المستقبل ـ
على خُطى الرئيس الشهيد واقتداءً ببوصلته الوطنية والأخلاقية، أطلّ الرئيس سعد الحريري على اللبنانيين أمس بخطاب منهجي منطقي استعرض فيه بروحية وواقعية رجل الدولة، السياق التاريخي للأحداث التي مرت على البلد طيلة السنوات العشر الأخيرة تحت سؤال جامع «ماذا كان ليفعل رفيق الحريري» إزاءها.. منذ «الفراغ الكبير الذي تركه رجل بحجم وطن» مروراً بمحطات 14 شباط و14 آذار 2005 وعدوان تموز 2006 وأحداث نهر البارد و7 أيار 2008 وانتخابات 2009 والانقلاب الحكومي في 2011 واغتيال الشهيدين وسام الحسن ومحمد شطح، وصولاً إلى انخراط «حزب الله» في الحرب السورية وبدء زمن الشغور الرئاسي. ليخلص في هذه «اللحظة الدقيقة والمفصلية»، بعد تفنيد مخاطر الفراغ التي بلغت حداً يتهدد النظام والانتظام المؤسساتي والاقتصادي والمالي والنقدي والأمني في البلد، وبعد تعداد مبادراته الرئاسية المتتالية وتلاشي الخيارات المتاحة الواحد تلو الآخر، إلى تبني «الخيار الوحيد المتبقي» لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، فأعلن قراره تأييد ترشيح رئيس تكتل «التغيير
والإصلاح» النائب ميشال عون انطلاقاً من اتفاق وطني يرتكز على تحصين الطائف وعروبة لبنان وتحييد الدولة عن الأزمة السورية، مشدداً على كونه قراراً «نابعاً من الخوف على لبنان وقائماً على الأمل» بإنقاذ الوطن إيماناً بمقولة الرئيس الشهيد: «مش مهم مين بيجي ومين بيروح المهم يبقى البلد».
وفي خطاب ألقاه مباشرةً على الهواء عصراً بحضور حشد سياسي وإعلامي من أكثر من مئتي شخصية تقدمهم نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري ورئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة وأعضاء الكتلة، ذكّر الحريري اللبنانيين بأنه كان قد عمل بدايةً مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان على إيصال مرشح 14 آذار رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع إلى سدة الرئاسة الأولى لكنه أمر لم يتحقق، تماماً كما كان الحال إزاء إخفاق محاولة طرح أسماء توافقية للرئاسة تحت وطأة «عدم تجاوب الحلفاء والخصوم»، وصولاً إلى تأييده ترشيح الوزير سليمان فرنجية بعد عام ونصف العام من الفراغ «لكن أيضاً من دون نتيجة بعد البقاء عاماً كاملاً على هذا الموقف». واليوم إذ بلغت البلاد مستوى خطيراً من الأزمات الاقتصادية والمالية والنقدية، وبلغ خطر الفراغ حد التهديد بفرط النظام واستعادة «لغة وطروحات تؤدي إلى حرب أهلية»، توجّه الحريري إلى اللبنانيين بالقول: «أنا لم أتسلّم القيادة السياسية كي يصل بلدي وأهل بلدي إلى هذا.. نحن من مدرسة تاريخها وحاضرها ومستقبلها قائم على التضحية من أجل الناس لا التضحية بهم»، وأضاف: «رفيق الحريري ثروة وثورة، ذهبت الثروة حمايةً للثورة على العنف والكيديّة والأحقاد وعلى من يريد إقناعنا بأنّ لبنان مستحيل». وختم بعد إعلان تأييده ترشيح عون بالتأكيد على أن «ما نحن بصدده اليوم هو تسوية سياسية بكل معنى الكلمة» متوجهاً إلى كل من يخاف من مخاطر هذه التسوية عليه «شخصياً وسياسياً ويشكك بنوايا حزب الله الحقيقية»، بالقول: «نعم إنها مخاطرة سياسية كبرى، لكنني مستعدّ أن أخاطر بنفسي وبشعبيّتي وبمستقبلي السياسي ألف مرّة لأحميكم جميعاً ولست مستعدّا لأخاطر مرة واحدة بأي واحد منكم لأحمي نفسي أو شعبيّتي أو مستقبلي السياسي».
عون في «بيت الوسط»
ومساءً، زار الجنرال عون يرافقه رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل «بيت الوسط»، حيث أوضح بعد اجتماعه على مدى ساعة مع الرئيس الحريري أنه أتى لشكره على دعم ترشيحه الرئاسي وقال: «تعاهدنا سوياً لإنجاح المهمة ونساعد لبنان في حل أزمته، وإن شاء الله يكون عهداً ناجحاً ونرد للبنان استقراره وأمنه بالكامل وننهض به اقتصادياً بعدما وصل إلى أزمة كبيرة». وإذ شدد على أنه «بالحوار لا أحد يخسر إنما الكل يربح ولبنان يربح»، أكد عون أنّ «الميثاقية ليست للمسيحيين فقط بل هي عهد بين المسلمين ككل والمسيحيين ككل»، مؤكداً ألا «اتفاقيات ثنائية ولا ثلاثية ولا رباعية إنما هناك اتفاق واحد على إدارة شؤون البلد»، مع إشارته في هذ المجال الى أهمية اتفاق الطائف والتزامه المحافظة على «صيغة لبنان الفريدة».
عون الذي لفت انتباه المعارضين لانتخابه ولاتفاقه مع الحريري إلى كونهم ينطلقون من «معتقدات مسبقة»، تعهد في المقابل نبذ مفهوم «الكيدية» وبناء الوطن وإعمار المستقبل من منطلق عدم نسيان الماضي لعدم تكرار أخطائه، وختم: «لينتظروا أداءنا الذي يدل على ما سنقوم به (...) الثقة المتبادلة التي نبنيها في ما بيننا تدعو إلى التفاؤل بأن لبنان سيعاد إعماره وسيسترد وحدته الوطنية وسننجح في هذه المهمة، ونتمنى أن يكون هناك من الآن فصاعداً عهد جديد في لبنان بين كل مكوناته».
.. وفي «عين التينة»
ولاحقاً، زار عون «عين التينة» حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري في زيارة وضعها في إطار «الواجب لإطلاعه على تطورات الملف الرئاسي»، موضحاً في تصريح مقتضب بعد اللقاء: «احتسينا فنجان شاي، وأطلعناه على مسار الأمور في ما يتعلق برئاسة الجمهورية وتبادلنا بعض الإيضاحات وتفاهمنا»، وأجاب رداً على أسئلة الصحافيين: «نحن بالطبع نطلب دعمه لنا في الاستحقاق الرئاسي إلا أننا نحترم في النهاية حرية القرار الذي يتخذه». في حين نقلت مصادر المجتمعين لـ«المستقبل» أنّ بري خلال اللقاء أكد لعون عزمه على عقد جلسة 31 الجاري الرئاسية مبدياً ثقته بأنّ هذه الجلسة ستشهد انتخاباً للرئيس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق