الجمهورية ـ
نجحت «القوات اللبنانية» و»الحزب التقدمي الإشتراكي» في الوصول إلى تحالفٍ انتخابيٍّ شاملٍ ومتكامل، ولكنّ أيَّ متابع لحركة الاتّصالات والمفاوضات التي سبقت الاتّفاق بينهما كان وصل إلى قناعة أنّ استحقاق ٢٠١٨ سيشكّل خروجاً عن قاعدة ٢٠٠٥ و٢٠٠٩ التحالفية.
المفاوضاتُ الانتخابية بين «القوات» و»الإشتراكي» كانت اصطدمت بحائطٍ مسدود دفعت كلّاً منهما إلى أن يبدأ بعدّ العدة لخوض الانتخابات من مربّع المواجهة لا التحالف، وراح كلٌّ منهما يبحث عن الخيارات البديلة مسيحياً ودرزياً، فاستدار «الاشتراكي» باتّجاه «الكتائب» و»التيار الوطني الحر»، فيما عملت «القوات» على خطّين: مفاوضات مع «التيار الوطني الحر» والوزير طلال أرسلان، والخط الثاني الاستعداد لخوض الانتخابات منفردة.
ويجب الإقرار أنه على رغم تمسّك كل من «القوات» و»الإشتراكي» بوجهة نظره، إلّا أنّ «شعرة معاوية» لم تنقطع بينهما لسببين: لأنّ البدائل المطروحة لم تكن أفضل، وبسبب حرصهما على المزاوجة بين المصلحة الانتخابية وبين المصالحة ومواصلة تراكم العلاقة المشترَكة.
ومع انسداد أبواب «الإشتراكي» أمام شريك مسيحي جدّي، وانسداد أبواب «القوات» أمام حليف انتخابي، حصلت مبادرة الفرصة الأخيرة التي حققت الاختراق المعروف بالتحالف في الشوف-عاليه وبعبدا والبقاع الغربي ومنح «الإشتراكي» أصواتِه للائحة «القوات» في زحلة والمتن.
ولكنّ الحقيقة تُقال إنّ قواعد الحزبين كانت مستاءةً من تعثّر المفاوضات لثلاثة أسباب أساسية:
السبب الأول كون العلاقة التي تجمع قواعد الطرفين لم تتزعزع منذ العام ٢٠٠٥ أقلّه على رغم التطورات والتقلبات والتحولات.
السبب الثاني كون العلاقة التحالفية بين «القوات» و»الاشتراكي» باتت تصنَّف في الخانة البديهية والطبيعية، وقواعد الطرفين تشعر بارتياح للتنسيق المتواصل.
السبب الثالث كون المواجهة ولو الانتخابية بينهما ستنعكس بشكل أو بآخر على المناخ السياسي في الجبل، لأنهما تحاربا وتصالحا وما زال كلٌّ منهما يمثّل وجدانَ بيئته وتطلّعاتها.
وفي موازاة استقرار العلاقة القواتية-الاشتراكية، لم تعرف العلاقة العونية-الاشتراكية الاستقرارَ نفسَه لثلاثة عوامل أساسية:
العامل الأول التعامل العوني مع دائرة الشوف-عاليه كأيّ دائرة أخرى، أي من دون الأخذ في الاعتبار خصوصيّتها المجتمعية والتاريخية.
العامل الثاني العودة بأيّ اشتباك سياسي إلى أدبيات ماضوية.
العامل الثالث التمسّك بنظرية أنه لا يحقّ للمكوّن الدرزي تسمية مرشّحين مسيحيّين، علماً أنّ القانون السابق والحالي يتيح له ذلك، مع فارق أنّ القانون الذي ستجرى على أساسه الانتخابات أدّى إلى تحسين التمثيل وأصبحت غالبية المقاعد المسيحية منتخبة بقوة دفع مسيحية.
وأما «الحزب التقدمي الإشتراكي» فيتعامل مع الواقع السياسي في المنطقة انطلاقاً من ثلاث خلفيات أساسية ومترابطة:
الخلفية الأولى تاريخية تتحكّم فيها أحداثُ الماضي والواقع الديموغرافي للموحّدين.
الخلفية الثانية حرص «الإشتراكي» أن يبقى متقدّماً بين متساوين في الجبل.
الخلفية الثالثة السعي لاستبعاد التحالف مع شريك مسيحي واحد واستبعاد استطراداً معادلة «كميل وكمال»، أي معادلة الرئيس كميل شمعون والشهيد كمال جنبلاط، وعلى هذه الخلفية بالذات حاول تأليف لائحة إئتلافية تجمع كل القوى المسيحية الحزبية.
وفي هذه النقطة تحديداً يُخطئ «الإشتراكي»، لأنّ التحالف مع شريك أساسي وليس مع شركاء يؤدّي إلى تعميق العلاقة وتجذيرها، فيما العلاقة مع أكثر من طرف يبقيها سطحيّةً وشكليّة، ومن هذا المنطلق أهمية ما وصلت إليه حالة الثقة الدرزية بالرئيس شمعون بمعزل عن خلافه مع «المعلم»، وبمعزل أيضاً عن انتخابات العام ١٩٥٧، فيما رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع نجح بانتزاع ثقة الموحّدين ويحرص على أفضل العلاقات مع زعامتهم، ويتفهّم، خلافاً لغيره، نظرية «متقدّم بين متساوين» في الشوف وعاليه، لأنّ ما ينطبق على الشيعة في الجنوب والبقاع، وعلى السنّة في صيدا وبيروت وطرابلس، وعلى المسيحيين من بشري إلى جزين، يجب أن ينسحب على الدروز في عاليه والشوف، وهي المساحة الوحيدة التي ما زال يستطيع فيها الدروز الحفاظ على حضورهم الديموغرافي والسياسي وهويّتهم الطائفية، فيما على المسيحي أن يكون الضامن لهذا التوجّه لا العكس، لأنّ التوازن بين الجماعات يشكل الضمانة لترسيخ الاستقرار وتعطيل الهيمنة والاستئثار.
وما يجدر التأكيد عليه هو أنّ «القوات اللبنانية» التي تعطي لعنوان الشراكة الأهمية ذاتها لعنوان السيادة كون لبنان من دون شراكة يفقد علّة وجوده، نجحت في بثّ ثقافة جديدة في العلاقة المسيحية-الدرزية في عاليه والشوف، وهي ثقافة غير مسبوقة تاريخياً وغير قادر على طرحها إلّا الممثل الفعلي لشعبه وناسه بعيداً من المزايدات الشعبوية وحفاظاً على العيش المشترك الحقيقي، بما يعيد ترميمَ جسور الثقة وبناء علاقة شراكة تتحوّل معها هواجس الطرفين في هذه البقعة إلى هواجس مشترَكة وتطلّعات مشترَكة.
ولا شكّ أنّ التحالف القواتي-الإشتراكي للدورة الانتخابية النيابية الثالثة على التوالي سيؤدّي إلى مزيد من تعميق العلاقة بين الطرفين وتحصينها، كما تثبيت المصالحة وتطوير العلاقة المشترَكة في الجبل، وهو التحالف الوحيد بين مكوّنات 14 آذار السابقة الذي لم يهتز، فيما الأنظار تتركّز على مصير التحالف بين «القوات» و»المستقبل» الذي ما زال لغاية اللحظة متعثّراً في الدوائر التي تجمعهما من دون «الإشتراكي».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق