الخميس، 15 أبريل 2021

أزمة الأمير الشّريف حمزة وضعت الأردنيّ على المِحكّ


دوسلدورف/أحمد سليمان العمري ـ

عاصر الشارع الأردنيّ منذ يوم السبت 3 أبريل/نيسان 2021م ولغاية 5 أبريل/نيسان أيام عصيبة حتّى أقرّ الملك عبدالله الثاني في التعامل مع موضوع الأمير حمزة ضمن إطار الأسرة الهاشمية الملتحمة، فقد أوكل لعمّه الأمير حسن بن طلال الذي تواصل بدوره مع الأمير حمزة الذي أكّد من خلال رسالته من بيت عمّهما أنّه يضع نفسه بين يديّ جلالة الملك وبقائه على عهد الآباء والأجداد وفياً لإرثهم سائراً على دربهم ليقطع بذلك دابر المتآمرين المتملّقين بعباءة الولاء والميثاق.

شهدت عمّان يوم السبت حملة اعتقالات طالت الشّريف حسن بن زيد وباسم عوض الله ومدير مكتب الأمير وبعض مرافقيه وآخرون بتهمة تحركات ونشاطات توظَّف لاستهداف أمن الدولة، كما وأخضعت قيادة الجيش سُمُوّ الأمير حمزة قيد الإقامة الجبرية.

في هذه الأثناء كانت التغطية الرسمية في الأردن حول جمال الجسور في العالم والشارع الأردنيّ يشتعل ويستقي تطورات الأحداث عبر القنوات الخارجية أو تكهّنات الإعلام الموازي ليظهر الأمير من خلال فيديو وجّهه للعالم باللغة الإنجليزية والعربية بثّته قناة العربية ويصدم محبوب الأردنيين كلّ الأردن بخطاب حزين يبرأ من الفساد والتغلغل في مؤسّسات الدولة والتنفّع والتنفّذ من مجموعة صغيرة على حساب الوطن؛ قربه من الشارع يُدفِعه الثمن وتُخضِعه رئاسة هيئة الأركان العسكرية والمخابرات للإقامة الجبرية وعزله كليّاً عن العالم الخارجي.


  في الأثناء صرّحت المصادر الرسمية في مؤتمر صحفي عُقد في 5 أبريل/ نيسان قدّمه نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي تضمّن إتهمام صريح للأمير حمزة بنشاطات وتحركات تستهدف أمن الأردن وربط اسمه مع أكثر الشخصيات الأردنيّة تنفّعاً، اقترن اسمه بملفات فساد كثيرة، باسم عوض الله. وقعت هذه التصريحات على مسامع الأردنيين كالصّاعقة وسابقة لم يعرفها الأردنيّ ولا الأسرة الهاشمية، فقد عُرف الأمير بقربه من الشارع وحديثه بنبضه ليفوز بقلوبهم ويذكّرهم بوالده المغفور له، ملك القلوب الملك حسين. لقد حمل المؤتمر الصحفي توجيه صريح للأمير ووضعه أمام خيارين، إمّا التسوية داخل العائلة - وهذا الذي حصل - أو مثوله في محكمة أمن الدولة، وبذلك رفع الغطاء عنه، ناهيك عن ضبابية المؤتمر الذي لم يتّسم بالشفافية على الإطلاق، بينما تصريحات رئيس الوزراء بشر الخصاونة سحبت يوم 12 أبريل/نيسان الخيار العائلي لتبقي مثول الأمير حمزة أمام محكمة أمن الدولة بتهمة التآمر كخيار أخير لا بديل له، وذلك في جلسات مغلقة لمجلسي الأعيان والنواب، الذي قدّم الخصاونة فيه شرحاً «عن طبيعة العلاقة والاتصالات بين المعتقلين الثلاثة الأبرز في ملف المؤامرة» حسب صحيفة القدس العربي.

إذا صحّ النقل فيعتبر هذا تصريحاً صريحاً بإعتقال الأمير حمزة، فالقول «بين المعتقلين الثلاثة الأبرز» واضح لا يقبل التأويل، هذا لأنّ المقالة لم تتطرّق بالإسم لغير ثلاثة أشخاص والأمير واحد منهم؛ هذا الطرح هو ذاته الذي قدّمه الصفدي - وهو اتهام صريح للأمير بالخيانة - مع بعض الجزئيات التي قُدّمت بهالة دلائل واهية.

بينما عوض الله كان يتنّقل بين السعودية والإمارات العربية وتربطه بينهما علاقات سياسية واقتصادية بالإضافة إلى حديث يتناوله الإعلام عن نشاط مشبوه مع الإمارات لشراء الأراضي والمنازل في القدس القديمة لصالح إسرائيل. وعوامل مشتركة جمعت بين الشّريف حسن بن زيد والأخير تمثلّت في حسن علاقتهما مع ولي العهد محمد بن سلمان وحملهما الجنسية السعودية، وكلاهما أيضاً كان موفد عن الأردن لدى السعودي.


في هذه الأثناء تصاعدت فكرة المؤامرة على النظام الأردنيّ في العالم بعد التصريح الرسمي للصفدي لتتصدّر الصحف عناوين إنقلاب في المملكة، فقد حمّل المؤتمر هذه الإعتقالات مفاهيم بغاية الخطورة دعّمت فكرة المؤامرة، لتتسابق الدول بتقديم الدعم لسيادة الأردن وبعضها كانت ترسل رسائل التأييد بالشمال وتضع خنجراً باليمين، فضلاً عن الإجراءات الظالمة القاسية التي نفذتّها قيادة الجيش بحق الأمير بدلاً من تدخّل الجهات المختصّة ووضع الدولة بحالة طوارىء مبالغ بها دون حاجة، وفتح المرتاج بشقّيه للأنفس المريضة الوصولية الانتهازية للنيل من سُمُوّ الأمير وهم ينالون بذلك من الملك نفسه، وآخرها مقالة نشرتها جريدة الغد الأردنيّة لفهد خيطان منحت المتلقي إحساساً بأنّ الأخير هو طرف استخباراتي، فإدانته الصريحة لسُمُوّ الأمير، لا بل سرد تفاصيل حول تواصله المزعوم مع باسم عوض الله ومحمد دحلان هي دلالة إطّلاع كامل على مجريات التحقيق - وهذا خرق - أو توظيفه لتهيئة الشارع لما ينتظر الأمير حمزة، متمثّلة بمثولة كمتآمر أمام محكمة أمن الدولة؛ وكلاهما كالهارب من التشبيه ليقع في التعطيل، وليست الأولى بأقل شرٍّ من الأخيرة، أو علّ ظنّ خيطان أنّ الولاء للملك مقرون بالضرورة بركوب موجة الإدانات الخطيرة الأخيرة، وهذا جهل ومصاب جلل.

الوضع الراهن يقدّم خلاصة تتمثّل بكلمات رافضة دبلوماسية؛ تتأرجح بين انتظار التصريحات الرسمية لتجرؤ بالطرح أو تكتب بالقدر الذي يسمح به نظام الدولة، وأخرى تتبنّى أي طرح حكومي ليُعزّز من «التسحيج» والمساهمة بالتخلّف ويبرّر ضبابية التحيّز الرسمي وسكوت خيّم على البيت الأردنيّ بعد خطاب الملك الأخير مؤطّراً بتساؤلات كثيرة، فقد «وئدت الفتنة» حسب تعبير الملك بخطابه الخطّي الأخير، إلّا أنّ نصّ الرسالة قد لا يدين الأمير ولكن لم يبرئه، كما أنّ نصّ الرسالة «حمزة اليوم مع عائلته في قصره برعايتي» يحتمل معنيين الأول طمأنة الشارع والآخر عدم رفع قيد الإقامة الجبرية عنه.   

بالإضافة إلى التضارب حول زيارة وفد سعودي يوم الاثنين 5 أبريل/نيسان للمطالبة بالإفراج عن باسم عوض الله حسب بعض المصارد وأخرى رسمية أردنيّة تتحدّث عن زيارة تضامنية لا غير. زيارة وزير الخارجية السعودية عقب اعتقال الأخير تؤكّد وضعاً غير سوي للعلاقة مع عرّاب الفساد والأحداث التي تسبّبت التصريحات الرسمية المبالغ بها بتأزّم الدولة برمّتها ووضعها في حالة تأهّب غير مبرّرة.    

عندما نتحدّث عن انقلاب، فالحديث يكون عن تواطؤ جهاز المخابرات وقيادة الجيش والداخلية، أمّا إذا كانت الاعتقالات التي أوكل إليها هذا الاتهام لا تتجاوز شخص هو خلاصة فساد حكومي مُعضل وطاقم مرافقي الأمير ومدير مكتبه، فيجب أن يكون الحديث هنا عن شيء آخر أكثر بعداً عن تهديد أمن الدولة.

فهل حملة الإعتقالات بوزن هؤلاء الأشخاص كافية لإنقلاب أو ضعضعة الأمن؟ أم علّها أكثر من «قرصة أذن لتصل إلى كسر رُكبة ورسالة بمثابة إنذار لتحجيم الحريّات؟»

أصابع الإتهام تشير إلى السعودية والإمارات وعدم استبعاد تورّط اليمين اليهودي حسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية في تقرير موسّع حول الأحداث الأردنيّة، لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه في هذه المعادلة، ما هي مصلحة الدولتين للإضرار بأمن الأردن؟ وخاصّة مع تزامن توقيع اتفاقية الدفاع الأردنيّة الأمريكية بتصريحات الاحتلال عن إنشاء سكّة حديد تربطها مع الإمارات مروراً بالأردن والسعودية. أليس الأجدر الحفاظ على العلاقات الأردنيّة على الأقل لتأمين المشروع الإمارتي مع الإحتلال؟ المقام يحتاج إلى أكثر من استطراد لكشف التواطؤ الذي تقرّة مجموعة متنفّذة على حساب وطن، ولتوضيح ما قدّمته الإتفاقية يحتاج لأكثر من تساؤلات في مقال.

الأزمة التي يمرّ بها الأمير حمزة وضعت الأردنيّين على المِحكّ، فرغم حبّهم للأمير وتوظيف هذا الودّ من بعض الجهات الحاقدة المغرضة وأعداء الدولة ليخلقوا شرخاً في الأمّة جرّاء الأزمات الإقتصادية وتفاقم المديونية وتهالك المنظومة الصّحّيّة والتعليميّة التي تمرّ بها الدولة، إلّا أنّهم مجتمعون على وحدة الصّف أمام أي فكرة أو خطوة تهدّد أمن البلاد.

 الأردنيون ينتقدون أداء الحكومة وضعف المؤسّسات وهشاشة البرلمان دون هوادة ويختلفون بالمبتدأ والخبر، غير أنّهم ملتفّون حول مؤسّسة العرش. لذلك كان بالإمكان تقديم لائحة الإتهام بشكل أكثر موضوعية وواقعية تتناسب وحجم الأزمة دون تهويل والحفاظ على أفراد العائلة الهاشمية - أبناء الحسين رحمه الله وطيّب ثراه - وعدم التسرّع بتقديم التهم إليهم حتى تطاول المتملّقون المخادعون على الأمير الشّريف، وكان البعض على استعداد لتقديم الكثير من الدناءة ظنّهم أنّهم بذلك يتقرّبون.

حمداً لله على سلامة الأردن والأمير، فقد كانت الأيام الأخيرة بمثابة الحمّى أصابة الجسد الأردنيّ، وكلّ عام وأنتم بخير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق