إذا أردت ان تعرف ماذا في خلفيات هجوم وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل على وزراء "القوات" تدرجا من الصحة الى الشؤون الاجتماعية، فـ"ابحث عن صفقة بواخر الكهرباء".
بهذه العبارة يختصر رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع مجمل الحملة التي تستهدف وزراء الحزب والمتجهة تصاعديا منذ 6 ايار، في ضوء ما افرزته صناديق الاقتراع التي كان لتصدي وزراء القوات لملف البواخر الكلمة في نتائجها. فكلما ازددنا صلابة في مواجهة تمرير الصفقة يرتفع منسوب نسج الحملات ضدنا يقول جعجع لـ"المركزية"، وآخر فصولها ما خرج به رئيس التيار الوطني الحر امس حين تساءل: "لماذا لا توضع جداول وزارة الشؤون الاجتماعية عن النازحين لدى الأمن والمعابر، لمنع دخول من سقطت عنهم صفة النزوح"؟ قائلا: "أنا انتظر الجواب". ومطالبا بـ"لجنة تحقيق في عدم وجود لوائح النازحين لدى الأجهزة الأمنية". انه المضحك المبكي يضيف رئيس القوات، ذلك ان باسيل ووسط عجزه عن التصدي لملف النزوح وتلكؤ من يفترض بهم من المعنيين لاسيما وزارات الدفاع والداخلية والخارجية عن تحمل مسؤولياتهم الجسام في المواجهة العملية للنزوح والسعي الى اعادة النازحين الى بلادهم، يرمي كرة نار الازمة برمتها في ملعب وزارة الشؤون الاجتماعية التي تنحصر مسؤوليتها في هذا الاطار بمتابعة الواقع الاجتماعي للنازحين فقط لا غير، علما ان، حتى في الشق المتصل بحقها في الاطلاع على المعطيات المُجمّعة لدى المفوضية العليا للامم المتحدة، لم يعد لها حرية الخيار بعدما عمدت الحكومة التي كان الوزير باسيل في عدادها عام 2014 الى ابرام اتفاق مع المفوضية يقضي بعدم منح المعطيات المتصلة باللاجئين لاي جهة، مقابل تمويلها المشاريع للادارات اللبنانية كافة لوضع الـData base الخاص بهم، بحيث باتت وزارة الشؤون الاجتماعية تتحمل اليوم تبعات هذا الاتفاق.
يقول جعجع: لمَ تصاعدت الحملة على وزراء القوات في اليومين الماضيين؟ لان آخر فصل مواجهة في مسلسل صفقة بواخر الكهرباء ما زال حاضرا على المسرح السياسي. في آخر نصف ساعة من جلسة مجلس الوزراء الاخيرة وعن طريق "الحشر والزرك" عُرض ملف الكهرباء، الذي يعُّل منذ 8 سنوات، فطرح وزير الطاقة سيزار ابي خليل تجديد عقود الباخرتين الموجودتين في المياه اللبنانية واللتين تؤمنان نحو 400 الى 500 ميغاواط يحتاج اليها البلد بشدة لعدم ترك لبنان من دون كهرباء، وعلى رغم تحفظنا على "البواخر" ككل، حاول عدد من الوزراء من ضمنهم وزراء القوات اقناع ابي خليل بالتجديد لعام واحد بدل ثلاثة اعوام، وبعد اخذ ورد، اقترح تجديد العقود ثلاث سنوات بشرط ابقاء هامش الحرية للحكومة بوقف العمل بالعقد ساعة تشاء من دون ان تترتب عليها اي موجبات او غرامات، علّ العمل بمعمل دير عمار لانتاج الطاقة ينتهي خلال هذه الفترة، فيتم الاستغناء عن البواخر، مؤكدا ان الشركة المشغّلة للباخرتين ستمنح لبنان مجانا 200 ميغاواط اضافية خلال فصل الصيف، مع خفض كلفة استئجار البواخر. فتم الاتفاق في مجلس الوزراء على هذا الاساس، بيد ان المفاجأة جاءت منذ ايام في قرار مجلس الوزراء كما تم تدوينه، موحياً بأن الباخرة الثالثة التي لم يرد ذكرها في الجلسة ستمنحنا الـ200 ميغاواط في الاشهر الثلاثة الاولى من عملها الذي ستكمله لاحقا. ومع ارتفاع صوت الوزير غسان حاصباني ثم سائر الوزراء، ومراجعة الامانة العامة لمجلس الوزراء من خلال رسائل اعتراض على ايراد ما لم يتم الاتفاق عليه في نص القرار بدأ مسار مواجهة تمرير صفقة جديدة "خلسة". وعلى الاثر اطلق الوزير باسيل حملته على وزارة الشؤون الاجتماعية في ملف النزوح وكأن قرار اعادة النازحين او ابقائهم في لبنان في يدها.
ويتابع جعجع: ان الاجهزة الامنية اللبنانية، بما فيها الامن العام، لديها كل الداتا اللازمة التي يطلبها الوزير باسيل، وللتذكير فإن وزارة الداخلية اصدرت منذ عامين قرارا يقضي بمنع اي نازح سوري يتوجه الى سوريا من العودة الى لبنان وتم تكليف الامن العام بتنفيذ القرار. اذاً ما يطالب به باسيل قائم ويفترض بوزارة الداخلية انها تطبق القرار، فما الغاية من انتقاد وزارة الشؤون؟ ويضيف: يا معالي الوزير، العهد كله اليوم في تصرفك، فتحرك وافعل. وأوقف لعبة ذرّ الرماد في العيون للتعمية على الملفات وتمرير الصفقات خلافا للقانون. ان اعادة النازحين تفترض اتخاذ قرار سيادي لبناني حكومي تكلّف الوزارات المعنية الاعداد لتنفيذه، الداخلية حيث اصدقاء الوزير باسيل كما تجلى في مرسوم التجنيس الاخير، بما يتعلق بالخروج عبر المعابر الشرعية، الدفاع والخارجية في الجزء المتصل بالنازحين ممن هم ضد النظام والواجبة اعادتهم عبر اتصالات مع تركيا والاردن لتأمين طريق العودة الامنة الى الشمال والجنوب السوري. فما الذي فعله في هذا الشأن؟ لا شيء سوى توظيف ملف على هذا القدر من الخطورة في سوق الاستهلاك المحلي، للقنص على وزارة الشؤون والتعمية على تقصيره.
اما في الهجوم على وزارة الصحة، فيصوبون على الوزير حاصباني في ملفي سقوف المستشفيات والادوية. يقول رئيس القوات: منذ ثلاثين عاما يغيب التوزيع العادل لاسرّة وزارة الصحة على المستشفيات الى حين اعتمد الوزير حاصباني مقياسا علميا عادلا اعاد على اساسه التوزيع. اما الادوية ولدى تسلمه مهام الوزارة كان الكثير منها يفقد من السوق اللبناني، فعمد الى توفيرها واتاح المجال للـ"جنريك" بشكل واسع وخفض الاسعار الى الحد الادنى في عملية توازن دقيق بين توافر الدواء وسعره، وكل المعنيين يشكرونه ما خلا من يقف خلف الحملات ضده، فابحث عن بواخر الكهرباء التي يتصدى لها حاصباني في شكل خاص.
واذ اكد استمرار التصدي للصفقات بكل اشكالها والكهرباء في شكل خاص، اعتبر ان لا احد قادرا على احراجنا لاخراجنا من الحكومة على رغم دفعهم في هذا الاتجاه ليستريحوا ويصبح متاحا امامهم تمرير الصفقات. واوضح ان التواصل مستمر مع رئيسي الجمهورية العماد ميشال عون والحكومة سعد الحريري وحتى مع الوزير باسيل، مؤكدا ان العلاقة بين القوات والتيار اكبر من الاشخاص والافراد ولا يحق لأحد التلاعب بها لمكاسب خاصة، ونبذل اقصى جهدنا لابقاء هذه العلاقة فوق المناكفات.
ويختم بالتأكيد ان القوات لن تقبل بالحصول على اقل من حجمها الذي افرزته الانتخابات في الحكومة العتيدة، معربا عن اعتقاده ان الرئيس الحريري لن يرضى بحكومة غير متوازنة، متمنيا مشاركة الجميع فيها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق