داوود كاريزاده
مراسل بي بي سي
أقيمت في أفغانستان مراسم تأبين لـ"فرخندة" المرأة التي قتلت بطريقة وحشية الشهر الماضي على يد مجموعة من الرجال بالقرب من ضريح في كابول بعد اتهامها زورا بحرق نسخة من القرآن.
وجاءت المراسم بعد مرور أربعين يوم على وفاة المرأة البالغة من العمر 27 عاما.
والسؤال هل يمكن أن تمثل هذه القضية نقطة تحول في أفغانستان؟
الضريح
يبعد مسجد شاه دو شامشيرا وضريحه خطوات من القصر الرئاسي والسوق الرئيسية في كابول.
وكان هذا الضريح موقعا يتجمع فيه الشباب والنساء اللاتي يبحثن بدورهن على حلول قد تساعدهن في حل مشكلاتهن.
فالكثيرون يأتون بحثا عن "حماة الضريح"، وهم رجال يبيعون أحجبة وتمائم يزعمون بأنها تساعد في حل المشكلات مثل عدم الانجاب أو قضايا الصحة والأسرة.
بعض هؤلاء تربطهم روابط أسرية منذ زمن طويل بالضريح الذي يعملون به، لكنهم لا يتمتعون بأي قدر من التعليم الديني ويعتمدون على تجارتهم من أجل المال.
لكن ضريح شاه دو شامشيرا أغلق منذ واقعة ضرب فرخندة التي دهست ثم أحرقت بعد ذلك.
وجاءت حادثة القتل الوحشي، التي صورها العديدون بهواتفهم المحمولة وتبادلوا مقاطعها على شبكات التواصل الاجتماعية، بعد مشاجرة دبت بين فرخندة وأحد حماة "الضريح" إذ تحدته المرأة ونهرته عن "ممارسة الخرافات".
وردا على ذلك، شاعت اتهامات ضد فرخندة بأنها أحرقت نسخة من القرآن وسرعان ما بدأ حشد من الرجال بالاعتداء عليها حتى الموت.
الأسرة
كانت فرخندة تدرس لتصبح معلمة دين. وقال والدها محمد نادر لبي بي سي إنها كانت مهتمة بالإسلام منذ طفولتها.
وقال "كانت تذهب إلى المسجد منذ أن كان عمرها سبع سنوات لتعلم القرآن وحفظته عن ظهر قلب. وكانت تحرص دوما على مساعدة الفقراء لاسيما النساء منهم".
لم تكن فرخندة قد ذهبت إلى الضريح سوى مرة واحدة عندما قررت الأسرة أن تتوقف هناك للصلاة قبل أسبوع من مقتلها.
وأضاف محمد نادر :"شاهدت فرخندة نساء يرتعشن من البرد، فذهبت في المرة التالية وأخذت معها سترة شتوية كي تعطيها لإحدى السيدات هناك، وكان ذلك في يوم الواقعة".
وقال شقيقها مجيب إن الأسرة لم تعلم شيئا عما وقع عندما ذهبوا إلى قسم شرطة كابول. وأضاف إنه قيل لهم إن فرخندة متهمة بحرق نسخة من القرآن وهي تخضع لتحقيقات.
وقال لبي بي سي:"اقترحت الشرطة علينا أن ندعي بأن فرخندة تعاني من مشكلة عقلية تجنبا لخروج الأمر عن نطاق السيطرة. كل ما أراده أبي هو أن يفرج عنها وأن يأخذها معه".
وقالت الأسرة إنه لم تمر ليلة إلا وقيل لهم إن فرخندة قتلت وينبغي لهم مغادرة كابول حرصا على سلامتهم. ومنذ ذلك الوقت تحولت حياة الأسرة وانقلبت رأسا على عقب.
وقال شقيقها :"لم يخرج أحد منا. لم نذهب إلى العمل، ولم يذهب أطفالنا إلى المدرسة".
وأضاف أن الأسرة تريد العدالة، وقال :"إذا تركنا الحادثة تذهب هباء، فسوف تقتل سيدة أخرى مثلما حدث لفرخندة."
الشرطة
انتقدت أسرة فرخندة الشرطة بشدة لعدم حمايتها ابنتهم. كما اتهم والدها الضباط بالوقوف دون تحرك إزاء مقتلها.
وأظهرت لقطات الفيديو للحادث أن رجال الشرطة حاولوا تشتيت الجموع وأطلقوا أعيرة نارية تحذيرية في الهواء.
لكن التحقيقات الرسمية قالت إن الشرطة فقدت السيطرة على الوضع ونصحت بضرورة تلقي رجالها تدريبات عاجلة وتحسين طرق الاتصال واتخاذ القرار.
كما أشارت التحقيقات إلى أن المشتبه بهم لم يلق القبض عليهم بسرعة كما ينبغي، الأمر الذي سمح بهروب بعضهم.
وألقي القبض على عدد من رجال الشرطة الذين كانوا في مكان واقعة قتل فرخندة.
وقال الجنرال زاهر زاهر، رئيس وحدة التحقيقات الجنائية بوزارة الداخلية، لبي بي سي إن 20 من رجال الشرطة أوقفوا عن العمل حاليا وهم قيد الاعتقال لحين صدور تعليمات من النيابة.
الاحتجاجات
وأعقب حادث القتل غير المسبوق احتجاجات غير مسبوقة.
وعندما دفنت فرخندة في 22 مارس /أ ذار، حملت ناشطات حقوقيات النعش، في خرق كامل للتقاليد التي تجعل من تلك المراسم قاصرة على الرجال دون النساء.
وبعد أيام نظم الآلاف احتجاجات في كابول ومدن أفغانية أخرى مطالبين بالعدالة.
وحمل بعض المحتجين لافتات ملصق عليها صورة وجه فرخندة الملطخ بالدماء، في حين طلى آخرون وجوههم باللون الأحمر.
كما نظمت تجمعات تضامنية في عدد من الدول من بينها الولايات المتحدة واستراليا وبريطانيا.
وندد رجال الدين بالقتل، في حين حذر آخرون من عدم استخدام القضية في الهجوم على الإسلام.
التحقيقات
وبعد تحقيقات استمرت 9 أيام، نشرت لجنة خاصة تشكلت بناء على أوامر من الرئيس الأفغاني أشرف غني نتائج تحقيقاتها.
وقالت إن عملية "القتل الوحشية" استغرقت 25 دقيقة.
وأضافت اللجنة أن الاتهامات المنسوبة لفرخندة وأنها أحرقت نسخة من القرآن لا أساس لها من الصحة وأنه لا يمكن أن ترتكب هذه الفعل نظرا لتعليمها الديني العالي ومعرفتها التفصيلية بالقرآن.
ولم تخلص اللجنة إلى تحديد الدافع الرئيسي وراء الهجوم، لكنها قالت إن فرخندة ربما شجعت مرتادي الضريح على عدم شراء الأحجبة، وهو ما أذكى حفيظة "حماة الضريح" ودفعهم إلى تلفيق الاتهامات.
ولم يصل التقرير إلى دليل يشير إلى تورط أي رجل دين في القتل. وقال التقرير :"جميع المشتبه بهم المقبوض عليهم أميون ولا يستطيعون قراءة القرآن".
ومازالت السلطات تبحث عن عدد من المشتبه بهم ورصدت جائزة بقيمة 1700 دولار لهذا الغرض.
ولم يحدد بعد تاريخ للمحاكمة.
القانون
ويناقش ناشطو حقوق المرأة والسياسيون والصحفيون ما إذا كان موت فرخندة يمكن أن يحدث أي تغيير يذكر.
وتحدثت رولا غني، سيدة أفغانستان الأولى، عن أملها في أن تكون تلك المأساة بمثابة نقطة تحول.
وقالت في كلمة أمام دبلوماسيين في كابول :"في كثير من البيوت يواجه الناس قبحا ينجم عن العنف ضد المرأة. قالت لي سيدات كثيرات بالفعل إنه عندما يسرن في شوارع كابول يشعرن بثقة أكبر ويبدو أنهن أصبحن يواجهن تحرشا بدرجات أقل".
وقالت شكرية باراكزاي، نائبة بارزة في البرلمان، لبي بي سي إن الناس في حاجة إلى توعية أفضل بشأن القوانين التي تحمي المرأة.
وكان الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي قد وافق على قانون القضاء على العنف ضد المرأة في عام 2009 لكن البرلمان لم يمرره بعد.
وقالت باراكزاي :"على الرغم من أن القانون يعاقب على التحرش والانتهاكات، إلا أن فهم القانون ضعيف جدا وتطبيقه محدود للغاية."
لكنها تأمل أيضا في أن تكون حادثة قتل فرخندة سببا في حدوث تغيير دائم.
وأضافت :"القسوة والخوف بحق فرخندة سيظلان إلى الأبد في قلب تاريخنا. هذا القلب يجب المحافظة عليه نابضا حتى لا تعاني أي سيدة أخرى ولا أي إنسان آخر من هذا العنف".
وطرحت السلطات الدينية الأفغانية عددا من التغييرات في أعقاب القتل.
وقال ضياء الحق عبيدي، نائب وزير الشؤون الدينية، لبي بي سي إن أنشطة بيع أحجبة وممارسة الشعوذة توقفت في الكثير من الأضرحة في شتى أرجاء البلاد كما تم استبدال عدد من الأفراد.
وأضاف :"مقتل فرخندة أعطانا شجاعة لم نتخيلها من قبل. سنواصل مشوار مكافحتها للخرافات والناس ترحب بذلك".
وقال إن اجراءات جديدة للأضرحة أعدت فضلا عن نظام ترخيص يساعد في التمييز بين رجال الدين وأولئك الذين لم يتلقون القدر المناسب من التعليم.
وأضاف :"إن من يتلاعبون بالدين هم الخاسرون الحقيقيون في هذه القضية".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق