المصدر: "النهار"
في ختام عهده، ختم الرئيس ميشال سليمان جرح التهجير النازف في بريح منذ 37 عاما، يوم استشهاد كمال جنبلاط في 16 آذار 1977 . وها هو اليوم يضع حجر الاساس لاعادة اعمار كنيستي مار جرجس، ومار الياس ، ويدشن " بيت الضيعة" .
وفي احتفال كبير في بريح حضره رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ووزيرة المهجرين اليس شبطيني وحشد من النواب والشخصيات واهالي بريح والمنطقة، القى الرئيس سليمان كلمة توجه فيها الى الحاضرين وابناء بريح الأصيلين، عائدين ومقيمين، بالقول: "بعد واحدٍ وثلاثين عاماً من الانقسام والفرقة، والتهجير والهجرة، حلَّت لحظة اللقاء. لقد كنّا طوال سنواتٍ نتعامل جميعاً مع أمنية، وها نحن اليوم، أمام حقيقةٍ ناصعة. فأصحاب العقل والحكمة، يلتقون أَهل المحبَّة والالفة. انه لقاء وحدة الجبل والبقاء، كما وصفه وليد بك جنبلاط، في لقاء اللجنة المشتركة من المقيمين والعائدين، التي رعيناها في قاعة المحكمة في قصر بيت الدين المقر الرئاسي الصيفي في العام 2010 . انَّه لقاء الوفاء والمصالحة، لقاء للتاريخ المشترك، والتأكيد على المستقبل الواعد.
لقد كانت بلدتكم في المحنة السابقة، مسرحاً لحروبٍ اكبر منها، كما الجبل وكلّ لبنان، اذ تبارز الشرق والغرب، والشقيق والعدو، مستبيحين الارض والبيوت، ومستغلّين القضايا والهواجس، ومتلاعبين بالدماء والارواح، في صراعات محاور اقليمية ودولية، حول النفوذ الدولي، واسقاط اتفاقات الصلح المنفرد مع العدو، واستخدام الارض اللبنانية ساحة حربٍ بالوكالة، بديلاً من الساحات الداخلية. والادهى، أنَّ اللبنانيين، ومنذ اقحامهم في سياق المسألة الشرقية والفتن المتعاقبة، كانوا دوماً الضحيّة في ثوب الجلاَّد، والمقتول عن الآخرين في دور المقاتل لقضيّته، والمقدَّم للنحّر في شكلِ المتقدِّم بحماس للانتحار.
إنَّ تجربة المحن السابقة، اكدَّت ما نحن بصددِ التشديد عليه كلَّ يوم، وهو ضرورة الابتعاد عن صراعات المحاور الخارجية، والاقلاع عن وهم الاستعانة بالخارج لاستعادةِ دور، او تحقيق غلبة في الداخل.
من هنا، وكعبرةٍ مستمَّدة من مآسي الماضي القريب والبعيد، اؤكدِّ التمسُّك بإعلان بعبدا،كاطارٍ وطني متوافق عليه، ووثيقة مؤيَّدةمن الامم المتحدة والجامعة العربية، لتحييد لبنان واللبنانيين، عن نزاعات المحاور الاقليمية والدولية.
هذا الاعلان المتمِّم للميثاق الوطني، من شأنِ الالتزام به، التخفيف من تأثير التحوّلات التاريخية، التي تعصف بمحيطنا العربي وخصوصاً سوريا، على وفاقنا وامننا السياسي والاقتصادي، والمساهمة في امتصاص التداعيات المتَّصلة، كأزمة النازحين والخسائر الاخرى، التي تجاوزت حتى الآن ثمانية مليارات دولار.
لقد تعاهد اطراف هيئة الحوار جميعاً، بالرضى التام، على هذا الاعلان. والوطن لا يقوم إِلا بما يتعاهد اهله عليه، بينما يتهدّده الخطر، عندما يُخلُّ احد الاطراف بالعهد من طرفٍ واحد.
لذلك، وحفاظاًعلى صحّة العقد الوطني وصفائه، ومن هذا المكان بالذات، اناشد بواجب العودة الى لبنان، والانسحاب من ساحات الجوار، تلافياً لانعكاساتٍ لاحقة على الجسم اللبناني، في وحدته ونسيجه وخياراته.
كذلك ادعو الجميع، الى تنفيذ مقررات الحوار كافة، الذي شارك في جلساته من دون انقطاع، رئيس اللقاء الديموقراطي الاستاذ وليد جنبلاط. وقد كان خير شريك لي، وداعم لمسيرتي الرئاسية طوال السنوات الست، وقد لعب دوراً كبيراً في التوافق على المواضيع الميثاقية كافة، وكان آخرها وابرزها، في جلسة الحوار الاخيرة، بتاريخ 5 ايار حسماً لما يتم تداوله عن مؤتمر تأسيسي، بالتأكيد على استكمال تطبيق الطائف مع المحافظة على"المناصفة في المجلس النيابي بالاضافة الى مجلس الشيوخ" وفقاً لما اعلنه رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري، ووافق عليه الحاضرون، ومن بينهم رئيس الحكومة الاستاذ تمام سلام، ورؤساء الحكومات السابقون. وقد كان لهذا القرار اهمية كبرى واستثنائية، لا تقل عن اهمية "اعلان بعبدا" الصادر عن هيئة الحوار بتاريخ 11/6/2012.
لقاء اليوم، يؤكد ثوابت، شكّل الخروج عنها استثناءً وكارثة، وتبني العودة اليها والتشبُّث بها،ملاذاً آمناً وضماناً للسلِّم الاهلي والاستقرار.إنَّ الدولة الواحدة، بجيشها الواحد، الذي يمسك وحده بالسلاح وعناصر القدرة من ضمن استراتيجية وطنية للدفاع، هي القادرة على الدفاع عن الوطن، وكسر الحواجز والمنعزلات والغيتوات الطائفية، وتجارب الامن الذاتي والادارات المدنية، والكفيلة بتأمين عودة المهجَّرين وحماية العيش المشترك الحرّ، المتعدِّد سياسياً وثقافياً ودينياً.
لكنَّ هذه الدولة العادلة والقادرة، لا تستطيع من دون ارادة المواطنين، ادارة تنوِّعهم واختلافاتهم ومصالحهم. فالعيش المشترك، لا يدلُّ الىصيغةٍ قانونية او دستورية مجرَّدة، ولكن الى قبول الاخر في العيش والحياة. هو ليس اتفاقاً بين جماعات وفق فلسفة توازن وحذر وخوف من اختلال موازين. انّه قبلذلك كله، لقاء الجماعات على الحاضر والمستقبل.
الشكر للجنة العودة ولرجال الدين الاجّلاء، وللأستاذ وليد جنبلاط وللأهالي من جميع الطوائف،ولكلِّ من ساهم في وزارة المهجّرين وخارجها على مدى سنواتٍ لإقفال هذا الجرح النازف منذ ثلاثة عقود. ولا بدّ في هذه المناسبة الجامعة، منالتوجه بالتحية الى راعي المصالحة التاريخية البطريرك نصرالله صفير، وخلفه الكاردينال بشارة الراعي، على امل اكمال ما تبقى من ملفات عودة قليلة في القريب العاجل.
وببركتكم وحضوركم اليوم صاحب الغبطة، بطريرك الشركة والمحبة، ينطلق ابناء الجبل،
نحو بناء مجد جديد وعهد جديد للبنان: مجد خير ومحبة، وعهد عطاء مشترك متجدد.
- معكم اليوم صاحب الغبطة، نعيد الى قلب الجبل، جبالاً من طمأنينة، تصنع وجداناً جديداً ومستقبل وطن، في سبيل انسان جديد في لبنان والشرق.
- معكم اليوم وابداً، في كل ما ترونه خيراً للبلاد ورفعة للوطن ووحدته، وفي كل خطوة، تهدف الى الدفاع عن مكوّنات المشرق وحضاراتها ومقدساتها،وتعزيز تفاعلها مع القضايا العربية.
إنَّ الاخلاص للوطن، يقتضي قبوله كما صنعه التاريخ. وفي التاريخ اوجاع كثيرة. لكنَّ الايمان ينمو بالوجع والمعاناة، والوجع يقيمنا في المسؤولية ويرفعنا الى القمم.
مبروك لكم معانقة حجارة البيوت وتراب الاجداد وطيف الذكريات. ومحبتي وتقديري لجميع من ساهموا في جعل هذه العودة ممكنة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق