الأربعاء، 17 ديسمبر 2025

الاتحاد الماروني العالمي یقدم التعزیة للجالیة الیھودیة في استرالیا


واشنطن في 16 كانون الاول 2025

بعد الھجمة البربریة، التي جرت على شـاطئ بونداي في سـیدني اسـترالیا والتي راح ضـحیتھا عدد كبیر من المـدنیین من الجـالیـة الیھودیـة ھنـاك والـذین كـانوا یحتفلون بـأول ایـام عیـد الأنوار الیھودي، نـددت الجـالیـة اللبنانیة المارونیة بھذا الھجوم الارھابي حیث اصـــدر ســـیادة المطران شـــربل طربیھ مطران اســـترالیا للموارنة بیانا معتبرا الھجوم "مأســاة انســانیة" ھزت المجتمع الأســترالي في وقفة تضــامنیة مع "الأخوة الیھود" الذین استھدفوا بھ.


من ھنا یقدم الاتحاد الماروني العالمي، الذي یمثل الموارنة المنتشرین حول العالم، التعزیة للجالیة الیھودیة في اســترالیا وســائر دول العالم بما فیھا دولة اســرائیل، ویتضــامن مع الموارنة في اســترالیا، ذلك البلد المضـــیاف الذي ســـاھم باســـتقرار الكثیر من اللبنانیین، في مشـــاعر التندید بالھجوم الارھابي. كما یرفع الصــلوات للرب في زمن المیلاد لیخفف على أھالي الضــحایا خســارتھم في ھذا المصــاب الألیم، ویلھم الجمیع التخلي عن مشـاعر الكراھیة واسـتغلال الدین لنشـر العنف وتوزیع الحقد بین البشـر. كما یطلب من ّذ على الكراھیة، ومن بینھا حزب الله المسـؤولین في دول العالم ملاحقة التنظیمات التي تبشـر بالعداوة وتحف في لبنـان وبقیـة تشــــكیلات الحرس الثوري حول العـالم، والتي تعمـل على بـث التفرقـة واعتمـاد العنف، و ھـا ھي تمنع لبنان من اسـتعادة عافیتھ والتخلص من منظومة السـلاح ھذه لیتفرغ لاعادة الاسـتقرار والاعمار ورفض مشاریع التوسع التي ینادي بھا نظام الملالي راعي الارھاب في العالم.


كما یعتبر الاتحاد الماروني العالمي بأن التعرض لأي انسـان بسـبب معتقده أو لونھ أو انتھمائھ ھو جریمة بحق البشــریة وإن نشــر نظریات الحقد والتفرقة التي تقود إلى التشــدد والانغلاق وتنتج العنف والارھاب وسـیلة للسـیطرة ھي مرفوضـة من أسـاسـھا وغریبة على فكر اللبنانیین المنتشـرین بین شـعوب الأرض كافة یسعون للرزق بالجھد وعرق الجبین لا بالنمیمة والاستزلام أو بالغش وتجارة الممنوعات.

الأربعاء، 10 ديسمبر 2025

كوريا الجنوبية تقترب من عرش الذكاء الاصطناعي

 


بقلم: د. عبدالله المدني*

المعروف أن كلا من الولايات المتحدة الأمريكية والصين تتربعان اليوم على عرش الذكاء الإصطناعي، لكن كوريا الجنوبية تحاول جاهدة أن تصبح الدولة الثالثة في هذا المجال، وتتربع على عرشه جنبا إلى جنب مع أمريكا والصين، بدليل أن رئيسها "لي جاي ميونغ" أعلن مؤخرا في خطابه أمام البرلمان حول الموازنة السنوية لعام 2026 تخصيص 7 مليار دولار من أجل هذا الهدف.

فبعد أشهر قليلة من إعلان شركة انفيديا (Nvidia) الأمريكية، الأعلى قيمة على مستوى العالم بأكثر من أربعة ترليون دولار أمريكي، والمحرك الرئيسي للذكاء الإصطناعي عالميا عن خططها، دعت حكومة كوريا الجنوبية إلى عقد أول إجتماع لمجموعة العمل المشرفة على التوسع الجذري للبنية التحتية والتقدم في مجال الذكاء الإصطناعي بالبلاد.

وكان الرئيس ميونغ قد أطلق في شهر سبتمبر الفائت بصورة رسمية مجموعة العمل هذه تحت إسم "اللجنة الوطنية لإستراتيجية الذكاء الإصطناعي" للإشراف على تنفيذ أنشطة الذكاء الإصطناعي في كوريا الجنوبية وتنسيق عملها مع مختلف الجهات الحكومية الاقتصادية والمالية والأمنية والدفاعية من حيث البيانات والتطبيقات والآليات والمهارات والتعاون الدولي، بما في ذلك إحداث تغييرات تشريعية وقانونية لتسهيل نشر الذكاء الإصطناعي كنهج داعم للتنمية وجسر للحاق بالآخر المتقدم في المجال. وقتها، وكدليل على طموحاته ودعمه القوي للذكاء الإصطناعي، قال ميونغ: "تقف كوريا اليوم عند منعطف تاريخي عظيم. إن أمامنا خيار أن نكون تابعين ومعرضين لخطر التخلف، وأمامنا أيضا فرص لا حدود لها إذا تقدمنا بجرأة نحو المستقبل من خلال نشر  الذكاء الإصطناعي الذي هو المفتاح لتطوير هيكل صناعتنا، وتحسين جودة حياة شعبنا، ودخةل كوريا عصرا جديدا من الرخاء". 

ويترأس اللجنة وزير العلوم والتكنولوجيا وتضم في عضويتها مسئولين تنفيذيين كبار من شركات "سامسونغ للإلكترونيات" و"هيونداي موتور" و"إس كي تيليكوم" و"نافر كلاود" (مشغل مركز البيانات فائقة السرعة) وغيرها من مؤسسات القطاعين الخاص والعام، 

ويأمل ميونغ أن تترجم اللجنة وفرق عملها المختلفة طموحاته وطموحات شعبه في أن تجاري كوريا الجنوبية  الولايات المتحدة والصين وتنافسهما في الذكاء الإصطناعي. وذلك من منطلق أن التقدم في هذا المجال سوف يطلق شرارة نمو جديد وقوي للإقتصاد الكوري الجنوبي ويعوضه عن الإضرار التي لحقت به مؤخرا جراء الرسوم الجمركية المرتفعة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الصادرات الكورية إلى الأسواق الأمريكية، وجراء الإستثمارات القسرية في الولايات المتحدة.

والجدير بالذكر أن نمو الناتج المحلي الإجمالي لكوريا الجنوبية كان متذبذبا خلال السنوات الماضية، وأقل بكثير من حقب سابقة. فطبقا للبيانات الرسمية، بلغ 1.4 بالمئة في عام 2023، و2 بالمائة في 2024، و1 بالمائة في 2025، وهذا بطبيعة الحال لا يرضي الكوريين الذين يطمحون للعودة إلى زمن تربعهم على عرش "النمور الآسيوية"، بل الذين يأملون في منافسة الاقتصادين الياباني والصيني.

ذكرت وسائل الإعلام الكورية أن المشاركين في الإجتماع الأول لمجموعة العمل المذكورة ناقشوا منظومة الذكاء الاصطناعي في البلاد، ومشروع نشر نحو 260 ألف وحدة معالجة بالتعاون مع شركة انفيديا، وذلك بهدف زيادة سعة وحدات المعالجة إلى خمسة أضعاف. ويُذكر أنه خلال قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادى (APEC) المنعقد في أكتوبر المنصرم بمدينة جيونجو الكورية الجنوبية، أعلنت شركة انفيديا أنها تعمل على توسيع البنية التحتية للذكاء الإصطناعي في القطاعين العام والخاص في كوريا الجنوبية عبر نشر 260 ألف وحدة معالجة رسومية (GPU) لوزارة العلوم وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وشركتي سامسونغ وهيونداي وغيرهما.

ويأمل مسؤولو إنفيديا في أن تثمر تعاونها مع كوريا الجنوبية في وضع الأخيرة في قلب الثورة الصناعية للذكاء الاصطناعي، وتحويلها إلى منتج ومصدر رئيسي للذكاء، مثلما كانت ملهمة ورائدة في صناعة وتصدير السفن والمركبات والرقائق والأجهزة الإلكترونية المتطورة.

وإذا ما استعرضنا أمثلة عن شكل ومدى عمل انفيديا وتعاونها مع كبريات الشركات الكورية الجنوبية، نجد أن شركة سامسونغ العملاقة تبني مصنعا للذكاء الإصطناعي وأشباه الموصلات مزودا بنحو 50 ألف وحدة معالجة من انفيديا، وتستخدم تقنيات الأخيرة في تحسين ريبوتها المنزلي "بالي". كما نجد أن شركة هيونداي موتر توسع تعاونها مع انفيديا في مجالات الذكاء الاصطناعي والقيادة الذاتية داخل مركباتها، علاوة على تعاونهما في مجال الروبوتات الذكية من خلال مصنع يضم 50 ألف وحدة معالجة، وتعاونهما مع الحكومة الكورية لبناء مجموعة وطنية للذكاء الإصطناعي المادي. أما مجموعة "إس كي" الكورية فإن تعاونها مع انفيديا يتجلى في تصميم مصنع للذكاء الاصطناعي قابل للتوسع ليشمل 50 ألف وحدة معالجة ممكن اسخدمها في تصميم الذاكرة عالية النطاق الترددي، وتحسين الانتاجية، وتطوير مصانع أشباه الموصلات، وصناعة الروبوتات للشركات الناشئة والهيئات الحكومية.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: ديسمبر 2025م 




الثلاثاء، 2 ديسمبر 2025

الحكم باعدام حسينة لن يوفر الاستقرار لبنغلاديش


 

بقلم: د. عبدالله المدني*

الحكم الصادر يوم 17 نوفمبر الماضي بالإعدام ضد رئبسة الحكومة البنغلاديشية المعزولة الشيخة حسينة واجد المقيمة حاليا في منفاها الإختياري بالهند من قبل محكمة هي أنشأتها في عام 2009 لملاحقة المتورطين في القتل خلال حرب الاستقلال، لن يساعد إطلاقا على توفير الأمن والإستقرار في هذا القطر المنقسم على نفسه إيديولوجيا منذ عدة عقود، بل هو يثير المتاعب ويعزز الانقسام والتوتر داخليا، كما أنه يزعزع الاستقرار في شبه القارة الهندية بسبب تعقيدات العلاقة بين بنغلاديش المنحازة، في ظل حكومتها الانتقالية الحالية إلى باكستان والصين، على حساب جارتها الهندية الكبرى. فكما أن للمتهمة خصوم كثر في صفوف السلطة الحالية بقيادة البروفسور محمد يونس وصفوف "الحزب الوطني البنغلاديشي" بقيادة البيغوم خالدة ضياء، فإن لها أيضا أنصار ونفوذ سياسي واسع ومتجذر كونها إبنة ووريثة أبو الاستقلال ومؤسس دولة بنغلاديش المستقلة الشيخ مجيب الرحمن، ناهيك عن أنها تزعمت البلاد لفترات طويلة، حققت خلالها لمواطنيها الكثير من المنجزات التنموية والصناعية، وتخلصت أثناءها من أحزاب وتنظيمات أصولية متطرفة كانت تنشد طلبنة بنغلاديش.

وهاهي العاصمة دكا تعود إلى ما يشبه ساحة حرب بين أنصارها وخصومها، بمجرد أن أصدرت "محكمة الجرائم الدولية" البنغلاديشية المؤلفة من ثلاثة قضاة برئاسة القاضي محمد غلام مرتضى مزمدار، حكما بإعدام الزعيمة السابقة بعد إدانتها بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، في إشارة إلى قيامها بقمع تظاهرات طلابية ضد نظامها في يوليو وأغسطس من عام 2024، ما أدى إلى مقتل 1400 شخص طبقا لتقارير المعارضة ومنظمات حقوق الإنسان، وهكذا، فبدلا من أن تسعى الحكومة الحالية إلى لملمة الجراح واستعادة الوحدة والأمن والإستقرار بعد أعوام من الفوضى والمماحكات السياسية، وتشرع في إقامة نظام ديمقراطي جديد يلبي طموحات الملايين من السكان في النهوض والتنمية المستدامة، فقدت البوصلة وغلبت عليها النزعة الانتقامية.

لا يعني هذا الكلام الانتصار للشيخة حسينة والمطالبة بتبرئتها، فهي لها ما لها وعليها ما عليها، وجزء من سياستها القمعية كان ردة فعل لسياسات خصومها الذين حرضوا ضدها وأشعلوا الشارع بالإضرابات والاعتصامات والحرائق خلال العام المنصرم. وإنما الأمر يتعلق بضرورة الاحتكام إلى العقل والمنطق واللجؤ إلى خيارات تطفي الحرائق ولا تزيدها إشتعالا. فالمتهمة في أول تعليق لها من منفاها الهندي على حكم إعدامها، نفت أنها أصدرت أوامر بقتل الطلبة المتظاهرين قائلة: "لا أنا ولا أي من القادة السياسيين أصدرنا أوامر بقتل المتظاهرين" وواصفة المحكمة التي حاكمتها بأنها صورية وأحكامها صادرة عن شخصيات متطرفه تكن لها الضغائن وتتبع حكومة مؤقتة وغير منتخبة دستوريا، وذات دوافع وخلفيات انتقامية.

ينقسم المراقبون والمتخصصون في الشأن البنغلاديشي حول حكم الإعدام غير المسبوق بحق زعيمة سابقة للبلاد، فبعضهم يراه حكما عادلا طال انتظاره للتخلص من "سيدة عاثت فسادا وارتكبت أخطاء جسيمة في إدارة البلاد ومقدراتها"، والبعض الآخر يراه حكما خطيرا مغلفا بدوافع انتقامية لن يؤدي إلإ إلى المزيد من المتاعب والإنقسامات الحادة.

وما بين هذا وذاك تراقب حكومات دول الجوار (الهند وباكستان والصين) المشهد دون تعليق حتى لحظة كتابة هذا المقال. والمعروف أن الدول الثلاث معنية بتطورات الأحوال السياسية في بنغلاديش، كون الأخيرة تمثل رقما مهما في المعادلات السياسية والجيواستراتيجية في شبه القارة الهندية والمحيط الهندي. فالهند، التي ساعدت البنغلاديشيين في تأسيس دولتهم المستقلة عن باكستان على إثر "حرب البنغال" سنة 1971، تعتبرها ضمن نطاق مصالحها الاستراتيجية، وهي حريصة في الوقت نفسه على وجود حكومة علمانية غير متطرفة في دكا، لا تعاديها ولا تضر بمصالحها. بينما تسعى باكستان إلى استعادة روابطها القديمة مع بنغلاديش، التي كانت جزءا من كيانها المسلم منذ 1948 وحتى 1971، والتحالف معها لمواجهة عدوتها الهندية اللدودة. أما الصين، التي تتودد لها حكومة يونس الانتقالية من أجل المساعدات، فتحاول التواجد بقوة في بنغلاديش خدمة لمخططاتها وطموحاتها المتمثلة في مبادرة الحزام والطريق، وخدمة أيضا لباكستان ونكاية بخصمها الهندي.

والحقيقة أن تواجد الشيخة حسينة في الهند تحت حماية حكومتها أزعج حكومة يونس في دكا، وقد تشهد العلاقات الهندية ــ البنغلاديشية احتقانات لا تستطيع دكا التعايش معها فيما لو طلبت الحكومة البنغلاديشية من نظيرتها الهندية تسليمها الشيخة حسينة لتنفيذ حكم الإعدام فيها، وكان رد نيودلهي هو الرفض. 

وبعيدا عن جدلية الصواب والخطأ في الحكم الصادر ضد حسينة، فإن الحكم يرسي سابقة خطيرة وهي أن القادة السياسيين مسؤولون جنائيا عن سلوك قوات الأمن أثناء الإضطرابات المدنية.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: ديسمبر 2025م 


الأربعاء، 26 نوفمبر 2025

تايوان، أولى قنابل زعيمة اليابان الجديدة

  


بقلم: د. عبدالله المدني*

قلنا في مقال سابق هذا الشهر أن اليابان قد تغير سياسات الخارجية الهادئة وتتبنى مواقف أكثر تصادمية في أعقاب وصول السيدة المحافظة ساناي تاكائيتشي إلى سدة الزعامة في طوكيو مؤخرا، وابرامها تحالفا برلمانيا مع حزب تجديد اليابان (نيبون إيشين نو كاي) ذي التوجهات اليمينية القومية.

وها هي تاكائيتشي تفجر أولى قنابلها في وجه الصين، وتتسبب في تصعيد خطير في علاقات البلدين البينية المتأزمة أصلا بسبب رواسب تاريخية وخلافات حول السيادة على الأراضي والمياه، دعك من تنافسهما اقتصاديا وجيوسياسيا.

ففي السابع من نوفمبر الجاري صرحت تاكائيتشي داخل برلمان بلادها بأن "أي هجوم صيني على تايوان لضمها بالقوة إلى السيادة الصينية سوف يعتبر تهديدا لبقاء اليابان، ما قد يبرر ردا عسكريا". هذا التصريح غير المسبوق لزعيم ياباني، وبهذا القدر من الوضوح، أشعل غضب بكين التي تعتبر تايوان من أكثر القضايا حساسية في علاقاتها الخارجية، بل تعتبر تايوان جزءا من أراضيها وتكرر إصرارها على إعادتها إلى سيادتها بالقوة إنْ لزم الأمر. 

وجاء الغضب الصيني في صورة تحذير من وزارة الدفاع الصينية بأن اليابان سوف تتلقى هزيمة ساحقة إذا ما تدخلت عسكريا في مضيق تايوان. تلى ذلك احتجاجات رسمية متبادلة بين البلدين واستدعاء للسفراء، ومنشور لقنصل الصين في أوساكا على منصة (x) قال فيه: "العنق الذي يتدخل في ما لا يعنيه يجب أن يُقطع"، ومطالبة وزارة الخارجية الصينية لزعيمة اليابان بأن تعتذر وتتراجع عن تصريحاتها وإلا ستتحمل اليابان جميع العواقب، ورد الخارجية اليابانية بأن الأمر لا يستوجب الإعتذار والتراجع، ناهيك عن إصرار تاكائيتشي على موقفها، بحجة أن أمن اليابان مرتبط بالسلام والإستقرار في مضيق تايوان. 

ومع تزايد التوتر والتصعيد، قامت بكين بتحذير رعاياها من السفر إلى اليابان في الوقت الراهن، كما نصحت طلبتها الدارسين في الجامعات والمعاهد اليابانية بتوخي الحذر، مشيرة إلى وجود مخاطر تهدد أمنهم وسلامتهم في اليابان بعد "تصريحات تاكائيتشي الإستفزازية حول تايوان". وفي السياق نفسه نشرت صحيفة الجيش الأحمر الصيني مقالا ورد فيه أن حديث تاكائيتشي عن تايوان قد "أظهر الطموح المتوحش لطوكيو للتدخل في شؤون الدول الأخرى بوسائل عسكرية".

وبلغ التوتر ذروته في التاسع من نوفمبر الجاري حينما قامت بكين بعمل إستفزازي تمثل في إرسالها تشكيلا من سفن خفر السواحل الصينية لعبور مياه محاذية لجزر سينكاكو الواقعة منذ عام 1972 تحت السيادة اليابانية والتي تطالب بها الصين وتطلق عليها إسم "دياويو". هذا علما بأن مثل هذه التحركات الصينية في المياه المشاطئة لليابان وعمليات التوغل واستعراض القوة من قبل الجيش الأحمر تكررت كثيرا في السنوات الماضية وخلقت إجواء من الشك والحذر عند القادة اليابانيين المتعاقبين، إلى درجة أن اليابان حذرت في كتابها الدفاعي الأبيض السنوي هذا العام من تكثيف الأنشطة العسكرية الصينية حول أراضيها، قائلة أنها تشكل خطرا جسيما على الأمن القومي لأرخبيل اليابان، ومشيرة إلى أن سفنا صينية أبحرت 355 مرة خلال عام 2024 قرب جزر سينكاكو.

والمعروف أن طوكيو إلتزمت خلال العقود الماضية بسياسات مشابهة لسياسات الولايات المتحدة حول تايوان التي تبعد مسافة مائة كيلومتر فقط عن أقرب جزيرة يابانية، بمعنى أنها إلتزمت بمبدأ الصين الواحدة وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع تايبيه، لكنها لم توقف تعاملها وتعاونها مع حكومة تايوان التي تعتبرها بكين سلطة متمردة. 

والحقيقة أن لتايوان خصوصية عند اليابانيين، ليس بسبب قربها الجغرافي من أرخبيلهم، أو تشابه نظامها الديمقراطي التعددي مع نظامهم السياسي، او كونهما حليفتين للولايات المتحدة، أو لأسباب اقتصادية وتجارية (اليابان ثالث أكبر شريك تجاري لتايوان)، وإنما ايضا لأسباب تاريخية. فاليابان احتلت الصين خلال الحرب العالمية الثانية وتحديدا ما بين عامي 1931 و1945، وهي متهمة من قبل بكين بإرتكاب مجازر أودت بحياة مئات الآلاف إبان الإحتلال، وساساتها متهمون بعدم تقديم الإعتذار الكافي، خصوصا مع زياراتهم المتكررة لمقبرة "يا سكوني"، حيث يرقد قادتهم الحربيين. اما تايوان فقد ظلت تحت السيطرة اليابانية منذ عام 1895، حينما تنازلت عنها سلالة تشينغ الصينية لليابان بموجب معاهدة شيمونوسكي، وحتى هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية سنة 1945، وخلال فترة الحكم الياباني الطويلة، ترك اليابانيون بصمات رائعة على البنية التحتية والتنمية الاقتصادية والتعليم والثقافة الشعبية، إلى درجة أن تايوانيين كثر ينظرون اليوم نظرة إيجابية إلى فترة الحكم الياباني، ويرون الاحتلال الياباني بمنظور مختلف عن منظور سكان البر الصيني,



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

التاريخ: نوفمبر 2025م


الثلاثاء، 18 نوفمبر 2025

هل تستطيع الهند التوازن في علاقاتها بواشنطن وموسكو؟

  


بقلم: د. عبدالله المدني*

مما لا جدال فيه أن الهند تجد نفسها اليوم في موقف صعب فيما يتعلق بعلاقاتها البينية مع كل من الولايات المتحدة وروسيا. فالأولى شريكتها التجارية والسياسية الأهم في آسيا، ومصدر الأسلحة والتكنولوجيا المتطورة الحديثة، وحليفتها في مجموعة "قواد" الأمنية، والقوة المتحكمة بنظام المدفوعات العالمي، أما الثانية فهي حليفتها الاستراتيجية طوال حفبة الحرب الباردة، وشريكتها في مجموعة "بريكس"، ومصدر نحو 45% من معداتها العسكرية من الغواصات والمقاتلات وأنظمة الصواريخ، ناهيك عن أن القوات المسلحة الهندية مرتبطة بالصيانة وقطع الغيار الروسية، أضف إلى ذلك حاجة الهند إلى النفط الروسي الرخيص. وعليه فإن الإختيار بينهما أمر في غاية الصعوبة ويشكل معضلة لصانع القرار السياسي في نيودلهي.

ويقال أن رئيس الحكومة الهندية ناريندرا مودي يحاول جاهدا التوفيق بين أهداف متعددة ومتصادمة مثل: تخفيف الرسوم الجمركية الأمريكية على السلع الهندية، والحصول على النفط الروسي منخفض السعر، واستمرار شراكة بلاده الدفاعية مع روسيا، وتزويد جيشه بأسلحة وتكنولوجيات أمريكية متطورة، والحفاظ على الوجه المستقل لسياسة بلاده الخارجية أمام الناخبين الهنود. فهل سينجح؟

بدأت معاناة الهند في أعقاب قيام إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 22 أكتوبر 2025 بفرض عقوبات شاملة على أكبر شركتين روسيتين للنفط وهما "روس نفط" و"لوك أويل"، ومعاقبة أي شركة أو مصرف أو مؤسسة تأمين أجنبية يتعامل معهما، تحت طائلة عزل المخالفين عن الأسواق الأمريكية والنظام المصرفي العالمي. 

والمعروف للقاصي والداني أنه منذ بدء الحرب الأوكرانية ــ الروسية برزت الهند كواحدة من أكبر مستوردي النفط الروسي، حيث ارتفعت وارداتها من الخام الروسي من أقل من 100  ألف برميل يوميا في أوائل العام 2022 إلى نحو 1.8 مليون برميل يوميا خلال العام الجاري.

إن جاذبية النفط الروسي الرخيص بالنسبة للهند تتجلى في حقيقة أن سعر البرميل الخام منه يقل بعشرة أو عشرين دولارا من أسعار النفط العالمية، وهو ما يوفر للخزينة الهندية مليارات الدولارات سنويا، ويساعد في الوقت نفسه على استقرار أسعار الوقود محليا، وأسعار الروبية الهندية. وعليه حققت شركات التكرير الهندية مثل "ريلاينس إندوستري" و"نايارا إنرجي" أرباحا مجزية من استيراد الخام الروسي وتكريره محليا، بل وإعادة تصدير بعضه مكررا إلى أوروبا. غير أن العقوبات الأمريكية المذكورة لم تترك أمام الهنود وغيرهم مجالا سوى إعادة النظر في تعاملاتهم الروسية.

من ناحية أخرى، تفاقمت معاناة الهند بعد تحذيرات ترامب من أنه سيفرض رسوما جمركية باهضة على الهند حتى تتوقف وارداتها النفطية من روسيا تماما. ومما لاشك فيه أن فرض رسوم جمركية بنسبة 50% (كما هدد ترامب) على صادرات الهند إلى الأسواق الأمريكية سيلحق ضررا بالغا بالمصدرين والمصنعين الهنود، وبالميزان التجاري بين البلدين (تشير البيانات الرسمية الخاصة بشهر سبتمبر الفائت إلى انخفاض فعلي في صادرات الهند إلى الولايات المتحدة بنسبة 20%).

وعلى الرغم من كل ما يتردد حول قرار هندي بالخضوع للإملاءات الأمريكية حول النفط والتجارة، بما فيها مزاعم ترامب بهذا الشأن، فإنه لم يصدر بيان رسمي من حكومة مودي يؤكد ذلك حتى الآن، بل أن وزير التجارة الهندي "بيوش جويال" خاطب مؤخرا مؤتمرا في العاصمة الألمانية بنبرة تحدي قائلا أن بلاده "لن ترضخ أو تبرم أي صفقة مع واشنطن تحت التهديد والوعيد". غير أن المراقبين فسروا موقف الوزير الهندي بأنه يدغدغ عواطف مواطنيه، ومنهم نسبة كبيرة من المتعاطفين مع موسكو والحانقين على واشنطن، وأن نيودلهي سوف ترضخ في نهاية المطاف لأن ليس أمامها خيار آخر، مشيرين إلى أن واشنطن ونيودلهي قريبتان من التوصل إلى إتفاق يقضي بخفض الرسوم الجمركية الأمريكية إلى 15% مقابل قيام نيودلهي بخفض وارداتها من النفط الروسي تدريجيا واستبداله بنفط شرق أوسطي. هذا علما بأن هذا الاستبدال المتوقع سوف يضيف ما بين مليار و1.5 مليار دولار شهريا إلى فاتورة واردات الهند النفطية، وقد يُضعف الروبية ويفاقم عجز ميزانيتها.

وأخيرا، هناك من يقول أن نيودلهي سوف تحذو حذو بكين، لجهة التحايل على العقوبات الأمريكية والنظام المصرفي العالمي، فتستمر في شراء النفط الروسي الرخيص دون مبالاة بالتهديدات الامريكية، وتسوي مدفوعاتها عبر وسطاء غامضين، وهذا حل بديل لكنه محفوف بالمخاطر ويعقد العلاقات الأمريكية ــ الهندية، خصوصا وأنها تشهد توترا غير مسبوق، ليس على خلفية النفط والتجارة فحسب، وإنما أيضا على خلفية عزم نيودلهي على توقيع صفقة بقيمة 1.2 مليار دولار مع موسكو لشراء أنظمة دفاع جوي إضافية من طراز "إس 400"، وهو ما تعتبره واشنطن عونا ماليا يساعد روسيا على استمرار حربها في أوكرانيا.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: نوفمبر 2025م

 



الثلاثاء، 11 نوفمبر 2025

قراءة في نتائج قمة ترامب ــ جينبينغ


 

بقلم: د. عبدالله المدني*

حظيت قمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جينبينغ، مؤخرا في مدينة بوسان الكورية الجنوبية، بمتابعة واهتمام كبيرين في مختلف عواصم الدنيا، بسبب تأثير نتائجها على العالم بأسره، انطلاقا مما يشكله البلدان من ثقل سياسي واقتصادي وصناعي وعسكري.

والمعروف أن الخلافات المتصاعدة بين البلدين القطبين في السنوات الأخيرة لم تقتصر على الأمور التجارية، وإنْ كانت التجارة عنوانها الأبرز، وإنما امتدت إلى مسائل أخرى عديدة شملت التكنولوجيا والأمن الإقليمي والتوترات الجيوسياسية والعسكرية وحقوق الإنسان، بل والتنافس على قيادة العالم أيضا. ولهذا فإن لقاء القمة الذي عقد على هامش الإجتماع الثاني والثلاثين لمنتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهاديء (أبيك)، جاء في أجواء سادها الحذر والترقب الشديدين، مع بعض التفاؤل الذي أحدثه تصريح لوزير الخزانة الأمريكي "سكوت بيسنت" قبيل عقد القمة حول توصله لإتفاق أولي مع الصين لتهدئة التوترات التجارية الناجمة عن الرسوم الجمركية المتبادلة بين البلدين، وبعض التشاؤم الذي خيم على الأجواء نتيجة لأوامر من ترامب للبنتاغون باستئناف التجارب النووية، وإحياء واشنطن لصفقة أوكوس مع أستراليا لنشر غواصات نووية في المحيط الهاديء، وتعهدها بتسليم كوريا الجنوبية غواصات نووية

وبعد لقاء القمة، وهو الأول بين ترامب وجينبينغ منذ 2019، والذي استغرق نحو ساعتين وسط كيل كل جانب المديح للطرف الآخر والاعراب عن استعداده للتعاون مع نظيره للإرتقاء بالعلاقات البينية خدمة للسلام العالمي والمصالح المشتركة، أعلن الزعيم الصيني عن توصل بلاده إلى توافق مع الولايات المتحدة بشأن القضايا التجارية، بينما أعلن ترامب عن التوصل إلى إتفاق بشأن المعادن النادرة وفول الصويا وبعض الرسوم الجمركية. وبمعنى آخر خرج الزعيمان من قمتهما بهدنة مؤقتة مطولة وليس اتفاقا شاملا.

في التفاصيل، يمكن القول أن البلدين قدما بعض التنازلات من أجل تهدئة التوتر والحرب التجارية بينهما، والتي أثرت على اقتصادات العالم، لكنهما لم يتوصلا إلى حلول للعديد من القضايا الخلافية الأخرى، ما يعني أن هناك حاجة ملحة للمزيد من الإتصالات من أجل اتفاقيات أكثر صلابة، وخاصة لجهة إيجاد أطر قانونية للإستثمار المتبادل والذكاء الإصطناعي وأشباه الموصلات وتطبيقات تيك توك والمعادن الحساسة. والمعروف أنه في مارس 2025، صعّدت الولايات المتحدة خطواتها بإدراج نحو 80 شركة ومنظمة، من بينها 50 شركة صينية، على قائمة الشركات المحظور تعاملها مع الشركات الأمريكية، فردت الصين بفرض قيود على تصدير عناصر معدنية نادرة تدخل في صناعة أشباه الموصلات مثل الغاليوم والجرمانيوم، كما شرعت في 2024 بملاحقة قانونية لشركة نيفيديا الأمريكية بتهمة خرق قانون مكافحة الإحتكار، علما بأن الصين تسيطر على نحو 60% من إنتاج المعادن النادرة في العالم، وتتحكم بما بين 85 و90% من عمليات معالجتها..

من نتائج القمة، إلتزام واشنطن بتخفيض رسومها الجمركية على الصادرات الصينية إلى النصف تقريبا، وتعهدها بتأجيل العقوبات التي فرضتها على عدد كبير من الشركات الصينية لمدة عام، وإلتزام بكين في المقابل بشراء 12 مليون طن متري من فول الصويا هذا العام من الولايات المتحدة، و25 مليون طن كحد أدنى سنويًا خلال السنوات الثلاث المقبلة، فضلا عن كميات من الذرة الرفيعة ومنتجات زراعية أخرى، وتعهدها بتعليق القيود التي فرضتها في 9 أكتوبرعلى صادراتها من بعض المعادن النادرة، وبشراء المزيد من النفط والغاز الأمريكي من ألاسكا (طبقا للبيانات الصينية فإن الصين استوردت آخر كمية من النفط الخام الأمريكي في مايو الماضي، وآخر كمية من الغاز المسال الأمريكي في فبراير الفائت، وهو الشهر الذي فرضت فيه رسوما جمركية انتقامية تراوحت ما بين 10% و15% على منتجات الطاقة الأمريكية).

وأخيرا لا بد من الإشارة إلى أنه، على الرغم مما يردده الصينيون من أن اعتماد بلادهم على الأسواق الأمريكية بات أقل من السابق وأن الدول الآسيوية ودول الإتحاد الأوروبي أصبحت هي شريكهم التجاري الأساسي  بعد الحرب الترامبية عليهم وتطبيقهم لما عرف باستراتيجية (Chimna + One)  إلا أن الأسواق الأمريكية تظل هي الأكثر جاذبية لهم (بلغت قيمة الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة قبل حربهما التجارية نحو 550 مليار دولار سنويا).

بقي أن نقول أن الجانبين الصيني والأمريكي تحاشيا التطرق إلى خلافاتهما السياسية الكثيرة من أجل إنجاح سعيهما إلى إتفاق تجاري، وإنْ حاول جينبينع استخدام تايوان كورقة ضغط.  فهما لم يتطرقا مثلا إلى ملفات مثل: تايوان ومبيعات الأسلحة الأمريكية لها، وتحركات بكين العسكرية في بحر الصين الجنوبي، وأمن المحيطين الهاديء والهندي، والتصاعد المخيف للترسانة الصينية الصاروخية، والتحالف الأمريكي مع اليابان والهند وإستراليا للتصدي لنفوذ الصين.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: أكتوبر 2025م

 




الأحد، 9 نوفمبر 2025

بيان صادر عن المجلس القاري لأستراليا ونيوزيلندا في الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم بمناسبة عيد الاستقلال اللبناني – 22 تشرين الثاني 2025



في الذكرى الثانية والثمانين لاستقلال لبنان، نقف اليوم أمام لحظة تأمل وصدق مع الذات، نستعيد فيها معاني السيادة والحرية التي ناضل لأجلها أجدادنا، ونتساءل بجرأة ومسؤولية: أي استقلال نحتفل به اليوم، وأي وطن نريد أن نورثه لأبنائنا؟

لقد مرّ لبنان في السنوات الأخيرة بأزمات متلاحقة، من انهيار اقتصادي غير مسبوق، إلى فراغ سياسي دام أكثر من عامين، إلى صراعات إقليمية انعكست على أمنه واستقراره. واليوم، ومع انتخاب الرئيس العماد جوزف عون وتشكيل حكومة برئاسة القاضي نواف سلام، تلوح في الأفق بوادر أمل مشروطة بصدق الإرادة السياسية وجرأة الإصلاح.

إننا نؤمن أن الاستقلال لا يُقاس فقط بخروج المستعمر، بل بقدرة الدولة على بسط سلطتها على كامل أراضيها، واحتكارها للسلاح، وضمانها لكرامة المواطن وحقوقه. الاستقلال الحقيقي هو في عدالة القضاء، وشفافية الإدارة، وحرية التعبير، وكرامة العيش.

إذا كنا نحتفل هذا العام بعيد الاستقلال، فاحتفالنا يكون بروح نقدية مسؤولة، لا احتفالية شكلية، بل وقفة وطنية صادقة لمراجعة الذات. 

حيث نؤكد ما يلي:

دعمنا الكامل لخيار الدولة المدنية القوية، التي تحتكم إلى الدستور وتنبذ منطق المحاصصة والطائفية.

مطالبتنا الحكومة الجديدة بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والسياسية التي طال انتظارها، وباستعادة ثقة الداخل والخارج على حد سواء.

مناشدتنا جميع القوى السياسية تحييد لبنان عن صراعات المحاور، والالتزام بمسار الدبلوماسية والاستقرار.

وفي هذا الإطار، يعبّر المجلس القاري لأستراليا ونيوزيلندا عن تقديره ودعمه للسلك الدبلوماسي اللبناني في أستراليا، ممثلًا بسعادة القنصل العام في سيدني شربل معكرون وسعادة القنصل العام في ملبورن رامي حميدي، على مبادرتهما إلى إحياء ذكرى الاستقلال بالشكل اللائق والجامع، في التوقيت نفسه الذي اختارت فيه جهات أخرى تحويل المناسبة إلى حفلات ومآدب شكلية.

فإننا نرى في هذه الخطوة الدبلوماسية تأكيدًا على التمسّك بروح الاستقلال ومعناه الوطني الأصيل، البعيد عن أي استغلال سياسي أو انقسام.

في هذا اليوم، نكرّم شهداء الاستقلال، ونجدّد العهد بأن نكون أوفياء لوطنٍ يستحق أن نحلم به، لا أن نهاجر منه.

فالاستقلال الحقيقي لا يُقاس بحجم الاحتفالات، بل بعمق الالتزام الوطني.

عاش لبنان، حراً، سيداً، مستقلاً.

وليبقَ عيد الاستقلال مناسبةً لتجديد الإيمان بلبنان، رسالة حرية وتعدد وعيشٍ مشترك.


انطوان كرم 

رئيس المجلس القاري لاستراليا ونيوزيلندا

الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم

 

الثلاثاء، 4 نوفمبر 2025

اليابان .. إئتلاف حاكم جديد، وتوقعات بتغييرات عميقة

 


د. عبدالله المدني*

قلنا في مقال سابق أن الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم في اليابان فقد أغلبيته البرلمانية بعد أن فض حليفه، "حزب كوميتو" البوذي الصغير، شراكته معه، لكنه سارع إلى الائتلاف مع حزب بديل هو "حزب تجديد اليابان" المعروف باسم "نيبون إيشين نو كاي" (حزب سياسي قومي يميني ولد في عام 2015 من رحم حزب الابتكار الياباني بعد ان انشق عدد من اعضائه وشكلوا حزبا جديدا تحت هذا الاسم وهو ينتمي الى وسط اليمين ويعتبر اليوم ثالث اكبر كتلة معارضة في البرلمان)، وبذلك نجحت السيدة ساناي تاكائيتشي في نيل ثقة البرلمان لقيادة البلاد بإسم الحزب الديمقراطي الليبرالي، وتفادت السقوط.

لكن ما هي التداعيات المستقبلية للائتلاف الجديد على السياستين الداخلية والخارجية لليابان؟ هذا السؤال شغل بال المراقبين في الأيام الماضية انطلاقا من حقيقة ما تتبناه تاكائيتشي من مواقف محافظة، وما يعتنقه حليفها من توجهات قومية يمينية.

لاشك أن اليابان تمر اليوم، بمنعطف صعب وحاسم في تطورها السياسي هو الأخطر من نوعه منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. ذلك أن الإئتلاف الجديد لا يشير الى مجرد تغيير في شكل الحكومة فقط، وإنما ينبيء بتغيرات إيديولوجية وسياسية عميقة، وانحرافات عن السياسات البرغماتية والمواقف التوافقية التي صبغت سياسات اليابان لسنوات في ظل الإئتلاف السابق بين الحزب الديمقراطي الليبرالي وحزب كوميتو. 

وبعبارة أخرى، قد نشهد عصرا يابانيا جديدا من القومية المتصاعدة والمواقف الأمنية الحاسمة والتصرفات المستقلة. وهذا سوف يؤثر لا محالة على البيئة الجيوسياسية للمحيطين الهندي والهاديء وشرق آسيا المعقدة أصلا، وعلى مجمل سياسات طوكيو الاقليمية والدولية وعلاقاتها مع بعض القوى الآسيوية الحليفة كالهند مثلا. وفي هذا السياق، دعونا لا ننسى أن زعيمة اليابان الجديدة عرف عنها دفاعها عن قضية مراجعة دستور بلادها، ولاسيما المادة التاسعة منه والتي تقيد دور اليابان العسكري. ومثل هذا التوجه يتباه أيضا حليفها الجديد، حزب تجديد اليابان، الذي يدعو إلى تحول اليابان من قوة مسالمة مقيدة عسكريا إلى قوة فاعلة قادرة على التصرف الاستراتيجي المستقل.  ومن نافلة القول أن تفعيل هذا التوجه سوف يفاقم الحساسيات الاقليمية، لاسيما مع الصين وكوريا الجنوبية اللتين تطغى على علاقاتهما باليابان توترات من حين إلى آخر بسبب أحداث تاريخية، ويعزز من ناحية أخرى علاقات طوكيو مع نيودلهي وكانبرا وواشنطن. وهذا سيؤدي بدوره إلى تقوية التحالف العسكري المضاد بين بكين وموسكو وبيونغيانغ.

من جانب آخر، يتفق طرفا الإئتلاف الجديد على مجموعة من السياسات الاجتماعية المحافظة والقيم التقليدية الخاصة بالأسرة وأدوار الجنسين وزواج المثليين ودور الإناث في المؤسسة الأمبراطورية. فتاكائيتشي ضد منح إناث الأسرة الامبراطورية حقوقا كاملة، وتعارض زواج المثليين، وتروج لتفسير أكثر تقليدية لأدوار الجنسين في المجتمع. وحليفها الجديد يدعو من أجل التماسك الأسري والحفاظ على الهوية القومية، وسلامة المجتمع إلى فرض قيود مشددة على الهجرة والعمالة الأجنبية.

أما على الصعيد الاقتصادي، فهناك بعض التنافر والاختلاف بين طرفي الائتلاف الحاكم، فإستراتيجية تاكائيتشي تقوم على مزيج من تدخل الدولة والإعفاءات الضريبية لتحفيز الاستهلاك وتخفيف التضخم من أجل تنشيط النمو الاقتصادي المحلي، بينما يروج حليفها لسياسات إصلاحية مؤسساتية مثل تقييد الاقتراض، وتقليل النفقات الحكومية، وضمان الشفافية. وهكذا فإن الحكومة الجديدة التي شكلتها تاكائيتشي تواجه مهمة دقيقة لمعالجة هذا التنافر، وأيضا لتحقيق التوازن بين الضرورات الاقتصادية الشعبوية والانضباط المالي المحافظ. ولأن تاكائيتشي تسعى للنجاح من أجل ترسيخ صورتها كأول إمرأة تتزعم اليابان، فقد تقدم على تنازلات تكتيكية لصالح شريكها في الحكم كي تحافظ على الأئتلاف الحاكم في الأشهر المقبلة.

نخالة القول هي أن تحالف الحزب الديمقراطي الليبرالي مع حزب تجديد اليابان تجربة جريئة في السياسة اليابانية تستحق التأمل والدراسة، إلا أن دوامه واستمراريته محل شك، لأنه تحالف هش وانتهازي وتكتيكي، وليس شراكة مؤسسية راسخة كالإئتلاف الحاكم سابقا، وبالتالي فهو مهدد بالسقوط، خصوصا مع انعدام الثقة الكاملة بين طرفيه وتباين مواقفهما حيال الخطط المالية والاقتصادية الجديدة التي ينتظرها اليابانيون بفارغ الصبر.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: أكتوبر 2025م






الثلاثاء، 28 أكتوبر 2025

لماذا اندلع القتال بين أفغانستان وباكستان؟


 بقلم: د. عبدالله المدني*

عززت الاشتباكات الحدودية بين قوات حكومة طالبان الافغانية وقوات الجيش الباكستاني مؤخرا نظرية أن الدول والجماعات التي تنخرط في القتال لسنوات طويلة يصعب عليها انتهاج طريق السلام، بمعنى أن الحرب يصبح جزءا من حياتها وطقوسها وتقاليدها اليومية، وبالتالي تسعى إلى خلق عدو تتقاتل معه، فإن لم تجده تتقاتل في ما بينها على المواقع والغنائم، وهكذا.

ظل الأفغان يقاتلون ويتقاتلون لعقود طويلة دون الركون إلى السلام ــ باستثناء فترة قصيرة نسبيا زمن الملك الراحل محمد ظاهر شاه ــ فمن حرب التحرير ضد النفوذ البريطاني في الاربعينات، وحرب ممر خيبر مع باكستان في الستينات، إلى حرب الجهاد ضد الغزاة السوفييت في السبعينات، وحرب الفصائل الجهادية بين بعضها البعض في الثمانينات، وحروب طالبان ضد العالم بأسره في التسعينات، وصولا إلى حرب تحرير البلاد من القوات الأمريكية والغربية في الألفية الجديدة، لم تكن هناك فترة راحة، يضع فيها المقاتلون السلاح جانبا لممارسة حياتهم الطبيعية السلمية كبقية الشعوب.

لا يعني هذا الكلام أن ما حدث مؤخرا من اشتباكات بين باكستان وافغانستان نجم عنها مقتل العشرات وإصابة المئات تقع مسؤوليتها بالكامل على قوات طالبان، وإعفاء باكستان من أي مسؤولية. فالبلدان الجاران اللذان كانا يوما ما حليفين وثيقين، بينهما مشاكل حدودية وملفات أمنية لم تحسم، كما أن الولاءات القبلية والأيديولوجية على جانبي الحدود تلقي بظلالها على تلك المشاكل والملفات فتسخنها من وقت إلى آخر، خالقة بؤرة للتوتر الدائم.

ويبقى العامل الهندي حاضرا على الدوام، بسبب التنافس المزمن بين إسلام آباد ونيودلهي على النفوذ في المنطقة، وفي أفغانستان تحديدا. إذ ترى الأولى أن أفغانستان تقع ضمن مناطق نفوذها الطبيعية بحكم الجغرافيا السياسية والتاريخ والمعتقد الواحد والعلاقات القبيلية المتداخلة، وغيرها من العوامل، بينما ترى الثانية أن من حقها حماية أفغانستان من تدخلات عدوتها الباكستانية، وتأثيرات الأخيرة الأيديولوجية المناهضة لها، مدفوعة في ذلك بدوافع أقتصادية وامنية واستراتيجية.

ولعل هذا يجيب على سؤال: "لماذا اندلعت الحرب فجأة وفي هذا التوقيت بالذات بين إسلام آباد وكابول". طبقا للإدعاءات الباكستانية فإن اندلاع القتال فجأة على طول الحدود المشتركة بين قوات الجانبين، جاء بعيد تقارب طالباني ــ هندي نادر، في إشارة إلى زيارة قام بها وزير خارجية طالبان إلى نيودلهي للمرة الأولى منذ وصول طالبان إلى الحكم في كابول سنة 2021. وبعبارة أخرى تتهم إسلام آباد كابول بأنها اتفقت مع نيودلهي على أن تصبح مخلبا للأخيرة ضدها وضد مصالحها في المنطقة من خلال القيام بأعمال إرهابية عبر الحدود، وذلك مقابل إنفتاح الهند على حكومة طالبان والاعتراف بها رسميا وإغداق المساعدات عليها. وهذه الإدعاءات تنفيها كابول جملة وتفصيلا وتصفها باتهامات تطلقها إسلام آباد لتبرير الإعتداء عليها وإخضاعها لسياساتها الاقليمية بالقوة، مستغلة أوضاع أفغانستان الاقتصادية الصعبة، وعزلتها الدولية.

وقت كتابة هذه المادة أعلن في الدوحة أن الجانبين اتفقا بوساطة سعودية ــ قطرية على وقف اطلاق النار والسعي لحل كل المشاكل البينية سلميا. غير أن التجارب السابقة في مثل هذه الحالات، ولاسيما في هذه المنطقة، تشير إلى أن أي اتفاقية سلام لن تثمر إلا عن سلام هش بسبب الكم الهائل من التعقيدات الجيوسياسية والامنية والايديولوجية.

ويرى بعض المراقبين في ما حدث بداية مرحلة جديدة وخطيرة في جنوب آسيا، تحاول فيها أفغانستان الطالبانية ترسيخ شرعيتها الداخلية والدولية بالقوة، بعد أن بخل عليها المجتمع الدولي بذلك سلما، ناهيك عن محاولة اختبار عزم جارتها الباكستانية وتأكيد استقلالية قرارها الخارجي، ومحو الصورة المكونة عنها في دوائر القرار الباكستانية من أنها جار يمكن السيطرة عليه وتوجيه سياساته وفقا للمصلحة الباكستانية العليا.

وأخيرا، يجب ألا نغفل الموقف الصيني مما يحدث في هذه المنطقة. فبكين المهتمة بتحقيق طموحاتها من خلال مبادرة الحزام والطريق، ولاسيما من خلال الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، يزعجها أن يحدث توتر في منطقة استثمرت فيها بكثافة، وعليه فقد تتدخل بطريقة تعزز أمن واستقرار وقوة حليفتها الباكستانية الوثيقة من جهة، وتدفع طالبان إلى التهدئة وتخفف من تطرفها مقابل مساعدات اقتصادية معتبرة  من جهة أخرى.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: أكتوبر 2025م



الثلاثاء، 21 أكتوبر 2025

اليابان قد تشهد سقوط حكومتها الجديدة


 

بقلم: د.عبدالله المدني*

يبدو أن ساناي تاكائيتشي المنتخبة حديثا كأول إمرأة تتزعم اليابان في تاريخها، لن تهنأ طويلا بمنصبها، وستواجهها أزمة سياسية معقدة لن تستطيع حلها إلا بالدعوة إلى انتخابات عامة مبكرة، وهو حل انتحاري قد يُخرج حزبها الديمقراطي الليبرالي الحاكم من السلطة، خصوصا مع تآكل شعبيته بسبب فضائح مالية.

نقول هذا على ضوء المفاجأة التي أحدثها "سايتو تيتسو" زعيم حزب كوميتو البوذي الصغير بإعلانه عدم تجديد إئتلافه مع الحزب الحاكم. وبهذا فقد الحزب الحاكم أغلبيته البرلمانية وبات عرضة للسقوط في حال تحالف قوى المعارضة ضده في أي تصويت برلماني (يحتاج إلى 25 صوتا في مجلس النواب و37 صوتا في مجلس الشيوخ لتحقيق الأغلبية). والمعروف أن لحزب كوميتو 24 مقعدا في مجلس النواب و21 مقعدا في مجلس الشيوخ، ودخل في إئتلاف مع الحزب الحاكم منذ عام 1999، وكان يؤمن دوما الدعم البرلماني اللازم لحكوماته، للحيلولة دون سقوطها، وظل كذلك حتى وقت قريب.

لكن لماذا حدث الانفصال بين الحزب الصغير وحزب اليابان التاريخي الكبير؟ هناك أكثر من عامل تسبب في ذلك، منها التغييرات الديموغرافية التي طرأت على جمهور "كوميتو"، والرغبة في إبعاد نفسه عن فضائح وهزائم الحزب الحاكم، وتذمر أنصاره من تمثيله لدور التابع والباصم على قرارات حكومات الحزب الديمقراطي الليبرالي، وتذمرهم أيضا من قبوله تقديم الكثيرمن التنازلات من أجل بقاء الإئتلاف، خصوصا إبان عهد رئيس الوزراء القوي الراحل "شينزو آبي". هذا ناهيك عما يتردد حول استياء قادة "كوميتو" من اعتماد الزعيمة اليابانية الجديدة على دعم رئيس الوزراء الأسبق ما بين 2008 و2009  "تارو آسو" الذي وصف "كوميتو" في عام 2023 بأنه ورم خبيث في الإئتلاف الحاكم. وهناك أيضا أمر آخر إستاء منه زعيم "كوميتو" وعده طعنة له ولحزبه، وهو مسارعة تاكائيتشي بعد فوزها بفترة وجيزة إلى عقد إجتماع سري مع زعيم "الحزب الديمقراطي من أجل الشعب" المعارض "يويتشيرو تاماكي"، دون مشاورته أو إطلاعه على التفاصيل والأسباب. كما وأن أقطاب "كوميتو" يعارضون توجهات تاكائيتشي المتشددة ضد الهجرة والعمالة الأجنبية.

والغريب أن قادة ورموز الحزب الحاكم، لم يأخذوا تصريحات سابقة لزعيم حزب كوميتو على محمل الجد، مفترضين أن إئتلافهم معه باق وصامد. والإشارة هنا إلى تصريح للسيد "سايتو تيتسو" حذر فيه من أن حزبه لن يقبل المشاركة في حكومة تشكلها السيدة تاكائيتشي.

والحال أن الحزب الحاكم الذي يملك حاليا 196 مقعدا في مجلس النواب، يعيش على أمل بقائه في السلطة على فرضية أن الخلافات بين أحزاب المعارضة تمنع توحدها في جبهة واحدة لإسقاطه وإخراجه من زعامة البلاد. والمعروف أن اليابان شهدت في عامي 1993 و1994 تجربة قيام إئتلاف فضفاض متعدد الأحزاب لإخراج الحزب الديمقراطي الليبرالي من الحكم والحلول مكانه، لكن سرعان ما دبت الخلافات بين أطراف الإئتلاف وسقطت حكومتهم، ليعود الحزب الديمقراطي الليبرالي إلى السلطة ويعزز صورته كحزب رائد لا بديل عنه في حكم البلاد.

غير أن ما لوحظ في المشهد السياسي الياباني الراهن هو أن بعض أحزاب المعارضة ينظرإلى ما يحدث كلحظة تاريخية يجب استغلالها لهزيمة الحزب الحاكم. إذ قام الحزب الديمقراطي من أجل الشعب بتحرك هدفه حشد الدعم لزعيمه يويتشيرو تاماكي الذي أعرب عن رغبته في قيادة البلاد. وفي هذا الوقت كان الحزب الحاكم يقوم بمحاولات لإقناع بعض نواب المعارضة بدعم زعيمة البلاد الجديدة تاكائيتشي، او ــ على الأقل ــ الامتناع عن التصويت ضدها في جلسة تثبيتها برلمانيا خلال الايام المقبلة، وذلك لضمان عدم صعود مرشح آخر.

إن السؤال الذي قد يتبادر إلى الذهن، بعد الاستعراض السابق، هو "لماذا لا يستطيع الحزب الحاكم إيجاد بديل عن حزب كوميتو الصغير مفجر الأزمة؟ وبعبارة أخرى هل يصعب عليه الدخول في إئتلاف مع شريك جديد؟ يفول المراقبون، ردا على السؤال إن ذلك يبدو نظريا أمر سهل، لكن في الواقع صعب التطبيق. فحتى الآن لم يبد أي حزب معارض استعداده للدخول في إئتلاف مع الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم لأسباب لا تختلف عن تلك التي أدت إلى انسحاب حزب كوميتو، حيث لا يريد أحد أن يفقد سمعته وشعبيته السياسية أو يقيد حركته من أجل بقاء الحزب الحاكم في السلطة وحل أزمته الراهنة.

ونختتم بالقول أن المشهد السياسي في اليابان متقلب، وبالتالي قد يشهد تحالفات وصفقات علنية وسرية لا تخطر على البال مثل تراجع حزب كوميتو عن إنسحابه، خصوصا وأن الأخير كيان سياسي ضئيل مثله مثل الحزب الشيوعي الياباني، وبالتالي فهو غير قادر على أن يؤمن لنفسه مقاعد برلمانية كثيرة  دون دعم وائتلاف مع الأحزاب الكبيرة في أي انتخابات عامة مقبلة.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: أكتوبر 2025م


الأربعاء، 8 أكتوبر 2025

اليابان في عهدة إمرأة لأول مرة في تاريخها


ِ 

بقلم: د. عبدالله المدني*

فاجأ رئيس الحكومة اليابانية "شيغيرو ايشيبا" العالم في السابع من سبتمبر المنصرم بتقديم استقالته من منصبه كزعيم لليابان قبل أن يكمل عامه الأول في المنصب، معززا بذلك حالة عدم الإستقرار السياسي في بلاده التي شهدت تغير 3 حكومات خلال 5 سنوات.

وعلى خلفية هذا الحدث المفاجيء عانت اليابان خلال الأسابيع الماضية من انقسامات في الشارع التواق إلى حكومة جديدة قادرة على إصلاح الاقتصاد الذي يعاني من تراجع قيمة الين، وتفاقم معدلات التضخم، ناهيك عن ضغوط التعريفات الجمركية الجديدة من قبل الحليف الأمريكي على صادرات اليابان، وقادرة في الوقت نفسه على معالجة ملفات داخلية شائكة مثل الضرائب والهجرة والعمالة الأجنبية ومعدلات الشيخوخة، وغيرها. 

كان من الطبيعي أن يلقي انقسام الشارع بظلاله على أروقة "الحزب الليبرالي الديمقراطي"، الذي حكم البلاد في معظم سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية عدا فترة قصيرة. إذ شهد الحزب إنقساما خطيرا حول كيفية تطويق تدهور شعبيته، ومعالجة إستقالة زعيمه "ايشيبا" واختيار بديل عنه لتولي قيادة اليابان في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها داخليا وخارجبا. فالبعض من قيادات الحزب رأى ضرورة إجراء انتخابات عامة جديدة، والبعض الآخر كان من مؤيدي الاستمرارية تحت قيادة شابة جديدة، والبعض الثالث وجد أن الظروف والتحديات الراهنة تستدعي إختيار شخصية قيادية من ذوي الخبرة السياسية والتاريخ الحزبي الطويل. وبموازاة ذلك شهدت أروقة الحزب إنقساما من نوع آخر تمثل في دعوة بعض أعضائه إلى أن يشارك كافة منتسبي الحزب في عملية التصويت لإختيار الزعيم الجديد وليس فقط الأعضاء القياديون والأعضاء الممثلون في البرلمان.

أدت هذه الانقسامات إلى تقدم أكثر من مرشح للمنصب الأعلى في البلاد، كان أولهم وزير الخارجية السابق "توشيميتسو موتيغي"، غير أن المنافسة انحصرت في نهاية المطاف بين شخصيتين هما: السيدة القومية المتشددة "ساناي تاكائيتشي" (64 سنة) والسياسي المعتدل الشاب شينجيرو كويزومي (44 عاما)، وبمعنى آخر كان الإختيار بين أول سيدة لتولي قيادة الحزب والحكومة، التي ظلت حكرا على الرجال طوال تاريخ اليابان السياسي، وبين أصغر سياسي لتولي المنصبين منذ نحو 140. هذا علما بان كويزومي، على الرغم من صغر سنه نسبيا، فإنه يتمتع بخبرة سياسية رفيعة وموقع حزبي بارز كونه وريث سلالة سياسية عريقة (والده هو جونيتشيرو كويزومي رئيس الوزراء من 2001 إلى 2006، وجده هو جونيا كويزومي المدير العام الأسبق لوكالة الدفاع اليابانية، وجده الأكبر هو ماتاجيرو كويزومي أحد وزراء البريد والإتصالات السابقين).

على الرغم من أن معظم استطلاعات الرأي رجحت فوز كويزومي، إلا أن الفوز كان من نصيب السيدة تاكائيتشي، التي تدخل التاريخ اليوم كأول إمرأة تقود اليابان في تاريخها، وتتحمل إدارة رابع أكبر اقتصاد في العالم، بخلفية محافظة، ورؤى اقتصادية نابعة من نهج رئيس الوزراء الراحل "شينزو أبي" القائم على التحفيز المالي والسياسة النقدية المرنة. وهناك شبه اجماع على أن مهمتها لن تكون سهلة كون المسؤوليات الملقاة على عاتقها تتطلب سياسة خارجية مرنه من أجل الحفاظ على موقع طوكيو في التحالفات الغربية وبصورة يعزز حضورها الدولي ودورها الاقليمي في آسيا، ويمنحها في الوقت نفسه القدرة على مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية الراهنة، خصوصا وإننا نتحدث عن بيئة عالمية تتفاقم فيها التوترات من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، وبيئة اقليمية تشهد منافسات ومناورات وخطط للهيمنة من قبل الصين وكوريا الشمالية.

وفي راينا ورأي العديد من المراقبين أن زعيمة اليابان الجديدة عازمة على أن تثبت لليابانيين أن المرأة اليابانية قادرة على قيادة البلاد بصورة أفضل من الرجال، وبالتالي فإنها سوف تعمل بقوة من أجل ترجمة وعودها إلى أفعال. وتشتمل وعودها على: استعادة هيبة اليابان، وإطلاق آلية جديدة للخصومات الضريبية النقدية لدعم الفئات الأقل دخلا، ومقاومة قرارات البنك المركزي برفع أسعار الفائدة (لأنها تخنق النمو وتعرقل التصدير، بحسب رؤيتها)، وتخفيض الضريبة المؤقتة على الوقود، والتشدد مع الصين وكوريا الشمالية، وتعزيز القدرات العسكرية للبلاد ضمن تحالفها الاستراتيجي مع واشنطن، وتمتين التعاون الإقليمي مع سيئول ومانيلا ونيودلهي لموازنة النفوذ الصيني في المحيطين الهندي والهادي، والحفاظ على الهوية والخصوصية اليابانية عبر تبني مواقف متشددة من الهجرة والعمالة الاجنبية اللتين كانتا علاجا للشيخوخة المتسارعة للسكان.

وفي رأينا أيضا أن تاكائيتشي، ستدخل نفسها وبلادها في توترات ومواجهات لا طائل من ورائها مع واشنطن إنْ قررت التفاوض مجددا مع إدارة الرئيس ترامب حول بنود اتفاقية التعرفة الجمركية التي أبرمها سلفها إيشيبا.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: أكتوبر 2025م


 


السبت، 4 أكتوبر 2025

سوريا وحزب الله في ندوة "الفلسفيّة الأردنيّة"

   



ـ إعداد وتقديم شوقي مسلماني. 

عقدت الجمعيّة الفلسفية الأردنيّة ندوة تحت عنوان "وجهان للمقاومة: جورج عبدالله وزياد الرحباني"، عرضتها قناة الفينيق الأردنيّة وحاضر فيها البرفسّور سعود قبيلات. وفي قسم الأسئلة والأجوبة، الغني أيضاً، سئل إذا كانت مواقف زياد الرحباني اليساري صحيحة في تأييده لحزب الله وسوريا، وكان جوابه كالآتي:

 "موقف زياد بخصوص حزب الله هو مثل موقفنا وموقف الكثير من الموجودين في هذه القاعة، ذلك لا يعني الإتّفاق إيديولوجيّاً. نحن مع أي مقاومه ضدّ إسرائيل، ضدّ هذا العدو. وقفنا مع حماس مثالاً، مع كتائب عزّ الدين القسّام. وقفنا من دون تردّد مع عزّ الدين القسّام ضدّ العدو الإسرائيلي رغم اختلافنا بالمنطلقات الإيديولوجيّة. وهذا ما ينطبق على زياد الرحباني. زياد بالوقت اللي كان داعم قوي للمقاومة كان عنده نقد للمقاومة، حكى ذلك في التلفزيونات. كانت له ملاحظات. وهو انتقَد حزب الله وكان له عتب. وبالنسبة لسوريا أيضاً كان موقفه إيّاه موقفنا. نحنا كنّا شايفين المخاطر من وراء هذا الصراع الداير في سوريا واللي كنّا نحكيه وقاعد الآن يصير في سوريا، كنّا نقول: يا جماعة، ما يحصل في سوريا خطر على القضية الفلسطينية وخطر على الأردن وخطر على لبنان وخطر على العراق، الآن كلّ المنطقة مهدّدة، وهذا صار بسوريا. إسرائيل تمدّدت. سيطرت على جبل الشيخ كاملاً وهي تتمدّد، ويمكن ستصل للحدود العراقيّة. هل هذا اللّي كنّا نسعى إليه؟. هل القضيّة هي قضيّة مناكفة؟. هل القضيّة قضيّة ثارات؟. أنا دائماً أقدّر تقديراً عالياً موقف صديقنا الراحل مجلّي نصراوين اللّي انحبس 22 سنة في السجون السوريّة، ولمّا صارت هذه الحرب وقف الموقف المبدئي والشجاع. ما قعد وقال هدولي سجنوني وشو عملوا بي. بالنسبة له الأهم كانت سوريا، الأهم له سوريا، لبنان، الأردن، فلسطين. الآن حماس تقاتل بغزّة، والآن الوحوش اللي في لبنان وخارج لبنان بدهم يتناهشوا حزب الله. يعني حزب الله في وضع صعب، وويله أنّه يمكن الجولاني يهجم من الشرق ومن الشمال والإسرائيليّون يهجموا من الجنوب، ويوجد في الداخل سمير جعجع، وهذا كان حليفاً لإسرائيل وما يزال، وتوجد الكتائب وغيرها، ويوجد أمثال نوّاف سلام رئيس الحكومة وغيره وغيره. وضعيّة حزب الله في لبنان سيّئة جداً. سابقاً كان له حليف سوري أو شبه حليف سوري، سواء يُعتمَد عليه أو لايعتمَد عليه، كان أقلّه مقفِلاً زاوية. الآن وضع الحزب صعب. أي إنسان عنده منطق وتفكير سليم يرى هذا الذي كنّا نقوله وها نحن قد وصلنا إليه. الآن وصلنا للأسوأ. أنا ما كنت أتخيّل، رغم أني كنت أتخيّل وضعاً سيّئاً سنصل إليه، بس ما كنت أتخيّل مثلاً انه سيصل الأمر إنّ الموساد في دمشق إلى جانب المخابرات التركيّة. طلال ناجي استدرجوه من القاهرة بواسطة أحدهم، ولن أسمّيه، وهو أحد القادة المحسوبين على حماس، ولكن هو من الجناح الآخر في حماس، استدرجوه وقالوا له أن يرجع إلى دمشق فما عليه شيء، رجع طلال ناجي إلى دمشق، وأوّل ما وصل اعتُقل، ووجد ذاته يحقّق معه الموساد الإسرائيلي في العاصمة دمشق،  لماذا استدرجوه إلى دمشق؟، لأنّه لمّا سيطرت جماعة الجولاني على مراكز المخابرات السوريّة أخذوا كلّ الوثائق واكتشفوا أنّ جنديّاً إسرائيلياً كان قد قُتل ودُفِن في سوريا ويوجد إثنان فقط يعرفان أين هو مدفون، وهما علي دوبا، وهذا مات، وطلال ناجي. استقدموا طلال ناجي من القاهرة ليحقّق معه الموساد. ومع الأسف الرجل أخيراً دلّهم على المكان، فأخذوا جثّة الجندي واحتفل نتنياهو وعمل أنه حقّق إنتصاراً وأنّه بطل ومحقّق أمجاد لإسرائيل وقال ها أنا استرجعت الجندي الإسرائيلي من دمشق. ما كنت أتخيّل أن كلّ متعلّقات الجاسوس كوهين ووثائقه يتمّ تسليمها لإسرائيل ويحتفل نتنياهو أيضاً. ما كنت أتخيّل اللي سيأتي حاكماً أن يقول نحن وإسرائيل لنا أعداء مشتركون. هذا وضع كابوسي اللي وصلنا إليه. لذلك كان الموقف الذي وقفه زياد ووقفه آخرون،  ونحن منهم، وكذلك أغلبيّة الموجودين في هذه القاعة، إذا مش كلّهم، هو الموقف الصحيح. المفروض على كلّ من أخذ موقفاً ممّا حصل في سوريا أن يقول إذا أخطأ أو إذا أصاب، إلاّ إذا هذا كان يريد مصلحة إسرائيل، يعني ما عنده مشكلة أن تهيمن إسرائيل على المنطقة، أما إذا كان ضد إسرائيل مثلنا يجب أن يقول أنّه كان مخطئاً بتأييد الذي حصل في سوريا، ما كان لازم يأخذ الموقف الذي اتّخذه. زملائي يعرفون أني في رابطة الكتّاب وفي اتحاد الكتّاب العرب طالما دافعت عن الحريّات وكتبت المقالات للإتّحاد عن الحريّات. كانت الإجتماعات كلّ 6 أشهر في عاصمة عربيّة. كانوا يكلّفوني لأكتب في موضوع الحريّات، كنت أصرّ على معالجة قضايا الحريّات في كلّ البلدان العربيّة بما فيها سوريا، وكنت أتمشكل أنا ورئيس اتحاد الكتّاب السوريين ورئيس إتّحاد الكتاب الليبيين والسودانيين، كنت أتمشكل معهم، وفي تونس صار بيني وبينهم مشادّة وقلت إذا لا تكتبون عن الحريات كما يجب سأفضحكم كلّكم، والكتّاب العرب المعروفون شهود، وبعضهم لا يزال حيّاً. كنت على خصومه معهم،  لكن لمّا وقعت سوريا ما قعدت أتفرّج، زي لمّا وقعت العراق ما قعدت أتفرّج. كان صدّام حسين على عداوة مع الشيوعيين، وكثير من الشيوعيين، بما فيهم رفاق يعزّون عليّ وأعرفهم معرفة شخصيّة تمّ إعدامهم، بس لمّا العراق استُهدف من أميركا وقفتُ وآخرين بلا تردّد مع العراق ضدّ العدوان الأميركي، فالذي بوصلته العداء للإمبراليّة، للصهيونية، للرجعيّة، ما بيضيّع البوصلة، ما بيوقف مع الرجعيّة، مع الإمبرياليّة، مع الصهيونيّة، بذات الخندق، ما بيكون معهم في خندق واحد. موقف زياد الرحباني كان صحيحاً. نعم هُوْجِم زياد، بس هو كان الصحّ. سينصفه التاريخ، سيقول التاريخ إن هذا الإنسان وآخرين وقفوا الموقف الصحيح ودافعوا. الثورة الجزائرية كان فيها جناح متديّن ومغرق في التديّن لدرجة كان يعدم الشيوعيين واليساريين المنخرطين في النضال وعلى الرغم ظلّت عين الطاهر وطّار على حريّة الجزائر. والمناضل، وخصوصاً الشيوعي، يجب أن تكون بوصلته واضحة ضدّ الإمبرايالية، ضدّ الصهيونيّة، ضدّ الرجعيّة. هذه بوصلة الشيوعي تحديداً، لا يسأل هذا متديّن وهذا غير متديّن، يسأل هذا أين يقف؟. ومثلاً إيران بعد الثورة ظلمت الشيوعيين وعذّبت المناضل الشيوعي كيانوري الذي قبع في سجون الشاه أكثر من 30 سنة، نحن لا نتعامل على اساس ثارات قبليّة أو ثارات بدائيّة،  نحن عندنا قضيّة، عندنا موقف. نحن مع إيران في صراعها مع الإمبرياليّة والصهيونيّة، نحن مع هذا الطرف الذي يقف الموقف الصح في هذه اللّحظة، وإذا موقفه مش صح  نحن لسنا معه، كان من يكون، هكذا عندنا تُقاس الأمور. 


ـ "سعود قبيلات" قاص وكاتب سياسي يساري. أمين عام الحزب الشيوعي الأردني منذ عام 2023. رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين والنائب الأوّل للأمين العام للاتّحاد العام للأدباء والكتّاب العرب.  

ـ "مجلّي نصراوين" مناضل أردني قومي تقدّمي، قبع في السجون السورية لمدة امتدّت 22 سنة دون محاكمة أو تهمة واضحة. حين خرج من السجن عام 1993 أكمل مسيرته الوطنية في الأردنّ متمسّكاً بمبادئه وبفكرته القوميّة ولم يساوم على قناعاته. شارك في العديد من الأنشطة الوطنية، وأصبح رئيساً لمنتدى الفكرة الاشتراكي، ثم عضوًاً في جمعية الصداقة الأردنيّة الفنزويليّة، بالإضافة إلى دوره البارز في تجمّع القُوى القوميّة، وكان دائماً في مقدّمة المدافعين عن القضيّة الفلسطينيّة وحقوق الشعب السوري في مواجهة التدخّلات الأجنبيّة. 

ـ "طلال ناجي" هو الأمين العام للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين ـ القيادة العامّة. انشقّ مع أحمد جبريل عن الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين بقيادة جورج حبش سنة 1974. أصبح عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة ورئيسا لدائرة التربية والتعليم العالي فيها.  

ـ "علي دوبا" رئيس جهاز الإستخبارات العسكرية السوريّة في عهد حافظ الأسد. رافق الأسد الأب في مشواره بالصعود إلى السلطة منذ البدايات. ساهم في حماية النظام السوري منذ تسلّمَ البعث الحكم في انقلاب آذار عام 1963 و"الحركة التصحيحة" عام 1970. لعب دوراً أساسياًّ في التمكين لحكم حافظ الأسد خصوصاً في الفترة الأولى من الحكم، وفي فترة محاولة إنقلاب شقيقه رفعت الأسد. توفي سنة 2023 عن عمر ناهز التسعين عامًا. 

ـ "الطاهر وطّار" كاتب وروائي جزائري شهير. أسّس أسبوعية الشعب الثقافي التي كانت منبراً للمثقفين اليساريين وله العديد من الروايات التي أكسبته شهرة في العالم العربي. من مواليد 1936. توفي سنة 2010. 

ـ  "نور الدين كيانوري" أمين عام حزب حزب توده الإيراني وحفيد رجل الدين المعروف فضل الله نوري. هو وحزبه كانا من أكبر المؤثّرين في الثورة الإيرانيّة على الشاه، وصار اختلاف بعد نجاح الثورة حول أسلوب الحكم. تمّ اعتقاله بتهمة "الدعاية للثقافة الماديّة الماركسيّة". أُُعدِم العديد من رفاقه فيما نجا هو بتدخّل شخصي من آية الله الخميني. رسالته إلى السيّد على خامنئي شهيرة. مات في الإقامة الجبريّة سنة 1999. 


الخميس، 2 أكتوبر 2025

عن ظاهرة استقالة الحكومات في اليابان


 

بقلم: د. عبدالله المدني*

فاجأ رئيس الحكومة اليابانية شيغيرو إيشيبا العالم في السابع من سبتمبر الجاري استقالته من منصبه كزعيم لرابع أكبر إقتصاد في العالم، هو الذي لم يمض سوى أقل من عام في السلطة (تولى زعامة اليابان في العام الماضي خلفا لزميله "فوميو كيشيدا" بعد مرحلة من الاضطراب تلت اغتيال رئيس الوزراء الأسبق "شينزو أبي").

وجاءت استقالته وسط خلافات عاصفة داخل حزبه الحاكم (الحزب الليبرالي الديمقراطي، الذي هيمن على الساحة السياسية وأدار وقاد البلاد خلال معظم سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية باستثناء فترات قصيرة جدا) حول سياسات الحكومة الاقتصادية، واتفاقية التعريفات الجمركية التي أبرمها إيشيبا مع الإدارة الأمريكية (توصل الجانبان بصعوبة وبعد مفاوضات طويلة إلى اتفاق تخفض واشنطن بموجبها رسومها الجمركية على المنتجات اليابانية مقابل تعهد طوكيو باستثمار مبلغ 550 مليار دولار في الولايات المتحدة الامريكية). هذا ناهيك عن أسباب أخرى مثل تذمر وغضب الناخبين من التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة والتباطؤ الاقتصادي وعجز الحكومة عن تقديم حلول سريعة، والذي ظهر جليا في خسارة الحزب الحاكم لأغلبيته في مجلسي البرلمان.

كانت اليابان في الشرق، وإيطاليا في الغرب أوضح مثالين على عدم الاستقرار السياسي، بمعنى تغير حكومات البلدين وزعمائهما باستمرار وخلال مدد زمنية متقاربة. ولئن كانت الإستقالات في المثال الإيطالي بسبب تشرذم الأحزاب السياسية وكثرتها وقيامها بمماحكات وتغيير تحالفاتها بين عشية وضحاها من أجل نصيب في كعكة السلطة، فإن الإستقالات في المثال الياباني ظاهرة اخلاقية عميقة الجذور في المجتمع، ونابعة من "ثقافة الاعتذار" ومبدأ الإعتراف بالفشل وتحمل كامل المسؤولية عن أي إخفاق ولو كان صغيرا بمعايير العالم الثالث. وهناك أمر آخر جدير بالملاحظة هو أن تغيير الحكومات في اليابان لا يعني تبدلا كبيرا في النهج السياسي أو انهيارا في النظام أو تراجعا في الأداء. فالبيروقراطية اليابانية المنضبطة تقوم دوما ــ وفق عقد اجتماعي معروف ــ بدور رئيسي في ضمان استمرارية السياسات الأساسية بغض النظر عمن يحكم البلاد.

وتقول قائمة زعماء الحكومات التي تشكلت في اليابان منذ الحرب العالمية الثانية أن أطولهم بقاء في السلطة كان "شينزو أبي" الذي خدم لثماني سنوات على فترتين، وأقصرهم خدمة هو "ناروهيكو هيغاشيكوني" الذي لم يستمر سوى 45 يوما.

لكن ما هي تداعيات هذا الحدث الياباني داخليا وخارجيا؟ 

داخليا قد يؤدي استقالة إيشيبا إلى شلل مؤقت تزداد معه معاناة الاقتصاد الذي يشكو أصلا من رسوم ترامب الجمركية، ومن التضخم والتباطؤ. وللحيلولة دون ذلك وجه إيشيبا حزبه إلى الإسراع في إجراء انتخابات داخلية طارئة لإختيار بديل عنه، علما بأن أبرز الشخصيات المرشحة لخلافته في قيادة البلاد هما: العضوة المخضرمة في الحزب الحاكم "ساناي تكايتشي" المعجبة بالزعيمة البريطانية الراحلة مارغريت تاتشر، والمعروفة بمعارضتها لرفع أسعار الفائدة وتأييدها لسياسات مالية أكثر مرونة، وإبن رئيس الوزراء الأسبق ووزير الزراعة في حكومة إيشيبا المستقيلة "شينجيرو كويزومي" الذي يعتبر نجما سياسيا صاعدا وعلى قدر وازن من النشاط والكفاءة.

غير أن هناك من يقول أنه على ضوء عدم تمتع الحزب الليبرالي حاليا بأغلبية برلمانية مريحة، فقد تؤول زعامة اليابان إلى شخصية من خارجه، لكن أيا تكن هذه الشخصية فإنها لا تملك سوى الدعوة إلى إجراء انتخابات عامة مبكرة، وهي عملية لا يحبذها أغلبية الناخبين حاليا (نحو 55%)، طبقا لإستطلاعات الرأي، بل لا نعتقد أنها فكرة جيدة، لأنها قد تؤدي إلى تراجع أكبر لنفوذ الحزب الليبرالي وشريكه "حزب كوميتو" الصغير لصالح بروز وتنامي قوة بعض الأحزاب الشعبوية والمتطرفة مثل "حزب سانسيتو" القومي المناهض للهجرة، و"حزب ريوا شينسينغومي" اليساري، على غرار ما حصل في ديمقراطيات أوروبية.

خارجيا، لاشك أن لحدوث فراغ أو شلل سياسي في اليابان انعكاسات أبعد من حدودها، كونها رابع أكبر اقتصاد في العالم وقوة صناعية وتكنولوجية معتبرة ودولة حليفة للولايات المتحدة وصاحبة موقع في النظام الدولي. وتنبع المخاوف تحديدا من احتمال أن تؤدي الخلافات داخل الحزب الليبرالي أو بينه وبين خصومه إلى سياسات أكثر تشددا ضد الصين والكوريتين، وبما يفاقم التوترات الحالية في منطقة الشرق الأقصى.

ونختتم بالقول أن الحزب الليبرالي الديمقراطي، في مرحلة ما بعد إيشيبا، أمام منعطف خطير، يستلزم منه التجديد والتغيير والتكيف مع واقع سياسي جديد، كي يبقى محافظا على دوره التاريخي في ضمان استقرار اليابان واستمرارية نظامها الديمقراطي وسياساتها الرزينة.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: سبتمبر 2025م

 




نيبال تقتفي أثر سريلانكا وبنغلاديش وتنتفض

 

بقلم: د. عبدالله المدني*

على غرار ما حدث في سريلانكا في عام 2022، حينما انتفض شعبها وأحزابها المعارضة وشبابها ضد الحكومة لفسادها وسوء ادارتها الإقتصادية للبلاد، فخرج الأمر عن السيطرة، وهرب رئيس البلاد، واقتحم المتظاهرون البرلمان والقصر الرئاسي، وعلى غرار ما حدث في بنغلاديش العام الماضي من احتجاجات جماهيرية واسعة أدت إلى استقالة رئيسة الحكومة ومغادرتها البلاد، شهدت النيبال مؤخرا شيئا مشابها بقيادة من أطلقوا على أنفسهم "جيل زد" أو Gen-Z وهم مجموعة شبابية قررت التظاهر في العاصمة كاتمندو ضد حكومة رئيس الوزراء "شارما أولي" (يتزعم الحزب الماركسي النيبالي الموحد، وانتخب رئيسا للحكومة في 15 يوليو من العام الماضي بدعم من حزب المؤتمر وغيره من الأحزاب المشاركة في البرلمان)، متهمة إياها بمحاولة إسكات الطلبة وشباب الجامعات والتضييق على حرياتهم، وذلك في إشارة إلى قرار الحكومة بحظر 26 منصة من منصات التواصل الاجتماعي المعروفة مثل فيسبوك وإكس ويوتيوب وواتساب وانستغرام، بحجة "إعادة تنظيم الفضاء الرقمي".

وسرعان ما تطور الأمر، بعد مقتل 19 متظاهرا ووقوع مئات الإصابات على يد قوات الأمن، فشملت التظاهرات والاحتجاجات مختلف فئات الشعب بمختلف المدن، وتحولت المطالب من رفع الحظر عن وسائل التواصل إلى اجتثاث الفساد ومحاسية رموزه، ثم أخذ المشهد بعدا أخطر بقيام المحتجين بحرق البرلمان والمجمع الحكومي المعروف باسم "سينغا دربار" واشعال حرائق في ميادين العاصمة، وهو ما اضطر معه رئيس الوزراء إلى تقديم استقالته، بعد تحمل وزير الداخلية للمسئولية الاخلاقية واستقالته، ليتبعهما عدد من الوزراء وكبار المسؤولين، وليعلن الجيش استلامه زمام الأمور مؤقتا.

بحكم موقعها الجغرافي الصعب بين الهند والصين، وفقرها وقلة مواردها، تعيش نيبال في عزلة، ونادرا ما تشغل نفسها  بالأحداث والأزمات الدولية والاقليمية. وعليه لم تستقطب اهتمام العالم إلا في مرات قليلة، منها في عام 2001 حينما شهد قصرها الملكي مجزرة دموية جماعية راح ضحيتها الملك بيراندرا وزوجته الملكة وعشرة آخرين من أفراد الأسرة المالكة، على يد ولي العهد. ومنها في عام 2008 حينما ألغت جمعية تأسيسية منتخبة النظام الملكي الذي دام حوالي 240 عاما لصالح قيام نظام جمهوري فيدرالي علماني. ومنها في عام 2006، حينما تم التوصل إلى اتفاق سلام بين الحكومة والمتمردين الماويين المدعومين من الصين.  وها هي تعود اليوم إلى الأضواء لسبب مختلف عنوانه العريض "انتفاضة الشعب ضد الفساد والمحسوبية".

وعلى خلاف ما جرى في سريلانكا وبنغلاديش من احتجاجات فوضوية، تميز احتجاج النيباليين بدرجة عالية من التنظيم، إذ شكل المتظاهرون سلاسل بشرية لحماية المنشآت الحكومية والعسكرية، مؤكدين بذلك أنهم ضد الفساد السياسي وليس ضد مؤسسات الدولة وهياكلها. كما أنهم إلتزموا برفع العلم الوطني دون أي أعلام أجنبية أو فئوية أو حزبية.

بهذه التطورات باتت نيبال في حالة عدم يقين، وبات مستقبلها السياسي مفتوحا للنقاش، كما أن قواها الناشطة دشنت حقبة جديدة من النشاط المدني مختلفة تماما عن التحركات السابقة التي هيمنت عليها فصائل سياسية معينة أو جماعات عمالية قديمة، أو قادة حزبيون متطرفون. فالتحركات الجديدة يقودها شباب متعلم يعرف كيفية استغلال وسائل السوشيال ميديا في إيصال رسالته، وفضح تجاوزات النخب السياسية واستئثار عائلاتهم وأقربائهم بثروات البلاد المتواضعة، وهو ما ساعد "جيل زد" في تشكيل وإدارة حملة استياء لدى الرأي العام ضد حكومة "شارما أولي"، خصوصا بعدما تصدت الأخيرة للاحتجاجات بحملة قمع شملت استخدام الذخيرة الحية والرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع ومنع التجول، قبل أن تكتشف الحكومة نفسها عبثية المواجهة وتلغي قراراتها حول منع وسائل التواصل الاجتماعي، أملا في تهدئة المحتجين الذين وجدوها فرصة لرفع سقف مطالبهم.

والحقيقة أن ما جرى حتى الآن في سريلانكا وينغلاديش ونيبال يؤكد جملة من الأمور المترابطة، أولها أن وعود الإصلاح التي تطلقها الحكومات المنتخبة دون أن تنفذها سريعا تؤدي إلى خيبات أمل لدى الجماهير، فتنتفض ضدها، وثانيها أن تمكين المواطنين رقميا بات إحدى وسائل تحدي وفضح ممارسات النخب السياسية، وتعبئة الجماهير وإدارتها، بل وتوثيق أي انتهاكات سلطوية غير إنسانية. وثالثها أن الشباب هم الوقود الأقوى لأي تحرك ضد اخفاقات الحكومة واستشراء الفساد والممارسات غير الدستورية، وأنهم باتوا ــ بفضل تمكنهم من الرقابة الرقمية ــ قادرين على ممارسة تأثير على السلطة. وأخيرا فإن وسائل التواصل والاتصال الرقمية الحديثة صارت قوة فاعلة وضاغطة في المشهد السياسي في عموم منطقة جنوب آسيا.

ونختتم بالقول أن ما حدث في نيبال مؤخرا ليس الأول من نوعه. فمنذ إلغاء الملكية، تعيش البلاد حالة عدم استقرار سياسي، بدليل أنها جربت 16 حكومة تزعمها نفس الساسة الثلاثة: "شارما أولي" و"بوشبا كمال دال" و"شير بهادور ديوبا.




د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: سبتمبر 2025م

 


الأربعاء، 10 سبتمبر 2025

تايلاند .. أزمات سياسية متلاحقة لا تنتهي


 

بقلم: د. عبدالله المدني*

لاتكاد أزمة سياسية في تايلاند تنتهي إلا وتنشأ محلها ازمة سياسية جديدة، وكأنما حكم على هذه المملكة الدستورية ألا تعيش استقرارا سياسيا طويلا. فخلال الأعوام القليلة الماضية وقعت عدة انقلابات عسكرية وتغيرت عدة حكومات وظهرت وجوه قيادية جديدة واختفت أخرى، بينما ظل شخص واحد يدير اللعبة من وراء الكواليس ويناكف الجيش وقادته والنظام الملكي والحرس القديم، تارة من داخل البلاد وتارة أخرى من منافيه القريبة او البعيدة. هذا الشخص هو رئيس الوزراء الأسبق ورجل الأمن والشرطة القديم المليونير تاكسين شيناواترا، الذي يريد تغيير ما لا يمكن تغييره وهو النظام الملكي ودور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية.

في نهاية شهر أغسطس المنصرم اصدرت المحكمة الدستورية في بانكوك حكما بإعفاء رئيسة الحكومة "بايتونغتارن شيناواترا" من منصبها، بعد عام فقط من تنصيبها، بتهمة انتهاك كرامة البلاد والمعايير الاخلاقية في مكالمة هاتفية مسربة اجرتها في يونيو الفائت مع الزعيم الكمبودي المخضرم هون سين، لتصبح السيدة شيناواترا خامس رئيس حكومة يعزل من منصبه. 

وملخص القصة أن بايتونغتارن حاولت تهدئة التوترات والنزاعات الحدودية مع الجارة الكمبودية بإجراء مكالمة تصالحية مع نظيرها الكمبودي. في تلك المكالمة انتقدت قادة جيشها كسبب في اندلاع النزاع، لكنها انتقدت فنوم بنه أيضا لدورها في تأجيج الخلافات عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي. اعتبر هون سين ذلك الانتقاد بمثابة اهانة لنظامه الذي سبق وأن قدم المأوى والحماية لوالد رئيسة الحكومة (تاكسين شيناواترا)، وقام بتسريب المكالمة. هنا تحركت المحكمة الدستورية التايلاندية، بضغط من القادة العسكريين، في يوليو الفائت لمساءلة بايتونغتارن على تصرفها المحرج، كما برزت في الوقت نفسه دعوات برلمانية لعزلها، بل وانسحب حزب "بومجاي تاي" (الفخر التايلاندي) وهو أكبر شريك لحزبها (حزب بيوا تاي او "من أجل التايلانديين") من الائتلاف الحاكم، تاركا لها أغلبية ضئيلة في البرلمان.

جاء حكم المحكمة ضدها، والذي اتخذ بأغلبية سبعة قضاة من أصل تسعة، إلى تعزيز اعتقاد سائد مفاده أن السلطة القضائية في بانكوك تفرض رقابة شديدة على الأحزاب السياسية وقادتها المنتخبين، وتصدر دوما أحكاما قاسية ضد كل من يهدد النظام الملكي والقوى المحافظة المؤيدة له، بدليل أن المحكمة ذاتها حظرت في وقت سابق عمل 111 حزبا سياسيا، وعزلت جميع رؤساء الحكومات الذين مثلوا أمامها باستثناء الجنرال "برايوت تشان أوتشا" الذي قاد انقلاب 2008، ومن بينهم خمسة مرتبطون بتاكسين شيناواترا. ففي عام 2008 عزلت "ساماك سوندرافيج" بتهمة تقديم برنامج طبخ تلفزيوني وتقاضي أجر مقابل ذلك، ثم عزلت بعد أشهر خليفته "سومتشاي وونغساوات" بتهمة تزوير الانتخابات. وفي عام 2014 عزلت "ينجلوك شيناواترا" شقيقة تاكسين بتهمة إساءة استخدام سلطاتها عبر تعيينات غير قانونية. وفي العام الماضي عزلت "سريتا تافيسين" بتهمة تعيين وزير في الحكومة كان مدانا بالسجن. هذا ناهيك عن إصدار المحكمة حكما في عام 2019 بحل حزب " تاي راكسا تشارت" المرتبط بتاكسين بتهمة معاداة الملكية وترشيحه أميرة لمنصب رئيسة الوزراء، وحكما آخر في عام 2020 بحل حزب المستقبل الفائز في انتخابات 2019 بتهمة الحصول على قرض غير قانوني، وحكما ثالثا  في عام 2023 بحل "حزب التقدم إلى الأمام" بتهمة قيادة حملة لتعديل قانون العيب في الذات الملكية. 

وبقرار المحكمة الأخير، دخلت تايلاند مرحلة جديدة من عدم الإستقرار السياسي وسط فوضى برلمانية، وتراجع شعبية عائلة شيناواترا، ووجود قائمة محدودة من الشخصيات التي يمكن ان تتولى قيادة البلاد، الأمر الذي من شأنه أن يعقد مسألة إجراء انتخابات مبكرة قبل موعدها القانوني في منتصف عام 2027، كما ينص الدستور في مثل هذه الأحوال.

لكن يبدو أن شيناواترا الأب، الذي بالغ في تفاؤله بشأن تبرئة إبنته السياسية المبتدئة عديمة الخبرة، يعتزم البقاء في الحلبة السياسية وعدم الإستسلام، طارحا أسماء جديدة من أتباعه وحلفائه لخلافة إبنته، مثل السياسي العجوز المعتل صحيا "تشايكاسيم نيتيسيري"، أو إبنته الأخرى المنعزلة عن الأضواء " بينتونغتا" كي يقود أحدهما إئتلاف "بيوا تاي" المتذبذب ويواصل قيادة الأمة.

وصفت صحيفة "نيويورك تايمز" ما حدث بالمفارقة الدائمة في السياسة التايلاندي، مضيفة أن هذه البلاد تبدو ظاهريا "ملكية دستورية تجري إنتخابات دورية وتنافسية بمشاركة عالية من الناخبين من جيل الشباب الناشط سياسيا، لكنها عمليا تبدو مدينة بالفضل لمؤسسة غير منتخبة تضم الجيش والقضاء والعائلة المالكة والساسة المحافظين القدامى". وهذا صحيح بدليل أن تايلاند شهدت أكثر من 12 انقلابا على يد المؤسسة العسكرية، وبدعم من البلاط الملكي والحرس السياسي القديم، منذ انتهاء الملكية المطلقة عام 1932.

ونختتم بالقول أن هذه التطورات تلقي بظلال من الشك على استدامة اتفاق مصالحة يُعتقد أن شيناواترا الأب أبرمه مع البلاط الملكي للسماح له بالعودة إلى تايلاند من منفاه الاختياري بعد 15 عاما قضاها هاربا من حكم جنائي، مقابل خضوعه للتاج الملكي، والجدير بالذكر أنه بموجب اتفاق المصالحة هذا تم تخفيض الحكم عليه بالسجن من ثماني سنوات إلى سنة واحدة جراء عفو ملكي.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: سبتمبر 2025م