بقلم: د. عبدالله المدني*
هل تذكرون ميغاواتي سوكارنوبوتري إبنة الرئيس الأندونيسي الأسبق أحمد سوكارنو؟
هذه السيدة التي تبلغ من العمر اليوم 75 عاما، نشأت في كنف أبيها الذي قاد أندونيسيا من عام 1945 إلى 1967 وعاشت طفولتها في القصر الرئاسي وظلت تحلم طويلا بقيادة بلدها وإعادة الاعتبار إلى والدها الذي محا الجنرال سوهارتو تاريخه كعادة الزعماء الديكتاتوريين في التعامل مع ذكرى أسلافهم. وتحقق حلمها بعد سقوط نظام سوهارتو سنة 1998، وهو حدث شاركت فيه ميغاواتي على رأس حزبها السياسي المعروف آنذاك باسم "الحزب الديمقراطي الأندونيسي". وفي مرحلة الديمقراطية التي أعقبت حقبة سوهارتو، فازت عام 1999 بمنصب نائب رئيس الجمهورية على بطاقة الرئيس الأسبق عبدالرحمن وحيد، وخلفته في الرئاسة بعد عزله بتهمة الفساد، لتقود أندونيسيا في الفترة من 2001 إلى 2004 وتدخل التاريخ كأول سيدة تترأس البلاد. غير أن عهدها شهد الكثير من الأزمات الاقتصادية والمعيشية والمماحكات السياسية بسبب التركة الثقيلة لأسلافها من جهة، وقلة خبرتها في شؤون الحكم وإدارة العلاقات الخارجية من جهة أخرى، فلم تنجز لشعبها شيئا يُعتد به.
وبالرغم من فشلها وخروجها من قصر مرديكا الرئاسي سريعا لصالح الجنرال
"سوسيلو بامبانغ يودويونو"، فإنها حافظت على شعبيتها وبقيت على رأس "الحزب الديمقراطي الأندونيسي من أجل النضال" (PDI – P) مستفيدة من إرث والدها واحترام قطاع عريض من الأندونيسيين (لاسيما في جاوه، أكبر أقاليم البلاد وأكثرها سكانا) لذكراه كمؤسس ومحرر للبلاد.
ولعل أكبر دليل على قوة حزبها، هو خوضه كل الانتخابات النيابية ونجاحه في حصد العدد الكافي من المقاعد لتقديم مرشح رئاسي دون الدخول في تحالفات (حسب الدستور الحالي لا يحق لأي حزب المشاركة في السباق الرئاسي ما لم يملك 20% من مقاعد مجلس النواب البالغ عددها 575 مقعدا)، على نحو ما حدث مثلا في انتخابات 2014 الرئاسية التي رشح فيها الحزب، الرئيس الحالي "جوكو ويدودو"، ففاز بنسبة 53.15% من الأصوات.
شعرت ميغاواتي لاحقا أن العمر يمضي بها وأن المتغيرات الكثيرة على الساحة الأندونسية، ولاسيما ظهور الأجيال الجديدة ذات الطموحات المغايرة لطموحات جيلها، سوف يعيق عودتها إلى السلطة. وفي الوقت نفسه طغت عليها فكرة تمكين السلالة السوكارنية من البقاء في المشهد السياسي والتأثير فيه على الطريقة التي مارستها سلالة نهرو/غاندي في الهند مثلا. لم يكن هناك حل سوى الدفع بأبنائها إلى الواجهة حزبيا وسياسيا وحكوميا. وهكذا ظهرت إبنتها "بوان مهاراني"، العضو في حزب والدتها، على الساحة السياسية، فتسلمت في الفترة ما بين عامي 2014 و 2019 حقيبة حقوق الإنسان والثقافة، ثم تولت منذ عام 2019 وحتى اليوم منصب رئيسة مجلس النواب.
تحاول مهاراني اليوم، مدفوعة من والدتها وحزبها، أن تصعد إلى رئاسة الجمهورية، خصوصا وأن فترة الرئيس الحالي ويدودو ستنتهي سنة 2024 دون أن يتمكن الأخير من الترشح مجددا بحكم نصوص الدستور لأنه تولى الرئاسة لفترتين متتابعتين. غير أن الطريق أمامها لا يبدو مفروشا بالورود بسبب كثرة الطامحين بالمنصب واحتمالات لجوء منافسيها إلى عقد صفقات ومساومات قذرة، ولاسيما من قبل المرشح الرئاسي الدائم "برابوو سوبيانتو" وهو جنرال متقاعد يشغل حاليا حقيبة الدفاع، وله تاريخ قمعي أسود خلال فترة والد زوجته الجنرال سوهارتو. على أن سوبيانتو ليس المنافس المزعج الوحيد، فهناك أيضا حاكم جاوه الوسطى "جانجار برانوفو" الذي انتزع ــ بحسب استطلاع الرأي ــ زمام المبادرة مؤخرا من سوبيانتو، ما أدى إلى احباط مؤيدي ماهاراني وميغاواتي. إلى ذلك تخشى مهاراني وميغاواتي وأنصارهما من تحالف ناشيء قطبيه هما: "أجوس هاريمورتي" الإبن الأكبر للرئيس السابق "سوسيلو يودويونو" الذي خرج من الجيش ليمتهن السياسة على رأس "الحزب الديمقراطي"، و"أنيس باسويدان" محافظ جاكرتا ووزير التعليم سابقا والمرشح الرئاسي الفاشل في انتخابات 2009، علما بأن هذا التحالف يحظى بدعم جماعة "الإخوان المسلمين" في أندونيسيا المنضوين تحت جناح "حزب العدالة والرفاهية" الداعي لتطبيق الشريعة والمتغلغل في الأوساط الفقيرة.
من جهة أخرى يبدو أن هناك صراعا خفيا في كواليس حزب (PDI – P) حول من سيتولى قيادته خلفا لميغاواتي التي قيل أنها معتلة صحيا وتفكر في الاعتزال. ولعل ما يزيدها مرضا ويضاعف قلقها على مصير حزبها ونفوذها هو ان الصراع يدور بين ابنتها مهاراني والأخ غير الشقيق للأخيرة "براناندا برابوو"، وكلاهما يشغلان منصب نائب رئيس الحزب، ويحاولان الإمساك برئاسته انطلاقا من فكرة ورثاها من والدتهما وهو أن قيادة (PDI – P) على المدى الطويل بنفس أهمية قيادة أندونيسيا.
فهل ستضطر مهاراني، وسط المنافسة الحامية على كرسي زعامة أندونيسيا، أن تسلك الطريق الذي سلكته والدتها؟ وهو أن تترشح على بطاقة مرشح رئاسي مضمون النجاح كنائبة للرئيس، أملا في الفوز لاحقا بالمنصب الأعلى في البلاد.
د. عبدالله المدني
* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي
تاريخ المادة: نوفمبر 2022م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق