أكّد الكاتب والمحلل السياسي المحامي جوزيف أبو فاضل أنّ سوريا اليوم في سباقٍ بين الحلّ السياسيّ الذي تريدُهُ القيادةُ السوريّةُ مدعومةً من روسيا ومن إيران ومن المقاومةِ البطلةِ، وبين الحربِ التركيّةِ – السعوديّةِ، مشيراً إلى أنّه فإذا نجح الخيارُ الأول (الحلّ السياسي) تنتصر سوريا وتعودُ إلى سابقِ عهدِها دولةً واحدةً تسعى في سبيلِ رقيِّ ناسِها وحمايتِهم اقتصاديًا واجتماعيًا، في حين سيؤدي نجاح الحلّ الثاني (الحرب) إلى استمرار المعركة لفترة طويلة، مشدّداً على أنّ النصر سيكون حليف سوريا في كلتا الحالتين، ولكنّه إما نصرٌ قريبٌ بفِعلِ الحلّ السياسيّ، وإما نصرٌ مؤجَّلٌ إلى حين هزيمةِ إردوغان وآل سعود.
أبو فاضل كان يتحدّث خلال محاضرة ولقاء سياسي في مدينة طرطوس، شارك فيها حشدٌ كبيرٌ من المواطنين من مختلف مناطق سوريا، تلبية لدعوة مديرة الثقافة في محافظة طرطوس المهندسة والشاعر ليندا ابراهيم، وبحضور أمين فرع حزب البعث العربي الاشتراكي القاضي غسان أسعد، محافظ طرطوس المحامي صفوان أبو سعدى، المحامي العام في طرطوس محمد سليمان، رئيس جامعة طرطوس الدكتور عصام الدالي، رئيس مجلس المحافظة ياسر ديب، فضلاً عن أعضاء قيادة الفرع، أمناء وأعضاء فروع الجبهة الوطنية التقدمية، أعضاء مجلس الشعب، نائب رئيس وأعضاء المكتب التنفيذي، رؤساء وأمناء وأعضاء النقابات المهنية والمنظمات الشعبية، الضباط والقياديون ورؤساء الفروع الأمنية، أمناء وأعضاء قيادات الشعب الحزبية والجهاز الحزبي، مديرو الدوائر والمؤسسات الرسمية، المجموعات والمنتديات والملتقيات الناشطة في طرطوس.
وطنٌ واحدٌ قسّموه إلى دولتين
أبو فاضل توجّه في مستهلّ اللقاء إلى الحشد الذي حضر بكثافة، قائلاً: "مِنْ ذهبيّةِ "الجَيْش والشَّعْب والمُقاوَمة" جِئْتُ إليْكُمْ، من وَطَنِ لُيُوثِ المقاومةِ البطلةِ، الذي أوجَدَ سماحةَ السيد العلامة حسن نصرُ الله أمينَ عام حزب الله، صاحبَ الوعدِ الصادق.
من كلِّ شجرةِ أرزٍ شامخةٍ كشمخةِ جبالِ قاسيون واللاذقية والقنيطرة والسويداء، جئتُ إليكم، إلى طرطوس، طرطوس العِلم والشِّعر والأدب والثقافة، طرطوسُ الإباء والصخر والبحر والهدوء والنعومة، طرطوس الشهداء الأبطال الأبرار.
من لبنان، من قلبِ لبنان، من جبلِ لبنان نأتيكم في سوريا، كما كنّا وكما كنتُم على الدّوام، لا تبعدُنا المسافاتُ ولا الأزماتُ ولا الحروب".
وتابع أبو فاضل: "فنحن وأنتم في وطنٍ واحدٍ قسّموه إلى دولتَين...
... ونحن وأنتم في مركبٍ واحدٍ تجمعنا الأهدافُ الواحدةُ، وتوحّدُنا الهمومُ التي تعصِفُ بوطنِنا وأمّتِنا.
حضوري معَكُم اليومَ، وحضورُكم أنتُم، هو فِعْلُ إيمانٍ بأهدافِنا المشتَرَكة، وهو فِعْلُ إرادةٍ صلبةٍ وصادقةٍ بحتميّة انتصارِنا على كلّ الحروبِ والمؤامراتِ التي تُحاكُ ضدّ أمّتِنا".
من الدعم السياسي الكامل إلى العسكري المباشر
وتوقّف أبو فاضل بدايةً عند أسباب تبدّل الموقف الروسي من الدعم السياسي الكامل إلى العسكري المباشر، فسأل: "ما هِيَ أسبابُ هذا التبدّلِ الجذري؟ وما هي تداعياتُهُ وتأثيراتُهُ على مستقبلِ المِنطقة؟"
ورأى أبو فاضل أنّ روسيا أرادَتْ من خلالِ هذا الموقفِ الجديدِ أن تؤكّدَ على ثوابت أساسيّةٍ اعتمدتها السياسة الروسية منذ أيامِ الاتحادِ السوفياتي واستمرَّتْ تجاهَ سوريا وقضايا المنطقة، كما أرادَتْ روسيا أن تبعثَ برسائلَ حاسمةٍ تجاه كافةِ الأطرافِ المعنيّةِ بالصراعِ في سوريا مِنْ أميركيةٍ وأوروبيةٍ إلى إقليميّةٍ وعربيّةٍ، وأن تؤكّدَ على العديدِ من الثوابتِ.
الروس شركاء أساسيّون
وأبرَزَ أبو فاضل بعضًا من هذه المواقفِ الثوابتِ والرسائلِ الروسية، على الشكل الآتي:
1- التأكيدُ على دورِ روسيا الأساسيّ في منطقة الشرق الأوسط، وهي لن تتخلى عن هذا الدور والمَوْقعِ تحتَ أيِّ ظرفٍ من الظروفِ، أو ضغطٍ من الضغوطِ، فوجودُها العسكريُّ على الساحِلِ السوريّ هو وجودٌ ضروريٌ وحيويٌ لمصالحِ روسيا في الشرقِ الأوسط، وخاصةً بعد الخديعَةِ والتراجُعِ الذي أصابَ روسيا، لا سيّما في العراق وليبيا واليمن (الجنوبيّة سابقاً)، فالخطأُ الروسيُّ الذي حصلَ في ليبيا لَمْ ولَنْ يتكرَّرَ في سوريا.
2- أرادَتْ روسيا القولَ لدُوَلِ أميركا والتَّحالُفِ الغربيّ: أنّكم إذا كنتُمْ تريدون مُحارَبَةَ الإرهابِ والتطرّفِ، فنحنُ شركاءُ أساسيّون في هذه الحربِ، ولا تتطلّبُ إذناً أو سماحاً من أحدٍ، أمّا إذا كُنتُمْ تريدُون استهدافَ الدولةِ والنظامِ في سوريا، فنحنُ لن نسمحَ بهذا الأمر، فسنقفُ فعلاً في الميدانِ دفاعاً عن هذا النظام، بعدما أيقنّا أنّ المعارضةَ السوريةَ المعتدلةَ التي تتحدّثون عنها لا وجودَ لها إلا في الإعلامِ، وأنَّ النظامَ يقودُ حرباً ضدَّ حفنةٍ مِنَ المأجورين، قدموا من كافّةِ بقاعِ الأرضِ من الشيشان والسعودية وليبيا والجزائر والمغرب وأفريقيا وبعضِ الدولِ الأوروبية، فروسيا شريكةٌ في التحالُفِ الغربيّ والنظام السوري بالحربِ على الإرهاب.
3- هذا الموقفُ الروسيُ الجديدُ برئاسة الرئيس فلاديمير بوتين يشكّلُ استكمالاً للموقفِ في الانفتاحِ على مصر، بعد تولي الفريق عبد الفتاح السيسي مهامَ رئاسةِ الجمهوريةِ واستعادةِ بعضٍ من دورِ السلطةِ المفقودِ في مصر، لتعودَ روسيا إلى إعادةِ ترتيبِ العلاقاتِ المصريةِ – السوريةِ وإحياءِ هذا المحورِ الذي شكّل في الماضي أحدَ أسبابِ قوتِها الرئيسيّة في المنطقةِ الشرق أوسطية.
تركيا ستدخل مباشرة
ولفت أبو فاضل إلى أنّه، وقبلَ الموقفِ الروسيِ الجديد، كانَ للرئيسِ التركي رجب طيب إردوغان مواقفٌ أعلنَ فيها أنّ روسيا قد قرّرت التخلّي عن الرئيس السوري بشار الأسد، وأنّها مستعدّةٌ للبحثِ عن بديلٍ آخرَ، لذا فقد شكّلَ الموقفُ الروسيُ صفعةً قويةً لإردوغان، ولا ننسى الحُلمَ العثمانيَّ التركيَّ الذي انطلقَ منذ الأيامِ الأولى للحربِ والداعي إلى تقسيمِ سوريا تحت ذريعةِ إقامةِ مناطقَ آمنةٍ على حدود تركيا مع سوريا.
وأضاف أبو فاضل: "الآن، فقد نجح إردوغان في الانتخابات النيابية، وهذا الأمرُ ربما وعلى الأكثر، سيُطيلُ أمدَ النزاعِ في سوريا، وسيدفعُ تركيا – إردوغان للدخولِ مباشرةً في الصراعِ، الأمرُ الذي أحجمَتْ عنهُ منذ بدايةِ الحربِ، حيث اكتفى إردوغان بتسليحِ وتدريبِ المجموعاتِ المسلحةِ الإرهابيةِ التي تقاتلُ الدولةَ في سوريا".
سؤالٌ واحدٌ: لماذا كانت الحرب؟
أبو فاضل تابع لقاءه بطرح سؤالٍ واحدٍ عن أسباب الحرب في سوريا، فقال: "أربعُ سنواتٍ ونصف والحربُ شبه الكونيّةِ على سوريا قائمةٌ، فلماذا كانت هذه الحرب؟
ماذا حقّقتْ هذه الحرب؟ وما هي المؤشّرات وملامحُ المستقبل؟
لماذا كانت الحرب؟"
وأردف قائلاً: "سؤالٌ إجابتُه واحدةٌ وحيدةٌ: المطلوبُ كسرُ سوريا، دولةِ الممانعة، في وجه إسرائيل.
المطلوبُ كسرُ سوريا حليفة إيران.
المطلوبُ كسرُ سوريا حليفة حزب الله والمقاومةِ البطلة.
المطلوبُ كسرُ سوريا حليفة روسيا وفنزويلا وكلّ الشرفاءِ في العالَم...
بعد "كمب دايفيد" الذي كسرَ الجدارَ المصريَّ أمام إسرائيل، وجعل أكبرَ جيشٍ عربيٍ خارج المواجهةِ، وبعد اتفاقيَّتَي "أوسلو" و"وادي عربى".
وبعد أن هرولت معظم الدولِ العربيّةِ إلى إسرائيل لطلبِ السّماحِ والاعتذار، لم تبقَ سوى سوريا، آخرِ القلاعِ والحضون في وجه المخطّطِ الأميركيِّ – الإسرائيليِّ، الذي يُعرَف باسمِ الشرقِ الأوسطِ الجديد، والذي هو بكلِّ بساطةٍ مشروعُ الهيمنةِ على منطقتِنا وثرواتِنا، وجَعْلِ شعوبِنا مجرّدَ عبيدٍ في خدمةِ السيّدِ الإسرائيليّ.
لو ارتضت سوريا – الأسد، من الرئيسِ الراحلِ المؤسّس المرحوم حافظ الأسد إلى فخامة الرئيس الدكتور بشار الأسد، السَّيْرَ بهذا المشروع – مشروعِ العبيد، لَمَا وقَعَتْ هذه الحرب على سوريا".
ذنب الرئيس بشار الأسد
ورأى أبو فاضل أنّ "ذنبَ الرئيس بشار الأسد أنّه تمسَّكَ بحقِ سوريا وبِحَقِ فلسطين، وبحقِ جَميع العَرَب، ولم يرضَ المساوَمَةَ والمُهادَنَةَ، بل أعلنَها حربًا على إسرائيل، تستمدّ قوتَها من عمقَيْها في لبنان وفي إيران".
ولفت أبو فاضل إلى أنّه "لو كان الرئيس بشار الأسد أنور السادات أو حسني مبارك أو الحسين بن طلال أو أيَّ حاكمٍ من حُكّامِ الدولِ العربيّة لَمَا وقعت الحربُ على سوريا".
وقال: "فالمطلوبُ إذًا كسرُ هذه الدولة وتدميرُها، ويحصلُ بذلكَ حلمُ الشرقِ الأوسط الجديد".
لماذا لم ولن يسقطَ النظامُ في سوريا؟
وأشار أبو فاضل إلى أنّ "هذه الحربَ العدوانيّةَ على سوريا، التي وضعوا لها تواريخَ لإسقاطِ النظامِ وإخضاعِهِ، فشِلَتْ حتى الآن، فمِن شَهْر نيسان إلى شهر حزيران إلى نهاية العامة، وهكذا دَوالَيْك".
وأوضح أبو فاضل أنّ "النظامَ الحاكمَ في سوريا هو نظامُ الشعبِ، يستمدُّ سلطتَه من الشعبِ السوريّ وحدَهُ، فهو نظامٌ شعبيٌ لا يمكنُ الانقلابَ عليهِ، وهو نظامٌ يستمدُّ سلطتَه من الشّعْبِ الذي سبق وجدّد ثقتَه بانتخابات العام الماضي، وهُوَ مستعدٌ اليومَ وغدًا وكلَّ يومٍ لتجديدِ هذه الثقةِ برئيسِهِ الدكتور بشار الأسد".
وإذ لفت أبو فاضل إلى أنّ خطّة إسقاطِ الدولةِ وانحلال النظامِ فشلت، لكنّه سجّل "لهؤلاءِ العُمَلاءِ أنّهم نجَحُوا في تَدْميرِ البُنيَانِ، وفي قَتْلِ وتَهْجيرِ الشعبِ السوريّ، فالأرقامُ المتداوَلةُ مُحزِنةٌ ومُقلِقةٌ، فأكثر من 250 ألف شهيدٍ سقطوا، وضعفُهم من الجرحى والمُصابِين، وأكثرُ من عشرةِ ملايينَ نازحٍ ومُهَجَّرٍ، سواءٌ داخلَ سوريا أو خارَجها".
وقال: "إذًا، فشِلوا في الأهداف الكُبرى، ونجحوا في الأهدافِ الصغيرة، لكنّ الشعبَ السوريَّ، وأنتُم مِن خِيرتِهِ، يمتلكُ العَزْمَ والإرادَةَ على تجاوُزِ ما حصَلَ وإعادةِ البناءِ والإعمارِ في سوريا".
الدول الراعِيَة للإرهابِ والحلول...
إزاءَ هذا الواقع من تدميرِ وتهجيرِ الشّعبِ السوريّ وثباتِ وبقاءِ الدولةِ السوريّةِ في محورِ الممانعةِ والتصدّي، كيفَ تَبْدو الملامِحُ في المستقبلِ القريبِ والبَعيد؟
هنا، اعتبر أبو فاضل أنّ الدّولَ الراعِيَةَ للإرهابِ تحت كافةِ أشكالِهِ ومُسمَّيَاتِهِ، كدَاعِش والنُّصرة وأحرار الشام وجند الله وجيش الفَتْح ولواء الإسلام وغيرِها، أيقنت أنّها لن تستطيعَ عبر هؤلاءِ التأثيرَ على القرار السوريّ، فتحوّلت هذه الحربُ إلى البَحْثِ عن سُبُلِ الحَدّ مِنَ الخسائر بانتظارِ الحلول، فشراراتُ الحربِ السوريةِ واستخدامُ المجموعاتِ الأصوليَّةِ الإسلاميّةِ في الحربِ ضدّ سوريا، لن توصل إلى أيّ نتيجة.
ولاحظ أبو فاضل أنّ أسهمَ الحوارِ السياسيّ ارتفعت في الأسابيعِ الماضيةِ، "فهذه الأطرافُ الداعمةُ للإرهابِ كالسعوديّة وتركيا، أدركت مخاطرَ الحربِ السوريّةِ عليها، فبدأتْ سعيَها إلى فتْحِ أفُقٍ في الحَلّ السياسيّ بعدما كانَتْ تُعارِضُهُ في الماضي، وهدفها ليس الحِفاظ على الشعبِ والمؤسّسات والدولةِ في سوريا، بل الحِفاظ على المَكاسِب والمَغانِمِ التي حقّقَتْها والحدّ من احتمالاتِ الخسارة".
وقال: "هذه قطر، فقطر لا يُعوَّل على دورِها سوى بالمالِ والإعلام والتحريضِ والشّحْنِ، فمن دونِ قناةِ "الجزيرة" التي تبثُّ السّمومَ والأكاذيبَ، ما كانَ لِمَا يُسمّى الثورة أن تأخذَ هذا الحيّزَ الإعلاميَّ الكبير، والخبر العاجل، والمباشر، وواقع الثورة وحديث الثورة وهكذا عناوينَ مُغْرِضة جعلت الإعلامَ يُصابُ بأبْشَعِ أمراضِ التلوّثِ الإعلاميّ".
تدهور وخسارات سعوديّة غير متوقّعة
أما السعودية التي تُعتبَر هي الأخرى رأسَ حربةٍ في التحريضِ على الدولةِ السوريّة، فرأى ابو فاضل أنّها "بدأت تخسرُ دورَها وموقعَها، لا سيّما في ظلِّ تراجعِ قدراتِها الماليّة، وتحوّلِها من دولةٍ تملك فوائضَ ماليّةً تزيد عن الـ750 مليار دولار، إلى أن أصبحت اليوم على شفيرِ الإفلاس، بعدما فقدتْ نصفَ احتياطاتِها الماليّة، وهي ستفقد النصفَ الآخرَ والأخير قبل حلول شهر نيسان القادم 2016، إذا استمرّت في دعمِها للحروب، واستمرَّتْ أسعارُ النفطِ بالتراجع أو بقيت على حالِها، وهذا وزير البترول والثروة المعدنية السعودي علي النعيمي يعترف: لسنا في حاجة ماسة لرفع الدعم عن الطاقة في السوق المحلية حاليًا".
وأشار أبو فاضل إلى أنّ "للسعوديةِ كذلك محطاتُها ووسائلُها الإعلاميّة المكتوبةُ التي تبثّ الأكاذيبَ والأضاليلَ كـ"العربية" التي لا تتوقّف عن رمي الفِتَن والدسائس، فالسعودية، وعلى الرغمِ من تصاريحِ ملوكِها وأمرائِها ووزيرِ خارجيّتِها عادل الجبير، "فلتة زمانه ومكانه"، تريد، أي السعودية، من خلال هذه النبرةِ العاليةِ، أن تحصلَ على دورٍ وموقِعٍ في سوريا افتقَدَتْه حتى الآن".
وأوضح أبو فاضل أنّ "جبهةَ الجنوبِ السوريّ من الحدودِ الجنوبيّةِ إلى درعا إلى جبلِ العرب إلى دمشق قد أصبحت محصّنَةً تحصينًا كافيًا، ما يجعلُ تحطيمَها والوصولَ إلى العاصمةِ دمشق مجرّدَ أضغاثَ أحلامٍ، لن يرونَها لا الآن ولا في المستقبل. وقريبًا جدًا سوف تنطلق معركة تحرير الأراضي من درعا إلى الحدودِ الجنوبيّة، وإعادة فتح الطريقِ الدوليّةِ إلى الأردن".
وخلص أبو فاضل إلى أنّ "هذه الجبهة التي كانت تعوّلُ عليها السعوديّة، وتعتبرُها من حصّتِها وأملاكِها، قد أصبحَتْ عديمةَ الجَدوى، والنصرُ سيكونُ حتمًا حليفَنا في الأسابيعِ القادمة".
تركيا – إردوغان... الدور اللئيم
لكنّ أبو فاضل رأى أنّ "العقبةَ والشرارةَ اللئيمةَ لا تَزالُ في تركيا – إردوغان بعسكرِها وحُكّامِها السياسيّين الذين لا يريدون الخيرَ لجارِهِم السوريّ، ويعملونَ على تصعيدِ الخلافاتِ لبثِّ الفُرقةِ وإحداثِ المزيدِ من الانقساماتِ على الطريقةِ العثمانيّة "فَرِّقْ تَسُدْ"!
ولفت إلى أنّ تركيا – إردوغان استطاعت تحت شعاراتِ القدس وتحرير فلسطين أن تدخلَ إلى كلّ بَيْتٍ عربيّ وسوريّ، "لكن سرعانَ ما تبيّنَت الأطماعُ الحقيقيةُ لإردوغان الإخوانيِّ ومجموعتِه، فماذا نرى؟
1- السيطرة على سوريا وتحويلُها إلى محميّةٍ عثمانيّة.
2- استخدامُ سوريا كحقلِ تجاربٍ للمجموعاتِ الإسلاميّة المتطرّفة، على طريقةِ أفغانستان وطالبان والقاعدة...
3- تدميرُ المرتكزاتِ الأساسيّةِ للاقتصادِ السوريّ الذي شكّلَ منافَسةً حقيقيةً للاقتصادِ التركيِّ في الأسواقِ العربيّة والأوروبيّة".
ونبّه أبو فاضل إلى أنّ هذا المخطّط التركيّ الإردوغانيّ الإجراميّ بدأ يرتدُّ سلبًا على تركيا، "إذ فقدَتِ السيطرةَ في لعبةِ مخابراتٍ قذرةٍ على مجموعاتٍ كثيرةٍ من الإرهابيّين الذين درّبَتْهُم ودعمتْهُم وسلّحَتْهُم وأوفدَتْهُم إلى سوريا، فانتقلوا إلى الداخلِ التركيّ يُحدِثون بعضَ التفجيراتِ التي قد ترتفعُ وتيرتُها في المستقبلِ القريب".
إلى ذلك، أشار أبو فاضل إلى أنّه، واقتصاديًا، فقد تراجعَ الإقتصادُ التركيُّ، وبدأ يعيشُ الإنكماشَ بدلَ النموّ والإزدهار، كما هَوَت الليرةُ التركيّةُ بعدما عملَ الأتراكُ سابقًا على الليرةِ السوريّةِ وإفقادِها قيمتها. وجعلوا التعامل بالعملةِ التركيةِ، في مناطقِ حلب وإدلب والشمالِ السوريّ، لإنعاش اقتصادِهِم، ولو قليلاً من دماءِ الفقراءِ والمشرَّدين السوريين الذين يعيشون على المساعدات.
تركيا – إردوغان والسعودية والضياع
من جهة ثانية، لفت أبو فاضل إلى أنّ تركيا – إردوغان، التي راهنَتْ على انتصاراتٍ سريعةٍ في سوريا تمكّنُها من فرضِ أجندتِها في المنطقة، أدرَكَتْ صعوبةَ تحقيقِ ذلكَ، وسأل: "فماذا نرى؟"
وأردف أبو فاضل قائلاً: "هنا، بدأَتْ الحركةُ باتجاهِ روسيا من قِبَلِ السعوديّة وتركيا والعروض الخليجيّة – العربانيّة السخيّة، كذلك الحديث عن حلّ سياسي للأزمة السوريّة علّهُ يحفظُ لهما، أيّ لكلٍ من تركيا والسعودية، بعضًا من الدورِ المتراجعِ باستمرار وماء الوجهِ، نتيجةَ الخسارةِ التي مُنِيا بها والرهاناتِ الخاسِرَةٍ على تبدّلاتٍ وتغيّراتٍ سريعةٍ في الساحةِ السوريّةِ المفتوحةِ، بعد صمودٍ أسطوريٍ للجيشِ العربيِّ السوريِّ وأبطالِ المقاومةِ اللبنانيةِ رجالِ الله والحلفاء".
لكنّ أبو فاضل أشار إلى أنّ "تركيا والسعودية، وبالرغمِ من دخولِهِما في الحوارِ والحلِّ السياسيِّ، لا يزالان يتمسَّكَان بالحلّ العسكريِّ، ويستمرّان في القتلِ والذّبحِ والحرقِ والتهجيرِ والتدميرِ المُمَنْهَجِ وكلّ ما هو قائمٌ وموجودٌ في سوريا".
ملامح ومرتكزات الحوار والحلّ
من هنا، اعتبر أبو فاضل أنّ "الحوار في "فيينّا"، ونتيجةَ هذا الموقفِ العدائيِّ لكلٍّ من السعوديّة وتركيا، محكومٌ بالفَشَل وعدمِ الوصولِ إلى نتيجةٍ، إلا في حالِ نجاحِ روسيا وإيران في إقناعِ الأميركيّ بالضغطِ على حليفَيْه تركيا والسعوديّة ودفعِهِما إلى تركِ ازدواجيّةِ الموقف والتكاذبِ، والقبولِ صراحةً بخطةِ الحلّ السياسيِّ في سوريا، والتوقّفِ عن دعمِ الإرهابِ والإرهابيّين وتدميرِ ما تبقّى من سوريا".
وشدّد أبو فاضل على أنّ "ملامحَ هذا الحلّ ومرتكزاتِ هذا الحلّ تقومُ بجوهرِها على ثلاثة مسلّماتٍ أساسيّةٍ كالتالي:
1- وحدة الأراضي السوريّةِ، وبالتالي القضاء على أحلامِ التقسيمِ والانفصالِ والاقتطاعِ التي كانت مشاريعَ تركيا – إردوغان للمستقبلِ في سوريا.
إنّ التمسّكَ بهذا البند يعني أكبرَ خسارةٍ جوهريةٍ لتركيا، ومن ثمّ السعودية، وإسقاطَ أحلامِ السلطانِ إردوغان العثمانيّ ومُلهِمِه سليم باشا وكلّ العثمانيّين الذين عاثوا فسادًا في أراضينا وقهروا شعوبَنا وأذلّوها وقتلوا خيرةَ شبابِها وتعدّوا على الأخضر واليابس.
2- إنّ سوريا هي دولةٌ مدنيّةٌ، علمانيّةٌ غيرُ دينيّة يحكمُها دستورٌ جديدٌ، وهذا يتوافقُ مع المسارِ الذي سارَت عليه سوريا منذ العام 2000 مع تولّي فخامةِ الرئيس الدكتور بشار الأسد رئاسة الجمهوريّةِ العربيّةِ السوريّة، الذي خطّ مسارًا في التخطيطِ والتحديثِ والتطويرِ، كي تكونَ سوريا في مصافِ الدولِ الراقيةِ، وينعمَ الشعبُ السوريّ بالأمنِ والأمانِ الاجتماعيّ والاقتصاديّ.
فها هم اليومَ، نعم، اليوم في فيينا، يؤكّدون على ما كان قد أكّدَهُ وسارَ عليه الرئيسُ الشاب الدكتور بشار الأسد في العام 2000، وفي الأعوامِ التي تَلَتْ في التعديلِ والتطويرِ للقوانين، وهذا وحدَهُ يمثّلُ إقرارًا ضمنيًا وجازِمًا بدور الرئيس الأسد في مستقبلِ سوريا.
3- يتكلّمون عن المرحلة الإنتقاليّة، المرحلة الإنتقاليّة مطروحة وتشكّل ركيزةً بنظرِ الدولِ العُظمَى، لكنّها خطوةٌ ديمقراطيّةٌ جبّارة، هذه المرحلةُ الإنتقاليّةُ والإنتخاباتُ النيابيّةُ والانتخاباتُ الرئاسيّةُ قد تستغرق سنة ونصف أو سنتين، وليس كما كان يريدُ الأتراكُ والسعوديّون ستةَ أشهرٍ.
وهذه المرحلةُ الإنتقاليّةُ التي لا يزالُ الجَدَلُ حولَها قائمًا، ستكون تحت رئاسةِ الرئيسِ بشار الأسد، على أن تديرَ الأمورَ الحياتيّةَ واليوميّةَ حكومةٌ تضمُّ تشكيلاً من المعارضةِ التي لم تتورّطْ في الدّمِ السوريّ وتمارسِ الإرهاب بحقّه، بالإضافة إلى شخصيّاتٍ سياسيّةٍ كان ولا يزالُ لها دورُها في سوريا فكريًا وسياسيًا وإجتماعيًا وإقتصاديًا.
إنّ هذه المرحلة ستنتهي بانتخاباتٍ عامّةٍ نيابيّة ورئاسيّة، ومن يَفُز يتولى قيادةَ سوريا.
فالشعبُ السوريُّ وحدَهُ هُوَ الذي سيقرّر، وأنتُم ركيزةٌ وجزءٌ عزيزٌ من هذا الشعب، هو الذي سيُقَرّر مستقبلَه، ولن تكون فنادقُ اسطنبول أو الرياض أو الدوحة أو باريس أو لندن هي مراكز لتقرير مستقبلِ سوريا".
سوريا في سباق
وأكد أبو فاضل أنّ "الحوارَ السياسيَّ كان ولا يزالُ منذ بدايةِ الحربِ على سوريا مَطلبًا أساسيًا للقيادةِ السوريّةِ بشخصِ الرئيس الأسد، لأنّ الحربَ هي حربٌ على شعبِ هذه الدّولة، وإذا قُتِل مئةٌ أو ألفٌ أو مئةُ ألفٍ وتدمّر الاقتصادُ وهُجِّر الشعبُ، فهي خسارةٌ للقيادةِ السوريّةِ وليس لإردوغان أو لآل سعود".
ولفت أبو فاضل إلى أنّ "من يشعر بالمعاناةِ هم القادةُ القريبون من شعبِهِم وناسِهم، والذين يتحسّسون آلامَهم وأوجاعَهم. هم الرئيسُ الأسد وأركانُه، وأنتم أركانُ سوريا، وليس أولئك المأجورين الذين تُغدَق عليهم الأموالُ لتدميرِ سوريا، وهم في الفنادقِ الفخمةِ قابعون".
وشدّد أبو فاضل على أنّ "سوريا اليوم في سباقٍ بين الحلّ السياسيّ الذي تريدُهُ القيادةُ السوريّةُ مدعومةً من روسيا ومن إيران ومن المقاومةِ البطلةِ، وبين الحربِ التركيّةِ – السعوديّةِ، فإذا نجح الخيارُ الأول (الحلّ السياسي) تنتصر سوريا وتعودُ إلى سابقِ عهدِها دولةً واحدةً تسعى في سبيلِ رقيِّ ناسِها وحمايتِهم اقتصاديًا واجتماعيًا كما كانوا بدل أن يصبحوا متسَوّلِينَ أمام السفاراتِ أو الدول الراعيةِ للإرهابِ، لاجئينَ فيها يعيشون عيشةَ الفقرِ المُدقَع، أو تبتلعُهم مياهُ البحارِ التركيّةِ لأنّ إردوغان يريدُ أن يخدعَ العالمَ ويكذبَ ويبيّضَ صفحةَ رفاقِهِ من المجموعاتِ التكفيريّةِ المتطرّفةِ، ليقولَ للعالم أنظروا ماذا تفعل الدولةُ السوريةُ بشعبِها".
أما إذا نجحَ الخيارُ الثاني، وهو الحرب، فإنّ سوريا، بحسب أبو فاضل، أمام استمرارِ الحربِ لفترةٍ طويلةٍ قادمةٍ، "لكن، عندها أيضًا، سيكونُ النصرُ حليفَنا، ولن يتمكّنَ حفيدُ جمال باشا السفّاح وحفيدُ آل سعود الإنكليز من فرضِ خياراتِهِم وأجنداتِهم على سوريا".
النصر حليفنا..
وختم أبو فاضل قائلاً: "النصرُ حليفُنا في كلتا الحالتَين، ولكنّهُ، إما نصرٌ قريبٌ بفِعلِ الحلّ السياسيّ، وإما نصرٌ مؤجَّلٌ إلى حين هزيمةِ إردوغان وآل سعود، وإنّهُم لَمهزومون ونحن لَمنتصرون"...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق