رصد المراقبون في العاصمة الأميركية نشاطاً تقوم به مجموعة من اللبنانيين الأميركيين، باسم وزير خارجية لبنان السابق جبران باسيل، وينقلون عنه وعده لمسؤولين في إدارة الرئيس جو بايدن ولأعضاء نافذين في الكونغرس بأنه مستعد لإنهاء تحالف حزبه التيار الوطني الحرّ مع حزب الله، وإعلان تبنيه كل قرارات مجلس الأمن الدولي التي تدعو لحل الميليشيات في لبنان، كالقرارين 1559 و1701، في حال وافقت واشنطن على تبني وصول باسيل لرئاسة الجمهورية في لبنان.
ويعتقد الخبراء في واشنطن أن أسلوب حزب الله وباسيل، يقضي بتجميد الحياة السياسية في لبنان إلى أن يتم لهما ما يريدان. وسبق للحزب اللبناني الموالي لإيران أن فرض فراغاً رئاسياً مرتين لفرض الرئيس الذي يريده الحزب. هذه المرة، يرى الخبراء أن باسيل يتبنى أسلوباً مشابهاً ولكن بتجميده تشكيل حكومة، أي أن الوزير السابق لن يدع عمّه عون يوافق على أي تشكيلة حكومية ما لم يتلق باسيل تعهدات من الأفرقاء اللبنانيين أنهم سيقومون بانتخابه رئيساً خلفاً لعون. كذلك، يسعى باسيل للحصول على تعهدات دولية مشابهة من واشنطن والعواصم العربية الحليفة لها.
ومن يعرفون باسيل يقولون إنه يولي أهمية كبيرة للموافقة الأميركية والعربية لانتخابه رئيساً، وأنه لا يمكنه الوصول إلى الرئاسة بتأييد طهران وحلفائها وحدهم. لهذا السبب، قام باسيل بزيارات متعددة إلى واشنطن على مدى السنوات الماضية، منها أثناء عمله وزيراً للخارجية. لكن على الرغم من منصبه الرسمي، لم تمنحه الإدارات الأميركية المتعاقبة أي لقاءات رسمية تذكر.
وكان اللقاء الرسمي الأخير لباسيل في العاصمة الأميركية مع نائب وزير الخارجية السابق جون سوليفان في تموز 2018، وجاء اللقاء على هامش مؤتمر الحريات الدينية الذي استضافته واشنطن. لكن في السنة التالية وأثناء مشاركته في المؤتمر نفسه، حرمت إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب باسيل أي لقاءات رسمية، فاكتفى بحضور حفل عشاء أقامه التيار الوطني الحر وشاركت فيه عمدة مدينة واشنطن موريل بوزير بسبب العلاقة التي تجمع المنظمين، وهم من المقاولين ممن يشرفون على مشاريع في العاصمة، مع بوزير.
ومضت العلاقة تتدهور بين الولايات المتحدة وباسيل حتى بدا أنها ارتطمت بالقعر، في تشرين الثاني، عندما أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات مالية على الوزير اللبناني السابق بموجب قانون ماغنتسكي، الذي يعاقب المسؤولين ممن يجنون أموالاً بالإفادة من مواقعهم في الدولة بالاقتران مع ارتكابهم اختراقات لحقوق الإنسان. وفي حالة باسيل، كان السياق الذي اعتمدته إدارة ترامب مبني على اعتبار أن باسيل أثرى من مناصبه الحكومية بسبب تحالفه مع حزب الله، الذي تضعه واشنطن على لائحتها للتنظيمات الإرهابية.
واعتبر باسيل أن العقوبات الأميركية التي تعرّض لها كانت ثمن “مواقفه المؤيدة للمقاومة”، لكنه مع ذلك، لم يتخل عن حلم نيل تأييد الولايات المتحدة وحلفائها العرب للوصول للرئاسة خلفا لعمّه عون.
ومنذ تشرين الثاني، تحرك عدد من اللبنانيين الأميركيين من المؤيدين للتيار الوطني الحر، الذي يرأسه باسيل، لإصلاح الأمور بين الوزير اللبناني السابق والعاصمة الأميركية. ومن قياديي التيار سفير لبنان في واشنطن غابي عيسى، الذي أمضى عقوداً في الولايات المتحدة أثناء سني منفى عون في باريس. وكان عيسى من أبرز الأصوات التي كانت تحرّض ضد احتلال قوات الرئيس السوري بشار الأسد للبنان وتنادي بحل حزب الله.
لكن انقلاب عون من معارض للأسد وحزب الله»إلى حليفيهما، وعودته إلى لبنان، ثم فوزه بكتلة نيابية وبعدها وصوله للرئاسة، أجبر «العونيين» في الولايات المتحدة على انتهاج سياسة مضادة لتلك التي كانوا انتهجوها على مدى عقود، وهو ما أدى إلى خسارتهم معظم حلفائهم وعزلتهم، وهي العزلة التي يعاني منه السفير اللبناني عيسى، الذي بالكاد يلتقي أي من المسؤولين الأميركيين في أي من الإدارات المتعاقبة.
على أن فوز بايدن، ووصول بعض أصدقاء إيران إلى مناصب رفيعة في الإدارة الأميركية، جدد أمل «العونيين» بإمكانية عكس قرارات الإدارة السابقة، أي كما ترفع أميركا عقوبات ترامب عن إيران وتعود للاتفاق النووي، يمكن لها أن ترفع عقوباتها على باسيل، وتنظر في إمكانية فوزه بالرئاسة اللبنانية.
لكن ما لا يدركه «العونيون» هو أن مشكلة واشنطن مع «حزب الله» لا تتأثر بعلاقتها مع طهران، إذ سبق للرئيس السابق باراك أوباما أن وقع على قانون عقوبات على «حزب الله» في الأسابيع، التي تلت توقيعه على الاتفاقية النووية مع إيران. حتى طهران نفسها لم تعترض – في ذروة التقارب بينها وبين واشنطن – على العقوبات الأميركية على الحزب اللبناني الموالي لها. وكذلك الأمر سيكون مع باسيل، أي أنه حتى لو استعادت واشنطن العلاقة الأفضل مع طهران، سيبقى «حزب الله» على اللائحة الأميركية السوداء، ومعه حلفاؤه مثل باسيل.
ختاما، يقول المتابعون إن أصدقاء باسيل في واشنطن يسعون لإقناع أميركا أن الوزير السابق مستعد لتبني القرارات الدولية لأن «حزب الله» ليس مشكلة لبنانية، بل هو مشكلة دولية، وانه «إذا لم يكن العالم قادرا على حلّ ميليشيا حزب الله، فكيف يتوقع الأميركيون أن تنجح دولة لبنان بذلك؟»
وسبق لباسيل ورئيس حكومة لبنان المكلّف سعد الحريري أن أعلنا – إبان التسوية بينهما التي أدت لانتخاب عون رئيساً، وأعادت الحريري رئيساً للحكومة – أن دولة لبنان في حلّ من التعاطي مع «مشكلة حزب الله»، التي صنفوها «مشكلة دولية». ووافقت واشنطن على ذلك الترتيب على مضض، لكن ما لبث أن توصل المسؤولون الأميركيون إلى ما مفاده أن «حزب الله ليس مشكلة دولية، بل هو مشكلة اللبنانيين، أولاً وأخيراً».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق