تزايدت في الآونة الأخيرة العمليات الإرهابية التي تستهدف مواطنين أقباطا في شبه جزيرة سيناء المصرية. اعتداءات يقف وراءها تنظيم "أنصار بيت المقدس" الموالي لتنظيم "الدولة الإسلامية".
فجر يوم الأربعاء 22 فبراير/ شباط قتل أب وابنه في مدينة العريش المصرية الواقعة في شبه جزيرة سيناء. الأول رميا بالرصاص والثاني حرقا، وألقيت جثتاهما خلف المدرسة الإعدادية للغات في المدينة. بعدها بيوم قتل مواطن آخر في متجره، أمام أنظار عائلته فيما تتضارب الأنباء حول اختطاف ابنه. وآخر أعدم قبل أن يحرق منزله.
الأقباط في مرمى النيران
خلال الأشهر الأخيرة، تواترت أحداث عنف واعتداء على الممتلكات راح ضحيتها مواطنون أقباط ورموز دينية وكنائس في سيناء، خاصة في مدينة العريش. وعلى اختلاف الفئات التي ينتمي إليها هؤلاء (تجار، أطباء، موظفون، رهبان) فإن عمليات الاغتيال تكاد تتشابه في طريقتها. إذ غالبا ما تنفذها مجموعات من الملثمين المنتمين إلى تنظيم "جماعة أنصار بيت المقدس" المتطرفة التي بايعت تنظيم "الدولة الإسلامية". يرمون الضحايا بالرصاص، أو يحرقونهم، ويقدمون على اختطاف آخرين في رغبة من التنظيم المسلح في بث الهلع في قلوب مسيحيي المنطقة وإجبارهم على الرحيل أو العيش في الخوف إن هم شاؤوا البقاء في بيوتهم.
تواتر الاعتداءات، واشتداد حدتها في الأيام الأخيرة، دفع العديد من المسيحيين الأقباط، إلى الهرب من سيناء إلى مدن مجاورة أو اللجوء إلى الكنائس كما أكد مسؤولون في الكنيسة القبطية. آخرهم 50 عائلة قبطية لجأت إلى إحدى الكنائس بمدينة الإسماعيلية، فيما تتزايد أعداد الأسر التي تفر من مناطقها إلى مدن أكثر أمنا.
هذا الارتفاع في ظاهرة نزوح العائلات القبطية والاعتداءات التي لا يسلم الرهبان منها أيضا، فتح جدلا واسعا في مصر خاصة عقب بث فيديو دعائي على الإنترنت في 19 فبراير/ شباط لما يعرف بـ"ولاية سيناء"، وهو الفرع المصري لتنظيم "الدولة الإسلامية"، يدعو إلى استهداف الأقباط. وقد تلا البيان أحد أعضاء التنظيم، فجر نفسه في كنيسة ملاصقة لكاتدرائية الأقباط الأرثوذوكس في القاهرة، في ديسمبر/ كانون الأول راح ضحيته 29 شخصا.
ويرى المتابعون للشأن المصري، أن استهداف التنظيم للأقباط، يأتي في غياب شبه كامل، للسلطات الأمنية المصرية في المنطقة. وتعالت أصوات تنتقد ردود فعل السلطات غير المناسبة في منطقة سيناء التي تشهد تناميا مطردا لحضور الجماعة المسلحة التي تحاول خلق انقسامات في المجتمع المحلي منذ نشأتها في 2011.
فوضى أمنية
غياب الجيش المصري من مناطق شاسعة من سيناء، بسبب اتفاقية كامب ديفيد التي تحدد عدد عناصر الجيش المصري في المنطقة، وتحد من حركته، تعطي هامشا كبيرا لعناصر التنظيم المتطرف لينشط فيه داخل أراضي سيناء. وهو ما رسخ حضور وسطوة هذه التنظيمات ، التي جعلت من المسيحيين عدوها الأول.
حوادث الاعتداءات المتكررة التي لم تسلم منها العاصمة المصرية القاهرة، يرى فيها البعض رغبة من التنظيمات المتشددة في إظهار "قوتها" على الميدان، بينما اعتبرت دار الإفتاء المصرية أن الغاية منها هي إحداث" الوقيعة بين مسلمي مصر ومسيحييها ". الموقف ذاته عبر عنه مرصد الأزهر في بيان ، اعتبر فيه بأن الفيديو الأخير للتنظيم والاعتداءات محاولة من "’داعش‘ (تنظيم ’الدولة الإسلامية‘) لاستهداف نسيج الوحدة الوطنية واللعب على وتر الفتنة الطائفية لتمزيق لحمة هذا النسيج القوى بين المسلمين والمسيحيين."
ورغم مجهودات الجيش المصري، الذي أعلن في السنوات الأخيرة، عن مقتل الآلاف من عناصر التنظيم المتشدد، وتمشيط الجيش للعديد من المناطق، إلا أن التنظيم استطاع العودة إليها وإلحاق خسائر كبيرة بقوات الجيش منذ نشأة التنظيم، فقد استهدفت العشرات من المواقع العسكرية، من خلال ألغام وقذائف هاون ما أدى إلى مقتل المئات من جنود الجيش ، في السنوات الأخيرة.
معركة المتشددين للسيطرة على المنطقة أودت بحياة المئات من المدنيين ضمنهم أجانب، لا يقل عددهم عن 500 شخص خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، حسب تقارير إعلامية. عمليات الاغتيال استهدفت موظفين حكوميين وقضاة، وشيوخ قبائل، لكن في صفوف المدنيين. ويشكل ما يحدث للأقباط رمزا للفوضى الأمنية المستعرة خاصة في شمال شرقي سيناء، في منطقة تمتد من العريش إلى الحدود المصرية الإسرائيلية، ما دفع الآلاف من السكان إلى اللجوء إلى مدن كالشيخ زويد ورفح.
معطى آخر تشير إليه منظمة "هيومان رايتس ووتش" في تقريرها العالمي لسنة 2016، أكد على أن التعتيم الذي تمارسه السلطات في المنطقة، ورفضها لحضور مراقبين دوليين مستقلين فيها، يزيد من تعقيد المعلومات حول الوضع في سيناء، والجهل بالأعداد الدقيقة للضحايا في صفوف المدنيين. معاناة الأقباط تمتد إلى حياتهم اليومية، إذ أن أبناءهم صاروا يجدون صعوبة في التنقل إلى مدارسهم ومتابعة تعليمهم، خوفا من الاعتداءات. فبعض عمليات الاغتيال تتم في أسواق شعبية أمام أعين المارة العاجزين عن التدخل.
محمد الخضيري، فرانس 24
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق