المستقبل
في خطاب مقتضب، شامل في عناوينه وواضح في مقاصده ومراميه، وضع الرئيس سعد الحريري مساء أمس النقاط الوطنية فوق حروف الاستحقاقات الراهنة والداهمة على لبنان والمنطقة راسماً «خارطة طريق» سداسية الأولويات لحماية لبنان تغلّب كفّة «المصلحة الوطنية والاستقرار الوطني على أي مصالح أو ولاءات أخرى» وتتصدرها أولوية انتخاب رئيس جديد للجمهورية باعتبارها «تتقدم على أي مهمة وطنية أخرى» تليها أولويات تشكيل حكومة جديدة على صورة الحالية تتولى مواجهة الاستحقاقات، وانسحاب «حزب الله» من الحرب السورية، وإعداد خطة وطنية شاملة لمواجهة الإرهاب، والتوافق على خطة طوارئ رسمية لمواجهة أزمة النزوح السوري، وإجراء الانتخابات النيابية في مواعيدها وتجنّب أي شكلٍ من أشكال التمديد للمجلس النيابي.
الحريري، وفي كلمة متلفزة ألقاها خلال الإفطارات الرمضانية التي أقامها تيار «المستقبل» في مجمع «بيال» وسائر المناطق اللبنانية، إستهل خطابه بتحميل المجتمع الدولي المسؤولية الأخلاقية والإنسانية عن تغطية جرائم إسرائيل في ضوء عدم المبادرة إلى خطوات عملية توقف المجزرة الجارية ضد الشعب الفلسطيني، محذراً من أنّ ذلك سيقطع الأمل بكل مبادرات السلام ويفتح الطريق أمام موجات جديدة من العنف والتطرف وعدم الاستقرار.
وصارح اللبنانيين بأنه «سيكون من الصعوبة بمكان عزل لبنان وإقامة سياج سياسي وأمني واقتصادي يحميه من هبوب العواصف المحيطة خصوصا مع استمرار مشاركة «حزب الله» في الحرب السورية»، إلا أنه شدد في المقابل على «عدم الاستسلام لهذا الواقع» إنطلاقاً من المسؤولية الوطنية وإيماناً بأنّ اللبنانيين «لا يحتاجون معجزة لكي يؤمّنوا شروط الوقاية من الانهيارات القائمة حالياً في سوريا والعراق وفي غير مكان من العالم العربي».
وفي سياق تفنيده خريطة الطريق الواجب اتباعها لحماية لبنان، شدد الحريري على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية «اليوم قبل الغد» لأنّ ذلك يشكل المدخل إلى الانتخابات النيابية التي تعني من دون وجود رئيس جمهورية «حكومة مستقيلة ومجلس نواب من دون رئيس للمجلس» وبالتالي دخول لبنان «في سيناريو انهيار تام للدولة تريده جهات خارجية وداخلية»، منبهاً إلى أنّ «تعوّد اللبنانيين على غياب الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق الإسلامي والعربي هو الخطر الذي يتهدد موقع الرئاسة ويطعن في أساس الصيغة التي قام عليها لبنان». وأردف: «من هذا المنطلق كان انفتاحنا على القيادات المسيحية السياسية والروحية للتعاون على إيجاد الحلول»، محذراً من أنّ «أي محاولة للقفز فوق صيغة الوفاق الوطني واتفاق الطائف هي خطوة في المجهول لا تضيف إلى الواقع السياسي الراهن سوى المزيد من التعقيد والانقسام والفراغ».
وإذ لفت إلى أنّ تيار «المستقبل» في كل الحوارات التي أجراها أكد أن لا فيتو لديه على أحد، قال الحريري: «نحن عامل مساعد لانتخاب الرئيس، بينما العامل المقرر هو توافق المسيحيين على مرشح، ونحن نوافق عليه سلفاً من دون أي تحفّظ». وأضاف: «لم نعد نستطيع أن نتفرج على تعطيل دائم للنصاب بحجة غياب التوافق المسيحي، وسنبدأ مشاورات مع حلفائنا في 14 آذار وحوارات مع مختلف القوى السياسية خارج 14 آذار، عنوانها البحث عن أي طريقة لإنهاء حال الشغور في رئاسة الجمهورية وبأسرع وقت ممكن، لكي نتمكن من السير في الاستحقاقات الدستورية اللاحقة»، منبهاً في المقابل إلى أنّ «جعل رئاسة الجمهورية رهينة الانتظار لمتغيرات خارجية تراهن على إعادة تعويم النظام السوري هي ضرب من ضروب المغامرة بصيغة المشاركة الوطنية وبقواعد المناصفة التي كرسها اتفاق الطائف والتي لا نجد لها بديلاً، مهما تبدلت الظروف والمعادلات (...) لأنه أساس مفهومنا للبنان القائم على رفض التعداد الطائفي والمذهبي لمصلحة الشراكة والعيش الواحد».
وفي الملف الأمني، أعاد الحريري التأكيد أنّ «مشكلة الإرهاب هي مع جميع اللبنانيين من كل الطوائف والمناطق، وملاحقة الإرهاب مسؤولية الجميع تحت سقف الدولة وبأدواتها وأجهزتها». وحذر من أنه بخلاف ذلك «تتحول مواجهة الإرهاب إلى مواجهة مذهبية، طرفها الأول التنظيمات والخلايا التي تنتمي إلى «القاعدة» و»داعش» وغيرها من أوكار الإرهاب، وطرفها الثاني «حزب الله» الذي صار جزءاً لا يتجزأ من منظومة القتال في سوريا والدفاع عن نظام بشار الأسد الذي اختار أن يرمي شرّه على الآخرين وأن يؤدي اليمين لولايته الزائفة بصفته نيرون هذا العصر»، مطالباً «حزب الله» بأن يكون جزءاً من «مشروع وطني لبناني تقوده الدولة لمواجهة الإرهاب» وليس جزءاً من «مثلّث تقوده إيران وفيه دولة المالكي في العراق ودولة الأسد في سوريا»، لأنه يشكل بذلك «عبئاً كبيراً على لبنان وسلامة اللبنانيين» من مظاهره الأخيرة «القصف الجوي السوري للأراضي اللبنانية بذريعة إسناد المواجهات التي يخوضها الحزب في المناطق الحدودية».
الحريري شدد على أنّ «كل تنظيم يرمي بالشباب إلى التهلكة والتفجير هو بالنسبة لنا إرهاب وعدوّ للبنان»، ورفض في المقابل «أي كلام مشبوه عن وجود حاضنة للخلايا الإرهابية في الوسط السُنّي»، متطرقاً في هذا السياق إلى محاولات «تزوير إنجازات الخطة الأمنية وتصويرها على أنّها خطة موجهة ضدّ السُنّة في لبنان»، مع إبداء رفضه «التجاوزات التي تحصل من قبل بعض الأجهزة»، والتي أكد أنها قيد المعالجة، وأكد في هذا المجال وجوب محاسبة أي مسؤول يرتكب مثل هذه التجاوزات لأنه يسيء إلى الأجهزة الأمنية وعلاقة الناس بالدولة، متوجهاً إلى من يمارس الضغط للإفراج عن المرتكبين بأنه يفضح دوره في الارتكابات وقال: «هالمرة مش حا سمّي بس فهمكن كفاية، وفهم أهل طرابلس بشكل خاص كفاية وأكتر».
وفي معرض تجديده ربط النزاع مع «حزب الله» نبّه الحريري الحزب إلى أنّ انخراطه في الحرب السورية لإنقاذ نظام الأسد هو «مشروع مجنون يستدعي جنوناً مقابلاً على بلدنا، نشهده كل يوم على شكل إرهاب وانتحاريين وخوف وشلل اقتصادي وأزمات اجتماعية»، جازماً في ختام كلمته بأنّ «اللبنانيين لم ولن يسمحوا لأي مشروع مجنون بأن ينتصر على مشروع العقل، مشروع رفيق الحريري، مشروع الدولة والاعتدال والمناصفة والشراكة التامة بين كل اللبنانيين».
يوسف والجراح
في مستجدات النقاش السياسي الحاصل حول الملفات التشريعية، برز أمس المؤتمر الصحافي الذي عقده عضوا كتلة «المستقبل« النائبان غازي يوسف وجمال الجراح في مجلس النواب وتناولا خلاله السبل القانونية المتوافرة لصرف رواتب الموظفين. إذ كشف يوسف وجود «623 ملياراً في الخزينة اللبنانية مخصصة للرواتب والأجور وهو مبلغ يكفي لشهرين إضافيين»، لافتاً إلى أنّ وزير المالية علي حسن خليل دفع على مدى 7 أشهر «497 مليار ليرة أخذها من الرواتب والأجور لسداد غلاء المعيشة خلافاً للقانون». أما الجراح فذكّر بأنّ الانفاق كان يتم منذ العام 2005 بموجب سلفات خزينة «نتيجة إقفال المجلس النيابي وعدم إقرار موازنات بما فيها موازنة 2010»، وسأل: «لماذا الآن استيقظ البعض على عدم مخالفات القانون رغم ان هذه السلفات تقر في مجلس الوزراء مجتمعاً بينما وزير المال اتخذ قرارا منفرداً بالانفاق على غلاء المعيشة من بند الرواتب؟»، مضيفاً: «للانتهاء من الجدل السياسي، نحن نرفض الحلول الجزئية ونتطلع الى قوننة الانفاق وإلى قطع الحساب الذي طلبه وزير المال للعام 2012 وللسنوات الاخرى، كما نتطلع إلى أن يكون لدينا موازنة في 2014 كي يستقيم العمل المالي وأن تخضع هذه الحسابات لرقابة ديوان المحاسبة اللاحقة على كل الحسابات منذ 2005 حتى 2013 ولاحقا 2014«.
.. خليل يرد
ولاحقاً، رد الوزير علي حسن خليل على المؤتمر الصحافي للنائبين يوسف والجراح وقال في بيان: «التهويل وخلافه، أمر لن يثني وزير المالية عن الالتزام بالموقف القانوني أو يحمله على التراجع عنه»، متوعداً بـ«تبيان الحقائق أمام الرأي العام مطلع الأسبوع المقبل».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق