السبت، 11 يناير 2014

وليد جنبلاط من طرابلس

كلامُ الزعيم وليد جنبلاط عن طرابلس ليسَ المرّة الأولى التي يتخطّى بها الرجل حدود مقاطعته ليُطلّ على كامل مساحة الوطن، فالرجل الذي يعتبر الأكثر ثقافة واطّلاعا بين السياسيين ،حلّق مرّات كثيرات في الهمّ الوطني باسطاً قامته، تابعاً خطواتِ رجلٍ عظيم مرّ في تاريخنا يدعى كمال جنبلاط.
لكنّ الوليد فضحَ عن غير قصدٍ ضحالة السياسيّين الطرابلسيين وزراءَ ونواباً، المستغرقين في غيابهم وبعدهم عن مدينتهم في أهم الملمّات،وليس حدث إحراق مكتبة الأب سرّوج على فداحته إلا فصل آخر من فصول التجنّي والمتاجرة بمدينة أهملها الحكّام على مرّ الزمن وقايضها أبناؤها ببضعة مراكز في النيابة والوزارة حتى أتى عليها زمن يعوي فيه بعض السياسيين الذين يمارسون الذمّية السياسية والكيدية السياسية وتحذو حذوهم فرق المرتزقة،فيرمونها بالتطرّف والانغلاق والقاعدة وقندهار إلى ما هنالك في قاموس التفاهة الكلامية الذي تعلّموه من أسيادهم وجلّاديهم ،كلّ ذلك وفق منهج مرصود لدعم نظريات وافتراآت أسيادهم وجلّاديهم.
وليد جنبلاط تحسّس تفاصيل المدينة تاريخا قريبا وحاضرا،لكأنّه عاش فيها وتلمّس أماكنها...فحكى عن تعايشها وتلوّنها فسمّى شوارعها وصروحها التي تدل على حقيقتها بدءا بقصور كاستفليس  والنحاس ونوفل ذلك الطرابلسي الأريحي الذي قدّم لمدينته حديقة وسيعة ضخمة "الماشية" الشهيرة التي تقع أمام قصره الذي تحوّل الى منتدى ثقافي.
ومن شارع الراهبات الى شارع المطران حيث تقوم قلّاية الموارنة يفصل شارع بينها وبين كنيسة الموارنة الشهيرة ،الى شارع النيني حيث تقوم مستشفى النيني الشهيرة والتي أسّسها الطرابلسي المشهور الدكتور وهيب نيني والذي لا أملك أن أذكره مرة دون ذكر ابنه الدكتورنقولا وأترحّم عليه كثيرا وهو الذي حملني ولدا على ظهره من بيت أهلي الى المستشفى في نصف الليل وأنقذني من الموت.
وفي حي المدينة القديم حيث قامت مدارس الفرير والطليان والراهبات العازرية وحيث تحتشد الكنائس الثلاث للأورثوذكس والكاتوليك والموارنة،ومنها اتخذ شارع الكنايس اسمه،مرورا بالكنيسة المعمدانية في شارع الثقافة وكنيسة الأرمن،تجاورها قلّاية الروم الجديدة...دون ذكر الميناء وكنيسة مارجيورجيوس وكنيسة الملكيين الكاثوليكيين و البقية وهي كثيرة لا نذكر أسماءها كي لا نقع في التعداد...
كنائس ومدارس تتجاور مع المساجد الكثيرة والتكيّات والتي تشكّل فيها طرابلس ثاني المدن بعد القاهرة في الإرث المملوكي...
كل هذا الواقع عاش في طرابلس مع شخصيّات طرابلسية من أفاضل المدينة مسلمين ومسيحيين،ومع مشايخها المنفتحين وأدبائها وفقهائها وصوفييها وشعرائها ومفكّريها ويأتي في طليعتهم المطران الكبير الأديب جورج خضر كما أخذ المرحوم الشاعر سابا زريق وحده لقب شاعر طرابلس على امتداد عقودٍ طويلة.
هذه طرابلس التي نكبها الدهر كما نكب سائر المناطق والمدن،يأتيها في هذا الزمن الرديء من يستسهل بأمرها ويرميها بما تنضح به غرائزه من مسمّيات كقندهار وتورابورا وتكفيريين وقاعدة الى سائر ما ترشح به تلك النفوس النتنة في مزيجٍ غريبٍ من التبعيّة والوصوليّة والخوف الموهوم والشهيّة المفتوحة لنيل شعبويّة رخيصة عند العامة من ربعه....
لم يزلْ التحقيق قائما في قضية إحراق مكتبة الأب سرّوج وكلّنا أمل بأن يصل إلى الحقيقة من غير تسويف وتسييس ليعرف الناس إن كان الأمر حول نزاعٍ عقاري مالي أو مجرّد عملِ مهووسٍ جاهلٍ قد تكون قد دفعته بعض الجهات لارتكابه،وبكلّ حال يجب معاقبته وفق القانون لا وفق نظرية الشيخ سالم الرافعي الطوباوية والتي تدعو إلى مسامحته لحماسه،فأغلب الأعمال الوسخة تأتي بعد حماسةِ جهّالٍ يا شيخ سالم...وجهنمّ مبلّطة بالنوايا الحسنة.
يبقى لنا أن نشكر وليد جنبلاط لا لأنه فضح ادعاآت الكثيرين من سياسيي الزمن الماحل فحسب بل لأنّه فضح نواب ووزراء طرابلس النائمين عن هموم مدينتهم والهانئين في تمديدهم ،ولسنا بمستغربين أبدا فهذا هو أداؤهم مذ تولّوا مناصبهم ولكن يبقى السؤال الأهم :هل من مجتمع يحاسبهم؟؟تلك هي المأساة الكبرى في مدينة تهجّر معظم شبابها وفعالياتها ولم يبق فيها سوى القلّة المستكينة وآلاف مؤلّفة من الفقراء والعاطلين عن العمل،وليعلم الجميع أنّ الفقر المزمن يقود الى القهر وأن القهر اذا امتزج مع الجهل وبعض العوارض الغيبية تحوّل الى مادة متفجّرة تطالنا جميعا.
حسين الجسر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق