شكلت قمة الدول العشرين في انطاليا مناسبة للبحث المعمق في الأزمة السورية، أصل مشكلة الإرهاب المتفشي والذي بلغ أوروبا عبر الهجمات الأخيرة من باريس مرورا باسطنبول وليس انتهاء ببيروت، وبناء عليه، فإن محاربة الإرهاب لا تتم من دون حل للأزمة السورية، وفق ما رأى أغلب قادة العالم المشاركين في القمّة.
وأشار الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى «تقدم متواضع» في الجهود الديبلوماسية للتوصل الى تسوية للنزاع في سوريا، بعد محادثات دولية في فيينا. واضاف «سجلنا أخيرا تقدما متواضعا على الجبهة الديبلوماسية الحساسة (...) شهدت محادثات فيينا للمرة الاولى اتفاق جميع البلدان الرئيسية» في اشارة الى اتفاق في العاصمة النمسوية السبت الماضي حول انتقال سياسي في سوريا.
واعتبر في تصريح على هامش قمّة العشرين ان «هذه اهداف طموحة واضحة. لقد خابت الآمال الديبلوماسية في سوريا من قبل»، لافتا الى ان «هناك عددا من السبل يمكن من خلالها افشال هذه الدفعة الديبلوماسية». واشار اوباما الذي اجرى الاحد محادثة قصيرة غير معلن عنها مسبقا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الى انه ما زال هناك خلافات بين الرئيسين حول مستقبل بشار الاسد «الذي لا نعتقد ان له دوراً في مستقبل سوريا بسبب حكمه الوحشي». واضاف ان «ما يختلف هذه المرة وما يعطينا جرعة امل، هو ان جميع اطراف النزاع السوري وافقت للمرة الاولى على عملية لإنهاء هذه الحرب».
أما الرئيس الروسي فقال في اعقاب قمة مجموعة العشرين انه «من الضروري» تشكيل تحالف دولي لمكافحة الارهاب. واضاف «لقد تحدثت خلال جلسة الامم المتحدة احتفالا بعيدها السبعين، تحديدا عن هذا الامر، والاحداث المأسوية التي تلت ذلك اثبتت اننا كنا على صواب».
واعتبر بوتين ان «فرنسا هي احدى الدول التي تبنت موقفا متشددا حيال رحيل الرئيس الاسد شخصيا. لقد سمعنا مرارا من اصدقائنا الفرنسيين ان حل مسألة رحيل الرئيس الاسد شرط مسبق لاي تغييرات سياسية». وتابع «لكن هل حمى هذا باريس من اعتداء ارهابي؟ كلا». واوضح بوتين «بالنسبة لي لا يجب ان نضع في اولوياتنا مسائل هي بطبيعتها ثانوية! اول ما يجب القيام به هو توحيد جهودنا في مكافحة الارهاب والمنظمات الارهابية. ويجب على هذا الاساس الاتفاق على اصلاح سياسي» في سوريا.
وقال بوتين إن بلاده مستعدة لدعم المعارضة السورية بغارات جوية في القتال ضد «داعش». وأضاف: «يمكنني أن أؤكد أننا فتحنا قنوات اتصال مع.. المعارضة السورية في ميدان القتال وطلبوا منا تنفيذ غارات جوية«. واعتبر أن «جزءا من المعارضة المسلحة تعتبر أن هناك إمكانية لبدء عمليات عسكرية كثيفة ضد المنظمات الإرهابية، وضد داعش خصوصا«.
واعتبر أن الحرب المشتركة بين قوات النظام والمعارضة السورية ضد «داعش» من الممكن أن تصبح أساسا جيدا للتسوية السياسية القادمة، وقال «يتخيل لي أنه من الممكن أن يصبح ذلك قاعدة جيدة وأساسا جيدا للعمل القادم على ساحة التسوية السياسية«.
كما اكد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، في تصريحات صحافية على هامش قمَة أنطاليا، أنه «لا يمكن حل المشاكل في المنطقة وفي مقدمتها الإرهاب واللاجئين، دون التوافق على حل يحظى بقبول كل من يعيش في سوريا«.
وتطرق اردوغان للملف السوري، مؤكدا أن الهدف الاساسي للجهود الرامية للحل في سوريا هو «ضمان وحدة الأراضي السورية، وإخلائها من الإرهاب، والتوصل إلى هيكل سياسي ذي شرعية«. وأضاف أن «ربط الإرهاب بأي دين، أمر خاطئ جداً، وإن موقفا كهذا يعتبر إهانة كبيرة لأتباع ذلك الدين، لأن حق الحياة مقدس في جميع الديانات«.
واعتبر «ربط الهجمات الإرهابية بقضية اللاجئين محاولة للتنصل من المسؤولية الإنسانية»، داعيا إلى «العمل لمكافحة الإرهاب، وبذل الجهود لحل أزمة اللاجئين بشكل متزامن«.
وفي المواقف التركية أيضا، قال وزير الخارجية التركي فريدون سينيرلي اوغلو إن قادة العالم المشاركين في قمة مجموعة العشرين بتركيا لم يناقشوا احتمال شن عملية عسكرية برية في سوريا وإن تركيا لا تخطط لتقوم بهجوم كهذا بنفسها. وأوضح أن تدابير أمنية جديدة ستتخذ لمكافحة تنظيم «داعش» لكنه لم يتطرق للتفاصيل وقال إن تركيا تتبادل معلومات المخابرات مع حلفائها في أعقاب هجمات الجمعة الماضية التي نفذها مجموعة من المتطرفين في باريس. وقال أيضا إن احتمال ترشح الأسد في أي انتخابات بسوريا «ليس خيارا مطروحا«.
وقال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون امس في مؤتمر صحافي أثناء قمة مجموعة العشرين في تركيا «الناس تريد أن تعرف أن هناك خطة شاملة لمستقبل سوريا ومستقبل المنطقة لانه من الصحيح تماما القول إن بضع قنابل وصواريخ اضافية لن تغير الوضع«. وأضاف «كلما تمكنا سريعا من إضعاف وتدمير داعش أصبحنا أكثر أمنا لكننا سنكون آمنين فقط على المدى الطويل إذا استطعنا استبدال هذا الفضاء غير المحكوم... بحكومة سورية مناسبة«.
وأوضح أن الاختلافات في الرأي بشأن مستقبل الأسد كبيرة لكن الفجوة تقلصت على ما يبدو مضيفا أن هناك آمالا بأن تسير العملية بوتيرة أسرع.
وأبلغ كاميرون الرئيس الروسي خلال لقائهما على هامش القمَة أن قصف المعارضة المعتدلة في سوريا «خطأ». وأضاف «كانت الفجوة كبيرة بيننا نحن الذين يعتقدون أن الأسد يجب أن يرحل فورا وأمثال الرئيس بوتين الذين يدعمونه ويواصلون دعمه. أعتقد ان الفجوة تقلصت... أتمنى أن نتمكن من سد الفجوة بشكل أكبر لكن الأمر يتطلب حلا وسطا بين الجانبين«.
ووسط تزاحم المؤتمرات والأحداث وبروز الأزمة السورية كحجر أساس في مواجهة الإرهاب، قالت وزارة الخارجية الأميركية إن الوزير الأميركي جون كيري تحدث مع خالد خوجة رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية بشأن أهمية الخطوات التالية في سوريا عقب اجتماع مجموعة دعم سوريا في فيينا يوم السبت الماضي.
وقال المتحدث باسم الوزارة جون كيربي إن كيري بحث مع خوجة في اتصال أمس خطوات منها اجتماع واسع وشامل للمعارضة السورية وبدء مفاوضات جادة بين المعارضة والنظام في سوريا وخطوات من أجل وقف جاد لإطلاق النار. وأضاف كيربي أن كيري أكد ضرورة اتفاق المعارضة على المشاركة في المفاوضات والسماح للمنظمات الإنسانية بالعمل دون معوقات.
وكشف الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي، امس، عن رغبة المملكة العربية السعودية في استضافة وفود من المعارضة السورية المعتدلة خلال الشهر المقبل، للاتفاق على أسماء أعضاء الوفد الذي سيذهب إلى المفاوضات المتوقع عقدها مع نظام الأسد في شهر كانون الثاني القادم.
وقال العربي إن هناك إجماعا بين المشاركين في اجتماع فيينا على أهمية الإصلاحات السياسية في سوريا، حتى من قبل إيران وروسيا، مضيفاً أن نقاط الاتفاق بين المجموعة الدولية التي حضرت الاجتماع السبت الماضي تبلورت في حل سياسي للأزمة السورية، حيث تعهدت الدول الخمس دائمة العضوية بالتوجه إلى مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار يتضمن ما تم الاتفاق عليه في فيينا، والذي يرتكز على عنصرين أساسيين وهما وقف إطلاق النار، تليه عملية مراقبة لمتابعة تنفيذ القرار من خلال إيفاد مراقبين أو قوات حفظ سلام كما هو في مناطق أخرى في العالم.
وأشار العربي إلى أن نقاط الخلاف بدت حول الرغبة في بقاء الأسد أم لا، إلى جانب خلاف في وجهات النظر حول بدء عملية سياسية أولاً أم وقف إطلاق النار، ولكن الجميع يرى ضرورة الالتزام ببيان «جنيف 1«.
وفي نيويورك، جدّد الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون الاثنين، مطالبته مجلس الأمن الدولي، بإحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية.
جاء ذلك في التقرير الـ21 الذي قدمه امس إلى أعضاء مجلس الأمن، عملاً بموجب قراري المجلس 2139 و2165 (بشأن إيصال المساعدات الإنسانية في سوريا) والتي طلب فيها ممثلو الدول الأعضاء بالمجلس أن يقدم الأمين العام للأمم المتحدة، تقريراً كل 30 يوماً عن تنفيذ هذين القرارين.
(أ ف ب، رويترز، آر تي، الأناضول)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق