كشفت السلطات السورية بعد سيطرتها على الغوطة الشرقية، شبكة أنفاق كانت تستخدمها فصائل المعارضة تمتد إلى حي جوبر الدمشقي. ووفق ما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية فإن هذه الأنفاق كانت تستخدم لجلب المواد الغذائية من دمشق لبيعها للسكان مقابل ربح مالي قد يتجاوز ضعف سعرها الحقيقي. كما عثر أيضا على مشفيين ميدانيين تحت الأرض.
من حي جوبر الدمشقي إلى الغوطة الشرقية، تمتد شبكة أنفاق متداخلة على طول كيلومترات عدة تحت الأرض، تتسع لعبور الأشخاص والبضائع وحتى السيارات، وتضم مستودعات ذخيرة ومشافي ميدانية استخدمتها الفصائل المعارضة خلال سيطرتها على هذه المنطقة.
وعلى هامش جولة نظمها الجيش السوري للإعلاميين، نزل فريق وكالة الأنباء الفرنسية إلى قبو مدرسة الخنساء في حي جوبر المحاذي للغوطة الشرقية، ليجد نفسه داخل نفق طويل لا يمكن رؤية نهايته.
وقالت مراسلة الوكالة الفرنسية إنه تم إنشاء النفق بحرفية عالية، ووضعت دعامات معدنية على امتداد سقفه، بالإضافة إلى كاميرات مراقبة وشبكة إضاءة لإنارة الطريق المظلم.
ويمتد النفق، وفق ما شرح مصدر عسكري في المكان، نحو خمسة كيلومترات. وتتفرع من على جانبيه أنفاق أخرى تؤدي إلى المناطق التي كانت تحت سيطرة الفصائل المعارضة في الغوطة الشرقية.
وأشار المصدر العسكري أن "الأنفاق عبارة عن شبكة عنكبوتية تقود إلى مقر قيادة واحدة" هي مدرسة الخنساء، وجرى حفرها بعمق عشرة إلى 15 مترا تحت حارات في حي جوبر.
وتابع "من بين تلك الأنفاق ما هو معد لعبور السيارات وأخرى لمرور المشاة"، وكان يمكن للمقاتلين الانتقال عبره من وإلى حي جوبر، مشيرا إلى أن "ما يميز جوبر هو حجم التحصين الهندسي الذي جهزته (الفصائل المقاتلة) لمواجهة الجيش".
للمزيد: سوريا .. حرب الأنفاق في دمشق!!
وسيطر الجيش السوري على حي جوبر وبلدات الغوطة الشرقية المحاذية له السبت إثر انتهاء عملية إجلاء أكثر من 40 ألف شخص من مقاتلي فصيل فيلق الرحمن ومدنيين من المنطقة، التي يشهد دمارها على حجم المعارك والقصف.
حصار مربح
في محاولة لتخطي حصارها، اعتمدت الفصائل على الأنفاق والتهريب لتأمين حاجات سكان الغوطة الشرقية مقابل الحصول على بدل مالي. وعادة ما كانت أسعار السلع المهربة تفوق بأضعاف أو أكثر أسعارها في دمشق. واستخدمت هذه الأنفاق لتهريب البضائع من مواد غذائية وطبية ووقود وحتى الذخيرة والسلاح.
وعمدت الفصائل وفق محللين وسكان الغوطة إلى تحديد أسعار بيع السلع، ما ضمن لها حصة من الأرباح لتستفيد بشكل فعال من الحصار المحكم الذي فرضته القوات الحكومية منذ العام 2013.
وتراجع نشاط الأنفاق خلال العام 2017 حين تمكن الجيش السوري من السيطرة على أحياء القابون وبرزة وتشرين في شرق دمشق، ليصبح الاعتماد بشكل رئيسي على الأنفاق الممتدة بين حي جوبر وبلدات الغوطة الشرقية المحاذية له والتي كانت تحت سيطرة فصيل فيلق الرحمن.
داخل هذه الأنفاق، شاهدت مراسلة وكالة الأنباء الفرنسية مرابض هاون تمت تغطية الحفر الموضوعة فيها بسواتر معدنية. كما رأت في مستودع عددا من القذائف المختلفة الأحجام، تم توضيبها بعناية في صناديق خشبية خضراء بحسب مداها. وعلى كل صندوق خشبي، علقت ورقة بيضاء كتب عليها اسم حي في دمشق.
ولطالما شكل وجود الفصائل في الغوطة الشرقية تهديدا للعاصمة التي تعرضت خلال السنوات الماضية لقذائف أوقعت مئات الضحايا. واعتبر الجيش السوري السبت أن السيطرة على الغوطة الشرقية تحقق "إعادة الأمن والاستقرار بشكل كامل إلى مدينة دمشق ومحيطها".
وقال المصدر العسكري المرافق للصحافيين إن "شبكة الأنفاق تتصل بمخازن الذخيرة الموجودة تحت الأبنية، في أماكن يصعب كشفها عن طريق الطيران السوري".
دمى ومتاريس
وأوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) الاثنين أن الجيش السوري عثر على "مشفيين ميدانيين تحت الأرض يصل بينهما نفق يبلغ طوله أكثر من 400 متر" في بلدة عربين. وخلال فترة المفاوضات على خروج المقاتلين من الغوطة الشرقية، طالبت روسيا الفصائل المعارضة بتزويدها بخريطة لشبكة الأنفاق الكبيرة.
وإثر هجوم عنيف بدأته في 18 شباط/فبراير، وأودى بحياة مئات المدنيين في الغوطة الشرقية، ضيقت القوات الحكومية تدريجيا الخناق على الفصائل المعارضة إلى أن دخلت كل منها منفردة في مفاوضات مع موسكو، انتهت بإجلاء مقاتليها من جيبي حرستا وجنوب الغوطة.
وبعيدا عن الحياة تحت الأنفاق، بدا حي جوبر الدمشقي كأنه منطقة أشباح، تخلو إلا من بعض عناصر الجيش المنتشرين، وسط دمار كبير حل بشوارعه ومبانيه. وتحولت نوافذ وشرفات المباني المتضررة إلى متاريس صنعت من أكياس الرمل حينا ومن برادات وخزانات مياه صدئة حينا آخر.
أمام أحد الأبنية، تكومت دمى للأطفال إلى جانب أوان نحاسية عادة ما تكون مخصصة لزينة المنازل. وتحطمت أضرحة مقبرة الحي وسقطت شواهدها.
فرانس24/ أ ف ب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق