السبت، 17 أكتوبر 2015

الموقف الروسي الجديد في الحرب السورية: الأسباب، التداعيات والنتائج

بقلم الكاتب والمحلل السياسي المحامي جوزيف أبو فاضل

منذ اندلاع الأزمة في سوريا قبل أكثر من أربع سنوات، كان لروسيا موقف حازم وحاسم وصريح بدعم الدولة والنظام برئاسة الرئيس بشار الأسد، وتغليب الحلّ السياسي على أيّ حلّ عسكري آخر، وإشراك المعارضة السورية المعتدلة في السلطة من خلال حوار سياسي شامل يتيح إجراء إصلاحات جذرية في السلطة...
لكنّ هذا الموقف الداعم والمساند تبدّل في الأسابيع الماضية ليصبح منخرطاً فعلياً في الصراع من خلال إرسال معدّات عسكرية متطورة وضربات الطيرات الروسي الذي يستهدف داعش والمتشدّدين التكفيريين والإرهابيين ودعمًا للنظام والدولة في سوريا.


أسباب تبدّل الموقف الروسي
ما هي أسباب هذا التبدّل الجذري؟ وما هي تداعياته وتأثيراته على مستقبل المنطقة؟
لقد أرادت روسيا من خلال هذا الموقف الجديد أن تؤكّد على ثوابت أساسية اعتمدتها السياسة الروسية منذ أيام الاتحاد السوفياتي واستمرّت تجاه سوريا وقضايا المنطقة.
كما أرادت روسيا أن تبعث برسائل حاسمة تجاه كافة الأطراف المعنية بالصراع في سوريا من أميركية وأوروبية إلى إقليمية وعربية، وأن تؤكد على العديد من الثوابت، وفي ما يلي نُبرِز بعضًا من هذه المواقف الثوابت والرسائل الروسية.

بعض الثوابت والرسائل الروسية
1- التأكيد على دور روسيا الأساسي في منطقة الشرق الأوسط، وهي لن تتخلى عن هذا الدور والموقع تحت أيّ ظرفٍ من الظروف، أو ضغط من الضغوط، فوجودها العسكري على الساحل الروسي هو وجود ضروري وحيوي لمصالح روسيا في الشرق الأوسط، وخاصة بعد الخديعة والتراجع الذي أصاب روسيا، لا سيما في العراق وليبيا واليمن (الجنوبية سابقاً)، فالخطأ الروسي الذي حصل في ليبيا لم ولن يتكرّر في سوريا.
2- أرادت روسيا القول لدول أميركا والتحالف الغربي: أنّكم إذا كنتم تريدون محاربة الإرهاب والتطرف فنحن شركاء أساسيون في هذه الحرب، ولا تتطلّب إذناً أو سماحاً من أحد، أما إذا كنتم تريدون استهداف الدولة والنظام في سوريا، فنحن لن نسمح بهذا الأمر، فسنقف فعلاً في الميدان دفاعاً عن هذا النظام، بعدما أيقنّا أنّ المعارضة السورية المعتدلة التي تتحدّثون عنها لا وجود لها إلا في الإعلام، وأنّ النظام يقود حرباً ضدّ حفنة من المأجورين، قدموا من كافة بقاع الأرض من الشيشان والسعودية وليبيا والجزائر والمغرب وأفريقيا وبعض الدول الأوروبية، فروسيا شريكة في التحالف الغربي والنظام السوري بالحرب على الإرهاب.
3- هذا الموقف الروسي الجديد برئاسة الرئيس فلاديمير بوتين يشكّل استكمالاً للموقف في الانفتاح على مصر، بعد تولي الفريق عبد الفتاح السيسي مهام رئاسة الجمهورية واستعادة بعضٍ من دور السلطة المفقود في مصر، لتعود روسيا إلى إعادة ترتيب العلاقات المصرية – السورية وإحياء هذا المحور الذي شكّل في الماضي أحد أسباب قواتها الرئيسية في المنطقة الشرق أوسطية.

الموقف الروسي... صفعة لأردوغان؟!
4- قبل الموقف الروسي الجديد، كان للرئيس التركي رجب طيب أردوغان  مواقف أعلن فيها أنّ روسيا قد قرّرت التخلّي عن الرئيس السوري بشار الأسد، وأنّها مستعدّة للبحث عن بديل آخر، لذا فقد شكّل الموقف الروسي صفعة قوية لأردوغان ربما لن يستفيق منها إلا بسقوطٍ مدوٍ في الانتخابات النيابية المقرّرة في الأول من تشرين الثاني 2015 المقبل.
إنّ سقوط أردوغان في هذه الانتخابات إذا حصل سيؤدّي إلى انسحاب تركيا من الحرب على سوريا وتقدّم الحلّ السياسي الذي تدعمه وترعاه روسيا، ليسقط بذلك الحلم العثماني التركي الذي انطلق منذ الأيام الأولى للحرب والداعي إلى تقسيم سوريا تحت ذريعة إقامة مناطق آمنة على حدود تركيا مع سوريا.
أما في حال نجاح أردوغان في الانتخابات النيابية، فهذا الأمر سيطيل أمد النزاع في سوريا، وسيدفع تركيا – أردوغان للدخول مباشرة في الصراع، الأمر الذي أحجمت عنه منذ بداية الحرب، حيث اكتفى أردوغان بتسليح وتدريب المجموعات المسلحة الإرهابية التي تقاتل الدولة في سوريا.

التضخيم الإعلامي
من جهة أخرى، بدأت الحرب الإعلامية والطائفية والمذهبية على روسيا قبل أيام ولحظة بدء الطيران الروسي بضرب داعش والتكفيريين.
وهذا التضخيم الإعلامي هو تبرير لعمل ما، أو ورقة يستخدمها الغرب وأميركا لتبرير تدخل لهم يومًا، في شمال وشرق سوريا، لكنّ الخطة الإعلامية الغربية لتضخيم حجم الوجود الروسي في سوريا كبيرة جداً...
لكنّ الأبرز والأهمّ أنّ هذا التضخيم الإعلامي الغربي – العربي لا يزعج الروس ولا الرئيس بوتين، بل هو يدلّل على القدرة العسكرية الروسية الهائلة والكبيرة، وهو يعزّز معنويات الشعب والجيش والمؤسسات الروسية، ولو كان في بعض مراحله ضعيفاً كما اعتبر الإعلام المعادي للروس وركّز على الحرب المقدّسة، فماذا نرى؟!

"حرب مقدّسة" وواجب مقدّس
فالذين أخذوا ممسكاً برأيهم "المتهابل" والمتهاوي بأنّ الحرب على الإرهاب هي مقدّسة كما أعلنها الناطق باسم الكنيسة الأرثوذكسية، فأنا كمسيحي ماروني لبناني عربي صديق للمسلمين أعتبر أنّ الحرب على الإرهاب، نعم، هي حرب مقدّسة.
فالدفاع عن الأطفال في وجه الوحوش الكاسرة واجب مقدّس.
والدفاع عن الأبرياء واجب مقدّس.
والدفاع عن المرأة والصبية والفتاة التي تُباع في أسواقهم وهي عارية، هو واجب مقدّس.
والدفاع عن الطفل الذي يُذبَح وعن الراهب الذي يُخطَف هو واجب مقدّس.
واجب مقدّس، نعم، سواء أكان المدافع مسيحياً أم سنياً أم شيعياً أم درزياً أم بوذياً أم مارونياً أم علوياً أم هندوسياً أم كاثوليكياً، فهو يقوم بواجب مقدّس.
والدفاع عن الدول وعن شعوبها ومؤسساتها وشرعيتها هو واجب مقدّس.
نعم، واجب مقدّس، وحرب مقدّسة، فكلّ الأنبياء بكتب الله قالوا أنّ الدفاع عن الطفل والمرأة والراهب في صومعته واجب مقدّس.
وكم من الآيات الكريمة في القرآن الكريم تحدّثت في هذا الاتجاه والموضوع؟
وما قاله السيد المسيح في الدفاع عن الضعفاء، هم الذين قال فيهم الرب: "وليس أعظم من أن يبذل الإنسان ذاته فداءً عن أحبائه"...
وكذلك أولئك، أو أنت الذي تشاهد الشرير يقتل جارك البريء فلا تتحرّك، "أنت مجرم أيضًا".
أما أنت الذي تتمسّك بـ"اللاعنف" تحت عدّة مسميات وحركات أممية ودولية ومحلية مشبوهة... وتشاهد أطفالاً ونساءً وشيوخًا يُذبَحون... فأنت مجرم أيضًا باسم "اللاعنف".
نعم، إنّها "حرب مقدّسة" وواجب مقدّس!

روسيا ستخرج من "مستنقع الوحول السورية" منتصرة
السؤال: هل ستتمكن روسيا من تحديد أهدافها؟ وما هي تداعيات الانتصار أو الفشل الروسي على الوضع؟
يعتبر البعض أنّ روسيا قد دخلت في "مستنقع من الوحل السوري لن تخرج منه إلا مهزومة"، كما دخلت وخرجت من أفغانستان، لكنّ هذا الكلام الترويجي – الإعلامي لا يستند إلى قراءة علمية وموضوعية للظروف المحيطة في كلّ من أفغانستان وسوريا، فهذه الظروف مختلفة جذرياً، فسوريا ليست أفغانستان، وتركيا ليست باكستان.
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ روسيا عندما قرّرت الدخول العسكري في سوريا كانت على وعي تام، وهي تدرس ودرست في نيسان الماضي من العام الحالي 2015 ودرست خطواتها تجاه كلّ هذه المخاطر المحتملة، فكان شهر أيار الفائت موعداً كبيرًا للروس لمناطق الساحل السوري حيث القواعد العسكرية البحرية والبرية.
وبالتالي، فإنّ الهزيمة لن تقع (لما أسلفناه).
لكن، إذا كانت الهزيمة لن تقع، وهي لن تقع، فقد يحصل بعض التأخير في تحقيق الأهداف في حال استمرّ الموقف الأميركي – الغربي المساند بطريقةٍ غير مباشرة لداعش وأخواتها من المجاميع التكفيرية أو المتشدّدة.

النجاح الروسي... واستعادة الأجزاء المغتصبة
ليس صدفة أن يترافق هذا الدخول الروسي مع الاندفاعة القوية للجيش السوري والمقاومة في استعادة مناطق سيطر عليها الإرهابيون قبل سنوات وستستمرّ هذه الاندفاعة والتقدّم إلى مراكز ومدن رئيسية حتى إزالة الإرهاب منها.
فروسيا، بالتعاون مع إيران والدولة في سوريا، تكون قادرة على تحقيق أهدافها مهما اعترضتها من صعوبات دولية وميدانية.
لكنّ حقيقة الأمر أنّ النجاح الروسي في تحقيق هذه الأهداف قد لا يسمح بإعادة هذه الأجزاء المغتصبة من سوريا إلى حضن الدولة السورية، فالأمر يتطلب حوارًا جديًا على مستوى قمّة بين الرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتيح التأكيد على وحدة أراضي الدولة السورية...
لكنّ الولايات المتحدة الأميركية التي قبلت على مضض بهذا الدخول الروسي لعدم الاشتباك والحرب معه يجب أن تعطي موقفاً واضحاً بدعم وحدة الأراضي السورية وعدم تجزئتها، كما يخطَّط أميركياً لتقسيم دول المنطقة الشرق أوسطية.

حرب روسية – أميركية أم قمة روسية – أميركية؟!
من هنا، فإنّ النجاح الروسي في هذه الحرب لن يكون حاسمًا من دون موافقة الإدارة الأميركية.
والسؤال الذي يجب طرحه والذي يطرح نفسه:
هل ستقبل الإدارة الأميركية على ترك سوريا تدور في الفلك السوري؟ أم ستقبل بإجراء مقايضة بين سوريا واليمن أو مناطق في العراق أو في أيّ مكان آخر؟!
الأكيد حتى الآن أنّ الإدارة الأميركية تريد الاحتفاظ بموقعها ودورها في سوريا، أي في المناطق التي يحكمها المتشدّدون والمعارضة المسلحة... بينما تدّعي أميركا أنّها "المعارضة المعتدلة".
وهنا تكمن الحلول، فإما دولة سورية واحدة موحّدة يدعمها التفاهم الأميركي – الروسي.
وإما استمرار الحرب وتحولها إلى نزاع أميركي – روسي مباشر وما يحمله ذلك من تهديد لوحدة وسلامة الأراضي السورية!
وما تحمله جملة تهديد لوحدة وسلامة الأراضي السورية من تقسيم على أرض الواقع جغرافيًا مع تحسن تمدد وضع المدن الحيوية لصالح الدولة السورية!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق