوط، خصوصا مع انعدام الثقة الكاملة بين طرفيه وتباين مواقفهما حيال الخطط المالية والاقتصادية الجديدة التي ينتظرها اليابانيون بفارغ الصبر.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: أكتوبر 2025م