كتب عباس علي مراد ـ
بعد الكوارث الطبيعية من حرائق الغابات إلى الفيضانات ووباء الكورونا الذي ما زالت مخاطره حاضرة، بالإضافة إلى الفضائح الجنسية التي تصدرت الحدث السياسي العام الماضي، وفضائح التقديمات المالية لمساعدة نواب الأحرار في المقاعد المتأرجحة للفوز بمقاعدهم، ضربت البلاد عاصفة سياسية عنيفة بعد الإنتخابات النيابية الفيدرالية الأسبوع الماضي حيث قلبت الوضع السياسي رأساً على عقب.
في قراءة للنتائح، أكد الناخب الأسترالي أن وعيه السياسي يتقدم على وعي السياسيين الذين من المفروض بهم قيادة البلاد حتى يتفرغ المواطنون لحياتهم. ما حصل في العقد الأخير وخصوصاً في السنوات الثلاث الأخيرة بعد الفوز المعجزة لرئيس الحكومة السابق سكوت موريسن في انتخابات عام 2019 كان له تداعياته الكارثية على موريسن وحزبه (الأحرار) الذي تحول إلى ركام سياسي بدون زعيم يعتد به بعد الإطاحة برؤوس يطلق عليها "النجوم" وإخراجها من البرلمان وأهمها وزير الخزينة جوش فرايدنبرغ.
اعتقد موريسن أن بإمكانه الحكم بمعجزة، لكن إخفاقاته جعلته شخصياً محور العمل السياسي وسُلط الضوء على ادائه وأسلوبه الذي نفر المواطنين منه ومن حكومته التي أغرقت البلاد في بحر من الدين العام (865 مليار دولار) وفشله في ان يكون قريباً من الناس ومعاناتهم وخصوصاً النساء، فاتسعت الهوة بينه وبين الشعب، فتارة لا يحمل خرطوم ماء لمكافحة الحرائق، وتارة أخرىً اننا لسنا في حالة سباق لتأمين اللقاحات لمعالجة الكورونا، وطوراً تهربه من لقاء ضحايا الفيضانات وضحايا الإغتصاب.
لقد نجح برنامج موريسن لحفظ الوظائف (جوب كيبر) أثناء أزمة الكورونا رغم ما رافقه من هدر لمليارات الدولارت التي حصلت عليها بعض الشركات بدون وجه حق، ومع ذلك دافع موريسن ووزير خزينته جوش فرايدنبرغ بشراسة عن الخطة ولم يسع لإستعادة تلك الأموال.
ومن الملاحظات المهمة على حدث نهاية الأسبوع فقد أظهرت نتيجة الإنتخابات مفاجآت على أكثر من صعيد.
1- فشل استطلاعات الرأي للمرة الثانية على التوالي بتوقعاتها حيث توقعت فوز العمال عام 2019 ليفوز سكوت موريسن بمعجزته، واليوم رغم فوز حزب العمال الا أنه لم يحقق نصرا حاسماً ليشكل حكومة بمفرده كما كانت تتوقع كل إستطلاعات الرأي التي أصبحت مصداقيتها على المحك.
2- تراجع الأصوات الأولية للحزبين الكبيرين (عمال 31.8% وهي الأدنى منذ 100عام، أحرار 35.7%) وهو ما له دلالته، لأن ابتعاد الناخبين عن الحزبين يحمل رسائل قوية بأن سياسة الحزبين لم تعد تعكس توجهات الرأي العام، وهذا التراجع مستمر من تسعينات القرن الماضي، حيث كانت النسبة تقارب 90% للحزبين بينما هي الآن حوالي 68%، وقد لعبت طريقة اختيار بعض المرشحين وإنزال المقربين من القيادة الحزبية بالمظلات في بعض المقاعد الآمنة دوراً واضحاً حيث عاقب الناخبون الحزبين، فالعمال خسروا مقعد فولر الذي ترشحت عنه كريستنينا كينلي بتزكية من قيادة الحزب مع أنه من اكثر المقاعد الآمنة للعمال في سدني وحتى في أستراليا. أما الأحرار فخسروا عدة مقاعد لصالح المرشحين المستقلين ولنفس السبب حيث فرض موريسن بعض المرشحين المقربين منه في (شمال سدني، ونتورث، ماكالار ووارنغا)
3- أكثر من 30% من الناخبين اقترعوا لصالح المستقلين والأحزاب الصغيرة خصوصأ حزب الخضر الذي حقق فوزاً تاريخياً ويحتمل أن يصل عدد نوابه إلى اربعة ويمكن ان يحصلوا أعلى نسبة من النواب للأحزاب الصغيرة التى تؤهلهم للاحتفاظ بميزان القوة في مجلس الشيوخ.
النواب المستقلون وحزب الخضر لهم اهتمامات مختلفة ولكن هناك اتفاق بينهم على قضيتين مهمتين الإحتباس الحراري واقامة مفوضية فيدرالية للنزاهة ومكافحة الفساد بصلاحيات فعيلة، وهذا ما كان يرفضه سكوت موريسن الذي وصف مفوضية مكافحة الفساد في نيو سوث ويلز بأنها (محكمة كنغارو) أي محكمة ميدانية بالإضافة إلى الإنقسام الحاد داخل الائتلاف الحكومي (الأحرار والوطني) حول التغيرات المناخية وتخفيض نسبة انبعاث الكربون في الجو,
4- حكومة موريسن هي أول حكومة في أستراليا تخسر الإنتخابات في زمن الكورنا، بينما باقي الحكومات في الولايات اعيد انتخابها وبأكثرية واضحة.
5- انتخاب أول رئيس وزراء أسترالي من خلفية غير انكلوسكونية، ومن خلفية طبقية فقيرة، هذا ما ردده انثوني البانيزي أثناء وبعد الحملة الإنتخابية في خطاب النصر حيث قال: يمكنك ان تصل إلى أعلى المناصب بغض النظر عن اسم عائلتك او كنت من عائلة فقيرة، هذا ما أشار إليه الإعلامي ديفيد سبيرز عن فوز ألبانيزي الذي نشأ في المنازل الحكومية وإنتقل إلى (اللودج) مقر رئيس الحكومة الرسمي.
البانيزي هو الزعيم العمالي الرابع بعد غوف ويتلم وبوب هوك وكيفن راد منذ الحرب العالمية الثانية الذي يفوز بالإنتخابات من المعارضة.
6- فوز حزب العمال ولكن عدم مقدرته تشكيل الحكومة بمفرده حيث سيضطر الحزب للتحالف مع الأحزاب الصغيرة او المستقلين لتشكيل حكومة أقلية.
7- ما يسمى المقاعد الآمنة لم تعد آمنة ابداً، هذا ما ظهر جلياً حيث خسر العديد مقاعدهم الآمنة التي كانوا يحتفظون بها بنسبة تتجاوز ١٠ بالمئة.
8- مصير تحالف حزبي الاحرار والوطني اصبح على المحك وحسب وزرير المالية السابق سيمون برنغهام فإن من واجب حزب الأحرارالدفاع عن قيمه.
بعد ما تقدم وغيره ما لا يتسع المجال لسرده، ما هي العبر والرسائل التي يجب على الحزبين الكبيرين استخلاصها واستنتاجها من انتخابات نهاية الأسبوع الماضي؟
رئيس الوزراء الجديد انثوني البانيزي ارتكب عدة أخطاء أثناء الحملة الإنتخابية، لكن الناخبين منحوه وحزبه فرصة تاريخية مشروطة. أما في الحكم فممنوع عليه الخطأ وبما انه اصبح هو الشخص المسؤول عليه ان يحقق أمنيات المواطنين ويواجه المشاكل والتحديات بعيداً عن لوم الأحرار على فشلهم او ارثهم الثقيل.
البداية مشجعة فخطاب الفوز الذي القاه مساء السبت الماضي كان خطاباً مهماً ومشجعاً وتوحيدياً، ولكن العبرة تبقى في التنفيذ لأن الناخبين سيكونون له بالمرصاد، واعتقد انه رأى بأم العين ماذا حصل لموريسن، وعلى البانيزي ان يتذكر دائما أن المعارضة لا تربح انتخابات بل الحكومة تخسرها.
أما بالنسبة لحزب الأحرار فبعد هزيمته المدوية وحتى لا يتوه في صحراء المعارضة لسنوات طويلة عليه إعادة النظر في سياسته والتي كلفت أستراليا والأستراليين غالياً خلال العقد الأخير، خصوصاً سياسة الحزب ومقاربته لقضايا الإحتباس الحراري والتغييرات المناخية والطاقة وعلاقته مع النساء اللواتي صببنا جام غضبهن ضده في انتخابات الأسبوع الماضي واختيار قيادة غير جرافة سكوت موريسن كما وصف نفسه التي جرفت قاعدة الحزب بعيدا،ً والأسترالين الذين قالوا "كفى".
وصف محرر الشؤون السياسية في الهيرالد بيتر هارتشر موريسن بأنه يمتاز بعدم الكفاءة، ولديه الكثير من الإخفاقات، والكثير من عدم الأمانة والكثير من الفساد الناعم أكثر من اللازم. ويتابع هارتشر في النهاية لم يكن لدى موريسن ما يقدمه، لا توجد لديه حلول، ولا مبادئ، مجرد صخب مفاده أن الناس لا يمكن أن يثقوا … ورد الناخبون بالمثل من خلال عدم تقديم أي شيء له في المقابل.
وقد لخص هذه الحالة وزير المالية السابق سيمون برنغهام بقوله: ان حزب الأحرار لديه الكثير ما يفتخر به، لكن هناك دروس وعبر حقيقية على الحزب ان يأخذها بعين الاعتبار ويتعلم منها ونستطيع ان نؤمن ذلك إذا ما تحركنا بسرعة.
أما بالنسبة للمواطنين هناك عبرة مهمة هي ان المشاركة في الحياة السياسية تؤتي ثمارها، هذا ما اثبتته نتائج انتخابات السبت 21/5/ 2022 لأنه من خلال المشاركة نحمي الديمقراطية فلا يستطيع السياسيين اعتبارنا جزءاً من عدتهم السياسية والسلطوية وكأن ذلك امر مسلم به.
أخيراً، إن الفكرة القائلة بأن حكومة الأقلية هي وصفة لعدم الإستقرار الذي يقترب من الفوضى هي كذبة استخدمها موريسن لتخويف الناخبين، مع العلم انها قد تكون أكثر مسؤولية وقد تحقق إصلاحات مهمة وتتسم بالشفافية والمساءلة، وخير مثال على ذلك حكومة نيو سوث ويلز الحالية برئاسة كلادس بيرجكليان وخليفتها دومينيك بيروتيت وهذا ما كان عليه الحال مع حكومة جوليا غيلارد الفيدرالية عام 2010-2013.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق