الجمعة، 1 نوفمبر 2019

انتفاضة في مواجهة الفساد والنظام الطائفي

كتب فهد المضحكي:
2 نوفمبر 2019 ـ

فرض اللبنانيون خيارات جديدة لم تكن يومًا في حسابات الطبقة السياسية التي حكمت البلاد لعقود وفق توازنات وحسابات طائفية، فرضها الواقع، وأمنت لها القدرة على التحكم بالبلاد، قبل أن يقلب الشعب الطاولة، لشل قدرة الطبقة السياسية على اللعب على هذه التناقضات التي عادة ما تستثمر لتأليب فئة ضد فئة.

حدث تاريخي في لبنان، هذا ما جاء على حد تعبير أغلب الصحف اللبنانية والعربية وبعض المواقع من بينها (فلسطين اليوم) الذي ذكر في تحليل له: هذا ما يمكن وصفه قد حدث بغض النظر عما سيسفر وعما سينتج عنه، خصوصًا أن الشعب اللبناني توحد خلف مطالب وشعارات، ونجح في فرض معادلة الشارع على الطبقة السياسية مجتمعة، بدأت كرة الثلج بتحركات عفوية سرعان ما تحولت إلى كرة نار شملت كل الأراضي اللبنانية من دون استثناء.

عمليًا انطلق الغضب الشعبي العارم، الذي لم يشهد لبنان مثيلاً له سوى في العام 1992 الذي أطاح يومها حكومة عمر كرامي، لكن بنسبة أقل بكثير، بعد محاولة الحكومة إقرار سلسلة من الضرائب الجديدة التي تطال الفئات الفقيرة والمعدومة، لكن سرعان ما تبين من الحشود وكذلك من شعاراتهم أن الأزمة ليست في الضرائب فقط، بل في كل ما يحصل في البلد من النظام الذي أطبق سيطرته بفعل المحاصصات والفساد وصولاً إلى الوضع الاقتصادي.

فاجأت التحركات الحكومة اللبنانية والطبقة السياسية بسبب سرعة انتشارها، وتحرك كل المناطق، وكل الطوائف، وضربت عمليًا قدرة هذه الطبقة على تخويف فئات من الأخرى، كما جرت العادة.

وإذا كان الوقت مازال مبكرًا لدراسة ما يجري وتقدير ما ينتج عنه من ديناميات جديدة في لبنان، فإن ما استخلصه الكثير من المحللين السياسيين من خلال المشاهدات والشعارات والشهادات والأحداث المتسارعة يمكن كما أشار إليها الكاتب زياد ماجد الخروج بعدد من الملاحظات: 

الملاحظة الأولى ترتبط بأعمار أكثرية المتظاهرين ودلالاتها، فرغم وجود أفراد من أجيال مختلفة، طغت على المشهد حتى الآن شبابيته، أي انتماء معظم من فيه إلى جيل لم يتكوّن تسييسه او تماسه مع الشأن العام في مرحلة انقسامات العام 2015.

وهو بهذا المعنى جيل ما بعد 8 و14 آذار/‏‏ مارس، وما جسدته من قسمة طائفية من جهة، وتموضعات إقليمية -والوصاية الايرانية- وخلافات حادة حول العلاقة بالنظام السوري من جهة ثانية، الجيل هذا، وتأسيسًا على أول اقتحام لبعض مكوناته للحيز العام قبل 4 سنوات، خلال تحركات «طلعت ريحتكم» (إثر تفاقم أزمة النفايات)، يبدو أكثر تركيزًا على الشؤون السياسية والمعيشية اليومية من شؤون «المنازلات الكبرى»، ويبدو أقرب إلى قضايا الحريات العامة والخاصة ومواجهة الفساد والبحث عن انتزاع مقدار مقبول من العدالة الاجتماعية، وطي صفحة وجود أفراد وعائلات سياسية ولد ونشأ وبدأ البحث عن عمل في ظل وجودها في السلطة، رغم فشلها وقلة كفاءتها وتعاظم فضائح الفساد والهدر داخلها ومن حولها.

الملاحظة الثانية، وبناءً على سابقتها، تتعلق بمستويين مختلفين من الحراك الواحد، مستوى واحد يحمل إرادة تغيير النظام السياسي بوصفه نظام تقاسم حصص ترعاه الطائفية وشبكاتها الزبائنية وتحول من خلاله من دون أي إصلاح جدي، وهذا يعني إسقاطًا لرموزه (رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان)، والمكونات الحزبية بتلاوينها المختلفة التي لم يسلم منها حزب الله هذه المرة، رغم التوجس عادة من ذكره لأسباب ترتبط بسلاحه وبخشية من نقل نقاش التحرك بأسره نحو الأبعاد الاقليمية الخلافية التي يمثلها.

والمستوى الثاني اجتماعي او طبقي، تظهره الكثير من الصور والشعارات والشهادات، ويمثله فقراء وذوو دخل محدود ينخرطون في التحركات بسبب تراكم الأزمات الاقتصادية والمالية في السنوات الأخيرة، وسعي المسؤولين -المنتمين بأكثرهم إلى طبقات ميسورة أو ثرية ورثت ثرواتها او جمعتها عبر الريع السياسي والأنشطة الاقتصادية والفوائد المصرفية المحمية بقوانين تضعها لنفسها- لفرض ضرائب جديدة، ولعل أكثر ما يستفز في هذه الضرائب هو التحجج بأزمة والقول بضرورة من خزينة الدولة بموارد يعرف الناس إنها كسابقاتها ستنحسر نتيجة النهب وسوء الإدارة والإصرار على خيارات اقتصادية عقيمة!

الملاحظة الثالثة، إن خريطة المتظاهرات تظهر انتشارًا للتجمعات والمسيرات غير مسبوق في لبنان منذ سنوات طويلة، وهذا يعني لا مركزية للحراك وينتج شعارات له متنوعة، وباستهدافات سياسية تخص «زعماء» طائفيين - سياسيين في كل ناحية أكثر من غيرهم. وفي هذا جديد يُعيد حيوية إلى الأطراف ويقلص من احتمالات توظيف الطائفية والنزعات الجهوية لإجهاض التحركات الشعبية المركزية في بيروت، ولعل المشهد الجنوبي والنبطية تحديدًا على الثنائي الشيعي حركة أمل - حزب الله، مع هجاء حاد ضد رئيس أمل والمجلس النيابي نبيه بري، يشير إلى هذا الحدّ في مظاهرات جنوبية حاشدة في العقود الأخيرة.

الملاحظة الرابعة، ترتبط بمشهدية التظاهر والتجمعات والأغاني وحركة الأجساد، وفيها تشابه مع مظاهرات الثورات والانتفاضات العربية في موجتيها الأولى والثانية (في سوريا ومصر وتونس ثم في الجزائر والسودان والعراق) مع إضافتين ترتبطان بحجم الحضور النسائي الاستثنائي في لبنان بانعدام السرية والخوف من القمع (على الأقل في اليومين الأولين) والاحتفالية اللذين يرافقان ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي.

بغداد.. مظاهرات حاشدة ومطالبة بالتحقيق في "الغاز القاتل"

من مظاهرات العراق 1 نوفمبر - رويترز

في كل من الاحتجاجات المستمرة بـ«العراق» و«لبنان» تتعارض مطالب الشعب بالحكم المسؤول، والإغاثة الاقتصادية ووضع حد للفساد، مع مفهوم الطائفية القائم على الهوية، لكن هل ستحفز الاحتجاجات ذات الدوافع الاقتصادية التي تدعو إلى سقوط النظام الطائفي السياسيين العراقيين او اللبنانيين على الإصلاح الفعلي؟

عن هذا السؤال تقول واشنطن بوست: الرد حتى الآن، في «العراق» كان القمع من قبل الدولة والمليشيات الطائفية، مع عدد مروع من القتلى في المقابل، وبينما العنف وضع حدًا مؤقتًا للاحتجاجات السياسية، كان ذلك على حساب زيادة الاستياء من النظام الحالي.

في حين إن الحكومة في «لبنان» قد استجابت بالفعل لسحب ضريبة (واتسآب) فإن مطالب الناس بالإصلاح لم تنتهِ بعد، النخب الاقتصادية السياسية الطائفية تواجه خيارًا تفضل فيه الحكومة الاستمرار في استخدام الطائفية والفساد للحفاظ على مصالحها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لكن الاحتجاجات تشير إلى أن الاقتصاد السياسي للطائفية، في فترة ما بعد الحرب وصل إلى طريق مسدود.

في كل من العراق ولبنان يثور الناس ضد العنف الاجتماعي والاقتصادي والسخط الاجتماعي الناجم عن الفساد والنظام الطائفي والهيمنة الايرانية، في سبيل مستقبل تسوده الحياة الحرة الكريمة.. مستقبل يتجاوز الهويات الطائفية.

​المصادر: المواقع العربية المعتبرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق