الثلاثاء، 30 أغسطس 2022

كيف تستطيع سريلانكا علاج مشاكلها الاقتصادي؟

 


 

بقلم: د. عبدالله المدني*


صحيح أن التوتر والفوضى وأعمال العنف التي شهدتها سريلانكا ذات ال 22 مليون نسمة قد خفت حدتها، بعد أنْ تخلت عائلة راجاباكسا الفاسدة عن السلطة، لكن الصحيح أيضا أن العهد الجديد بقيادة الرئيس رانيل ويكريمسينغا الذي اختاره البرلمان في 20 يوليو الفائت بديلا عن الرئيس الهارب غوتابايا راجاباسكا، يواجه من التحديات الثقيلة ما قد يقلب الطاولة عليه كسلفه إنْ لم يسارع إلى إيجاد حلول واقعية لها. 


وبمعنى آخر، فإن تغيير رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء لن يحل وحده ما تعانيه هذه البلاد من مآزق اقتصادية ومعيشية. فويكريمسينغا ورئيس حكومته المعين "دينيش جوناوردينا" ورثا اقتصادا منهكا، وعملة فقدت ما يقرب من نصف قيمتها، وتضخما في الأسعار وصل إلى أكثر من 60 بالمائة، ونقصا حادا في الوقود والغذاء والكهرباء، وبنكا مركزيا خاليا من العملات الصعبة اللازمة لتمويل الواردات، وديونا خارجية للصين واليابان والهند وغيرها بقيمة 51 بليون دولار (خدمة هذه الديون في ما تبقى من العام الجاري تحتاج إلى نحو 7 بلايين دولار). ونجد تجليات الوضع الاقتصادي الخانق في سريلانكا في عجز الحكومة حتى عن سداد رواتب موظفيها والعاملين في القطاع العام.


ومن هنا، كان كلام المسؤول السابق في المصرف المركزي السريلانكي بروفيسور علم الاقتصاد الدكتور "فيدورا تينيكون" حول ضرورة التحرك بسرعة لإصلاح الأمور قبل أن تنفلت الأوضاع مجددا بفعل الضغوطات المعيشية اليومية، وذلك بالتخلي تماما عن السياسات والممارسات القديمة والقيام باصلاحات جوهرية لإعادة الإقتصاد إلى المسار الصحيح، مع القيام بحملة دبلوماسية لإقناع الدائنين الكبار في بكين وطوكيو ونيودلهي بتقديم المساعدة وشطب بعض الديون المستحقة.


والحقيقة التي لا جدال حولها أن سريلانكا اليوم أمام وضع اقتصادي غير مسبوق، وتواجه أربعة تحديات رئيسية مترابطة ببعضها البعض، يتعين على الحكومة الجديدة معالجتها دون إبطاء: وتشمل هذه التحديات، اولا: كبح جماح التضخم في أسعار المواد الغذائية (خصوصا الأرز والقمح والسكر) التي شهدت ارتفاعات تراوحت ما بين 76% و 200% بحيث بات الأجر اليومي للموظف غير كافيا لتأمين وجباته الثلاث. ثانيا: تأمين وقود الطهي الذي تحولت أسطواناتها إلى سلعة يتقاتل عليها الناس في الشوارع. ثالثا: إعادة فتح دور العلم المغلقة منذ عدة أشهر مع تأمين احتياجاتها كي تؤدي دورها الطبيعي. رابعا: العمل على الحصول على حزمة مساعدات عاجلة في شكل هبات أو منح مؤجلة الدفع لإستيراد الوقود اللازم لإعادة تشغيل وسائل النقل العام، وبالتالي تأمين الانتقال السريع والآمن للجماهير.


المعروف أن سريلانكا اعتمدت في إيراداتها في الماضي على مصدرين هما السياحة وتحويلات مواطنيها العاملين في الخارج، لكن كلا المصدرين لم يعدا متاحين. فالسياحة بارت وتوقفت ولن تعود في ظل الاضطرابات والفوضى الأمنية ونقص الخدمات. وبالمثل فإن العمالة السريلانكية في الخارج لن تجازف بتحويل مدخراتها إلى عملة وطنية فقدت قيمتها ولم تعد موضع ثقة. ولهذا يقول البروفسور تينيكون أنه لا مفر أمام الحكومة الجديدة من تقليص عجز الميزانية عبر تخفيض النفقات التي كانت دائما ضعف الإيرادات أي إنفاق مفرط في ظل عائدات قليلة. ويقترح الخبير السريلانكي أن تتوقف الحكومة عن سياسة طبع المزيد من النقود لأن من شأن ذلك أحداث المزيد من التضخم، وأن تعتمد بدلا من ذلك سياسة إصلاح الميزانية عبر تخفيض الانفاقات ورفع الضرائب مع إعادة هيكلة ديون البلاد الضخمة التي علقت الحكومة السابقة مدفوعاتها في إبريل الفائت. حيث كانت نسبة 45% منها مستحقة لمستثمرين من القطاع الخاص بينما كانت النسبة المتبقية مستحقة لدول ومؤسسات متعددة الجنسيات كالصين واليابان والهند وبنك التنمية الآسيوي والبنك الدولي.


وهناك من اقترح أن خلاص سريلانكا يكمن في اللجوء إلى طلب المساعدة من البنك الدولي، مؤكدا ما ينطوي عليه مثل هذا الإجراء من آلام ومصاعب لن تكون باي حال أسوأ مما تتجرعه الجماهير حاليا. لكن المشكلة تكمن في أنه حتى البنك الدولي غير مستعد لإقراض سريلانكا ما لم تقدم الأخيرة تأكيدات وضمانات حول استعادة قدرتها على تحمل الديون، وحول استقلالية البنك المركزي السريلانكي، ومحاربة الفساد وسيادة القانون. وهو ما يعني أن سرلانكا بحاجة أولا وقبل كل شيء إلى الإستقرار السياسي، وهذا بدوره يحتاج إلى نيل رئيس الجمهورية ورئيس حكومته لتفويض سياسي قوي من البرلمان والشارع، بمعنى أن توحد القوى والأحزاب السياسية لمرئياتها وجهودها خلف الحكومة، وأن تعمل معها يدا بيد تحت شعار "توحيد الأمة وتعزيز مؤسسات الدولة والخضوع للقانون". غير أن هذا يبدو بعيد المنال، خصوصا إذا ما علمنا أن الرئيس الجديد للبلاد ليس من الشخصيات السياسية المؤثرة ذات التاريخ الناصع والكاريزما الجماهيرية بحيث تنجح في انتزاع التخويل المطلوب لإحداث التغيير دون معوقات أو اعتراضات. ولعل هذا ما دفع البعض للتشكيك حتى في قدرة ويكريمسينغا على إكمال الفترة المتبقية من رئاسة سلفه الهارب.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين

تاريخ المادة: أغسطس 2022م


الأحد، 21 أغسطس 2022

أستراليا: حكومة "الشخص"

 


تقرير عباس علي مراد:


ما قام به سكوت موريسن بتعيين نفسه سراً في مناصب وزارية عديدة بسرعة وسراً تجعل الديكتاتور يحمر خجلاً

جاكلين مالي صحافية وكاتبة 


من المؤكد أن سكوت موريسن لم يسمع بمسرحية الشخص للأخوين رحباني، لكنه وبدون أدنى شك يعرف أو انه سمع او قرأ  مقولة لويس الرابع عشر انا الدولة، والدولة انا. 

أمر غير مفهوم، خطأ، اجراء غير حكيم، أمر غريب ولا يمكن ان يجتاز "إختبار الحانة" وغيرها الكثير.. هكذا وصف بعض زملاء سكوت موريسن من حزب الاحرار الحاليين والسابقين ما أقدم عليه موريسن بتعيين نفسه سرأ كوزير رديف لعدداً من الوزرات الأساسية خلال عامي 2020 و2021 (الصحة والمالية والشؤون الداخلية والخزانة والصناعة والعلوم والطاقة والموارد). وهذا ما تذكره موريسن عندما سئل عن الأمر أو الفضيحة!

بدأت رحلة سكون موريسن مع السرية من أجل الوصول الى السلطة منذ  زمن طويل، منذ نعومة اظافره السياسية، ففي عام 2007 وبعد حملة تشويه وتخويف غير مسبوقة انقلب على مايكل طوق(من أصل لبناني) ليفوز بترشيح الحزب له عن مقعد كوك في سدني علماً ان طوق كان قد فاز بالإنتخابات الحزبية ب82 صوتاً مقابل 8 اصوات لموريسن.

في عام 2013 وعندما كان موريسن وزريراً للهجرة كان يستعمل السرية ورفض الكشف عن عمليات إعادة طالبي اللجوء "غير الشرعيين" بحجة انها قضايا تمس الأمن القومي، واحتجز بظروف غير إنسانية من كانوا موجودين في مراكز الاحتجاز سواء في جزر ناوروا او بابونيو غينيا وغيرها من جزر الباسيفك او على الاراضي الأسترالية، واستمر الأمر حتى بعد توليه رئاسة الوزراء. ولولا احتجاز لاعب التنس الصربي نوفاك جاكوفيتش عام 2021 في أحد فنادق مدينة ملبورن لما سمعنا أن هناك نزلاء من طالبي اللجوء في ذلك الفندق محتجزون منذ  عدة سنوات ولا يسمح لهم مغادرة الفندق. لكن الكشف عن هذه العمليات أصبح حلالاً زلالاً قبل انتخابات أيار من هذا العام وبأمر من الوزير الرديف لوزارة الداخلية سكوت موريسن نفسه بعد تجاوز الوزيرة ألأصلية كارن أندروز!

في أب اوغسطس من العام 2018 وبعد ان طمأن رئيس الوزراء آنذاك مالكوم تيرنبول بأنه لن يتحدى زعامته ووضع يده على كتفه لنتفاجئ بعد يومين بموريسن يعلن انه مرشح لتولي منصب رئاسة الحزب والوزراء وانقلب على تيرنبول.

ولا ننسى سفره السري الى هاواي أثناء ازمة الحرائق الني اجتاحت البلاد عام 2019، ولا حين قال انه لا يحمل خرطوم ماء لاطفاء الحرائق، او نفيه انه يعرف بقضايا ألإعتداءات الجنسية التي وقعت في البرلمان، او ما قاله الرئيس الفرنسي عن موريسن انه كذب عليه بخصوص إلغاء صفقة الغواصات مع فرنسا بعد توقيع إتفاق اوكس عام 2021.

سرية المنح الرياضية التي عرفت ب" الفساد الرياضي" والتي قدرت ب100مليون دولار قبل 3 اعوام،  والمنح لبعض المؤسات التعليمية والصناعية والتي أجل الإعلان عنها الى ما قبل الانتخابات الاخيرة، وكان لموريسن القول الفصل في منحها وقدرت ب828 مليون دولار وعن سبب التأخير يقول متحدث باسم موريسن أنها كانت تتطلب مشاورات مكثفة.

وما قاله موريسن مؤخراً حين دعى المواطنين لعدم الثقة بالحكومة وهذا ما ظهر من ازدواجية وسرية، فكيف له ان يوفق بين أن يكون رئيساً للحكومة ولا يصارح الشعب يما يعتقد به، لا بل أنه ترشح للتجديد لنفسه، ولكن الشعب كان له ولحزبه بالمرصاد فمني بشر هزيمةٍ سياسية لم يسبق لها مثيل في تاريخ حزب ألأحرار، فماذا كانت ستكون عليه النتيجة  لو عرف المواطنون بفضحية تعين موريسن نفسه وزيراً رديفاً لعدة وزراء كما تساءل احد الصحافيين.

ما تقدم وغيره مما يمكن ان يظهر للعلن مستقبلاً يبدو ان موريسن يعيش حياة سرية، ولكن لا تجري الرياح كما تشتهي السفن كل مرة، فكانت الفضيحة الأخيرة التي قصمت ظهر بعير السرية التي كان يتلطى خلفها موريسن وقد تواطئ معه في إخفاء تعيين نفسه في الوزرات التي تقدم ذكرها الصحفيان من جريدة الأستراليان سيمون بنسون وجيف تشامبرز اللذان كانا يؤلفان كتاب والتقيا موريسن قبل عامين واخبرهما بالأمر واحتفظا بالسر حتى نشر الكتاب الأسبوع الماضي والذي يحمل أسم " بلاء، سنتان من الجحيم" والذي فجر الزلزال السياسي وهدم امبراطورية موريسن السرية. 

لقد أثار الإعلان الفضيحة علامات استفهام كثيرة، وعلامات تعجب أكثر حول الشفافية والديمقراطية والمسؤولية والأمانة وما إذا كانت الديمقراطية ألأسترالية بخير ومعافاة، أما انها تواجه أزمة كانت أول بوادرها محاولة موريسن إستغلال بعض الثغرات، وهل يمكن أن نعتبر ان الأمر حدث وأصبح من الماضي كما حاول بعض السياسيين من حلفاء موريسن تصوير الأمر ودعوا الحكومة لمتابعة قضايا الناس المعيشية، وما هو دور الحاكم العام ديفيد هيرلي بالذي حصل، وهل يتحمل المسؤولية، ولماذا لم يسأل رئيس الوزراء عن الهدف من زحفه والسطو على صلاحيات زملائه، وهل يمكن الإكتفاء بما قاله انه ينفذ ما تطلبه منه الحكومة وليس من مسؤوليته التأكد من نشر التعيينات السرية!

تنوعت ردات الفعل سياساً وقانونياً ودستورياً حول قانونية ما أقدم عليه موريسن والمؤكد حتى الان أن القضية سوف تتفاعل على أكثر من صعيد مع ان موريسون ربما لم يفعل أي شيء غير قانوني أو غير دستوري.

  الشيء الوحيد المؤكد حتماً أن موريسن أصيب بضرر قاتل بمصداقيته، وقضى على إرثه السياسي وسيرافقه ذلك ألأمر في الحياة وبعد الممات لانها سابقة في تاريخ أستراليا الحديثة ، ولم يعد ينفع معه أسلوب الدفاع او التضليل والخداع الذي كان يمارسه موريسن والتهرب من تحمل المسؤولية الذي  يولد المزيد من الأسئلة حول دوره خلال حياته السياسية او ما رافق الازمة الحالية عندما قال: إنه كان يتصرف "بحسن نية" في ظروف استثنائية او كقوله للصحافيين الذين يشككون بروايته  الأسبوع الماضي:"انتم تقفون على الشاطئ بينما كنت انا أقود السفينة وسط العاصفة". وقد ذهب البعض الى حد القول أن موريسن اصبح شخصاً منبوذاً داخل حزبه.

سياسياً، فقد علق رئيس الوزراء أنطوني البانيزي أكثر من مرة على الموضوع ولكن ابرز ما قاله  إتهام موريسن بتقويض الديمقراطية في أستراليا، وإدارة "حكومة الظل" والانغماس في "نوع من النشاط الذي يمكن أن نسخر منه إذا كان في بلد غير ديمقراطي". وما زال البانيزي ينتظر المشورة القانونية من المحامي العام (المستشار القانوني للحكومة)  ليبني على الشيء مقتضاه.


ودعي البانيزي موريسن الى الإعتذار عن فعلته من الشعب الأسترالي معتبراً ان إعتذاره من زملائه لا يكفي.

زعيم المعارضة الفيدرالية وخلف موريسن في رئاسة حزب الأحرار بيتر داتون قال:" إن سلوك موريسون كان خاطئًا وأنه مستعد لدعم حكومة حزب العمال لضمان عدم تكرارهذا ألأمر أبدًا" والجدير ذكره أن داتون كان قد حاول التقليل من القضية ودعي الحكومة الى عدم استغلالها سياسياً ودعى الحكومة الى متابعة قضايا الناس المعيشية الملحة.

وزيرة الداخلية في حكومة الظل كارن أندروز كانت اول من دعى موريسن الى الإستقالة من البرلمان لإنه مارس صلاحياتها من دون علمها اولاً، وثانياً لإنه اعتذر من زميليه جوش فرايدنبرغ  وماثيوس كورمن عبر الهاتف ولم يتصل بها الا بعدما ذكره بذلك زعيم المعارضة على الهواء مباشرة. 

وكانت دعوة أندروز موريسن للإستقالة قد أخافت زعماء حزب الأحرار خوفاً من خسارة المقعد الآمن (كوك) كما حصل في الإنتخابات الأخيرة في أكثر من مقعد حول أستراليا خصوصاً لصالح المستقلين وهو ما يخشاه الحزب.

لكن ما أراه المسألة مسألة وقت فإذا لم يستقل موريسن وبسرعة سيصبح عبء سياسي على الحزب وسيقضي على أي امل للأحرار في في إعادة توزانهم السياسي ودعك من ربح الانتخابات القادمة

فهل يبادر بيتر داتون لحماية قيادته للحزب ويطلب من موريسن الإستقالة؟

حزب الخضر من جهته دعى الى تحويل موريسن الى لجنة الأمتيازات البرلمانية التي تملك الصلاحيات القوية لفحص ما إذا كان موريسن قد ازدرأ  البرلمان لفشله في الكشف عن صلاحياته السرية لمجلس النواب.

صحيفة الهيرلد جددت الدعوة الى تشكيل لجنة ملكية لمراجعة كيفية معالجة الحكومة لأزمة الكورونا، وطالبت ان يكون من صلاحيات تلك اللجنة ما أطلق عليه ألبانيزي "حكومة الظل" جزءًا من اختصاصاتها وأن يشمل التحقيق أيضاً السؤال لماذا سلكت أستراليا هذا الطريق بينما تمكنت دول أخرى من التأقلم دون كسر الأعراف الأساسية لنظام وستمنستر.

أما في ما يتعلق بدور الحاكم العام ديفيد هيرلي ومسؤوليته فقد جاءت ردود الفعل عليها من جانب بعض القانونيين والسياسيين كالتالي:

أستاذ  القانون الدستوري وعضو جزب العمال لوك بيك من جامعة موناش وصف تبرير هيرلي ب"المراوغ" واقترح بيك تعديل القانون ونشر التغييرات الإدارية مثل تعيين الوزراء الجدد او تغيير الحقائب الوزارية في الجريدة الرسمية.

البروفسر آن تومي، الخبيرة الدستورية في جامعة سيدني تقول ان دور الحاكم العام يتمثل في التصرف بناءً على مشورة الحكومة ، لكن له دور فيما يتعلق بالقضايا الدستورية والتزام العمل بها.

البروفسر جورج ويليامز من جامعة نيو ساوث ويلز، يقول: إن هيرلي "لم يكن لديه خيار سوى التصرف بناءً على نصيحة رئيس الوزراء ولو لم يفعل ذلك لكان ذلك قد أثار أزمة دستورية، لذلك فعل ما هو مطلوب منه ويضيف ويليامز "من المهم أن ندرك أن الحاكم العام ليس لديه سلطة تقديرية وحرية التصرف". لكن ويليامز يشير إلى أن الحاكم العام لديه القدرة على طلب المزيد من المعلومات ، أو تقديم المشورة للحكومة والأمر متروك لرئيس الوزراء لتنفيذ هذه النصيحة.

وتمثلت ردة الفعل السياسية على دور الحاكم العام بتصريحات عديدة لسياسيين وتراوحت بين المؤيد والمعارض والمشكك، فقد انتقد النائب عن حزب العمال جوليان هيل تصرفات هيرلي وقال لصحف القناة التاسعة ان هيرلي"شارك بفعالية في مخطط تضليل مجلس الوزراء" لكن رئيس الوزراء انطوني البانيزي لم يوافق على رأي زميله في الحزب واعتبر أن هيرلي تصرف وفق توصيات الحكومة وبما يمليه عليه الدستور.

عضو مجلس الشيوخ عن حزب الخضر ديفيد شوبريدج قال: "إن هيرلي بحاجة لتوضيح ما إذا كان قرار عدم الكشف عن التعيينات هو قراره أم  قرار موريسون"

رئيس الوزراء ألأسبق مالكوم تيرنبول (احرار) قال: إن الحاكم العام "ليس مجرد ختم " وهناك "دستور يجب العمل به" وأضاف بأن ما هو غير واضح  لديه هو إذا ما كان هيرلي سأل موريسون عن نواياه  وإذا ما كان يعلم ان التعيينات ستبقى سرية.

أخيراً، لفت نظري هذه الرسالة من رسائل القراء في صحيفة الهيرالد  لجو رينبو يقول فيها : أجد أن ألأمر المقلق أن يعتقد موريسون أن  الوزراء جريج هانت وماتياس كورمان وجوش فرايدنبرغ وكارين أندروز وكيث بيت كانوا جميعًا غير معصومين من الخطأ ، لكنه لم يكن كذلك. ألم يقل أن الله وحده معصوم من الخطأ؟

ختاماً، أن ما أقدم عليه رئيس الوزراء السابق سكوت موريسن يعتبر سابقة ويجب سد الثغرات الدستورية او الأعراف التي قد يستخدمها السياسيين مستقبلاً مهما كانت التوصية التي سيقدمها المحامي العام ( المستشار القانوني للحكومة) ويجب عدم إعتبار ما حصل خطأ عابراً أو فعل ماضي.

 وافضل تعليق على ذلك ما كتبه الكاتب ديفيد كرو : ان رئيس الوزراء السابق سكوت موريسن حول نظام وستمنستر إلى مسرحية هزلية بعد ان جرده موريسن من أسسه ودوره الواضح بمساءلة الحكومة أمام البرلمان واصبح الامر مزحة بسبب الأدوار السرية والمسؤوليات غير الواضحة.


سدني


الخميس، 18 أغسطس 2022

الهجوم على الرئيس عباس.. فرصة للتحلل من أوسلو وكافة التزاماته


بقلم :- راسم عبيدات


ما حدث في المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس عباس مع المستشار الألماني شولتز في 16/8/2022،والذي أجاب فيه عن سؤال  لأحد الصحفيين عن عملية ميونخ التي نفذتها مجموعة فلسطينية  "أيلول الأسود" في صيف عام 1972،وقتل فيها 11 رياضياً اسرائيلياً،تتحمل حكومة المانيا ودولة الكيان المسؤولية عنها،هل تعتذر السلطة الفلسطينية عن تلك العملية،وليأت الرد من قبل الرئيس عباس،بأن هناك 50 جريمة جماعية ارتكبت بحق شعبنا الفلسطيني،عدا الجرائم الفردية المتواصلة والتي لا تتوقف،وليس اخرها جريمة اعدام الشاب محمد شحام من كفر عقب من نقطة الصفر وداخل بيته .... ولم ينه الرئيس عباس مؤتمره الصحفي،حتى تكالبت عليه قيادات دولة الكيان،بالإضافة الى الدول الغربية الإستعمارية،بما فيها المستشار الألماني نفسه شولتز،الذي رفض  تصنيف دولة الكيان،التي باتت تختنق بعنصريتها بانها دولة " ابارتهايد" فصل عنصري..بالإضافة الى الولايات المتحدة الأمريكية.


حملة شرسة شنت على الرئيس عباس، من تحريض وتقريع وتشهير وشتم وتحقير، من القول بأن ما قاله  كذب وكلام مقزز وعمل لا أخلاقي والتاريخ لن يغفر له  ،وليصل القول بوزير مالية دولة الكيان ليبرمان للقول،بأنه لولا التنسيق الأمني، لتمت تصفية الرئيس عباس على حد قوله على ايدي التظيمات الفلسطينية، في حين غانتس  وزير جيش الاحتلال الذي كان يدافع عن لقاءاته بالرئيس عباس،والذي تعرض لحملة انتقادات  قاسية من العديد من أعضاء حكومة دولة الكيان،قال بأن التنسيق الأمني نجح في إنقاذ  أرواح العديد من جنود ومستوطني دولة الكيان.


الرئيس عباس الذي أصدر تصريحاً  يوضح موقفه من قضية المحرقة " الهولوكست" بأنه وشعبنا لا ينكرون المحرقة بحق اليهود ويعتبرونها  جريمة بشعة في التاريخ الحديث،ولكن بالمقابل هناك جرائم نفذها وينفذها بحق شعبنا الاحتلال ا ل ص ه ي ون ي ،ولعل تقرير غولدستون بعد الحرب العدوانية التي شنت على قطاع غزة في عام 2008 -2009، أشار بوضوح الى ارتكاب جيش الاحتلال لجرائم حرب في عدوانه على قطاع غزة،وكذلك في معركة "سيف القدس" في أيار /2021، قتلت دولة الكيان 69 طفلاً فلسطينياً،نشرت صورهم في كبرى الصحف العالمية،حتى في صحيفة "هارتس" الإسرائيلية،وكذلك في الحرب العدوانية الأخيرة على قطاع غزة في آب/2022 ،قتلت إسرائيل 16 طفلاً فلسطينياً،ومن ثم واصلت جرائمها بحق شعبنا الفلسطيني، بقتل ثلاثة  من ا ل م ق ا  و م ي ن الفلسطينيين في البلدة القديمة من نابلس وفتى رابع في الخليل،ولتبلغ الأمور ذروتها بعد عملية باب المغاربة، بإعدام الشاب محمد شحام داخل بيته من نقطة الصفر ...واليوم الخميس 18/8/2022،قتلت قوة إسرائيلية الشاب  وسيم خليفة من نابلس، ناهيك عن عشرات الجرائم الفردية والجماعية  من دير ياسين وكفر قاسم والطنطورة والسموع والدوايمة الى جرائم اعدام الصحفيتين شيرين أبو عاقلة وغفران وراسنة والشاب عبد الفتاح الشريف والفتى ذوي الإحتياجات الخاصة اياد الحلاق..الخ.


الرئيس عباس مس ب" البقرة المقدسة" التي لا يجوز التعرض لها لا بالفعل ولا بالقول ولا بالشجب ولا بالإستنكار،فيما ترتكبه من جرائم بحق شعبنا الفلسطيني وما تمارسه من إرهاب دولة. ألم تقل مندوبة أمريكا السابقة المتطرفة نيك هايلي بأن عهد تقريع وإدانة دولة الكيان في الأمم المتحدة قد ولى لغير رجعة،ألم يصف رئيس اركان جيش الكيان الأسبق رفائيل ايتان، شعبنا الفلسطيني ب"الصراصير المدوخة في القنينة"،ألم تقل غولدا  مائير رئيسة وزراء الكيان الأسبق بأن "شعبنا الفلسطيني حيوانات بشرية ،تدب على أربعة" .


أليست هذه الأقوال قمة العنصرية والتطرف  ..نحن ندرك بان قيم الإنسانية ومبادىء العدالة والديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها واحترام قرارات الشرعية الدولية وقوانينها واتفاقياتها وقراراتها،سقطت من بوابة أوكرانيا،سبعة أيام بعد العملية العسكرية الروسية الإضطرارية في  أوكرانيا، هبت أمريكا ومعها دول الغرب الإستعماري للقول، بأن ما تقوم به روسيا انتهاك لسيادة أوكرانيا وتعدي على حقوق الإنسان والديمقراطية وإرتكاب جرائم حرب،وخرق للشرعية الدولية ...في حين أربعة وسبعين عاماً من إحتلال لأرض الشعب الفلسطيني وطرد وتهجير اكثر من نصفه،وممارسة كل اشكال التطهير العرقي والفصل العنصري بحقه، ليست جرائم حرب وانتهاك وتعدي وخرق للشرعية الدولية وقراراتها..؟؟ إنها الإنتقائية والإزدواجية المقيتة في تطبيق قوانين وقرارات الشرعية الدولية،وبما يخدم مصالح القوى الإستعمارية  وأهدافها.


الأقوال التي صدرت عن الرئيس عباس،هي تعبير عن موقف الكل الفلسطيني،  والذي يجب ان تتبناه وتقف الى جانبه فيه كل المكونات والمركبات السياسية والمؤسساتية والشعبية الفلسطينية، وهذا الموقف الذي يبني عليه،وبعد حالة الإنكشاف لكل قادة دولة الكيان،الذين شنوا حملة شرسة على الرئيس عباس،وبما يؤشر الى أن قادة دولة الكيان،ما يريدونه،هو فقط  الإستمرار في إدارة الصراع،وتحسين شروط إحتلالهم لشعبنا، "الاقتصاد مقابل الأمن" وما يعرف ب" تقليص الصراع" دون منحه أية حقوق وطنية وسياسية،تنهي الاحتلال، وتمكنه من إقامة دولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران/1967 وعاصمتها القدس،مع ضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفق الشرعية الدولية،ويتفق مع قادة دولة الكيان أمريكا ودول الغرب الإستعماري وخاصة بريطانيا وفرنسا وألمانيا في هذه الرؤيا وتلك المواقف،رغم التصريحات الممجوجة والمستهلكة عن ما يعرف بحل الدولتين، الذي لم يترك لها الإستيطان المتواصل والمتزايد أي فرصة للتطبيق على الأرض.


ومن هنا فإن  ما جري في برلين والهجمة  التحريضية الشرسة التي تعرض لها الرئيس أبو مازن على خلفية عدم اعتذاره عن عملية ميونخ،والحديث عن جرائم دولة الكيان بحق شعبنا،يجب ان تكون نقطة تحول نحو نقل قرارات المجلس المركزي  والقرارات السابقة للمجلس الوطني واللجنة التنفيذية  من على ظهر الطاولة الى التطبيق العملي لها، بإعلان الخروج من مجرى أوسلو والتحلل من كافة التزاماته الأمنية والسياسية والإقتصادية ( وقف التنسيق الأمني وسحب الإعتراف المتبادل ووقف العمل بإتفاقية باريس الاقتصادية)،والشروع في إجراء انتخابات شاملة تشريعية ورئاسية وللمجلس الوطني،وبما يوحد الأداة النضالية الكفاحية والشراكة الحقيقة في القيادة والقرار وعبر استراتيجية ورؤيا موحدتين تستندان الى برنامج سياسي متوافق عليه ومشروع وطني يجري تحديد ملامحه وعناوينه بشكل واضح ودقيق يقوم على الصمود و ا ل م ق ا و م ة.

الثلاثاء، 16 أغسطس 2022

قضايا الفساد تستأثر بالاهتمام الأول في ماليزيا


بقلم: د. عبدالله المدني*

لا زالت قضية الفساد المتهم فيها الزعيم الماليزي الأسبق نجيب رزاق تستأثر بالإهتمام الأول في ماليزيا بسبب توالي المفاجآت والدعاوي فيها. حيث استأنف محامو رزاق الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا الماليزية في يوليو 2020 والذي أدانت فيه الرجل بتهمة إساءة استغلال السلطة في قضية صندوق الاستثمار الحكومي MDB 1 وحكمت عليه بالسجن 12 عاما وغرامة 49.4 مليون دولار أمريكي، علاوة على حكم بسجنه 10 سنوات عن كل تهمة من ست تهم أخرى بخيانة الأمانة وغسيل الأموال. أحد أسباب الترقب والاهتمام بهذه القضية هو قرب نطق محكمة الاستئناف بالحكم النهائي الذي سيعني إما تبرئة المتهم ليعود إلى الحياة السياسية مجددا، وإما اقتياده إلى السجن ليعيش فيه ما تبقى من عمره.

ولعل مصدر الإثارة في القضية هو إدعاء الفريق القانوني المدافع عن رزاق بأن القاضي الذي أصدر الحكم ضد الأخير "محمد نزلان محمد غزالي" هو نفسه فاسد، وكان مستشارا عاما لشركة كانت تلعب دورا استشاريا في صندوق MDB.

وهذا الزعم أدى بدوره إلى إلى قيام نحو 300 محام بمسيرة منتصف الشهر الماضي احتجاجا على تحقيق أجرته لجنة مكافحة الفساد الماليزية مع القاضي نزلان، واصفين التحقيق بالانتهاك الدستوري لإستقلالية القضاء، وبأنه يتعارض مع الآليات القانونية المعمول بها وقت ورود شكاوي ضد نزاهة القضاة، ويعد شكلا من أشكال ترهيب القضاة الذين يترأسون قضايا رفيعة المستوى بغية إصدار أحكام مواتية لسياسيين بارزين، ومطالبين بأن يكون التحقيق معه من خلال لجنة الأخلاقيات القضائية التي أنشئت في عام 2009. وفي السياق نفسه يجدر بنا الإشارة إلى أن نقابة المحامين الماليزية قدمت في العام 2018 طعنا ضد رئيس المحكمة العليا آنذاك القاضي "محمد سفيان عبدالرزاق الذي كان قد بدأ للتو محاكمة رزاق، وذلك بحجة وجود "شبهة مصلحة" لأن شقيق الأخير "محمد صوفي عبدالرزاق" كان يترأس فرعا لحزب أومنو الذي كان رزاق رئيسا له وقتذاك. وعليه تم قبول الطعن واستبدل عبدالرزاق بخريج حقوق أكسفورد القاضي محمد نزلان الذي تم نقله من محكمة القضايا التجارية ألى المحكمة العليا الجنائية.

صحيح أن الماليزيين لطالما سمعوا بقضايا فساد عديدة طالت أسماء سياسية بارزة في مختلف العهود، بما فيها عهد رئيس الوزراء الأشهر مهاتير محمد الذي اضطر ذات مرة أن يرد على اتهامات وجهت له بالفساد بالقول: "من الطبيعي أن يـُتهم من يعمل بالفساد لأن الذين لا تطالهم اتهامات الفساد هم أولئك الذين لا يعملون"، لكن الصحيح أيضا أن هذه هي المرة الأولى في تاريخ البلاد المعاصر التي يـٌتهم فيها زعيم سياسي نافذ وابن رئيس وزراء سابق مثل نجيب تون رزاق في قضية فساد محددة المعالم وبصورة علنية، ما جعله يفقد زعامته للبلاد والحزب الحاكم بصورة مذلة، وهو أيضا ما جعل قضيته تأخذ هذا الزخم من التفاعل والجدال القانوني، ناهيك عن أن هيئة مكافحة الفساد برئاسة القاضي "عزام باقي" أصبحت هي نفسها متورطة في جدل ما بين مؤيد ومعارض لطريقة عملها.

وفي تطور لافت يعكس مدى الأزمة السياسية في ماليزيا ومدى التنافس الدائر في أروقة حزبها الحاكم "المنظمة القومية المتحدة للملايو" (أومنو) الذي قاد البلاد إلى الإستقلال وحكمها طيلة الفترة من عام 1957 (فيما عدا سنوات قليلة)، أدلى الرجل الثاني في قيادة الحزب "محمد حسن" مؤخرا بتصريحات قال فيها صراحة أن على رزاق أن يدفع ثمن أخطائه، وألا ينتظر دفاعنا عنه او يستنجد بنا كزعيم سابق للحزب ورمز من رموزه القدامى، مضيفا أنه عدا ارتكابه لمخالفات جسيمة تسببت في فقدان الحزب للسلطة عام 2018 من بعد 61 عاما من الحكم المتواصل، ودفع البلاد إلى أخطر انشقاقات واستقطابات سياسية في تاريخها وصولا إلى تشكيل حكومتين متتاليتين من خلال مناورات برلمانية ودون انتخابات برلمانية، ما أثار تساؤلات المستثمرين حول الديمقراطية والاستقرار في البلاد، ودفعهم إلى الحذر من استثمار أموالهم في ماليزيا، وهو ما "جعل بلادنا المباركة متراجعة بالمقارنة مع الدول المجاورة".

ومن الواضح هنا أن محمد حسن، المحسوب على المعسكر الذي يقوده "أحمد زاهد حميدي" ضد معكسر رئيس الوزراء الحالي "إسماعيل صبري يعقوب" ضمن حزب أومنو، لا يحبذ براءة رزاق لأن من شأن ذلك أن يعود إلى العمل السياسي، غالبا من خلال قواعده وأنصاره داخل أومنو، فيشكل تهديدا لطموحاته وطموحات رفيقه حميدي في قيادة ماليزيا.

والجدير بالذكر أنه لهذا السبب ظل الرجل يدعو باستمرار إلى ضرورة إجراء انتخابات عامة مبكرة على أمل حصول معسكره على التخويل الشعبي المؤدي إلى قيادة البلاد، غير أن رئيس الوزراء الحالي (اسماعيل صبري يعقوب) وسلفه (محيي الدين ياسين) عارضا الفكرة بحجة أن الوقت غير مناسب لإجراء انتخابات بسبب أوضاع البلاد الاقتصادية وضرورة التركيز على التعافي الاقتصادي وإدارة تبعات جائحة كورونا.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين

تاريخ المادة: أغسطس 2022م


الثلاثاء، 9 أغسطس 2022

توجه الفلبين نحو الصين، هل سيؤثر على علاقتها باليابان؟


 بقلم: د. عبدالله المدني*

في مقال سابق، قلنا أن الرئيس الفلبيني المنتخب حديثا "بونغ بونغ ماركوس" يعتزم حل مشاكل بلاده الإقتصادية الخانقة بالإقتراب أكثر من الصين والاعتماد على مساعداتها واستثماراتها الخارجية، وذلك على حساب علاقات بلاده التقليدية الطويلة مع الولايات المتحدة، وحليفات الأخيرة في الشرق الآسيوي.

وأول الأسئلة التي يتبادر إلى الذهن هو كيف سيوفق ماركوس بين هذا التوجه وبين علاقات بلاده مع اليابان التي تنظر إلى الصين وسياساتها التوسعية في المحيطين الهندي والهاديء بعين الشك والريبة، بل وتعمل، بالتحالف مع دول أخرى، على كبح جماح الصعود والنفوذ الصيني. وبعبارة أخرى كيف ستتصرف مانيلا إزاء أي رد فعل ياباني غاضب، خصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار أن اليابان هي من أكثر الدول التي ساندت الفلبين إقتصاديا وتنمويا على مر العقود والعهود، ناهيك عن أن البلدين مرتبطان باتفاقيات أمنية ودفاعية ضمن تحالفهما مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما تجلى مؤخرا في انعقاد أول إجتماع من نوعه في طوكيو بين وزيري الخارجية والدفاع في البلدين. هذا الإجتماع غير المسبوق الذي أختتم بصدور بيان مشترك يتناقض مع توجهات مانيلا الجديدة، حيث اشتمل البيان على إعراب البلدين عن خشيتهما من تفاقم الأوضاع في بحري الصين الشرقي والجنوبي، ورفضهما لأية خطوات أحادية الجانب من قبل الصين، تؤثر سلبا على الأمن والإستقرار في المنطقة.

دعونا نقوم بجردة لما قدمته طوكيو لمانيلا منذ عام 1956 حينما طبع البلدان علاقاتهما الثنائية وأبرما اتفاقية حصلت مانيلا بموجبها على تعويضات الحرب، ما مهد الطريق للمستثمرين اليابانيين بالعودة مع نهايات الخمسينات، ونقارنه بالمساعدات الصينية التي قال عنها "بنجامين ديوكنو" (أقرب مساعدي ماركوس الإقتصاديين ومرشحه الأبرز لتولي حقيبة المالية): "بكين كثيرا ما وعدت بضخ الإستثمارات الضخمة في الفلبين، لكنها لم تف بوعودها إلا قليلا"، مضيفا ما مفاده أن الصينيين لم يلتزموا حتى بتفيذ نظام حديث للسكك الحديدية في جزيرة مندناو الجنوبية، كانوا قد وعدوا به تحت إلحاح الحكومة الفلبينية.


بعد زيارة الرئيس الفلبيني الأسبق فرديناند ماركوس (والد الرئيس المنتخب) لليابان عام 1966، وزيارة الزعيم الياباني الأسبق "كاكوي تاناكا" للفلبين في عام 1972 توطدت علاقات البلدين كثيرا إلى درجة أن اليابان قامت بتمويل مشاريع عديدة آنذاك في الفلبين شملت بناء جسر سان خوانيكو، ومعهد\ أبحاث الطب الإستوائي، وغيرها، علاوة على  حصول الفلبين على قروض معتبرة من صندوق اليابان للتعاون الاقتصادي الخارجي.

بعد سقوط نظام ماركوس الأب عام 1986، كانت اليابان من أوائل الدول التي أعربت عن دعمها للحكومة الفلبينية الجديدة بقيلدة السيدة كورازون أكينو. وظلت طوكيو مصدرًا رئيسيًا للمساعدات المقدمة لصناديق التنمية، والتجارة، والاستثمار والسياحة الفلبينية طوال عقد الثمانينيات. وحينما انسحب معظم القوات الأمريكية من قواعدها في الفلبين، بعد تصويت برلماني بعدم التمديد لها، قامت اليابان بسد الفجوة الدفاعية التي تركها الأمريكيون.

وفي التسعينات برزت اليابان كأكبر جهة مانحة للفلبين، تلتها الولايات المتحدة وألمانيا، فساهمت المساعدات والهبات اليابانية في التخفيف من معاناة الفلبيين المتضررين من زلزال لوزون عام 1990، وثوران جبل بيناتوبو البركاني عام 1991. علاوة على ذلك، وكنوع من الدعم لجهود حل التمرد الإسلامي في جنوب الفلبيني، زودت طوكيو مانيلا في عام 2013  بعشر سفن بقيمة 11 مليون دولار لصالح خفر السواحل الفلبيني، خصوصا بعد شكوى مانيلا من خروقات صينية لمياهها الاقليمية. وفي عام 2015 قدمت الوكالة اليابانية للتعاون الدولي قرضا بقيمة ملياري دولار (أكبر قرض على الإطلاق تقدمه اليابان لمشروع واحد في دولة أخرى) لبناء أكبر نظام للسكك الحديدية في الفلبين. وفي عام 2016 وقع البلدان اتفاقية حصلت الفلبين بموجبها على معدات دفاعية وتكنولوجية منها مدمرتان بحريتان. وتلت تلك الإتفاقية إتفاقية أخرى لتزويد الفلبين برادارات متطورة من انتاج شركة ميتسوبيشي اليابانية المعروفة. وفي الوقت نفسه صارت اليابان وجهة رئيسية للصادرات الفلبينية من السلع الزراعية والكمالية.

والحقيقة التي تسندها الأرقام هي أن اليابان تغلبت على الصين من حيث التعهدات الجديدة باستثمارات كبيرة في البنية التحتية ، بما في ذلك مشروع مترو الأنفاق في مانيلا ومشروع السكك الحديدية بين الشمال والجنوب والذين تبلغ تكلفتهما عدة مليارات من الدولارات. وجملة القول أن تعهدات الاستثمار اليابانية الجديدة في الفلبين (29 مليار دولار) أكبر بأربعة أضعاف من التعهدات الصينية (8 مليارات دولار)، ما يعني أن الرئيس الجديد سيخاطر بمصالح بلاده لو قرر وضع كل بيضه في السلة الصينية.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين

تاريخ المادة: يوليو 2022م


الثلاثاء، 2 أغسطس 2022

رميش بمنطقة القرار 1559 و1701 والمطلوب من النواب السياديين برفع مذكرة الى مجلس الامن لطرد حزب الله من هذه المناطق

 


واشنطن في 1 آب 2022

بعد البدء بانقضاض حزب الله على ما تبقى من المعارضين لهيمنته على لبنان بكامله حسب الخطة الإيرانية، وبعد أن كان ضغط على عامة الناس لتهجيرهم بالتجويع والتمادي بفرط الدولة ومؤسساتها، ها هو يتحول إلى التركيز على المسيحيين بشكل مباشر كونه يعتبرهم راس الحربة في الدفاع عن لبنان، ومن هنا استهدافه للكنيسة المارونية وهيبتها بعملية توقيف صاحب السيادة المطران موسى الحاج مطران حيفا والأراضي المقدسة والنائب البطريركي العام في القدس، واليوم يهاجم قرى مسيحية تجاوزت المحن والصعوبات الاقتصادية وغياب خدمات الدولة وتمسكت بالأرض تستغلها وبالتعاون والابداع لتجاوز أمور اساسية مثل الكهرباء. فبعد أن نشرت المواقع الجنوبية، والتي تؤثر على ما يسمى "البيئة الحاضنة" للحزب، تقريرا عن كيفية تاقلم أبناء رميش مع غياب كهرباء الدولة واختراع طرق للاستغناء عن خدماتها، ما أثار نوعا من التضامن اللبناني في سبيل تخفيف المعاناة عن الناس، ها هو الحزب يهاجم هذه البلدة الحدودية، لا بل يهدد أهلها بالتهجير بواسطة ازلامه المتسترين خلف جمعية "أخضر بلا حدود" والتي تشكل غطاء لعملياته في مناطق تطبيق القرار الدولي 1701. وقد كان أهالي رميش تأثروا بالتأكيد من توقيف صاحب السيادة ومصادرة كل ما كان يحمل من مساعدات اجتماعية وعائلية وطبية ارسلتها الجالية اللبنانية في اسرائيل لمساعدة الأهل في لبنان في هذه الظروف الحرجة. من هنا يهم المجلس العالمي لثورة الأرز والذي لم ينفك يتابع التطورات في الوطن العزيز أن يوضح الأمور التالية:

- إن القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن لا يمكن أن تجزأ خاصة في منطقة عمل قوات الأمم المتحدة ومن هنا يطلب إلى هذه القوات احترام تنفيذ هذه القرارات كما هي، أقله حيث تتواجد، وإلا فلا فائدة من وجودها.

- إن القرار الدولي 1701 يستند إلى ما سبقه من القرارات وأهمها، فيما يتعلق بحياة اللبنانيين، هو القرار 1559 والذي يدعو إلى تجريد كافة المنظمات والمخيمات والبؤر المسلحة على الأراضي اللبنانية وعلى رأسها حزب الله، من سلاحها بدون قيد أو شرط. ولذا فإذا لم تكن مهمة القوات الدولية تشمل كل لبنان اليوم، فهي أقله تشمل المناطق الواقعة في مجال عملياتها، اي كافة المناطق جنوب الليطاني.

- إن فرق الجيش اللبناني المشاركة مع القوات الدولية هي جزء من هذه القوات ويجب أن تأتمر بأوامر قيادة هذه القوات في منطقة عملها، ومن هنا فإن واجبها ليس محاورة المسلحين واقناعهم بعدم الظهور بمظاهر مسلحة، ولكن توقيفهم وتجريدهم من سلاحهم بشكل فوري، وإذا ما تطلب الأمر مساندة من بقية القوات فإنها جاهزة لمثل هذه المهمة.

- إن التعدي على سكان بلدة رميش الحدودية وتهديدهم من قبل عناصر مسلحة بالتهجير والقتل أمام عيون الجيش اللبناني الذي استدعي إلى مكان الحادث هو موضوع غير مقبول ويجب على قيادة القوات التحقيق فيه وتوقيف المسلحين وتجريدهم من أسلحتهم ومنعهم من التواجد تحت اي مسمى في القرية وجوارها.

- كان أجدى بالمدعي العام العسكري الذي أمر بتوقيف سيادة المطران أن يلفت نظره انفلاش السلاح الغير شرعي هنا أو في مظاهرة عين الرمانة قبلها والعمل على توقيف من يحمله ومصادرته فورا، بدل التلطي خلف مقولة العدو والعملاء وترك المجرمين والخارجين عن القانون يسرحون ويمرحون بأسلحتهم وتهديد المواطنين في بيوتهم بالتهجير والقتل.

- إن المجلس العالمي لثورة الأرز سيرفع مذكرة تفصيلية للأمم المتحدة بهذا الشأن ويطلب منها تنفيذ القرارات الدولية فورا، اقله في مناطق عملها كمرحلة أولى، ومن ثم المساعدة على تنفيذها في المناطق التي تطالب بذلك على كامل الأراضي اللبنانية، إذا لم يكن هناك حكومة قادرة على المطالبة بالتنفيذ الكامل مرة واحدة.

- إن المجلس العالمي لثورة الأرز يطلب من النواب اللبنانيين السياديين المنتخبين والذين يفترض بهم تمثيل الشعب رفع مذكرة بشكل مباشر إلى الأمم المتحدة من أجل الاسراع بتنفيذ القرارات الدولية حيث يمكن وعلى مراحل إذا تعذر التنفيذ الفوري في كل لبنان.

إن اللبنانيين الذين ضاقوا ذرعا بأعمال حزب السلاح وأسياده لا يجب أن يستكينوا قبل تسليم كافة الأسلحة الموجودة على الأراضي اللبنانية وحل الأحزاب والتنظيمات المسلحة، لبنانية كانت أوغير لبنانية، وكلها لا يهمها أمر اللبنانيين وقد ساهمت باستمرار التقهقر وغياب سلطة القانون حتى بدونا وكأننا نعيش في ظل قانون الغاب ونحن من كان سطّر القوانين منذ مدرسة بيروت الشهيرة والتي أعطت القوانين للبشرية.